سجلت الانتخابات التشريعية في تونس إقبالا هزيلا على التصويت، يمثل فشلا ذريعا لخطة قيس سعيّد السياسية والمؤسساتية، لا سيما وأن هذا الاستحقاق يعتبر الخطوة الأخيرة من أجل إرساء ما يسميه بالجمهورية الجديدة، وقد بدأ سعيّد بإرساء مشروعه تموز 2021، أمام معارضة منقسمة ولا تحظى بثقة كاملة من التونسيين...
سجلت الانتخابات التشريعية في تونس إقبالا هزيلا على التصويت، يمثل فشلا ذريعا لخطة قيس سعيّد السياسية والمؤسساتية، لا سيما وأن هذا الاستحقاق يعتبر الخطوة الأخيرة من أجل إرساء ما يسميه بالـ"جمهورية الجديدة". وقد بدأ سعيّد بإرساء مشروعه منذ يوليو/ تموز 2021، أمام معارضة منقسمة ولا تحظى بثقة كاملة من التونسيين، وفقا للعديد من الخبراء والمراقبين للشأن السياسي التونسي. بحسب فرانس برس.
أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات الاثنين، أن نسبة المشاركة النهائية في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية كانت في حدود 11,22%، وهو أضعف رقم يسجل منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، وبلغ عدد الناخبين الذين صوّتوا مليونا و25 ألف ناخب من مجموع تسعة ملايين و136 ألف ناخب مسجلين.
كيف يمكن تفسير هذه النتائج؟
عقب الإعلان عن هذه النسب، قلل سعيّد من أهمية نسبة المشاركة، مؤكدا أنه لا يزال هناك دورة ثانية، وتضمن بيان نشرته الرئاسة الاثنين، أن "نسبة المشاركة لا تقاس فقط بالدور الأول بل بالدورتين، ومثل هذا الموقف القائم على التشكيك من جهات.. شبيه بالإعلان عن نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول"، وكانت الحملة الانتخابية التي تواصلت على امتداد ثلاثة أسابيع باهتة، ولم يكن هناك سجال انتخابي في البلاد، بعكس ما كانت عليه الأجواء خلال الانتخابات السابقة سواء في 2011 أو 2014 أو 2019، والمرشحون الـ1055 "غير معروفين وقليلو الخبرة السياسية"، وفقا للخبير السياسي حمزة المؤدب، فضلا عن كون النساء يمثلن فقط نحو 12 % من عدد المرشحين.
تجدر الإشارة إلى أن القانون الانتخابي الجديد الذي أقره سعيّد قبل شهرين من الانتخابات، نص على ضرورة ألا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي، ونتج من ذلك غياب كامل لمشاركة الأحزاب، وطالب التكتل السياسي المعارض "جبهة الخلاص الوطني" الذي يشارك فيه حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية، والذي كان أكثر الأحزاب تمثيلا في البرلمانات منذ العام 2011، الرئيس التونسي بالتنحي فورا.
والبرلمان الجديد مجرد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها النواب في السابق، استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في تموز/يوليو الفائت، ولم يشارك فيه نحو سبعين في المئة من الناخبين.
كيف سيكون رد فعل الرئيس؟
يعتبر أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعات التونسية عبد اللطيف الحناشي، أن سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 25 تموز/يوليو 2021، "قام بحملة واسعة بمفرده للانتخابات عبر تعدد الزيارات في المدة الأخيرة من منطلق أن لديه شعبية، غير أن النتائج خذلته ولم تظهر ذلك"، ويتابع "خيبة أمل كبيرة جدا، كان يعول على إرادة الشعب لكنها غابت".
واعتمد مشروع سعيد لإعادة تشكيل النظام السياسي على الشرعية الشعبية التي لاحت من فوز ساحق في انتخابات 2019 ضد نبيل القروي، واحتفالات عفوية في الشوارع عندما أغلق البرلمان.
وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت الانتخابات، بدا ظهور سعيّد متعددا تمثل أساسا في زيارة بعض الأحياء الشعبية ولقاء المواطنين، وكأنه في حملة انتخابية "بالوكالة" عن المرشحين للانتخابات البرلمانية.
بالتزامن مع ذلك، تواجه تونس أزمة اقتصادية حادة، بارتفاع مستوى التضخم في حدود 10%، كما زادت تداعيات الحرب في أوكرانيا من غلاء أسعار المواد الأساسية كالقمح والمحروقات، ويقول الباحث السياسي حمادي الرديسي "لقد أظهر أن لديه تأييدا شعبيا، ولكن اتضح أنه ليس هناك لا شرعية دستورية أو انتخابية".
ما مصير الدعوات للرحيل؟
من جهتها، دعت قوى معارضة على غرار "جبهة الخلاص الوطني" والحزب الدستوري الحر سعيّد للاستقالة وإلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الرديسي يؤكد أنه "لا توجد آلية لإجباره على الرحيل". كما يرى الباحث يوسف الشريف أنه من الصعب "استقالة الرئيس أو حتى الاعتراف بفشل هذه الانتخابات"، ويضيف الشريف أنه حتى إثر الاستشارة الوطنية التي اقرّها الرئيس مطلع العام وشارك فيها نحو 600 ألف تونسي، "رفض (الرئيس) الاعتراف بالفشل"، وأقرت الهيئة العليا للانتخابات بأن النتائج "متواضعة"، في انتظار الدورة الثانية مطلع آذار/مارس المقبل.
ماذا بإمكان المعارضة أن تفعل؟
وتبقى المعارضة السياسية التي يتقدمها حزب النهضة منقسمة، لأن خلفياتها الإيديولوجية متضادة، وسعت منذ أن احتكر الرئيس السلطات إلى تعبئة الشارع، ودأبت على تنظيم التظاهرات داعية سعيّد "المنقلب" إلى الرحيل.
لكن "البديل الذي تقدمه لا يقنع التونسيين"، وفقا للحناشي الذي يقدر أن "العزوف الواسع ليس بالضرورة ضد قيس سعيّد، بل لأن التونسيين يشعرون باحباط كبير وقرف من المشاركة السياسية ومن الطبقة السياسية"، ورغم أنها مدعومة بما تقول إنه رفض لسعيّد في الانتخابات التشريعية، تواجه المعارضة السياسية في تونس معضلات تبدو مزمنة.
فالعديد من قادتها لا يتمتعون بشعبية بسبب الشلل السياسي والركود الاقتصادي واتهامات شعبية لهم بخدمة مصالح ذاتية فقط عندما كانوا في الحكومة. وهي منقسمة بين أحزاب تزدري بعضها البعض بقدر رفضها لسعيّد، ولم تُظهر قدرة عالية على تعبئة الاحتجاجات الجماهيرية في الشوارع التي تقول إنها تؤيدها، والطرف الوحيد الذي يملك القدرة على إحداث تغيير في البلاد هو "الاتحاد العام التونسي للشغل" المركزية النقابية، بالنظر إلى كونه الطرف الاجتماعي الأكثر تنظيما وكان له دور كبير في ثورة 2011.
ما موقف القوى الخارجية؟
وعد سعيّد الأطراف الخارجية "بخارطة طريق وتم تنفيذها"، وفقا للحناشي، وجاء بيان الخارجية الأمريكية ليدعم ذلك، حيث اعتبر المتحدث باسم الوزارة نيد برايس أن الانتخابات البرلمانية في تونس "خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديموقراطي في البلاد"، مؤكدا في الآن نفسه أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من "المشاركة السياسية" على نطاق أوسع.
أما الخارجية الفرنسية فقد أشارت في بيان الاثنين إلى "انخفاض مستوى المشاركة"، ودعت إلى استئناف المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، ويُعد دعم الشركاء الأجانب حاسما بالنسبة لتونس المثقلة بالديون، والتي طلبت من صندوق النقد الدولي قرضا رابعا لعشر سنوات يبلغ نحو ملياري دولار، وهو ما سيمكن من فتح الباب أمام مساعدات أخرى سواء من أوروبا أو دول الخليج العربي.
اضف تعليق