بعد أكثر من عامين من تعطُّل الدراسة في أثناء الجائحة، بدا أوضح من ذي قبل أن المدارس ليست مجرد أماكن للتعلم، بل مساحات ضرورية وآمنة تتيح للطلاب عقد الصداقات، والحصول على وجبات مغذية، والحديث مع مَن يثقون بهم من البالغين، كذلك تؤدي المدارس أدوارًا أخرى؛ إذ يمكن أن توفر الرعاية الصحية للطلاب...
بعد أكثر من عامين من تعطُّل الدراسة في أثناء الجائحة، بدا أوضح من ذي قبل أن المدارس ليست مجرد أماكن للتعلم، بل مساحات ضرورية وآمنة تتيح للطلاب عقد الصداقات، والحصول على وجبات مغذية، والحديث مع مَن يثقون بهم من البالغين، كذلك تؤدي المدارس أدوارًا أخرى؛ إذ يمكن أن توفر الرعاية الصحية للطلاب.
هناك ما يقرب من ثلاثة آلاف مركز صحي مدرسي تقع في أكثر من ثلاثين ولاية في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، تُقدّم الرعاية الصحية الأولية والوقائية للطلاب الذين يعيشون في المناطق التي تعاني من تدهور الخدمات الصحية، تقدّم طواقم العاملين في هذه المراكز علاجات للإنفلونزا والربو والسكري وغيرها من الأمراض الشائعة، كما تُعطي اللقاحات وتُجري الفحوص على الأسنان والإبصار والسمع، كذلك، توفّر بعض الطواقم خدمات الصحة النفسية والإنجابية، وعادةً ما تكون هذه العيادات نتاجًا للشراكة بين المديريات التعليمية ومنظمات الصحة والمستشفيات المحلية، وتتيح الخدمات الصحية للأطفال الأكثر احتياجًا والأكثر تعرضًا للتأخُّر الدراسي نتيجة إهمال احتياجاتهم الصحية.
وقد تسببت الجائحة في إلقاء المزيد من الأعباء على كواهل المراكز الصحية المدرسية القائمة بالفعل، والآن، بينما نحاول تدارُك الخلل التعليمي الناتج عن تعطل الدراسة لمدة عامين كاملين، على الحكومة بجميع مستوياتها إدراك أن الأطفال كلهم يحتاجون إلى رعاية صحية سهلة وميسورة التكلفة، فبينما يضع المشرِّعون الميزانيات ويعيدون تخصيص التمويل استعدادًا للعام الدراسي الجديد، يجب أن تواصل العيادات الطبية المدرسية عملها دون مخاوف من نقص الميزانية، كما ينبغي تخصيص المزيد من التمويل لهذه العيادات، مع ضرورة إسهام أعداد أكبر من الشركاء المجتمعيين -سواءٌ بالأموال أو الجهود الفعلية- في توفير الرعاية الصحية للأطفال الذين لا يجدونها.
يقول روبرت بويد، الذي يشغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي لـ«تحالف الصحة المدرسية» (SBHA) غير الربحي الذي يدعم المراكز الصحية المدرسية: "إن الأطفال الأصحاء يحرزون تقدمًا تعليميًّا أفضل"، ويعاني أكثر من عشرين مليون طفل في الولايات المتحدة من قصور خدمات الرعاية الصحية، وهو أمرٌ يمكن علاجه بجلب الأطباء إلى أماكن وجود هؤلاء الأطفال، يقول بويد: "ليس بإمكان معظم الآباء أخذ إجازات من العمل لاصطحاب أبنائهم إلى مواعيد الأطباء، وإنه "حتى إذا تسنّى ذلك لهم، غالبًا ما يتسبب هذا الوضع في تفويت اليوم الدراسي على الأطفال، أما عندما يكون المركز الصحي موجودًا داخل المدرسة، فيمكن للأطفال الحصول على الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها ثم العودة مرةً أخرى إلى فصولهم"، كما أن المدارس تأتي على رأس المؤسسات التي تثق بها المجتمعات المحلية، الأمر الذي يفتح أبواب التواصل بين المدرسة والطلاب الذين يشعرون بالقلق من زيارة عيادات الأطباء، أو الذين لا يثق أهلوهم بمُقدّمي الرعاية الصحية الآخرين، وقد ثبت أن توفير الرعاية الصحية من خلال المدارس يُسهم في رفع مستوى الرفاه والتحصيل التعليمي لدى الأطفال، كذلك، أوضحت دراسة نُشرت عام 2005 في دورية «جورنال أوف أدوليسنت هيلث» Journal of Adolescent Health أنه بعد افتتاح المراكز الصحية في بعض المدارس العامة بالولايات المتحدة، انخفضت معدلات دخول الطلاب المصابين بالربو إلى المستشفى بمقدار 2.4 مرة، كما تضاءل احتياجهم إلى دخول غرفة الطوارئ من جرَّاء النوبات الربوية بنسبة 35%.
كما أكدت دراسات أخرى أن العيادات المدرسية يمكن أن تسهم في رفع معدلات التطعيم بين الطلاب، والحد من الاضطرابات النفسية، وتشجيع الطلاب على استخدام وسائل منع الحمل، وعلى الصعيد الدراسي، ثبت أن الطلاب الذين يترددون على هذه المراكز تتحسن معدلات حضورهم بالمدرسة ودرجاتهم، وتزداد فرص نجاحهم وانتقالهم إلى الصفوف التالية، ويكونون أقل تعرضًا للعقوبات وأكثر استعدادًا لمرحلة الجامعة، استنادًا إلى كل ما سبق، أوصت إحدى فرق العمليات التابعة لـ«المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها» Centers for Disease Control and Prevention باتخاذ العيادات الصحية المدرسية آلية محورية لتحقيق المساواة الصحية، أي لتضييق الفجوة بين المواطنين الذين يتمتعون بالثراء والنفوذ وباقي المواطنين في الحصول على الخدمات الصحية.
رغم ذلك، نلحظ غياب تلك العيادات في معظم المدارس التابعة للمجتمعات السكانية الأكثر احتياجًا إليها؛ ففي عام 2021، خصص الكونجرس مبلغ 5 ملايين دولار لدعم الخدمات الجديدة والموسّعة التي تقدمها المراكز الصحية المدرسية، وقد تلقّى هذا البرنامج ما يزيد على 300 طلب للدعم، إلا أن عدد المنشآت التي موّلها لم يتعدّ خمسًا وعشرين منشأة، كما أن الولايات التي تقدم الدعم المالي للمراكز الصحية المدرسية لا يتجاوز عددها في الوقت الحالي نصف إجمالي عدد الولايات الأمريكية، ورغم أن العيادات المدرسية يمكنها تغطية نفقات العلاج الذي تقدمه للطلاب من خلال برنامج التأمين الصحي الفيدرالي «ميديكيد» Medicaid والتأمين الصحي المدرسي للطلاب الذين يشملهم التأمين، فإنها لا تزال بحاجة إلى تمويل منتظم لتوفير مصروفات التشغيل، المتضمنة توظيف العمالة عالية الكفاءة.
في أثناء الجائحة، اضطُر عدد من هذه المراكز إلى الإغلاق المؤقت أو الدائم، في حين واجه بعضها الآخر صعوباتٍ جمةً في الحفاظ على ما لديه من عمالة وتمويل، ولكن الجانب المضيء هنا هو أن أكثر من 60% من المراكز المشاركة في أحد الاستطلاعات التي أجراها «التحالف» أفادت بأنها بدأت في توفير الاستشارات الصحية الهاتفية بين عامي 2020 و2021، الأمر الذي وسَّع من دائرة المنتفعين بخدماتها، كما اشترك عدد كبير منها في تقديم لقاحات كوفيد COVID للسكان الذين لم يكن في وسعهم الوصول إلى تلك الجرعات الحيوية، إن تقديم الرعاية الصحية التي يحتاج إليها أبناؤنا في المكان الذي يحتاجون إليها فيه أمر منطقي ومشروع، وقد أضحى الآن مطلبًا ملحًّا أكثر من ذي قبل، ولهذا، فقد آن الأوان لنشر المزيد من المراكز الصحية المدرسية على نطاق أوسع، لكي تصل الخدمات الصحية إلى جميع الطلاب الذين يعانون من صعوبة الحصول عليها.
اضف تعليق