يواجه الاتفاق النووي الذي كلل مبادرة ضخمة من الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني، معارضة شديدة من لدن المتشددين في البلدين، ففي ايران بدأ البرلمان والمؤسسة الأمنية الهجوم على الاتفاق بعد أيام من توقيعه، لكن تعذر عليهم إقناع الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بسحب تأييده الحذر للاتفاق، ويتعرض الاتفاق كذلك لتهديد في الكونجرس الأمريكي حيث مازال أمام المشرعين مهلة حتى 17 سبتمبر أيلول لقبول الاتفاق أو رفضه، وعارض عدد من أعضاء الكونجرس الاتفاق باعتباره ليس مشددا بما يكفي وسيسعون لمنع الرئيس باراك أوباما من رفع معظم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
في صدد الموضوع نقلت بعض المصادر الاعلامية عن علي أكبر صالحي كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي قوله إن البرلمان لا يملك سلطة على الاتفاق النووي الذي وقع مع القوى الدولية الشهر الماضي، وتعد تصريحات صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية أحدث مواجهة ضمن معركة طويلة الأمد بين مسؤولين إيرانيين يدعمون الاتفاق ومتشددين يعلنون تشككهم فيه.
من جهته دافع الرئيس الإيراني حسن روحاني عن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه طهران مع القوى العالمية الست قائلا إنه يعبر عن إرادة الأمة وإنه يحمل قيمة تجعله أهم من الجدل الداخلي حول تفاصيله، وينتقد الحرس الثوري الإيراني -وهو قوة سياسية وعسكرية مهمة- الاتفاق قائلا إنه يعرض أمن البلاد للخطر كما هاجم قرارا صدر عن مجلس الأمن الدولي للتصديق عليه.
ويرى المحللون أن حرب الكلمات السياسية من لدن الجهات المتشددة في ايران وأمريكا تظهر محاولة نوايا متناقضة في ظل استخدام لغة التهديد بين الجانبين، من أجل سبق الأحداث وكسب حرب الغنائم المعنوية، مما يعني ان هذه التصريحات العملاقة تستعرض ادوارا مختلفة من الاهداف السياسية باستخدام إلاستراتيجية التدريجية المرنة.
فيما يرى كثير من المحللين أن احتمالات أن ترفض القيادة الإيرانية الاتفاق في نهاية المطاف محدودة لأن طهران بحاجة إلى رفع العقوبات لمساعدة اقتصادها المعزول.
ويعكس الجدل بشأن التفاصيل الخصومات داخل نظام الحكم الإيراني الذي يجمع بين الحكم الديني والجمهوري إذ تتنافس الفصائل المختلفة لتحقيق أقصى مكاسب ممكنة من الاتفاق مع تحمل أقل قدر من المسؤولية، ويقول محللون سياسيون إن الترحيب الحذر الذي استقبل به الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الاتفاق ربما يهدف الى إعفائه من اللوم إذا انهار الاتفاق مستقبلا.
لذا يرى بعض المراقبين ان حكومة إيران سعت بالبراجماتية لتسويق اتفاقها النووي مع القوى الدولية إلى المتشددين في الداخل بينما وعد رئيس مجلس النواب الأمريكي بفعل "كل شيء ممكن" لعرقلة الاتفاق.
وبينما تواجه الحكومتان الإيرانية والأمريكية معارضة للاتفاق وصل وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر إلى السعودية أملا في طمأنة قادتها القلقين من ضرر بالغ قد تسببه غريمتهم إيران بالمنطقة، ومثل الاتفاق نجاحا كبيرا للرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني. لكن على كل منهما الترويج للاتفاق في بلده للمتشددين أصحاب النفوذ في البلدين اللذين تناصبا العداء لعقود، والآن يخبو شيئا فشيئا بريق الاتفاق الذي قبلت إيران بموجبه قيودا على برنامجها النووي مقابل تخفيف عقوبات تقيد اقتصادها.
تحفظ البرلمان الايراني
في سياق متصل دعا نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي البرلمان لأن يقر بسرعة الاتفاق النووي الذي ابرمته طهران مع الدول الست الكبرى في جنيف لكي يتحمل الكونغرس الاميركي لوحده مسؤولية إفشال الاتفاق اذا لم يقره.
وفي واشنطن استمع الكونغرس الاميركي هذا الاسبوع الى وزير الخارجية الاميركي جون كيري بشأن الاتفاق ومن المفترض ان يصوت عليه في ايلول/سبتمبر، علما ان العديد من الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس يعارضون الاتفاق. اما في طهران فيعكف البرلمان حاليا على دراسة الاتفاق الذي لم يقتنع به المحافظون. بحسب فرانس برس.
ويتيح الاتفاق الذي توصلت اليه في فيينا في 14 تموز/يوليو الجاري ايران مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين اضافة الى المانيا) لايران ان تحتفظ ببرنامج نووي لاغراض مدنية مقابل رفع تدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على اقتصادها، وقال عراقجي في تصريح للتلفزيون الحكومي "علينا ان نعلن موقفنا بسرعة حتى في حال رفض الكونغرس الاتفاق يكون هو من يتحمل عبء فشل المفاوضات. (...) عندها نكون قد انقذنا ماء وجهنا ويمكننا العودة الى برنامجنا العادي"، واضاف "عندها سيقول العالم ان ايران التزمت بعقدها ولكن الكونغرس حطم كل شيء".
وفي يونيو حزيران الماضي أقر البرلمان الذي يهيمن عليه التيار المحافظ قانونا يشدد شروط أي اتفاق نووي وبينها منع أي مفتشين دوليين من دخول المواقع العسكرية في إيران، لكن بموجب الاتفاق النهائي يتعين على إيران السماح بدخول أي مواقع مريبة ومن بينها منشآت عسكرية خلال 24 يوما أو العودة إلى العقوبات. بحسب رويترز
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عن صالحي قوله "ليس صحيحا على الإطلاق أنه يتعين على الحكومة أن تعرض على البرلمان أي اتفاق تريد توقيعه مع دولة أجنبية"، وفي إشارة إلى الاتفاق النووي قال صالحي "خطة العمل الشاملة ليست اتفاقية أو معاهدة دولیة وأنا لا أعرف تحت أي تعريف يجب أن تحال إلى البرلمان".
وقال روحاني في تصريحات هاجم فيها منتقدي الاتفاق إنه لاحظ أنهم يدققون في بنود الاتفاق الذي أبرم في فيينا وقرار الأمم المتحدة رقم 2231 الذي صدر بعده "بندا بندا"، وقال "لا بأس.. لكن ما حدث أكثر قيمة وأهمية من هذا".
وتابع أن من المهم ضمان استمرار تخصيب اليورانيوم لكن ضمان "عدم توقف" حياة الإيرانيين اليومية لا يقل أهمية ملمحا إلى الحاجة الملحة لرفع العقوبات. وقال إن التجارة تقلصت في ظل العقوبات إلى مستوى "العصر الحجري".
انتقادات الحرس الثوري
كما انتقد الحرس الثوري الإيراني قرارا لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أقر فيه الاتفاق النووي الذي أبرم الأسبوع الماضي قائلا إن القرار يتجاوز "الخطوط الحمراء" التي رسمها الزعيم الأعلى آية الله علي خامئني، وأصدر مجلس الأمن بالإجماع قرارا يقر الاتفاق الذي يخفف العقوبات عن إيران لكن يُبقي أيضا ولسنوات على حظر للأسلحة وحظر لتكنولوجيا الصواريخ الباليستية، وفي الولايات المتحدة قال أوباما إنه سيستخدم حق الرفض ضد أي محاولة لعرقلة الاتفاق في الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون.
ونقل عن محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري قوله قبل وقت قصير من صدور قرار مجلس الأمن في نيويورك "بعض أجزاء المسودة تجاوز بوضوح الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق بقدرات إيران العسكرية"، ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء قوله أيضا "لن نقبله أبدا". بحسب رويترز.
وكتب حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان المرتبطة بشدة بخامنئي يقول "حتى بمجرد النظر إلى الاتفاق يمكنك أن ترى أن بعض الخطوط الحمراء الأساسية للجمهورية الإسلامية لم يتم الحفاظ عليها"، وقال شريعتمداري الذي عينه الزعيم الأعلى والذي يعتبر على نطاق واسع قائدا لمعسكر المتشددين "قالت إيران على الدوام إن قرارات مجلس الأمن الدولي غير قانونية لكن بقبول القرار الجديد فنحن نقرها جميعا".
وقال أحمد بخشايش عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان إن المفاوضات النووية انحرفت كثيرا إلى المجال العسكري، ونقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية قوله "لم يكن مفترضا أن يتفاوض الفريق المفاوض على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية".
ظريف يدافع عن الاتفاق
في المقابل دافع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني عن الاتفاق النووي الذي توصل إليه مع القوى العالمية بعد الانتقادات التي وجهها له متشددون وقال أمام البرلمان الذي يغلب عليه المحافظون إن أغلب شروط بلاده إن لم يكن كلها قد استوفيت، وقال ظريف "نحن لا نقول إن الاتفاق بالكامل في صالح ايران، فأي مفاوضات فيها الأخذ والعطاء. وبكل تأكيد أبدينا بعض المرونة"، وأضاف "أقول لكم كما قلت للزعيم الأعلى أننا بذلنا أقصى ما في وسعنا للحفاظ على أغلب الخطوط الحمراء إن لم يكن كلها" مشيرا إلى آية الله علي خامنئي الذي يملك القول الفصل في كل المسائل العليا التي تخص البلاد. بحسب رويترز.
وبموجب الاتفاق التاريخي الذي أبرم في فيينا في تلتزم ايران بفرض قيود طويلة الأجل على برنامجها النووي الذي يشتبه الغرب أن الهدف منه تصنيع القنبلة الذرية لكن ايران تصر على أنه برنامج سلمي، وفي المقابل ترفع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة عقوباتها المفروضة على ايران.
ويتعين موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني وكذلك خامنئي نفسه على الاتفاق، وقد بدأ الحرس الثوري الايراني والمتشددون في انتقاد الاتفاق وكذلك الهجوم على قرار أقره مجلس الامن التابع للامم المتحدة يقضى بموافقته على الاتفاق.
وتركزت الانتقادات بصفة خاصة على بنود في الاتفاق تبقي على القيود السارية على نشاط ايران في تطوير الصواريخ البالستية ومشترياتها من السلاح من الخارج، وحتى الآن لم يصدر خامنئي حكما صريحا في الاتفاق لكنه قال إنه لن يسمح بإساءة استخدام الاتفاق أو تعريض "أمن ايران وقدراتها الدفاعية" للخطر.
اضف تعليق