اعتاد الكوبيون على الانتظار في طوابير للحصول على كل شيء، من الخبز إلى معجون الأسنان، وغالبا ما يقفون لساعات تحت أشعة شمس حارقة دون إمكان دخول المرحاض أو الحصول على مياه شرب، مع وجود احتمال عودتهم خالي الوفاض... إنها محنة يومية تحملها الكوبيون خلال 60 عاما من الحكم الشيوعي...
اعتاد الكوبيون على الانتظار في طوابير للحصول على كل شيء، من الخبز إلى معجون الأسنان، وغالبا ما يقفون لساعات تحت أشعة شمس حارقة دون إمكان دخول المرحاض أو الحصول على مياه شرب، مع وجود احتمال عودتهم خالي الوفاض... إنها محنة يومية تحملها الكوبيون خلال 60 عاما من الحكم الشيوعي، وتتفاقم الآن بسبب كوفيد والركود الاقتصادي الحاد والعقوبات الأميركية المشددة. بحسب فرانس برس.
وقالت المتسوّقة إديلفيس ميراندا (47 عاما) من أحد أسواق هافانا لوكالة فرانس برس "أمضيت الليل بطوله هنا لشراء شيء ما. الامر ليس سهلا بل إنه تضحية كبيرة لمجرد التمكن من تناول الطعام".
حجزت ربة المنزل هذه مكانها في طابور الانتظار قرابة الأولى صباحا، لتغادره بعد 11 ساعة، قبل الظهر بقليل، وروت ميراندا وهي في طريق عودتها إلى المنزل حاملة لترين من الزيت وبعض الدجاج واللحم المفروم ومنظفات "كان الأمر يستحق ذلك، لأنني وجدت كل شيء. الآن سأستريح قليلا ثم أعود إلى طابور الانتظار".
وسجّلت كوبا معدل تضخم بلغ 70 في المئة في العام 2021، عندما تعافى الاقتصاد بنسبة ضئيلة بلغت 2 في المئة بعد انخفاض بنسبة 11 في المئة عام 2020، ما ينذر بأسوأ أزمة اقتصادية في البلاد منذ قرابة ثلاثة عقود.
ومع تضاؤل الاحتياطات الحكومية، كان لا بد من تقليص الواردات الغذائية التي كانت تبلغ قيمتها حوالى ملياري دولار سنويا قبل تفشي الوباء، بشكل كبير في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 11,2 مليون نسمة، وفي أيار/مايو الماضي، قالت الحكومة إن الواردات التي تغطي عادة 80 في المئة من حاجات الجزيرة، بلغت أدنى مستوياتها منذ العام 2009.
أمر مهين
وهذا النقص في الإمدادات يؤثر على الجميع. حتى الأثرياء يضطرون للتعامل مع طوابير طويلة رغم أنهم غالبا ما يدفعون لأشخاص آخرين للوقوف مكانهم ريثما يأتي دورهم، وبعضهم يأتي متسلحا بوجبات خفيفة أو ماء أو قهوة أو مقعد خشبي للجلوس عليه، وغالبا ما تكون الشرطة منتشرة للحفاظ على النظام في طوابير تمتد عبر العديد من الشوارع.
في أحد أسواق العاصمة، يطلق إعلان قبل ساعة من موعد الافتتاح يفيد بأن هناك خمسة منتجات متاحة لليوم، في سخاء غير عادي يسبب موجة إثارة عبر طابور يضم حوالى 400 متسوق متفائل، لكن بعد ذلك، تأتي خيبة الأمل. فلم يتمكن دخول السوق إلا 250 منهم فقط، وقال رولاندو لوبيس وهو متقاعد يبلغ 66 عاما ولم يكن من بين المحظوظين "هذا أمر مهين"، وبسرعة، يشكل عشرات من غير المحظوظين طابورا للتسوق في اليوم التالي، مع تعيين "حراس" ليليين لضمان عدم فقد أي شخص مكانه، وقالت ربة المنزل ماريا روسابال البالغة 55 عاما "إنه محنة يومية للكوبيين. ماذا يمكنك أن تفعل غير ذلك؟".
الامر يدمرك
وفي الوقت الراهن، لا تقبل بعض المتاجر في كوبا إلا العملات الأجنبية فقط. لكن الدولار الأميركي لم يعد عملة قانونية ولا يمكن الحصول عليه إلا من السوق السوداء، وهذه المتاجر مجهزة بشكل أفضل من المتاجر التي تقبل البيزو، لكن قلة من الكوبيين يمكنها الشراء منها، ومن الشائع أن يكون لدى المتاجر منتجان أو ثلاثة منتجات فقط في وقت معين، أو أن تكون خالية. في بعض الأحيان، يصطف الناس في طوابير من دون معرفة أي منتج، إن وجد، سيتمكنون من شرائه في ذلك اليوم.
وغالبا ما تختفي منتجات معينة من الأرفف لفترات معينة، كما هي الحال راهنا مع الحليب، وعندما تظهر مجددا، عادة ما تكون موجودة في المتاجر التي لا تقبل الدفع إلا بالعملات الأجنبية، وتباع في غضون ساعات، والنقص في الإمدادات ليس شيئا جديدا. وإذا اجتاز أحدهم الصف يتم توبيخه "نحن نصطف في طوابير منذ 60 عاما، وما زلت لا تعرف كيف تجري الأمور؟"، لكن الأمور ازدادت سوءا منذ شدد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب العقوبات المفروضة منذ العام 1962 على الجزيرة، كما أدى الوباء إلى تجميد السياحة وضرب الاقتصاد العالمي، وازداد الوضع تعقيدا بسبب الإصلاح النقدي الذي دخل حيز التنفيذ قبل عام والذي تضمن زيادة كبيرة في الأجور لكنه أدى إلى زيادة تضخم الأسعار.
وفي محاولة لاحتواء التداعيات، تقوم السلطات بمسح بطاقة هوية كل متسوق ودفاتر الحصص الغذائية التي تسمح للكوبيين بالحصول إلى سلة منتجات مدعومة من الحكومة شهريا، وقال لوبيس إنه رغم ذلك "هناك أشخاص يستغلون الوضع لكسب المال"، وأوضح أن وضع ورقة نقدية بقيمة 100 بيزو (حوالى 4 دولارات) داخل دفتر الحصص التموينية، يجّنب تسجيل عملية شراء. وستخدم هذه الطريقة أشخاص يشترون منتجات نادرة ويعيدون بيعها بأسعار باهظة، وقالت الحكومة في هافانا إن تعزيز الإنتاج الوطني هو أفضل طريقة للتعامل مع النقص في الإمدادات وطوابير الانتظار، وبدأت ببطء فتح الاقتصاد أمام الشركات الخاصة، لكن هذه الإجراءات لا يراها مستهلكون على غرار لاسارو نارانخو (77 عاما) الذي أمضى ساعتين في طابور لشراء الدجاج ثم غادر خالي الوفاض، حلا على المدى الطويل، وقال "إن الأمر يدمرك".
اضف تعليق