تفاقمت مشكلة الجوع في العالم بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب اتساع رقعة الصراعات والحروب والازمات الاقتصادية والتغيرات المناخية، يضاف الى ذلك أزمة فيروس كورونا المستجد التي ضربت العالم تسببت في انهيار الاقتصاد العالمي، وجائحة كوفيد-19 تهدد بدفع عدد من الأشخاص في العالم إلى حافة الجوع...
تفاقمت مشكلة الجوع في العالم بشكل كبير في السنوات الاخيرة، بسبب اتساع رقعة الصراعات والحروب والازمات الاقتصادية والتغيرات المناخية، يضاف الى ذلك أزمة فيروس كورونا المستجد التي ضربت العالم تسببت في انهيار الاقتصاد العالمي ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي في وقت سابق، إن النزاعات المسلحة، بالإضافة إلى الظروف المناخية وجائحة كوفيد-19، تهدد بدفع عدد من الأشخاص في العالم إلى حافة الجوع، من 135 مليون شخص قبل كوفيد-19 إلى 270 مليون شخص، أشار إلى أن توقعات انعدام الأمن الغذائي لعام 2021 صادمة: من المتوقع أن تصبح جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر حالة طوارئ للجوع في العالم (19.6 مليون شخص). وعدد الجوعى في أفغانستان يبلغ الآن حوالي 17 مليون شخص، وهو ارتفاع من 13.9 مليون شخص. أما في نيجيريا، فالعدد الآن هو 13 مليون شخص، وهو ارتفاع من 5 ملايين. وفي سوريا، أكثر من 12 مليون شخص يواجهون مستويات من أزمة انعدام الأمن الغذائي، وهو ارتفاع من 9.3 مليون شخص.
وقال بيزلي: في اليمن يواجه أكثر من 16 مليون شخص أزمة مستويات الجوع أو أسوأ. هؤلاء ليسوا أرقاما فقط، هؤلاء أشخاص حقيقيون. نحن نتجه مباشرة نحو أكبر مجاعة في التاريخ الحديث. إنه جحيم على الأرض في العديد من الأماكن في اليمن الآن". وحذر بيزلي من وفاة حوالي 400 ألف طفل في اليمن هذه السنة إذا لم يتم التدخل بشكل عاجل. وقال: "هذا يعني أن طفلا واحدا يموت كل 75 ثانية. أي أننا مع جلوسنا هنا كل دقيقة وربع هناك طفل يموت. هل سندير ظهورنا حقا ونشيح أنظارنا عنه؟" ودعا بيزلي إلى توفير المساعدات لتقديم الطعام للملايين، مشيرا إلى أن تكاليف العنف هائلة: في عام 2019 فقط، بلغت 14.5 تريليون دولار في السنة – أي 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقال: "على مجلس الأمن التزام أخلاقي ببذل كل ما في وسعه لإنهاء هذه الحروب".
وقد شهد العالم عدة مجاعات، كان أكبرها في التاريخ المعاصر وكما نقلت بعض المصادر، تلك التي ضربت الصين في الفترة ما بين 1959 و1961، وأدت إلى وفاة ما بين عشرين وثلاثين مليون إنسان. ومن بين المجاعات الكبرى أيضا المجاعة التي ضربت بيافرا (نيجيريا) بين 1967 و1970 وأودت بحياة مليون شخص. وعانت مناطق أخرى من العالم من مجاعات كبرى خلال القرن الماضي كما حصل في الاتحاد السوفياتي وإيران وكمبوديا، وحتى أوروبا عرفت هي الأخرى مجاعات متعددة في القرون الوسطى وخلال الحربين العالميتين. أما القارة التي عرفت أكبر عدد من المجاعات خلال العقود الماضية فكانت القارة الأفريقية، حيث شهدت نيجيريا (نهاية ستينيات القرن الماضي ومطلع السبعينات) وإثيوبيا (1983-1985) مجاعات، وسجلت آخر مجاعة كبرى في الصومال عام 2011، وراح ضحيتها نحو 260 ألف شخص. كما أعلنت الأمم المتحدة عن مجاعة في جنوب السودان (فبراير/شباط 2017).
موت الملايين
حذر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجلس الأمن من تعرّض "ملايين الأشخاص" لمخاطر "المجاعات والموت" في حال عدم اتخاذ "خطوات فورية". وقال خلال اجتماع في مجلس الأمن الدولي حول العلاقة بين الجوع والأمن نظمته الولايات المتحدة إن "التقلبات المناخية وجائحة كوفيد-19" تفاقم هذه المخاطر موضحا أنه في ثلاثين بلدا "بات أكثر من 30 مليون شخص قريبين من المجاعة". وأضاف "رسالتي بسيطة: في حال لم تؤمنوا الغذاء للناس، فأنتم تؤججون النزاعات" منتقدا مسؤولية الإنسان في التسبب بالمجاعة.
وقال "لم تعد المجاعة والجوع مسألة نقص في الغذاء. باتت اليوم في جزء كبير من صنع الإنسان - وأستخدم هذه الكلمة عمدا". وتابع "من غير المقبول أن يكون هناك مجاعة في القرن الواحد والعشرين". بدورها، روت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد كيف شهدت في أوغندا عام 1993 على وفاة طفلة تبلغ عامين جراء الجوع. وقالت "لا يوجد سبب لعدم توفير الموارد للأشخاص الذين يحتاجون إليها بشكل عاجل". وقالت "في عالم اليوم، المجاعة سببها الإنسان. وإذا كان سببها نحن، فهذا يعني أنه يجب أن نوقفها أيضاً".
كذلك، شددت مديرة أوكسفام الدولية غير الحكومية غابرييلا بوشر على أنّ "الناس في تلك المناطق لا يموتون من الجوع. إنهم يتضورون جوعا" حتى الموت. وقالت "لا يهم الجياع ما إذا كانوا قد جوّعوا بفعل متعمد أو بسبب إهمال لا يرحم من جانب أطراف النزاع أو المجتمع الدولي". وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي العائد من زيارة إلى اليمن، إنّ "أكثر من 16 مليون شخص يواجهون (في اليمن) الآن مستويات حرجة من الجوع، أو ما هو أسوأ". وأضاف "نحن نتجه مباشرة نحو أكبر مجاعة في التاريخ الحديث"، مشيرا إلى أن "نحو 400 ألف طفل قد يموتون (من الجوع) في اليمن هذا العام (في حال عدم حصول) تدخل عاجل، أي بمعدل وفاة واحدة كلّ 75 ثانية". وسأل مجلس الأمن "هل سندير ظهورنا لهم وننظر إلى مكان آخر؟".
وأعلن غوتيريش أنه "في نهاية 2020 كان أكثر من 80 مليون شخص يعانون من الجوع الحاد بسبب النزاعات وعدم الاستقرار -- بزيادة نسبتها 20% خلال عام". وحذر من أن "توقعات العام 2021 تشير إلى الاستمرار في هذا الاتجاه المخيف" موضحا أن ذلك "يثبت أن أزمات الجوع تتفاقم وتنتشر في منطقة الساحل والقرن الإفريقي وتتسارع في جنوب السودان واليمن وأفغانستان". وأضاف "تفاديا لكارثة ستلحق ب34 مليون امرأة ورجل وفتاة وصبي" وجهت الأمم المتحدة ووكالاتها نداء لـ"تحرك عاجل" لتأمين "موارد إضافية بقيمة 5,5 مليار دولار".
من جانبها، رأت غابرييلا بوشر أنّ مسؤولية الدول لا تنتهي عند التبرع بالمال. ونددت بـ"مجتمع دولي تتسبب دوله الأقوى في كثير من الأحيان بالمجاعة في ظل وفرة إمدادات الأسلحة" في مختلف الدول. واستشهدت بأمثلة ملموسة في إقليم تيغراي الإثيوبي واليمن وجمهورية إفريقيا الوسطى، وطلبت من مجلس الأمن "الالتزام الواضح بالعمل" و"ضمان وصول المساعدات الإنسانية" في كل مكان وتحميل "مسؤولية كبيرة" لأولئك الذين يرتكبون "جرائم المجاعات". بحسب فرانس برس.
وقالت السفيرة الأميركية "يمكننا إنقاذ الأرواح، إذا عرفنا إلى أين نذهب وإذا خصصنا أموالاً. ولكن إذا لم تكن لدينا البيانات، فلن نتمكن من تقديم هذه المساعدة الحيوية". ورأت أنّ لمجلس الأمن "قدرة فريدة على طلب وتأمين التقارير والبيانات والإجراءات في الوقت المناسب". وفي هذا الصدد، طلبت من أمين عام الأمم المتحدة تقديم تقريرين سنويين حول هذا الموضوع لتجنب المجاعات في العالم. وأعلن غوتيريش تشكيل "فريق خاص رفيع المستوى للوقاية من المجاعة" في الأمم المتحدة في نيويورك سيساهم فيه ممثلون من برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
الدول الفقيرة
حذّر تحالف يضم وكالات إغاثة بريطانية في وقت سابق من أنّ وباء كوفيد-19 يفاقم الأزمة "الإنسانية المروّعة" في دول هشّة مشيرين إلى مخاطر حدوث مجاعة بما في ذلك في اليمن. وذكرت لجنة طوارئ الكوارث في تقرير حديث أنّ أجزاء من اليمن وجنوب السودان على شفا مجاعة فيما تواجه أفغانستان وجمهورية الكونغو الديموقراطية مخاطر حدوث ذلك نتيجة الاثار الاقتصادية المدمرة للوباء.
ويأتي التحذير فيما دعت الأمم المتحدة خلال مؤتمر افتراضي على الانترنت لجمع 3,85 مليار دولار لمنع حدوث مجاعة واسعة النطاق في اليمن. وتطرق تقرير اللجنة أيضا إلى الصومال وسوريا ومأساة اللاجئين الروهينغا من بروما في المخيمات في بنغلادش. وقال المدير التنفيذي للجنة صالح سعيد إنّ "الناس الذين يعيشون في أماكن محفوفة بالمخاطر بسبب النزاعات والعنف والكوارث المناخية يتعاملون مع جائحة كوفيد-19 بأفضل ما بوسعهم، لكن المصاعب تتراكم ضدهم". وأضاف أنّ "الاثار الممتدة للجائحة تشلّ الاقتصادات ما يجعل الافقر في العالم أكثر فقرا". وتابع "دون دعم مستمر سنفقد الكثير من الأرواح ليس فقط جراء كوفيد-19 نفسه لكن من الاثار الاقتصادية للفيروس".
وتجمع اللجنة 14 وكالة إغاثة بريطانية، من بينها الصليب الأحمر البريطاني وأوكسفام وسيف ذا تشيلدرن (أنقذوا الطفولة). لكنّ فيما طلبت الدعم من المانحين الأغنى، قالت الحكومة البريطانية المحافظة في تشرين الثاني/نوفمبر إنها اقتطعت تقريبا 4 مليار جنيه (حوالى 5,6 مليار دولار) من موازنتها للمساعدات في ظل الجائحة. وقال اندرو ميتشل، وهو وزير سابق للتنمية الدولية من المحافظين، إنّ خفض الموازنة البريطانية لليمن "سيواصل العملية البطيئة والمؤملة والمروعة لتجويع (ملايين الناس) حتى الموت". وأفاد راديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنّ بريطانيا "ستكون مسؤولة" عن هكذا قضايا في اليمن.
من جانب اخر قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الأميركي ديفيد بيزلي "بسبب الحروب العديدة والتغير المناخي والاستخدام الواسع النطاق للجوع كسلاح سياسي وعسكري وجائحة عالمية تزيد من خطورة كل ذلك بشكل كبير، يتجه 270 مليون شخص نحو المجاعة". وأكد في تصريحات نقلت من مقر الوكالة في روما "عدم تلبية حاجاتهم سيسبب جائحة جوع من شأنها ان تحجب وباء كوفيد-19". وبرنامج الأغذية، أكبر منظمة انسانية لمكافحة الجوع، تأسس في 1961 ويؤمن سنويا الغذاء لملايين الجياع في كافة القارات.
وأعرب برنامج الأغذية عن القلق من مخاطر حصول مجاعة في بوركينا فاسو وجنوب السودان وشمال شرق نيجيريا واليمن. وفي هذا البلد سوء التغذية الذي يسجل أصلا مستويات قياسية، سيتفاقم جراء الجائحة وقلة الأموال. واعرب بيزلي عن سخطه "لما يمكن أن يكون أكثر اللحظات سخرية في التاريخ المعاصر". وقال "من جهة بعد قرن من التقدم الكبير لجهة القضاء على الفقر المدقع أصبح 270 مليون شخص اليوم على شفير المجاعة". وأضاف "من جهة اخرى تقدر ثروات العالم اليوم ب400 ألف مليار دولار. وفي أوج جائحة كوفيد-19 خلال 90 يوما فقط تم تكوين ثروة إضافية مقدرة ب2700 مليار دولار. ونحتاج إلى خمسة مليارات دولار فقط لإنقاذ 30 مليون نسمة من مجاعة محتمة".
جنوب السودان وموزمبيق
في السياق ذاته أعلنت حكومة جنوب السودان ووكالات تابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 7,2 مليون شخص سيعانون من سوء تغذية حاد في منتصف العام 2021 في البلاد، أي قرابة 60% من السكان. وجاء في تقرير مشترك أن حوالى 1,4 مليون طفل في جنوب السودان، البلد الممزق جراء عقود من النزاعات، سيعانون من سوء تغذية خطير في العام 2021 وسيحتاجون إلى علاج لإنقاذ حياتهم.
وأوضح رئيس المكتب الوطني للإحصاءات في جوبا إشعيا شول أرواي في آخر تقييم للوضع الراهن أن "الوضع في ما يخصّ الأمن الغذائي والتغذية تدهور". وأضاف "هذا الأمر ناجم عن نزوح السكان من جيوب تشهد انعدام أمن، وعن تراجع المحاصيل جراء صدمات مناخية على غرار فيضانات وجفاف" وكذلك عن تأثير وباء كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية وغزو موجة جراد ومساعدة إنسانية "غير مناسبة".
وقالت مساعدة مدير برنامج الأغذية العالمي في البلاد ماكينا ووكر إنه "العدد الأعلى منذ إعلان السودان استقلاله" عام 2011 مشيرةً إلى أنه أعلى بنسبة 5% مقارنة بالعام الماضي. وهناك آلاف الأشخاص معرضون لخطر المجاعة في قطاع بيبور في شرق البلاد، وفق التقرير الذي يضع بعض أجزاء هذه المنطقة في أدنى مستوى (5) من مؤشر "اي بي سي".
من جهة اخرى دفع الجوع البعض في موزمبيق إلى المخاطرة بحياتهم بالتسلل إلى مساكنهم القديمة لجمع الطعام...أو حتى استئناف الزراعة. ونزح ما يقرب من 670 ألف شخص بسبب التمرد المتطرف الذي اندلع قبل ثلاث سنوات في شمال موزمبيق. وانتقل البعض للعيش مع عائلات مضيفة، والبعض الآخر يعيش في ملاجئ موقتة فيما استقر آخرون في قرى آمنة تم إنشاؤها حديثا. لكن النقص الحاد في الغذاء دفع عدد قليل من الشجعان للعودة إلى منازلهم القديمة لجمع ما أمكن من المواد الغذائية.
تصاعدت هجمات الجهاديين المرتبطين بتنظيم داعش العام الماضي في هذه المحافظة الغنية بالغاز، ما تسبب بأزمة إنسانية. وقد انخفضت وتيرة أعمال العنف بشكل ملحوظ، وفقا لمنظمة "إيه سي ليد" لجمع بيانات النزاع، لكن الوضع الأمني ما زال غير مستقر في كل أنحاء المحافظة. والقرويون في منطقة بالما الواقعة في أقصى الشمال، والتي تضم مشروعا للغاز الطبيعي تبلغ كلفته مليارات عدة من الدولارات استهدفه المتشددون، معرضون للخطر بشكل خاص.
وقد وزّع برنامج الأغذية العالمي قسائم في وقت سابق يستخدمها السكان المحليون لشراء الطعام من المتاجر. لكن كريستينا غراتسياني رئيسة المكتب الميداني لبرنامج الأغذية العالمي في بيمبا عاصمة المقاطعة، قالت إنه "من الصعب الاستمرار في البرنامج لأن المخازن تواجه الصعوبات نفسها لإعادة تخزين السلع في بالما". وحتى قبل بدء التمرد، كانت كابو ديلغادو واحدة من أفقر المقاطعات في موزمبيق المصنفة من بين أفقر دول العالم.
اضف تعليق