انتكاسة كبيرة تعرض لها حزب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي خالفت كل التوقعات والاستطلاعات السابقة، حيث خسر حزب العدالة الغالبية المطلقة التي يتمتع بها منذ 13 عاما في البرلمان، الأمر الذي سيجبره على تشكيل حكومة ائتلافية وهو ما سيقوض آمال اردوغان الحالم بتعزيز سلطته سلطاته الرئاسية وتحقيق طموحاته السياسية من خلال إجراء تعديلات دستورية كما يقول بعض المراقبين. الذين أكدوا على ما حدث في هذه الانتخابات هزيمة كبرى لاردوغان الذي راهن على هذه الانتخابات كثيراً، وكما تنقل بعض المصادر الإعلامية فان الكثير من التوقعات والاستطلاعات كانت ترجح حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم على أكثر من نسبة 45% من الأصوات وهو ما سيمكنه من الحصول الأغلبية البرلمانية ويذكر بان نسبة 43% في قانون البرلماني التركي الحد الفاصل لتشكيل حكومة تتمتع بالأغلبية البرلمانية. لكن النتائج النهائية تشير الى حصول حزب اردوغان على نسبة 40,80% من الاصوات وحصوله على 258 مقعداً برلمانيا، من المقاعد النهائية للبرلمان التركي البالغة عددها 550 مقعداً، وهو ما أبعده كثيراً عن الأغلبية البرلمانية.
وتضيف المصادر ان هذه الانتخابات قد أتت بالعديد من المفاجآت ومنها حصول الأحزاب المعارضة على انجازات سياسية مهمة، فقد حصل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على نسبة 12,91% من الأصوات وعلى 79 مقعداً برلمانياً والذي عده البعض انتصار كبير وصفعة قوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، لكون المعطيات الجديدة التي افر زدتها النتائج تعطي لحزب الأكراد الوزن والثقل السياسي الكبير في المساهمة في رسم السياسة التركية. وفي معرض تعليقه على هذه النتائج، أشاد زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش باجتياز حزبه وللمرة الأولى الحاجز الانتخابي الذي يؤهله لدخول البرلمان، واصفا ذلك بـ"النصر العظيم". وقال دميرطاش: "لقد حققنا نحن المضطهدون، والفقراء، ومناصرو العدل، والسلام، والحرية، نجاحا ونصرا عظيما، وأهنئ بالمناسبة جميع أعضاء حزبنا وكل تركيا".
وحصل اكبر حزبين منافسين للحزب الحاكم وهما حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي) وحزب العمل القومي اليميني على 25.2 % و16.5 % من الأصوات على التوالي. وبذلك فاز الاول بـ131 مقعدا والثاني ب82 مقعدا. وذكر مسؤول كبير في حزب العدالة والتنمية بعد ظهور النتائج الأولية، أن الحزب ربما سيضطر لتشكيل حكومة أقلية، مرجحا إجراء انتخابات مبكرة. وقال مراقبون إن ماحدث هو نتاج طبيعي للسياسة الفاشلة، التي اعتمدها أردوغان ضد الشعب الترکي من خلال إقصاء الأصوات المعارضة وقمع الحريات، يضاف الى ذلك فساد الحكومة وعدم الحفاظ على العلاقات الدولية والتدخلات المتواصلة بشؤون الغير ودعم الجهات الإرهابية وغيرها من الأمور الأخرى.
إردوغان ونتائج الانتخابات
وفي هذا الشأن يجلس في "قصره الأبيض" المبني حديثا بغرفه وقاعاته الألف وقد اكتملت خططه لإرساء دعائم رئاسة نافذة قوية.. لكن في ذات اللحظة التي كان يتوقع أن يرى فيها نصرا متوجا لتلك الخطط بدا أن نجمه يأفل. ولو أن هناك شعورا واحدا جمع بين الأحزاب التركية المعارضة بعد انتخابات العامة فسيكون صدى لكلمة "لا" لحملة الرئيس رجب طيب إردوغان من أجل تمهيد الساحة السياسية لإنشاء تركيا الحديثة كما يراها.
ولا يزال حزب العدالة والتنمية الذي أسسه إردوغان عام 2001 الحزب الأكبر على الإطلاق لكنه فقد لأول مرة أغلبيته المطلقة وعجز عن تحقيق أغلبية الثلثين التي يحتاجها لتعديل الدستور. ولاح شبح التحالف لرجل لم يألف الحل الوسط. طموح إردوغان وسلطته النافذة التي طالما لملمت شتات حزب يجمع بين إصلاحيين ليبراليين وعناصر قومية وأخرى من يمين الوسط إضافة إلى التيار الديني المحافظ عرضة الآن لتمزيق الحزب نفسه.
ويشعر أيضا شركاء تركيا الغربيون في حلف شمال الأطلسي بالقلق من أي تبعات محتملة للاضطرابات السياسية داخل أي دولة حليفة على حدود العراق وسوريا وإيران. وقال أحمد إينسل وهو كاتب عمود وأستاذ بجامعة غلطة سراي في اسطنبول "يمكن تلخيص هذه النتائج في جملة واحدة: الناخبون قالوا ‘كفى‘ لإردوغان." وكان إردوغان (61 عاما) قد استقال من رئاسة الوزراء في أغسطس آب الماضي بعد أن أمضى في ذلك المنصب أكثر من عشر سنوات كي يتولى رئاسة البلاد وهي منصب شرفي إلى حد كبير خطط لتحويله لمنصب تنفيذي قوي.
وبعد أن استنفد كل القنوات التي أتاحها له الدستور أمسك بزمام الحكومة.. فكانت اجتماعات مجلس الوزراء تعقد في قصره. كان يرى أنها مجرد مسألة وقت إلى أن يقر البرلمان الجديد دوره الجديد. ويقول منتقدوه إنه لم يراع ما كان ينبغي أن يلتزم به كرئيس من علو فوق السياسات الحزبية. أما هو فقد خاطب ما يصل إلى ثلاثة تجمعات حاشدة قبل يوم واحد من التصويت مهمشا رئيس الوزراء وزعيم الحزب أحمد داود أوغلو الذي اتهمه الرئيس بعدم بذل جهد يذكر للترويج لفكرة الرئاسة التنفيذية.
وقال مسؤول كبير في العدالة والتنمية "أسلوب إردوغان أضعف داود أوغلو. أيا كان ما يردده أي شخص.. فإن سيطرة إردوغان على العملية الانتخابية للحزب وتدخله في الأحداث اليومية أثارا عدم ارتياح في الحزب وبين الناخبين." وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه خشية التنكيل به "إردوغان هو الزعيم الطبيعي.. لا أحد ينكر هذا.. لكنه كان يجب أن يترك عمل الحزب للحزب."
وأسس إردوغان حزب العدالة والتنمية في وقت كانت تركيا تنزلق فيه في أزمة مالية عام 2001. وفاز الحزب بنصيب متنام من الأصوات في ثلاثة انتخابات برلمانية متعاقبة خلال عقد شهد ارتفاعا حادا في الدخول وإرساء دعائم تركيا كقوة إقليمية. لكن تشدده المتزايد مع المعارضة أفقده تأييد نصف الأتراك وترك البلاد في حالة انقسام حادة بينما أصبحت المركزية سمة مثيرة للقلق من سمات حزبه العدالة والتنمية. ويخشى بعض أعضاء الحزب أن يلقي إردوغان باللائمة في نتيجة انتخابات على داود أوغلو الذي يحاول تعزيز وضعه داخل الحزب أو أن يسعى للانتقام منه فيستبدله ببديل طيع.
وقال مسؤول كبير ثان بالحزب "سيعتبر إردوغان هذه النتائج هزيمة لحزب العدالة والتنمية وسينتقد الحزب... هو دائما يفكر في بديل لداود أوغلو." وأضاف "لا يقبل الهزيمة أبدا... لكنه لن يستطيع أن يفعل ما يحلو له في العدالة والتنمية بنفس السهولة التي كان يجدها من قبل. هناك مجموعة فائزة تحترم داود أوغلو وهناك انتقادات داخل الحزب لإردوغان أكثر مما كان عليه الحال من قبل." وفي تضارب صارخ مع أداء المحارب المنتصر الذي اعتاد أن يبديه بعد الانتخابات.. تحدث إردوغان بلهجة تصالحية في أول حديث مقتضب له من مكتبه. وقال "رأي أمتنا فوق أي شيء آخر."
ومقدام هو من يجرؤ على الوقوف في وجه إردوغان.. الشخصية المتألقة على ساحة السياسة التركية الذي دخل السجن يوما بتهمة التحريض والخطيب المفوه الذي يستحث همم مناصريه بأبيات الشعر العثماني ويعد المتدينين المحافظين بعدالة بعدما دهسوا لعقود تحت أقدام الحكومات العلمانية. وأشيد باسم إردوغان في الداخل والخارج لما أنجزه من إصلاحات سياسية واقتصادية معظمها في فترتي رئاسته للوزراء الأولى والثانية. أما السنوات الأخيرة فقد شهدت حكما سلطويا متزايدا رغم أنه نهض من كبوة احتجاجات حاشدة وفضيحة فساد.
ويرى إتيان محجوبيان المستشار السابق لداود أوغلو والذي شارك في تأسيس معهد بوديم للأبحاث أن إردوغان سيخرج سالما من هذه العثرة. قال في الفترة التي سبقت الانتخابات "إنه يبحث عن الشرعية من خلال الأصوات.. وأيا ما ستقوله الأصوات فإنه سيقبله. وقته لم ينته." وقال "السؤال بالنسبة لإردوغان هو: ما نوع الحزب الذي أريده وما نوع الحزب الذي يمكنه أن يحقق 50 في المئة مرة أخرى." ويواجه إردوغان رياحا معاكسة قوية. وإن كان هناك زعيم للمعارضة يمكن مضاهاة شخصيته الكاريزمية بشخصية إردوغان فسيكون صلاح الدين دمرداش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المناصر للأكراد. فهو يبدي نجاحا في كسب ود اليسار ويسير بحزبه في دروب تتجاوز جذور القومية الكردية ويدفعه لدخول البرلمان لأول مرة على حساب حزب العدالة والتنمية.
كما أن الاقتصاد التركي الذي طالما كان دعامة من دعائم نجاحات العدالة والتنمية الانتخابية بات إحدى نقاط ضعفه. فبعد سنوات من النمو المطرد ابتلي بالبطء كما أن خطر التشدد المتزايد في سوريا والعراق المجاورين يلوح بقوة في وقت يشهد اضطرابا في العلاقات مع الغرب وشركاء بالمنطقة.
ويرى محجوبيان أن حزب العدالة والتنمية يجب أن يتطلع لجيل جديد من المحافظين الإسلاميين الورعين والأكثر انفتاحا في ذات الوقت على القيم العلمانية وتقبلا لها إن كان يريد استعادة ما كان يحظى به من تأييد. قال "طيب إردوغان شخص يرتدي ثوب الأب في النهاية. ليس ديمقراطيا. لكن من ذا الذي يتحلى بالديمقراطية في السياسة التركية؟ لا أحد." وتابع "إردوغان شخصية بالغة التأثير.. لكن عند حد معين. وبعد هذا الحد عليه أن يتكيف وأن يتواءم وأن يتعلم." أما عن التعلم .. فربما يحل سريعا. بحسب رويترز.
ففي حالة اضطرار حزب العدالة والتنمية لتشكيل ائتلاف.. قد يرفض شريكه الأصغر قطع ذلك الشوط الطويل إلى قصر الرئاسة الذي بني بنحو 500 مليون دولار ليعقد اجتماعات مجلس الوزراء تحت سمع إردوغان وبصره. أما الرئيس.. فهو ليس بالشخص الذي يجلس وحيدا في نعيم وبذخ وينتظر ما تأتي به الأحداث.
من جانب اخر اندهش الأتراك لغياب صوت الرئيس رجب طيب إردوغان المفاجئ عن موجات الأثير بعد أن فقد حزبه الأغلبية البرلمانية فبدأوا يتشاركون عبر الانترنت ساعة الكترونية تحسب فترة صمته الإذاعي. وكانت القنوات التلفزيونية تبث خطابات إردوغان ثلاث مرات يوميا طوال الأسابيع التي سبقت الانتخابات. وكان إردوغان يأمل أن يحقق حزب العدالة والتنمية الحاكم نصرا قويا يمكنه من تعزيز سلطات الرئيس. لكن الحزب لن يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
واكتفى إردوغان أكثر الساسة الأتراك في العصر الحديث شعبية وأيضا اكثرهم استقطابا بإصدار بيان مكتوب مقتضب وظل بعيدا عن دائرة الضوء لقرابة 48 ساعة وفقا للساعة الالكترونية التي تداولها الأتراك بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت صحيفة جمهوريت التي تنتقد الحكومة التركية بشراسة في صفحتها الأولى "تركيا تتلذذ بالصمت".
الصراصير والقصر الجديد
الى جانب ذلك وفيما يخص بعض القضايا المهمة التي أثارتها الحرب الانتخابية ومنها القصر الرئاسي الجديد، فقد قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان انتشار الصراصير في قصره القديم كان السبب الذي دفعه الى تشييد قصره الجديد المترامي على مشارف انقرة. واصبح القصر الجديد البالغة كلفته 615 مليون دولار محط سخرية المعارضة التي وصفته بانه ترف لا ضرورة له وخال من الذوق للرئيس الذي يزداد سلطوية. ولكن في مقابلة مع تلفزيون "اهابر" قال اردوغان ان الاسباب التي دفعته الى بناء القصر الذي يضم 1150 غرفة، كانت ملحة للغاية.
واوضح ان مكاتبه القديمة عندما كان يتولى رئاسة الوزراء من 2003 الى 2014، كانت تعج بالصراصير. واضاف "كان الضيف يأتي الى مكاتب رئاسة الوزراء القديمة ويجد صراصير في الحمام. ولهذا السبب بنيت هذا القصر". وتساءل "هل مثل ذلك القصر (المقر القديم) يليق برئيس وزراء تركيا؟ اذا جاء ضيف هل ستنزله هناك؟ ماذا لو شاهد (الصراصير) وتحدث عن ذلك؟". بحسب فرانس برس.
واكد في المقابلة ان "هذا هو قصر الامة التركية (...) ومثل هذا التمثيل لا يمكن ان يكون تبذيرا". وهزأ المنتقدون بتصريحات اردوغان. واطلقوا هاشتاغ "كارفاتما" وتعني بالتركية صرصور على موقع تويتر، ودعوا الناس الى التصويت ضد حزبه في الانتخابات التشريعية. الى جانب ذلك قرر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رفع شكوى قضائية ضد احد خصومه الرئيسيين بعد ان قال ان اغطية مقاعد المراحيض في قصره من الذهب. واعلن معمر جمال اوغلو احد محامي اردوغان لوكالة انباء الاناضول انه رفع دعوى تشهير على زعيم حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي) كمال كيليتش دار اوغلو الذي قال ان اغطية مقاعد المراحيض في قصره من الذهب.
وقال جمال اوغلو ان موكله طالب بعطل وضرر قيمته 100 الف ليرة تركية (34 الف يورو). واتهم كيليتش دار اوغلو اردوغان بان قصره مجهز بمراحيض من الذهب للتنديد بالفساد. واخذ اردوغان هذه الاتهامات على محمل الجد وتحدى خصمه باثباتها. وخلال مقابلة على تلفزيون تي ار تي العام اجاب اردوغان بجدية على ادعاءات خصمه داعيا اياه الى التحقق منها في القصر. وقال اردوغان "ادعوه ليأتي في زيارة (...) اتساءل ما اذا كان بامكانه ايجاد غطاء مرحاض من الذهب في القصر". واضاف "اذا كان الامر صحيحا ساقدم استقالتي". وقال اردوغان "يا كيليتش دار اوغلو متى زرت هذه المراحيض وهل غسلتها لاكتشاف انها من الذهب؟". واجاب كيليتش دار اوغلو بالقول "انه غير مهتم بالقصور" منتقدا "شهية اردوغان للذهب والدولارات واليوروهات". والقصر الذي دشن في الخريف وهو موضع انتقادات من قبل معارضي الرئيس الاسلامي المحافظ.
إردوغان وعقدة الإعلام
على صعيد متصل فتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النار على وسائل الإعلام العالمية واتهم أردوغان صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنها تشن حملة كراهية ضده بـ "رأس المال اليهودي". وقال "هل تعلمون ماذا كتبت صحيفة بريطانية في شأن هذه الانتخابات؟ قالت إن المسلمين الفقراء والذين لم يتأثروا بالغرب بشكل كامل لا يحق لهم حكم بلادهم". وأضاف على وقع الهتافات "من أنتم؟ (...) لا تتجاوزوا الحدود. منذ متى يسمح لكم بإصدار أحكام علينا؟".
ومنذ بداية الحملة الانتخابية، كثف الرئيس التركي حملاته على وسائل الإعلام سواء تركية أو أجنبية إثر انتقادها سياسته أو نشرها معلومات محرجة للنظام الإسلامي المحافظ. وكرر أردوغان هجماته على نيويورك تايمز التي كان توعدها بعدما نشرت مقالا نددت فيه ب"نهجه السلطوي". وقال "الآن، يمارسون كراهيتهم ضدي (...) إننا نعرف القيمين عليها (الصحيفة). إن رأس المال اليهودي الكبير يقف وراء كل ذلك ويا للأسف". ووضع أردوغان كل ثقله في هذه الحملة أملا بانتزاع أكثر من 330 مقعدا من أصل 550 في البرلمان ليتمكن من عديل الدستور وتعزيز سلطاته الرئاسية.
من جهة اخرى قال صحفي وكاتب أمريكي مخضرم إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عرقل حصوله على المواطنة الفخرية وأعلن أنه عدو للدولة وذلك مع اشتداد حدة حرب يشنها الزعيم التركي على وسائل الاعلام التي تنتقده. وفي اطار ما يعتبره خصوم إردوغان حملة لتكميم أفواه المعارضة وجه الرئيس التركي انتقادات لاذعة لمؤسسات إخبارية من بينها صحيفة نيويورك تايمز وصحيفة حريت اليومية التركية بينما سعت النيابة العامة لاغلاق قناتين تلفزيونيتين اعتبرتا معارضتين للحكومة بتهم تتصل بالارهاب.
ويمنع الدستور إردوغان من ممارسة السياسة الحزبية بوصفه رئيسا للدولة لكنه يلقي الخطب في شتى أنحاء تركيا. وقال إردوغان "منذ متى بدأتم التدخل هنا من الولايات المتحدة؟ ومن تظنون أنفسكم؟" وذلك في خطاب ألقاه في حي أوسكودار باسطنبول بعد أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحية لمحت إلى انخراطه في "التلاعب الأعمى بالعملية السياسية". وسافر ستيفن كينزر رئيس مكتب الصحيفة الأمريكية في تركيا سابقا إلى مدينة غازي عنتاب حيث كان من المقرر أن يحصل على المواطنة الفخرية بسبب تغطيته الإخبارية قبل 15 عاما التي ساعدت في إنقاذ لوحات رومانية من الفسيفساء معرضة للخطر.
لكن كينزر الذي ألف كتبا عن الشرق الأوسط قال إن مضيفيه في تلك المدينة قالوا له وهم يشعرون بالحرج إنه تم إلغاء تكريمه بناء على أوامر شخصية من إردوغان بسبب عمود كتبه في صحيفة بوسطن جلوب في يناير كانون الثاني الماضي. وقال مسؤولون في مكتب إردوغان إنهم ليس لديهم أي معلومات عن هذه المسألة ولم يتسن على الفور الاتصال بمكتب رئيس بلدية مدينة غازي عنتاب للتعليق على الأمر.
وقال كينزر "من الغريب أن نجد رئيس دولة يهتم إلى هذا الحد ببضع جمل تنتقده ظهرت في صحيفة على بعد آلاف الأميال منذ شهور. هذا يرفعني إلى مستوى لم أطمح حتى أن أصل إليه." وأضاف أن رئيس بلدية غازي عنتاب قيل له أن كينزر "عدو لحكومتنا وبلادنا" لأنه كتب في عمود في الرابع من يناير كانون الثاني إن إردوغان "يجلس في قصر من ألف غرفة يندد بالاتحاد الاوروبي ويصدر المراسيم للقبض على الصحفيين ويتندر على التنورات القصيرة والحد من النسل."
يؤكد إردوغان فكرة أن تركيا - التي تقبع قرب ذيل القوائم الدولية لترتيب الدول في حرية الصحافة - تملك وسائل إعلام حرة ويرفض أي إشارة لغير ذلك. وقد أعلن في يناير كانون الثاني الماضي أن الصحفيين الأتراك يتمتعون بحرية أكبر من أي صحفي في أوروبا. غير أن السلطات كثيرا ما استخدمت قوانين مكافحة الارهاب ذات التعريفات الفضفاضة في تقديم صحفيين للمحاكمة في الماضي بينما مازال عشرات يواجهون دعاوى قانونية بسبب إشارتهم لفضيحة فساد مست الدائرة المقربة من إردوغان في ديسمبر كانون الأول عام 2013.
كما هاجم إردوغان صحيفة حريت في لقاءاته الجماهيرية الأخيرة لنشرها عنوانا عن إحالة أوراق الرئيس المصري السابق محمد مرسي للمفتي تمهيدا للحكم بإعدامه أشارت فيه إلى حصوله على 52 في المئة من أصوات الناخبين المصريين. وأشار إردوغان الذي حصل أيضا على 52 في المئة في انتخابات الرئاسة في أغسطس اب الماضي إلى أن العنوان يشير إليه شخصيا والغرض منه أن يدلل على أنه يجب أن يلقى نفس المصير. وتربط جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي صلات وثيقة بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أسسه إردوغان. بحسب رويترز.
وردت صحيفة حريت بصراحة فظة غير معهودة في افتتاحية فقالت "ماذا تريد منا؟ ولماذا تهاجمنا بظلم بين وتشنيعات واضحة؟" من ناحية أخرى سعى ممثل للنيابة لإغلاق قناتي سمانيولو وبوجون التلفزيونيتين حسبما قالت وسائل إعلام محلية. وترتبط القناتان بشبكة الداعية الاسلامي فتح الله كولن الذي يتهمه إردوغان بالسعي لإقامة "دولة موازية" والاطاحة به. وفي الشهور الأخيرة تعرض صحفيون يعملون بصحف وقنوات تلفزيونية تربطها صلات بكولن للاعتقال واتهموا بالارهاب ومن بينهم أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة زمان الذي منع من السفر. وقال دومانلي "أرى صلة مباشرة بالانتخابات" مضيفا أن الغرض فيما يبدو هو منع التقارير الصحفية التي لا تتحدث في صالح الحكومة من أن ترى النور. وأضاف "بالعقلية الدكتاتورية يمكن لشخص أن يقول إنك عدو ويعدمك من خلال ممثلي النيابة والقضاة الذين سبق إعدادهم."
طموحات عسكرية
الى جانب ذلك ومنذ سنوات تفاخر تركيا بأنها تملك أكبر جيش في حلف شمال الاطلسي باستثناء الولايات المتحدة والآن يريد الرئيس رجب طيب إردوغان أن تعكس صناعة السلاح التركية هذه المكانة. ويعكس حلم إردوغان أن تتولى تركيا بنفسها تصنيع كل ما تحتاج إليه من عتاد عسكري في غضون سنوات قليلة طموحه أن تلعب بلاده دورا أكبر في منطقة مضطربة وتحقيق الاستقلال عن الحلفاء القدامى في الغرب.
ودعا إردوغان مرارا إلى جعل تركيا من كبار مصدري كل شيء في العتاد الحربي من البنادق إلى الطائرات المقاتلة. ويتسق ذلك مع هدفه المعلن باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. وقال إردوغان "ما دام هناك معتدون في العالم فسيتعين علينا أن نكون جاهزين للدفاع." وقال "هدفنا هو تخليص صناعات الدفاع بالكامل من الاعتماد على الخارج بحلول عام 2023." وتنفق أنقره حوالي 18 مليار دولار سنويا على الدفاع وتصنع ما يزيد قليلا على نصف ما تحتاجه من عتاد محليا. وزادت الصادرات الدفاعية بنسبة 18 في المئة في العام الماضي لتصل إلى 1.65 مليار دولار وأصبح مشروع تصنيع دبابة وبندقية لجنود المشاة جاهزا تقريبا للانتقال إلى مرحلة الإنتاج على نطاق واسع.
ومازال مشروعان لإنتاج سفن حربية وطائرة مقاتلة في مراحل التصميم الأولية لكن إردوغان يأمل أن يبدأ الإنتاج بحلول عام 2023 ويريد أن يبلغ إجمالي الصادرات الدفاعية آنذاك 25 مليار دولار. وقال براق بكديل محلل شؤون الدفاع والكاتب بصحيفة حرييت "يعتقد حكام تركيا اعتقادا جازما أن تركيا لا يمكنها أن تكون القوة الإقليمية التي يريدونها دون قوة ردع عسكري يعتد بها." واضطرت أنقرة أن تطلب من حلف شمال الأطلسي أن ينشر صواريخ باتريوت عام 2014 لدعم الأمن على امتداد حدودها مع سوريا. ولطالما ضايق هذا الاعتماد على الخارج الأتراك.
وعلق رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على "التجربة المؤلمة" التي مرت بها تركيا في الحرب العالمية الأولى عندما اضطرت لشراء السلاح من الخارج. وقال "إن دولة لا تمتلك صناعتها الدفاعية لا يمكنها أن تحارب من أجل قضية التحرير." وأضاف أن طائرة مقاتلة محلية الصنع ستطير في أجواء تركيا بحلول عام 2023. ورغبة تركيا في الاعتماد على الذات أمر مفهوم إذ أنها تشترك في حدود يبلغ طولها 1200 كيلومتر مع سوريا والعراق.
وقال أتيلا سانديكلي ضابط البحرية المتقاعد ورئيس مركز بلقاسم للبحوث الأمنية في تركيا إن حظر السلاح الذي فرضته الولايات المتحدة بعد أن غزت القوات التركية شمال جزيرة قبرص عام 1974 جعل أنقرة أقل عدة مما يجب وكان بمثابة جرس إنذار. ورفع هذا الحظر بعد بضع سنوات. وحدث التحول من مشروعات صغيرة لصناعة كل شيء من أجهزة اللاسلكي إلى إطارات السيارات. ثم جاء إنتاج طائرات إف-16 بموجب ترخيص في الثمانينات واقترن بمشروعات تطوير مشتركة مع مصر وغيرها.
والآن أصبحت تركيا تضم اثنتين من أكبر 100 شركة للصناعات الدفاعية في العالم وهما شركتا أسيلسان وتوساش. غير أنه إذا أراد هذا القطاع أن ينافس الشركات الغربية العملاقة فيتعين عليه أن ينوع أسواق التصدير بعيدا عن أوروبا التي تعمل حكوماتها على خفض الميزانيات الدفاعية ويتجه إلى آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا حيث يتزايد الإنفاق. وقال فائق أكين المدير العام لشركة أسيلسان أكبر الشركات الدفاعية في تركيا "نحن نصنع منتجات أفضل من الغالبية في الغرب. ونحن أرخص... ونحن على استعداد لتبادل التكنولوجيا ويمكن لصناعة الدفاع التركية أن تصبح بديلا صائبا للغرب."
وأحدث نقطة شائكة بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي هي نقل التكنولوجيا. واختارت أنقرة شركة الصين لاستيراد وتصدير الآلات الدقيقة عام 2013 كصاحبة أفضل عرض لشبكة صواريخ طويلة المدى في مشروع قيمته 3.4 مليار دولار وقالت إن الاستحواذ على تكنولوجيا جديدة يمثل أولوية لها. وأثار ذلك مخاوف بشأن الأمن في الغرب لأن الولايات المتحدة سبق أن فرضت عقوبات على الشركة الصينية بسبب مخالفات مزعومة لقانون منع الانتشار النووي في إيران وكوريا الشمالية وسوريا. كذلك يشعر حلفاء تركيا في الغرب بالقلق بسبب مدى توافق التكنولوجيا الصينية مع نظم حلف شمال الأطلسي. بحسب رويترز.
وقال محرم دورتكاسلي الرئيس التنفيذي لشركة توساش إنه رغم أن الصناعات الدفاعية التركية مازالت ناشئة فقد بدأت تكتسب القدرة على استيعاب مشروعات كبرى. والآن تريد تركيا مكانا إلى جانب حلفائها في حلف الأطلسي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكذلك روسيا والصين. وأضاف "نحن نتحدث عن بلد سيصبح لديه دبابته الوطنية الخاصة وسفينته الوطنية الخاصة وطائرته الهليكوبتر وقمره الصناعي وطائرته الحربية. نحن نهدف أن يكون لدينا كل شيء يملكه الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن بالامم المتحدة."
اضف تعليق