قضية المعارض الروسي اليكسي نافالني، يمكن ان تفتح الباب امام ازمة دبلوماسية جديدة بين اوروبا وروسيا، خصوصاً بعد القرارات الاخيرة التي اتخذتها موسكو ضد نافالني، واشتدت المواجهة بين موسكو وبرلين، بعدما وجهت الأخيرة إنذارا لروسيا بفرض عقوبات إذا لم تقدم توضيحات في الملف...
خرج المعارض الروسي أليكسي نافالني من مستشفى في برلين، بعد نحو شهر على دخوله بحالة خطرة اثر الاشتباه بتعرضه للتسميم بمادة نوفيتشوك وفق ما أعلنت إدارة المنشأة الطبية. وقال مستشفى شاريتيه وكما نقلت بعض المصادر، "بناء على تحسن حالة المريض الصحية، يعتقد الأطباء المعالجون أن الشفاء التام ممكن" مضيفا أنه ما زال من السابق لأوانه تقويم أي آثار طويلة الأمد لتسممه.
وبعدما شعر نافالني (44 عاما) بالإعياء في 20 آب/أغسطس عندما كان في طائرة عائدة إلى موسكو، أُدخل إلى مستشفى في سيبيريا قبل أن يُنقل إلى ألمانيا حيث تبين أنه تعرّض للتسميم بمادة نوفيتشوك السامة للأعصاب التي طوّرها خبراء روس لأغراض عسكرية. واستُخدمت هذه المادة سابقا لتسميم العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا عام 2018 في انكلترا، وفق السلطات البريطانية. وأمضى 32 يوما في المستشفى، بما فيها 24 يوما في العناية المركزة، قبل إخراجه.
قضية المعارض الروسي اليكسي نافالني وكما يرى بعض المراقبين، يمكن ان تفتح الباب امام ازمة دبلوماسية جديدة بين اوروبا وروسيا، خصوصاً بعد القرارات الاخيرة التي اتخذتها موسكو ضد نافالني، واشتدت المواجهة بين موسكو وبرلين، بعدما وجهت الأخيرة إنذارا لروسيا بفرض عقوبات إذا لم تقدم توضيحات في الملف. فيما اتهم الكرملين، ألمانيا بتعطيل التحقيق الذي يطالب به، عبر عدم إحالة الوثائق الموجودة في الملف، معتبرا أن برلين "تمارس لعبة مزدوجة".
وكتب نافالني على مدوّنته في أول منشور له بعد استعادته وعيه "قبل أن يُسمح لي بالمغادرة إلى ألمانيا، أزالوا كل ملابسي وأرسلوني عاريا بالكامل. ونظرا إلى أنه تمّ العثور على مادة نوفيتشوك على جسدي وأن طريقة تسميم عبر اللمس مرجحة جدا، فإن ملابسي هي دليل مادّي مهمّ جدا". وأكد فريق أليكسي نافالني العثور على آثار نوفيتشوك على عبوة مياه بلاستيك وجدت في غرفة الفندق الذي كان يقيم فيه في سيبيريا.
ورفضت موسكو هذا الاحتمال، رغم الخلاصات الي توصّلت إليها مختبرات ألمانية وفرنسية وسويدية في هذا الاتجاه. وطلب الزعماء الأوروبيون من موسكو إعطاءهم تفسيرات وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن "روسيا وحدها هي التي يمكنها تقديم إجابات بشأن التسمم". ويقول حلفاء نافالني إنه ربما تسمم في مطار تومسك في سيبيريا حيث احتسى كوب شاي. لكن الأطباء الروس الذين عالجوا نافالني في البداية في مستشفى في أومسك قالوا إن الفحوص التي أجروها لم تكشف عن أي مواد سامة ورفض الكرملين الدعوات الدولية لإجراء تحقيق.
قضية وقرارات
وفي هذا الشأن أعلنت روسيا أنها وسّعت لائحة المواطنين الأوروبيين الممنوعين من دخول أراضيها، في قرار قُدّم على أنه ردّ على آليات "معادية" حديثة من جانب الأوروبيين. ولم تعطِ وزارة الخارجية الروسية السبب الدقيق لاتخاذ هذا القرار الذي يأتي على خلفية انتقادات أوروبية متزايدة منذ تأكيد مختبرات أوروبية تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني. وقالت الخارجية الروسية في بيان "أكثر من مرة حذّرنا الاتحاد الأوروبي من الطابع التدميري لسلوكهم"، مشيرةً إلى أنه تمّ توسيع لائحة الأشخاص والمنظمات الأوروبية المحظورة "لتعادل" لائحة الاتحاد الأوروبي.
وتابع البيان "إذا واصل الاتحاد الأوروبي هذا النهج التصادمي، سنحتفظ بحقنا في اتخاذ التدابير الملائمة". ومن دون الربط بين هذه العقوبات وقضية التسميم المفترضة، ندّدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بـ"حملة التضليل بشأن المواطن الروسي نافالني التي تنظّمها الدول الغربية وقادتها وممثلوها الرسميون". وقالت "نعتبر هذا الخطاب غير مقبول، ببساطة. ليس هناك أي دليل" ضد روسيا.
وتحدّث وزير خارجية الاتحاد الأوروبي مؤخراً عن احتمال إقرار نصّ تطلق عليه تسمية "قانون نافالني" ويُستخدم كوسيلة لعقوبات محتملة. وقالت ألمانيا أيضاً إنها تفكّر في اتخاذ تدابير عقابية. ودعت دول الاتحاد الأوروبي أيضاً روسيا إلى الكشف عن حقيقة ما تعتبره محاولة اغتيال، الأمر الذي ترفض موسكو القيام به، معتبرةً أنه لا يوجد أي دليل على ارتكاب جريمة. بحسب فرانس برس.
وتؤكد ألمانيا أنها رصدت وجود مادة سامة للأعصاب لدى نافالني كادت أن تقتله. إلا أن هذا السمّ طوّر في الحقبة السوفياتية لأغراض عسكرية، ما يدفع إلى توجيه أصابع الاتهام إلى السلطة الروسية. وندّدت موسكو بـ"اتهامات لا أساس لها" وتتهم ألمانيا بعدم مشاركة ملف نافالني الطبي معها. كما قالت بريطانيا إن على روسيا أن ترد على أسئلة تدور حول تسميم أليكسي نافالني خاصة وأنه في حكم المؤكد أن أجهزة المخابرات الروسية نفذت الهجوم بسلاح كيماوي يعود للعصر السوفيتي ويعرف باسم نوفيتشوك.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، متحدثا إلى جانب نظيره الأمريكي مايك بومبيو في واشنطن، إنه رحب بتعافي نافالني لكن لدى روسيا قضية يجب الرد عليها لأن استخدام سلاح كيماوي غير مقبول. وأضاف راب “على الحكومة الروسية توضيح ما جرى للسيد نافالني”. وتابع “من وجهة نظر المملكة المتحدة، من الصعب جدا تصور أي تفسير معقول بديل عن أنه من تنفيذ أجهزة المخابرات الروسية، لكن الحكومة الروسية لديها بالتأكيد قضية ويتعين عليها الرد بشأن ما يدور حولها”.
الى جانب ذلك قالت المتحدثة باسم السياسي الروسي المعارض أليكسي نافالني إن السلطات جمدت حساباته المصرفية وصادرت شقته في موسكو بموجب دعوى قضائية بينما يتعافى من اشتباه تسمم في مستشفى ببرلين. وقالت كيرا يارميش في مقطع مصور على تويتر ”هذا يعني أن الشقة لا يمكن بيعها أو التبرع بها أو رهنها“. وقالت يارميش إن أصول نافالني صودرت في 27 أغسطس آب بسبب دعوى قضائية رفعتها شركة موسكو سكول تشايلد للمواد الغذائية.
وأمرت محكمة روسية في أكتوبر تشرين الأول 2019 نافالني وحلفاءه بدفع 1.4 مليون دولار تعويضا عن التشهير بموسكو سكول تشايلد. وقالت المحكمة إن نافالني ومؤسسة مكافحة الفساد التابعة له وحليفه ليوبوف سوبول تسببوا في إلحاق ضرر معنوي بشركة موسكو سكول تشايلد وطلبت من مجموعته حذف مقطع مصور شككت فيه في جودة طعام الشركة. وقالت يارميش ”قررت المحكمة استرداد ما إجماليه 88 مليون روبل (1.14 مليون دولار) من نافالني وسوبول و مؤسسة مكافحة الفساد.. هذا هو المبلغ الذي تقدره كخسائر أرباح شركة سكول تشايلد لفقدها عقدا لتوفير الغذاء“.
خبراء وتقارير
على صعيد متصل أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنها أرسلت خبراء إلى ألمانيا لأخذ عينات من المعارض الروسي أليكسي نافالني، وأشارت إلى أن نتائج الاختبارات لتحديد ما إذا كان تعرض للتسميم بمادة نوفيتشوك سوف تعرف قريباً. وتقدمت برلين، حيث يتلقى معارض الكرملين العلاج بطلب رسمي للحصول على "مساعدة فنية" من المنظمة الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، بحسب المنظمة.
وخلص مختبر عسكري ألماني في 3 أيلول/سبتمبر إلى أن نافالني (44 عام) تعرض للتسميم بمادة من نوع نوفيتشوك،التي ابتكرت في العهد السوفياتي لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه موسكو. وأكد مختبران في فرنسا والسويد النتائج التي توصلت إليها ألمانيا، مما دفع باريس وبرلين إلى الإصرار من جديد على ضرورة إجراء تحقيق روسي. لكن برلين قالت إنها تنتظر تقييم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وذكرت المنظمة "أخذ فريق من الخبراء من الأمانة الفنية بشكل مستقل عينات طبية حيوية من السيد نافالني لتحليلها في المختبرات التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية". واضافت أن "نتائج هذه التحاليل ستعلن قريبا وسيتم إطلاع السلطات الالمانية عليها". وأعرب المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس في وقت سابق عن "قلقه البالغ" حيال قضية نافالني. واستعانت بريطانيا بالمنظمة بعد عملية تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال في مدينة سالزبري الإنكليزية عام 2018، وأكدت الهيئة حينها أنه تعرض للتسميم بمادة نوفيتشوك. بحسب فرانس برس.
وتتهم لندن المخابرات العسكرية الروسية بالوقوف وراء ذلك. وتهدد القضية بتصعيد التوتر مجددا في المنظمة حيث من الممكن لألمانيا أن تطلب من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية استخدام تفويضها الجديد لتحديد منفذي هجمات كيميائية. وعلى الرغم من معارضة موسكو الشديدة للأمر، تم منح المنظمة سلطات جديدة في 2018 تخولها تحديد الجهات التي تقف وراء هجمات كيميائية، بعدما كانت مهمتها تقتصر في الماضي على تحديد إن كانت الأسلحة الكيميائية استخدمت أم لا.
من جهة اخرى أكد فريق أليكسي نافالني العثور على آثار للمادة التي تسمم بها المعارض الروسي، على عبوة مياه بلاستيكية وجدت في غرفة الفندق التي كان يقيم فيها. وأكد فريقه على "إنستغرام" العثور على آثار مادة نوفيتشوك السامة المتلفة للأعصاب على "قنينة مياه بلاستيكية عادية" وجدت في غرفة فندق أليكسي نافالني في تومسك في الدقائق التي تلت إعلان أصابة المعارض بإعياء.
وأوضح أن مختبرا ألمانيا تعرف على المادة "بعد أسبوعين" على ذلك. وأصبحت عبوة المياه الدليل الرئيسي الذي سمح بالقول إن نافالني سمم بمادة نوفيتشوك. وفي مقطع مصوّر قالت الناطقة باسم المعارض كيرا ايارميش إن هذا الاكتشاف يعني أن "نافالني سمم قبل مغادرته الفندق وليس في المطار أو في الطائرة" في حين كانت أولى الشبهات تتجه إلى أنه قد يكون سمم في مطار تومسك حيث احتسى كوب شاي.
وتشكك روسيا بصدقية التحاليل الألمانية وترى فيها ذريعة للاتحاد الأوروبي لتهديدها بعقوبات جديدة. وتؤكد موسكو أنها لا تملك أي مخزون من مادة نوفيتشوك. وقال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين "تم التخلص منه (مخزون نوفيتشوك) بموجب بروتوكول وقوانين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية". وأضاف "لدينا الكثير من الأسئلة للجانب الألماني" لأن "لحظة مغادرة أليكسي نافالني الأراضي الروسية لم تكن في جسمه أي مادة سامة". من جهته، أشار المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى "عدم فهم" الوقائع، لأن موسكو لم تتلقَ أي بيانات صحية للمعارض طلبتها من برلين. وأكدت النيابة الألمانية أن البيانات الصحية هذه لا يمكن أن تُرسل إلى روسيا إلا بموافقة نافالني. أعلنت الشرطة الروسية في وقت سابق أنها تريد استجواب نافالني في ألمانيا. وطلب بوتين من أن تقدم برلين "العينات البيولوجية" التي سمحت للخبراء الألمان برصد وجود مادة من نوع نوفيتشوك في جسم نافالني.
اضف تعليق