في أحدث تطورات القضية بدأ القضاء التركي كما نقلت بعض المصادر بمحاكمة 20 متهماً غيابياً في جريمة مقتل خاشقجي، بما يعيد القضية إلى الواجهة ويعطي أملاً جديداً في إنفاذ العدالة، على الرغم من محاولات السلطات السعودية صرف أنظار العالم عنها. وكانت النيابة العامة التركية...
ماتزال قضية مقتل الصحفي مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في تركيا، وعلى الرغم من انشغال العالم بجائحة فيروس كورونا وما تبعها من اجراءات، محط اهتمام خاص داخل وخارج تركيا التي استطاعت وبحسب بعض المراقبين، ومن خال اهتمامها المتواصل بفصول وملابسات هذه القضية ان تجبر السعودية على الإعتراف بالجريمة التي وقت في قنصليتها بإسطنبول. الأمر الذي جعل ما تقوله أنقره محط اهتمام، بل ومبعث ثقة لدى معظم المسؤولين الدوليين ممن تحدثوا عن قضية خاشقجي.
وفي أحدث تطورات القضية بدأ القضاء التركي كما نقلت بعض المصادر بمحاكمة 20 متهماً غيابياً في جريمة مقتل خاشقجي، بما يعيد القضية إلى الواجهة ويعطي أملاً جديداً في إنفاذ العدالة، على الرغم من محاولات السلطات السعودية صرف أنظار العالم عنها. وكانت النيابة العامة التركية قد أعدت في مارس/آذار الماضي، لائحة اتهام من 117 صفحة ضد المتهمين الصادر بحقهم قرار توقيف لارتباطهم بالجريمة.
وتحتوي اللائحة على اسم خاشقجي بصفة "المقتول" وخطيبته جنكيز بصفة "المُدعي"، وتطالب بالحكم المؤبد بحق النائب السابق لرئيس المخابرات السعودية أحمد عسيري والمستشار السابق في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، وكلاهما مقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، بتهمة "التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي". كما تطالب لائحة الاتهام بالحكم المؤبد بحق 18 شخصاً يُعتقد بأنهم كانوا أعضاء كتيبة الإعدام التي وصلت إسطنبول لتنفيذ جريمة قتل الكاتب السعودي البارز، بتهمة "القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي". وتشير اللائحة إلى أن عسيري والقحطاني خططا لعملية القتل وأمرا فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وتلفت النيابة في لائحتها، إلى أنه خلال التحقيقات، روجِعت المكالمات الهاتفية للضالعين في الجريمة ورُضِدت جميع تحركاتهم داخل الأراضي التركية. كما تؤكد أنها أعدت اللائحة، بعد الاستماع إلى جميع الأطراف، والاطلاع على المكالمات الهاتفية وكاميرات المراقبة، ومتابعة سير التحقيقات في المحاكم السعودية وجمع الأدلة المختلفة. وتشير النيابة التركية إلى إصدار مذكرة بحث حمراء بحق الأشخاص الـ20، وإلى أن الشرطة الدولية (الإنتربول) والسلطات السعودية أُبلِغتا بطلب تسليمهم إلى تركيا.
وعلى الرغم من سعي السلطات السعودية الدؤوب إلى صرف أنظار العالم عن الجريمة والتي تورّط مسؤولون كبار في المملكة في ارتكابها في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لا تمر بضعة أشهر أو حتى أسابيع حتى تعود القضية إلى الواجهة، وتصبح حديثاً للرأي العام العربي والعالمي مجدداً. وكان خاشقجي من المقربين لنظام الحكم في السعودية ثم انقلب عليه ووجه له انتقادات شديدة. وكان يقيم في الولايات المتحدة ويكتب في صحيفة واشنطن بوست. وقتل داخل قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018 ، في أعقاب توجهه إلى المبنى للحصول على وثائق مطلوبة لعقد قرانه على خطيبته التركية خديجة جنكيز.
قضية وفصول
وفي هذا الشأن بدأت في مدينة اسطنبول بتركيا جلسات محاكمة عشرين متهما سعوديا غيابيا بتهمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، ومن بين المتهمين مساعدان سابقان لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ووجهت للمتهمين تهم "القتل عمدا وبشيطانية، والتسبب في عذاب شديد"، وأصدر الادعاء العام مذكرات اعتقال بحقهم. ويقول الادعاء العام التركي إن أحمد العسيري نائب رئيس المخابرات السعودية السابق والمشرف العام السابق على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي سعود القحطاني ترأسا العملية وأصدرا الأوامر لفريق الاغتيال السعودي. ووجهت إلى باقي المتهمين تهم خنق خاشقجي الذي لم يعثر على رفاته حتى الآن، وتقول السلطات التركية إن جسمه قُطع ونقلت أجزاؤه إلى مكان مجهول.
وحضرت خطيبة خاشقجي جلسة المحاكمة إلى جانب آغنس كالامارد المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن القتل غير القانوني. وتربط كالامار مباشرة بين ولي العهد وقتل الصحفي، كما حضرها ياسين آكتاي صديق خاشقجي ومستشار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. ونفت السلطات السعودية في البداية تورطها في حادث القتل، لكنها وصفته فيما بعد بالعملية المارقة. كما أجرت محاكمة سرية في كانون الأول/ديسمبر الماضي برأت ساحة العسيري والقحطاني وحكمت على خمسة متهمين بالإعدام. بحسب بي بي سي.
وقد أعلن أبناء خاشقجي في أيار/مايو الماضي عفوهم عن قاتلي والدهم، وهي خطوة يتوقع أن تمكن السلطات من العفو عن الخمسة المحكوم عليهم بالإعدام في هذه القضية. وتعتقد وكالة الاستخبارات الأمريكية وحكومات غربية أن القتل كان بناء على أوامر من ولي العهد من بن سلمان، وهو ما ينفيه. وتقول كالامارد إن خاشقجي كان "ضحية إعدام مدبر عن سابق قصد وترصد، أي أنه قتل غير قانوني تتحمل الحكومة السعودية المسؤولية عنه". وكان خاشقجي يبلغ من العمر تسعة وخمسين عاما عند وقوع حادثة قتله. وتأمل جنكيز، التي كانت تنتظر خطيبها خارج مبنى القنصلية يوم قتل، أن تكشف المحاكمة أدلة جديدة هامة، وتبين ما حدث لرفات خاشقجي. وقالت خطيبته خديجة جنكيز، التي كانت تنتظره أمام القنصلية يوم مقتله، "أتعشم أن تسلط هذه القضية الجنائية في تركيا الضوء على مكان رفات جمال وتكشف الأدلة التي تدين قاتليه".
واتهمت تركيا مسؤولين سعوديين بعرقلة التحقيقات في القنصلية في حين قالت الرياض مرارا إن الادعاء في اسطنبول لم يمتثل لطلبهم بتبادل المعلومات. ونفي ولي العهد السعودي أن يكون هو من أصدر الأمر بالقتل لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية النهائية باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة. وكانت السعودية قد أنكرت في بادئ الأمر أي صلة أو معرفة لها بقتل خاشقجي ثم غيرت موقفها بعد ذلك عدة مرات.
ترحيب اممي ومناورات سعودية
من جهتها رحبت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أغنيس كالامارد، وهي المخوّلة من قبل المنظمة الدولية بمتابعة مجريات القضية، باللائحة التي قدّمتها النيابة العامة التركية إلى القضاء. ونشرت كالامارد في 25 مارس/آذار الماضي، تغريدة على تويتر، قالت فيها: "أُرحب للغاية بقرار النيابة العامة في إسطنبول رفع دعوى قضائية ضد نائب رئيس الاستخبارات السعودية السابق أحمد عسيري، ومستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني، بالإضافة إلى 18 شخصاً آخرين، بتهمة القتل العمد عن سابق تصميم وتخطيط". وأضافت أن "ما نحتاجه الآن هو أن تقوم الولايات المتحدة بما يقع على عاتقها"، مشددة على أن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة يجب أن يطلع الرأي العام على التقييمات السرية السابقة المتعلقة بالمسؤولين عن مقتل خاشقجي، بمن فيهم ولي العهد محمد بن سلمان.
وتأتي الخطوات القضائية التركية بعد سلسلة طويلة من المناورات السعودية الهادفة إلى إماتة القضية وصرف نظر الرأي العام الدولي عنها، سواءً عبر مسارات قضائية لا تؤدي إلى شيء أو إغراءات وضغوط سياسية تُمارسها المملكة على أطراف المجتمع الدولي وأسرة الصحفي القتيل. فعلى الصعيد القضائي، قالت النيابة السعودية في ديسمبر/كانون الأول 2019، إن محكمة سعودية حكمت بالإعدام بحق 5 متهمين وسجن ثلاثة آخرين لمدة 24 عاماً أُدينوا بالضلوع في ارتكاب الجريمة، دون أن توضح هُوية المحكمة التي أصدرت الأحكام.
واللافت أنه حسب النيابة السعودية، فقد أُفرِج عن سعود القحطاني بعدما أُخليت ساحته من التورط في الجريمة، وأُفرِجَ كذلك عن أحمد عسيري "لعدم كفاية الأدلة" التي تدينه. وبعد أيام من إصدار الأحكام تبيّن أن السعودية تجاهلت تماماً المقررات الأممية حول الجريمة، إذ كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية وقتها، أن الرياض تسعى لإعادة القحطاني إلى الواجهة، بعد أن برأته النيابة العامة.
ورداً على قرارات القضاء السعودي، قال وزير العدل التركي عبد الحميد غل: "يبدو أنه توجد محاولات لإنقاذ أشخاص ما في السعودية، فالسلطات لم تجر المحاكمة بشفافية كاملة، ولا يمكن قبولها تماماً". وأكد الوزير التركي حينها أن بلاده اقترحت منذ البداية إجراء تحقيق دولي شفاف، لافتاً إلى أن السلطات القضائية التركية تواصل إجراءات محاكمتها في القضية، لأن الجريمة وقعت على الأراضي التركية. فيما قالت الخارجية التركية آنذاك، إن أحكام القضاء السعودي "بعيدة عن تلبية تطلعات أنقرة والمجتمع الدولي"، وتعبر عن "قصور أساسي في تجلّي العدالة ومبدأ المساءلة".
على صعيدٍ آخر، استمرت اللوبيهات ومجموعات الضغط السعودية في الولايات المتحدة وأوروبا، في إقناع القادة السياسيين وصناع القرار بتجاهل القضية، الأمر الذي تشير إليه اتهامات وجّهها أعضاء في الكونغرس إلى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالمساعدة في التستر على الجريمة، ومطالبات بنشر تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA والاستخبارات الوطنية DNI حول الجريمة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تواصلت الإغراءات والضغوط على عائلة خاشقجي، حتى نشر نجله صلاح في مايو/أيار الماضي، بياناً أعلن فيه عفو العائلة عن قتلة أبيه. في هذا الصدد يقول المحلل المختص في الشأن الخليجي جورجيو كافيرو: "يجب أن نتوقع أن تكون ضغوطاً كبيرة مارسها مسؤولون سعوديون على أفراد عائلة جمال خاشقجي، وبالتالي فمن غير المرجّح أنهم امتلكوا بالفعل خيار العفو".
وفي إشارة إلى تقارير إعلامية تفيد بأن صلاح نجل خاشقجي الذي يحمل الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسيته السعودية، ممنوع من مغادرة المملكة منذ مقتل والده، يقول كافيرو في حديث إلى TRT World إنه "على الصعيد العملي، لم يكن متوقعاً أن يُحاكَم قتلة خاشقجي على جريمتهم، ولكن بهذا العفو بات واضحاً أن الأمر لا يعدو كونه انتهاكاً صارخاً للعدالة". وتعليقاً على بيان نجل خاشقجي، قال الناشط الحقوقي والمعارض السعودي يحيى عسيري إن "قضية قتل جمال خاشقجي ليست قضية عائلية"، لتُغلق بمجرد عفو أفراد العائلة عن المجرم. وأضاف عسيري في تغريدة أن الجريمة "ليست قتل خطأ في إطار طبيعي. لم يقتله أحد بسبب وضع شخصي لنصمت وتتدخل عائلته، هي جريمة سلطات، قتلته السلطات بسبب عمله السياسي"، وبالتالي فإن "قضيته سياسية، فليصمتوا!".
وشدد عسيري على أن هذا الموقف ليس رد فعلٍ على بيان صلاح خاشقجي، وإنما موقف قديم، مدللاً ببيانٍ وقّع عليه سياسيون ونشطاء سعوديون في ديسمبر/كانون الأول 2019، أعربوا فيه عن رفضهم القاطع "استخدام السلطات لأسرة المغدور جمال خاشقجي أو بعضهم، فالقضية ليست عائلية، بل قضية رأي عام، وجمال رحمه الله لم يقتل في شجار جنائي عائلي، بل هو كاتب سياسي قتلته السلطات، والقضية تهمنا كسياسيين أكثر من أسرته".
اضف تعليق