يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع استمرار تفشي فيروس كورونا وانهيار اسعار النفط، التي تراجعت إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2002، تحديات وازمات جديدة ومهمة بسبب هذه الازمة التي اثرت سلباً على الاقتصاد الروسي، والتي ستجعل الرئيس الروسي الذي أكد ان ذروة تفشي المرض لم تأت...

يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع استمرار تفشي فيروس كورونا وانهيار اسعار النفط، التي تراجعت إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2002، تحديات وازمات جديدة ومهمة بسبب هذه الازمة التي اثرت سلباً على الاقتصاد الروسي، والتي ستجعل الرئيس الروسي الذي اكد ان ذروة تفشي المرض لم تأت بعد في موقف صعب وتحديات كبيرة، خصوصاً مع تمديد فترة الإغلاق و الحجر الصحي و استمرار تقلبات أسعار النفط، وأنفقت روسيا بالفعل ما يقرب من 3 تريليونات روبل (40 مليار دولار) على الدعم الطارئ لمكافحة فيروس كورونا.

وقد حذر بعض الخبراء من ركود الاقتصاد الروسي، وارتفاع معدل الفقر والبطالة، واكدوا أن الأزمة بالنسبة لروسيا كما نقلت بعض المصادر، قد تكون أكثر خطورة مما هي عليه في العالم، نظراً لأن الاقتصاد الروسي يقبع تحت تأثير مزيج من صدمة الحجر الصحي لمواجهة كورونا، والتي أدت إلى توقف قطاعات بأكملها، مع صدمة الانخفاض الحاد في عائدات النفط للميزانية الروسية، بينما سيؤدي انخفاض أسعار النفط إلى انكماش الطلب المحلي، وفقدان عدد كبير من المواطنين الروس وظائفهم وأعمالهم.

وقال مكسيم ريشيتنيكوف، وزير التنمية الاقتصادية الروسي في وقت سابق، إن خسائر الاقتصاد الوطني نتيجة جائحة كورونا، وتدابير مواجهتها، تبلغ نحو 100 مليار روبل يومياً (نحو 1.3 مليار دولار) في جميع أنحاء البلاد. وأشار ايضاً إلى أن عجز الميزانية الروسية خلال العام الحالي قد يصل حتى 4.5 - 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، إن روسيا ستحتاج لاقتراض تريليون روبل (13.44 مليار دولار) إضافية هذا العام لتغطية العجز في الإيرادات من القطاعات غير النفط والغاز.

وقال الوزير إن من المتوقع ضخ تريليوني روبل من صندوق الثروة الوطني لتغطية العجز في الإيرادات التي تأتي من قطاع النفط والغاز. وفي تصريحات سابق قال سيلوانوف إن خسائر الاقتصاد الروسي الناجمة عن تراجع مستوى التبادل التجاري مع الصين بلغت نحو مليار روبل يومياً، وأضاف: هذه نتيجة تفشي فيروس كورونا الجديد. إلا أن الوضع تغير جذرياً بعد اتخاذ السلطات الروسية قراراً بفرض الحجر الصحي في البلاد، ومن ثم إعلان عطلة شهر، حتى مطلع مايو (أيار) المقبل، أدت عملياً إلى توقف شبه عام للنشاط الصناعي والاقتصادي. ومع استمرار تزايد الإصابات الجديدة بالفيروس، يُتوقع أن تمدد السلطات عطلة كورونا مما يعني زيادة تلك الخسائر.

مشاكل تتصاعد

كان يفترض التصويت على تعديل دستوري يسمح للرئيس فلاديمير بوتين بالبقاء في الحكم حتى العام 2036. وبسبب الجائحة تأجل التصويت التي وصفها خصومه بأنها بمثابة تشديد قبضته على السلطة، إلى أجل غير مسمى. وتأجل كذلك استعراض عسكري في ذكرى مرور 75 عاما على الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية وهو حدث تاريخي طالما استغله بوتين ضابط المخابرات السابق لدعم ما يردده عن صحوة روسيا بفضله.

وسبق أن خرج بوتين سالما من أزمات عديدة وما من مؤشرات على أنه بسبيله للخروج من المشهد. غير أن المشاكل تتراكم على كاهل الرجل الذي هيمن على الساحة السياسية في روسيا منذ العام 2000. فقد بلغ سعر النفط، شريان الحياة للاقتصاد الروسي، أدنى مستوياته منذ ما يقرب من عقدين من الزمان كما أن العملة الروسية الروبل أصبحت الآن من أسوأ العملات العالمية أداء.

ويقول أكبر البنوك الروسية إن الناتج المحلي الإجمالي قد ينكمش بنسبة 15 في المئة إذا ما هبطت أسعار النفط دون عشرة دولارات للبرميل. وقال سيرجي جوريف الاقتصادي المرموق الذي رحل عن روسيا عام 2013 ”لن يحدث انهيار على مستوى الاقتصاد الكلي لكني أشعر بالقلق على السكان خشية أن يفقدوا مصادر رزقهم“. ويقول وزير المالية السابق أليكسي كودرين إن عدد الروس العاطلين عن العمل قد يرتفع لثلاثة أمثاله ليصل إلى ثمانية ملايين عاطل هذا العام.

وقالت تاتيانا إيفدوكيموفا كبيرة الاقتصاديين بشركة نورديا روسيا إن إيرادات النفط والغاز قد تنخفض بمقدار 165 مليار دولار الأمر الذي سيجبر الحكومة على سحب مبالغ ضحمة من احتياطاتها الدولية لتمويل ميزانية الدولة التي تواجه بالفعل الآن عجزا كبيرا. ويبدو الآن أن الفرص تضاءلت أكثر من أي وقت مضى لرفع مستويات المعيشة وتحسين البنية التحتية من خلال برنامج هدفه الإسهام فيما سيخلفه بوتين من إنجازات بإنفاق قرابة 26 تريليون روبل (338 مليار دولار).

وقال البروفيسور سيرجي ميدفيديف الأستاذ بكلية الاقتصاد العليا في موسكو ”كل هذه الأشياء مجتمعة تعادل أكبر تحد يواجهه بوتين خلال أعوامه العشرين في السلطة“. وأضاف ”المشهد تغير تغيرا جذريا. الاستقرار أصابه الدمار وتراجعت بشدة شرعية بوتين وربما كانت المعارضة توشك على التفجر بين النخبة (على الصعيد السياسي والأعمال)“. ووصلت شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ 2013 فبلغت 63 في المئة وفقا لاستطلاعات مؤسسة ليفادا.

كذلك ظهرت بعض البوادر المبكرة على الاضطرابات الاجتماعية بسبب الوضع فشهد جنوب روسيا احتجاجا على القيود المفروضة لاحتواء الفيروس وشهد الإنترنت بعض الاحتجاجات والشكاوى المتنامية من جانب الشركات من أن السلطات لا تبذل جهدا كافيا لمساعدتها على تجاوز الأزمة. ووصف الكرملين الاحتجاج الذي شهده جنوب البلاد بأنه مخالف للقانون لكنه قال إن من الضروري الإنصات لمخاوف الناس. وقال أيضا إن الحكومة ستبذل جهدا أكبر لمساعدة الشركات إذا اقتضى الأمر.

وكانت السلطات طالبت أصحاب الأعمال في القطاع الخاص بوقف نشاطهم ومواصلة صرف مرتبات العاملين. وقالت داريا كامينسكايا التي تملك ورشة لإصلاح السيارات توقف العمل فيها إنها دفعت مرتبات السبعة العاملين لديها من مالها الخاص. وأضافت ”هكذا كانت الثورات تقوم في الماضي بادئة بالطبقة الكادحة“. وقال رجل أعمال روسي كبير طلب عدم نشر اسمه خوفا من التداعيات إنه يتوقع موجة من الإفلاسات بين الشركات الصغيرة. وأضاف ”ربما لا تكون من السوء بمثل ما حدث عام 1991 (انهيار الاتحاد السوفيتي). لكنها ستكون صعبة. وربما لا يحدث عنف ومظاهرات كبيرة لكن الناس سيكونون على شفا الغليان“. بحسب رويترز.

وسلطت الأضواء على دور بوتين واتهمه منتقدوه بالتغيب في البداية عن الخط الأمامي في معركة احتواء كورونا. ورفض الكرملين هذه الانتقادات وقال إن من الصواب السماح للقيادات الإقليمية بالتعامل مع الأوضاع على المستوى المحلي. لكن قرار بوتين إرسال إمدادات طبية إلى الولايات المتحدة ودول أخرى لم يستسغه بعض الروس الذين يشعرون بالقلق على الإمدادات المحلية. ولموسكو احتياطيات دولية تتجاوز 550 مليار دولار كما أن وزارة المالية تقول إن بإمكان روسيا أن تتحمل أسعار النفط المنخفضة لفترة طويلة. ولا يواجه بوتين أي خطر فوري ظاهر من المعارضة التي نجح في تحجيمها باستخدام أدوات رسمية. وقد تفرق المتظاهرون في النهاية في الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد عامي 2011 و2012. غير أن بعض المنتقدين يقولون إن الإضرابات الاقتصادية ومشاعر الاستياء الشعبي من أسلوب إدارة أزمة كورونا قد تخرج عن السيطرة.

تعديلات واجراءات

على صعيد متصل قالت ثلاثة مصادر بشركات النفط الروسية ومتعاملان اثنان إن الشركات الروسية أجرت تعديلات كبيرة لتقليص خطط صادراتها من الخام. واتفقت أوبك+ على خفض الإنتاج حوالي عشرة ملايين برميل يوميا في مايو أيار ويونيو حزيران، وهو ما يعني تقليص صادرات النفط الروسية. وتواجه بعض شركات النفط الروسية أيضا احتمال إغلاق بعض حقول الخام. ويتعين على روسيا خفض الإنتاج إلى 8.5 مليون برميل يوميا من أول مايو أيار من خط أساس يبلغ 11 مليون برميل يوميا، بحسب بنود الاتفاق، وهي أكبر تخفيضات على الإطلاق تباشرها موسكو، وتأتي في مسعى للتصدي لانهيار الطلب العالمي على النفط من جراء فيروس كورونا.

وقال مصدر ”خفض الإنتاج هذا ضخم. لا يمكن أن يمر دون أن يلاحظه أحد. علينا خفض الإمدادات المحلية والصادرات على حد سواء.“ ولا يتناول الاتفاق العالمي أحجام التصدير، بل الإنتاج فحسب. ولم تقرر شركات النفط بعد كيف ستوازن بين التدفقات الخارجية والداخلية لشهر مايو أيار إذ مازالت منخرطة في مفاوضات على إمدادات النفط مع العملاء في أوروبا وشركات التكرير الخاصة بها.

وقال متعاملون إن التعديل الفوري لجدول تحميلات الأيام الخمسة الأولى من مايو أيار يظهر أن الشركات تعيد النظر في أحجام صادراتها للشهر القادم وأن الإلغاء قد يشمل مزيدا من الشحنات بعد أن تكون الشركات صورة واضحة للحقول التي سَيُخفض إنتاجها. ومن المقرر أن تكون معدلات تشغيل مصافي التكرير المحلية الروسية منخفضة نسبيا في مايو أيار بسبب أعمال صيانة موسمية. وقال متعامل ”مصافي التكرير مازالت بحاجة لإمدادات، في حين أن سوق النفط في أوروبا ضعيفة جدا لشحنات مايو أيار، لذا يبدو خفض الصادرات منطقيا.“

من جانب اخر قال مصدر إن مزود خدمات حقول النفط بتروفاك بصدد إطلاق برنامج لتسريح العمالة تتوقع الشركة أن يفضي إلى تقليص أعداد العاملين بنسبة 20 بالمئة مع سعيها للتأقلم مع تهاوي أسعار النفط. قالت الشركة التي مقرها بريطانيا إن التسريحات طوعية لكن قد تصبح إلزامية إذا لم يقبلها عدد كاف، مضيفة أنها قد تدرس تقليص الأجور الأساسية عشرة بالمئة على الأقل للعديد من الموظفين.

وكتب أيمن أصفري الرئيس التنفيذي لمجموعة بتروفاك في البريد الإلكتروني الذي أرسل إلى الموظفين ”تهاوي سعر النفط قد يكون له أثر كبير في الطلب على خدماتنا للمدى القصير والمتوسط.“ وأضاف ”يجب أن نتحرك فورا وبشكل حاسم لحماية مستقبل أعمالنا.“ وأكد مصدر فحوى الرسالة. وقال متحدث باسم بتروفاك، التي تصمم منشآت النفط والغاز وتتولى تشييدها وتشغيلها، ”كشركة مسؤولة، وشأننا شأن معظم شركات القطاع، نضع عددا من الإجراءات الداخلية لمساعدتنا في التعامل مع تحديات البيئة الحالية.“

فقد خام برنت نحو ثلثي قيمته في الربع الأول من العام مع تهاوي الطلب من جراء خطوات وقف انتشار فيروس كورونا ووسط معركة على الحصة السوقية بين السعودية وروسيا، أسفرت عن ضخ إضافي للنفط في سوق متخمة بالمعروض. وأعلنت شركات أخرى بقطاع الطاقة إجراءات لمعالجة التباطؤ، تشمل تخفيضات كبيرة للنفقات. وقال الرئيس التنفيذي لبتروفاك إن برنامج التسريح الطوعي سيعرض على الموظفين لفترة أسبوعين لكن الشركة قد تدرس تسريحات إلزامية بعد تلك المدة. بحسب رويترز.

وقال أصفري إن الشركة تعتزم أيضا خفض الإنفاق الرأسمالي المزمع بنسبة 50 بالمئة. وكتب يقول إن بتروفاك ”ستدرس على الأرجح تقليص الرواتب الأساسية والبدلات بما لا يقل عن عشرة بالمئة للعديد من الموظفين“. وأضاف أنها تستكشف أيضا خيار الاستفادة من الدعم الحكومي لسداد أجور العاملين في الدول التي أعلنت عن برامج من هذا النوع. تعمل بتروفاك في أنحاء العالم بما في ذلك مع شركات نفط وطنية مثل أدنوك وأرامكو السعودية، وبلغت إيراداتها 5.5 مليار دولار العام الماضي ويعمل بها حوالي 11 ألفا و500 شخص.

خفض أسعار الفائدة

في السياق ذاته خفض البنك المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيسي إلى 5.5 بالمئة وقال إن هناك مجالا لمزيد من تخفيضات أسعار الفائدة هذا العام في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد تراجعا لأسعار النفط وتداعيات من تفشي فيروس كورونا. ويتماشى قرار خفض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس، وهو ما يزيد عن الخفض المعتاد، مع توقع استطلاع أجرته رويترز بأن يقتدي بنك روسيا بغيره من البنوك المركزية وأن يقلص أسعار الفائدة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.

وقال البنك المركزي ”راجع بنك روسيا تصوره الأساسي للتوقعات ويتجه صوب سياسة نقدية تيسيرية“ ”إذا تطور الوضع بما يتماشى مع التوقع الأساسي، فإن بنك روسيا يفتح أفق خفض آخر لأسعار الفائدة في اجتماعاته القادمة“. وبعد أن أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير الشهر الماضي في ظل مخاوف من أن التضخم سيرتفع بقوة مع انخفاض الروبل لأدنى مستوى في أربع سنوات، قال البنك المركزي إن التضخم سيتأثر بشكل كبير بتراجع ضخم في الطلب المحلي والخارجي هذا العام.

وبلغ التضخم السنوي 3.1 بالمئة في 20 أبريل نيسان، ليظل دون المستوى المستهدف البالغ أربعة بالمئة، إذ تسببت إجراءات العزل العام الروسية الهادفة لإبطاء انتشار فيروس كورونا المستجد في الضغط على طلب المستهلكين. كما عدل البنك توقعاته للنمو الاقتصادي. ويتوقع حاليا انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين أربعة وستة بالمئة هذا العام قبل أن يعاود النمو في 2021. وكان البنك المركزي يتوقع في السابق نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 1.5 واثنين بالمئة هذا العام.

اضف تعليق