q
تطول لائحة الدول التي تدعو إلى مطالبة الصين بتعويضات مالية ثمنًا لأخطائها في مسألة كورونا، إما لأنها مسؤولة عن تفشي الفيروس، أو لأنها قدمت معلومات مغلوطة عن سبل الوقاية منه، أو لأنها أعلنت أرقامًا مضللة عن خسائرها البشرية، هل ستدفع الصين الثمن بسبب تفشي فيروس كورونا؟...

فيروس كورونا الذي اثار الرعب والهلع واوقف الحياة العامة بشكل تام في اغلب دول العالم، اثار ايضاً ازمات ومشكلات سياسية جديدة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين، حيث شهدت الفترة السابقة تصاعد حرب الاتهامات المتبادلة بشأن أصل الفيروس، وكانت وسائل إعلام أميركية ادعت وبحسب بعض المصادر، أن الفيروس تسرب من مختبر في مدينة ووهان الصينية حيث ظهر الفيروس لأول مرة، بينما هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكين متهما إياها بالمسؤولية عن انتشار الوباء بسبب طريقة تعاملها معه.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن جميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن فيروس كورونا المستجد نشأ في خفافيش في الصين في أواخر العام الماضي ولم يتم تخليقه أو إنشاؤه في معمل. وقالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية فضيلة الشايب ”جميع الأدلة المتوفرة تشير إلى أن للفيروس أصلا حيوانيا وأنه ليس فيروس تم تخليقه أو إنشاؤه في معمل أو مكان آخر“. ويتّهم رئيس الولايات المتحدة، الدولة الأكثر تضرراً بالوباء في العالم، الصين حيث ظهر المرض، بأنها "أخفت" خطورة الفيروس والعدد الحقيقي لضحاياه.

وتتكرر التوترات الدبلوماسية بين البلدين منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام 2017. وتهاجم واشنطن بكين على عدة جبهات أخرى من التنديد بتوسعها العسكري في بحر الصين الجنوبي إلى الاتهامات بتجسس صناعي. كما اثارت الازمة خلافات بين الصين وبعض الدول الاوروبية بشأن آليات مكافحة كورونا والإعلان عنه، يضاف الى ذلك شكوك بعض الدول والحكومات بأهداف ونوايا الصين الاخيرة ومساعداتها وتمددها في القارة الأوروبية.

ترامب والصين

وفي هذا الشأن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لا بد وأن تواجه الصين عواقب لم يكشف النقاب عنها إذا كانت ”مسؤولة عن عمد“ عن جائحة فيروس كورونا. وأضاف ” لو كان خطأ فالخطأ خطأ. ولكن إذا كانوا مسؤولين عن عمد فأعني هنا أنه لا بد وأن تكون هناك عواقب“. ولم يدل ترامب بتفاصيل بشأن الإجراءات التي قد تتخذها الولايات المتحدة. وانتقد ترامب ومساعدون كبار الصين بحدة لافتقارها للشفافية بعد تفشي فيروس كورونا في إقليم ووهان.

وعلق المساعدات لمنظمة الصحة العالمية متهما إياها بالتحيز للصين. ونشبت مرارا خلافات علنية بين واشنطن وبكين أكبر اقتصادين في العالم بشأن الفيروس. وأشاد ترامب في بادئ الأمر برد الصين على التفشي ولكنه ومسؤولون كبار آخرون أشاروا أيضا إليه بوصفه ”الفيروس الصيني“.

وقال ترامب إن العلاقات بين أمريكا والصين كانت جيدة ”إلى أن فعلوا ذلك“ مشيرا إلى اتفاق زراعي تم التوصل إليه في الآونة الأخيرة واستهدف إنهاء حرب تجارية بين البلدين. وأضاف أن السؤال الآن هو ما إذا كان ما حدث بشأن فيروس كورونا ”خطأ خرج عن نطاق السيطرة أم أنه تم بشكل متعمد“. وقال ”هناك فرق كبير بين الأمرين“.

وأثار ترامب أيضا تساؤلات بشأن مختبر بمدينة ووهان قالت محطة فوكس نيوز إنه من المرجح قد طور فيروس كورونا في إطار جهود الصين لإظهار كفاءة جهودها لتحديد ومكافحة الفيروسات. وقال ترامب إن حكومته تحاول تحديد ما إذا كان الفيروس خرج من مختبر صيني. وشكك ترامب أيضا في عدد الوفيات بالصين.

كما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده تريد إرسال محققين إلى الصين للتحقيق في انتشار فيروس كورونا المستجد، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه الشكوك حول منشأ الفيروس وتاريخ بدء انتشاره. وقال الرئيس الأمريكي، في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض: "نحن نتحدث إلى الصين. تحدثنا إليهم منذ وقت طويل عن الدخول. نريد الدخول. نريد أن نرى ما يحدث، لكن لم تتم دعوتنا بالضبط، يمكنني أن أخبركم بذلك".

وكانت الصين قد رفضت سابقا طلبات من الولايات المتحدة لإرسال محققين، بينما تتهم واشنطن السلطات الصينية باستمرار حجب معلومات دقيقة عن مدى انتشار فيروس كورونا داخل الأراضي الصينية. من جانبه، قال نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، إن "الحقيقة غير المريحة هي أن هذا الرئيس (ترامب) ترك أمريكا مكشوفة وعرضة لهذا الوباء". وأضاف بايدن أن ترامب "تجاهل تحذيرات خبراء الصحة ووكالات المخابرات الأمريكية ووثق في قادة الصين بدلا من ذلك".‬

وأضاف بايدن إن ترامب أنهى تمويل برنامج تم انشاؤه خلال إدارة أوباما وبايدن لرصد الأمراض المعدية الطارئة وخفض عدد خبراء المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في الصين بواقع الثلثين وترك مكانا كان مخصصا لأمريكي شاغرا داخل وكالة مكافحة الأمراض بالصين. وقال ”والآن ندفع كلنا الثمن“.

عالم ما بعد الوباء

من جانب اخر اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان أن وباء كوفيد-19 يفاقم "الانقسامات" العالمية والخصومة الصينية الأميركية ويُضعف في نهاية المطاف التعددية الدولية. وقال في مقابلة مع صحيفة "لو موند" "أخشى أن يصبح عالم ما بعد (الوباء) مشابهاً كثيراً لعالم ما قبله، لكن أسوأ". وأضاف "يبدو لي أننا نشهد تفاقم الانقسامات التي تقوّض النظام العالمي منذ سنوات. الوباء يمثّل استمرارية الصراع بين القوى من خلال وسائل أخرى".

وعّلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب خصوصاً المساهمة المالية الأميركية في منظمة الصحة العالمية التي يتّهمها بأنها منحازة إلى الصين منشأ كوفيد-19، في خضمّ أزمة الوباء العالمي. وقال الوزير الفرنسي "إنه التشكيك القديم عينه بتعددية الأطراف"، إذ إن الولايات المتحدة سبق أن علقت تمويلها للعديد من المنظمات الدولية في ظلّ رئاسة ترامب. وتابع لودريان "هذا الصراع (بين القوى) هو تنظيم علاقات القوة الذي كنا نشهده قبل (الأزمة الصحية) مع تفاقم الخصومة الصينية الأميركية".

وندد لودريان بـ"توسيع المنافسة الدولية، وحتى المواجهة، في كل القطاعات" بما في ذلك "ميدان المعلومات" حيث تتنافس القوى العظمى للمقارنة بين نماذجها في إدارة أزمة كوفيد-19. وقال إن "انغلاق" الولايات المتحدة التي "يبدو أنها مترددة في أداء دور القائد على المستوى الدولي" يعقّد كل "خطوة مشتركة" بشأن التحديات العالمية الكبيرة ويشجّع تطلعات الصين إلى السلطة. وأكد أن "نتيجة ذلك تشعر الصين أنها قادرة على قول يوماً ما أنا القوة والقيادة". بحسب فرانس برس.

وشدد على أن في لعبة القوى، أوروبا لديها مكانها و"عليها أن تجد مصير قيادة" بدلاً من "أن تطرح أسئلة على نفسها" كما تفعل في الأزمة الصحية الراهنة. ورأى أنه ينبغي على الصين أن "تحترم" الاتحاد الأوروبي "وهذه ليست الحال دائمًا". وقال "أحياناً بكين تلعب على الانقسامات في الاتحاد الأوروبي".

على صعيد متصل قالت مصادر ومراسلات دبلوماسية إن الصين سعت لمنع تقرير للاتحاد الأوروبي يقول إن بكين نشرت معلومات مغلوطة عن تفشي فيروس كورونا. ونشر التقرير في نهاية الأمر مع إعادة ترتيب أو حذف بعض الانتقادات للحكومة الصينية في علامة على عملية التوازن التي تسعى بروكسل لتحقيقها مع تأثير تفشي فيروس كورونا على العلاقات الدولية. وقالت المصادر إنه كان من المقرر نشر هذا التقرير مبدئيا في 21 أبريل نيسان ولكن تم تأجيله بعد إطلاع المسؤولين الصينيين على تقرير لصحيفة بوليتيكو استعرض بشكل مسبق نتائجه.

وطبقا لمراسلات دبلوماسية للاتحاد الأوروبي فقد اتصل مسؤول صيني كبير بالمسؤولين الأوروبيين في بكين في نفس اليوم كي يبلغهم إنه ” إذا كان التقرير كما هو موصوف، وسينشر اليوم سيكون أمرا سيئا جدا بالنسبة للتعاون“. ونقلت المراسلات عن يانغ شياو قوانغ المسؤول الكبير بوزارة الخارجية الصينية قوله إن نشر التقرير سيجعل بكين ”غاضبة جدا“ واتهم المسؤولين الأوروبيين بمحاولة إرضاء ” أحد آخر“ وهو شيء فهم دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي بأنه إشارة لواشنطن.

تحقيق دولي

سعى رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون للحصول على الدعم لإجراء تحقيق دولي في أصل نشأة فيروس كورونا المستجد عبر اتصالات هاتفية أجراها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأثارت المساعي الأسترالية لإجراء مراجعة مستقلة للبحث في أصول الفيروس وانتشار الوباء، بما في ذلك أسلوب تعامل منظمة الصحة العالمية مع الموقف، انتقادات حادة من الصين التي اتهمت أعضاء البرلمان الأسترالي بتلقي التعليمات من الولايات المتحدة. ويُعتقد أن الفيروس ظهر إلى الوجود فى سوق بمدينة ووهان في وسط الصين. وأبلغت بكين منظمة الصحة العالمية بشأنه للمرة الأولى يوم 31 ديسمبر كانون الأول.

وأبلغت المنظمة الدول الأعضاء بأخبار التفشي في الخامس من يناير كانون الثاني وأصدرت تحذيرات علنية بعد أسبوع بأن الفيروس ينتقل بصورة ”محدودة“ من إنسان إلى آخر. ووصل مسؤولو منظمة الصحة العالمية الى ووهان يوم 20 يناير كانون الثاني بعد أن كان الفيروس قد انتشر إلى ثلاث دول أخرى. واتخذت خطوة إعلان حالة الطوارىء العالمية يوم 30 يناير كانون الثاني.

وكتب موريسون على موقع تويتر أنه أجرى ”مناقشة بناءة للغاية“ مع ترامب حول ردود فعل البلدين إزاء مرض كوفيد-19 والحاجة إلى تدوير عجلات الاقتصاد. وقال في تغريدة على تويتر ”تحدثنا أيضا عن منظمة الصحة العالمية والعمل سويا لتعزيز الشفافية والفاعلية في ردود الفعل الدولية إزاء الأوبئة“. وقال مكتب موريسون إنه تحدث أيضا إلى ميركل وماكرون عبر الهاتف حول دور منظمة الصحة العالمية.

وكرر المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم جيبريسوس مرارا أن المنظمة سوف تقيم أسلوب تعاملها مع الوباء بعد انتهائه وستستخلص الدروس المستفادة مثلما تفعل بعد كل حالات الطوارئ. وقال تيدروس في إفادة صحفية في وقت سابق هذا الشهر إن ”منظمة الصحة العالمية تريد ذلك أكثر من أي منظمة لأننا نريد أن نتعلم من أخطائنا ومن نقاط قوتنا وأن نمضي قدما. لكن يجب أن ينصب التركيز في الوقت الحالي على مكافحة الفيروس“. بحسب رويترز.

وقال مصدر حكومي إن أستراليا تبحث في ما إذا كان يتعين منح منظمة الصحة العالمية سلطات تشبه تلك الممنوحة للمفتشين الدوليين في مجال السلاح لدخول الدول والتحقيق فيها دون انتظار موافقة. وشكك مشرعون أستراليون بارزون كذلك في شفافية الصين بشأن التفشي. وقالت السفارة الصينية في كانبيرا في بيان إن المشرعين يتصرفون بناء على توجيهات من ترامب وإن ”ساسة أستراليين بعينهم يحرصون على ترديد ما أكده هؤلاء الأمريكيون وببساطة اتباع خطاهم في شن هجمات سياسية على الصين“.

اضف تعليق