تواجه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انتقادات لاذعة بسبب أسلوب تعاملها مع أزمة فيروس كورونا وخاصة الوضع في قطاع الصحة، إلا أن ترامب يقول إن حكومته تتخذ إجراءات غير مسبوقة لمعالجة القضية، ويصر على أن الوباء يمكن الانتصار عليه في وقت أسرع مما يعتقد الكثيرون...
يواصل فيروس كورونا المستجد انتشاره في الولايات المتحدة الامريكية التي تتصدر اليوم دول العالم بأكبر عدد للإصابات جراء هذا الفيروس، حيث سجلت وبحسب بعض المصادر اكثر من 756 ألف اصابة وما يزيد على 41150 وفاة نصفهم في ولاية نيويورك، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت سابق خطة طوارئ وطنية و فرض قيود على السفر اضافة الى اجراءات قرارات اخرى لمواجهة انتشار الفيروس. ودفعت إجراءات إلزام الناس بالبقاء في المنازل لإبطاء انتشار الفيروس الاقتصاد إلى التوقف وأجبرت أكثر من 22 مليون شخص على طلب إعانات بطالة.
وتواجه إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انتقادات لاذعة بسبب أسلوب تعاملها مع أزمة فيروس كورونا وخاصة الوضع في قطاع الصحة، إلا أن ترامب يقول إن حكومته تتخذ إجراءات غير مسبوقة لمعالجة القضية، ويصر على أن الوباء "يمكن الانتصار عليه في وقت أسرع مما يعتقد الكثيرون". وأشار ترمب إلى أن بلاده تعمل على إعادة تنفيذ خطة إعادة فتح اقتصاد البلاد في أسرع وقت، وأنه يشجع حكام الولايات على إعادة فتح الاقتصاد بصورة منظمة، معتبرا أنه من حق الناس أن يتظاهروا للمطالبة بإعادة الفتح.
ورأى في مؤتمر خلية الأزمة الأمريكية حول مستجدات فيروس كورونا، أن بلاده تحقق تقدما في معركة المواجهة مع فيروس كورونا، مشيرا إلى أنه تم إجراء اختبارات على 4 ملايين و180 ألف مواطن أمريكي، وهو الرقم الأعلى في العالم. وشدد على أن التباعد الاجتماعي وإغلاق البلاد حمى ملايين البشر من الموت بسبب كورونا، مؤكدا أن بلاده لديها فائض من الأسرة وأجهزة التنفس الصناعي لاستيعاب مرضى كورونا.
وفي الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة لخفض عدد الوفيات المتصاعد، تتضح خطوط المعارك السياسية قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر الرئاسية، حيث يسعى ترامب إلى التقليل من الأضرار التي قد تلحق بفرص بقائه في منصبه. وانتشرت الاحتجاجات المناهضة للإغلاق في عدة مدن أميركية في الأيام الأخيرة بدعم من ترامب الذي دعا في سلسلة تغريدات الى "تحرير" سكان ميشيغن ومينيسوتا وفيرجينيا، وهي ولايات جميع حكامها من الديموقراطيين، من قيود ملازمة المنزل.
هذه الازمة التي اثرت بشكل سلبي على الاقتصاد الامريكي وبحسب بعض المراقبين، اسهمت ايضاً بتفاقم الخلافات بين الولايات المتحدة الامريكية والصين، فقد اتهم المتحدث باسم الخارجية الصينية لوكالة المخابرات المركزية سي أي ايه بنشر الفيروس القاتل في مدينة ووهان عبر جنود شاركوا في دورة عسكرية عالمية فيها في تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، كما اطلق الرئيس الأمريكي ترامب وبوصف عنصري تسمية الفيروس الصيني، وتبنّي وزير خارجيّته مايك بومبيو التّوصيف نفسه أكثر من مرة لإلصاق التهمة بالخصم الصيني.
كما اتهم ترامب منظمة الصحة العالمية بالتعامل مع أزمة فيروس كورونا الجديد بشكل سيء، وهدد بقطع التمويل والمساعدات المقدمة للمنظمة، وقال "سنعلق دفع الأموال المخصصة لمنظمة الصحة العالمية". وذكر ترامب أن "منظمة الصحة العالمية أخفقت"، مضيفا "الغريب أنها (المنظمة) تلقت منا أموالا طائلة لكن تركيزها منصب على الصين. وانتقدت قراري بمنع دخول الصينيين إلى الولايات المتحدة".
جدل وخلافات
وفي هذا الشأن احتدم الجدل بين حكام الولايات الأشد تضررا من فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب حول زعمه بأن لديهم إمكانات لإجراء ما يكفي من الفحوص وعليهم إعادة فتح الاقتصادات سريعا في الوقت الذي تلوح فيه احتجاجات جديدة بشأن تمديد أوامر البقاء بالمنزل. واستمر الانخفاض في عدد نزلاء المستشفيات المصابين بفيروس كورونا في ولاية نيويورك كما انخفض أيضا عدد المرضى الذين يستخدمون أجهزة التنفس الصناعي.
وقال حاكم الولاية آندرو كومو”إذا استمرت هذه البيانات وإذا استمر هذا المعدل نكون قد تجاوزنا المرحلة العالية وجميع المؤشرات في هذه المرحلة تقول إننا في اتجاه نزولي“ لكنه حث السكان على الاستمرار في التقيد بإجراءات التباعد الاجتماعي. وقال ”أظهرنا أننا نستطيع السيطرة على هذا الوحش. لكن تلك هي الجولة الأولى فقط. ما زال يتعين علينا التأكد من أننا طرحنا الوحش أرضا“. وقال كومو إن ولاية نيويورك التي تعمل للحصول على بيان بعدد من يصابون بفيروس كورونا ستنفذ أجرأ الفحوص مستخدمة العينة العشوائية. وستفحص نيويورك 2000 شخص في اليوم أو 14000 شخص في الأسبوع من بين عدد السكان البالغ 19 مليونا.
وسجلت الولايات المتحدة أعلى عدد من حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في العالم. ومنذ تسجيل أول حالة وفاة بالولايات المتحدة في 29 فبراير شباط استغرق الأمر 38 يوما حتى بلغت الوفيات 10 آلاف في السادس من ابريل نيسان لكن في غضون خمسة أيام فقط وصل هذا العدد إلى 20 ألفا بحسب احصاءات رويترز. وارتفع إجمالي الوفيات من 30 ألفا إلى 40 ألفا خلال أربعة أيام بما في ذلك حالات لم تخضع للفحص لكن توفيت في الأغلب بمرض كوفيد-19 سجلتها مدينة نيويورك.
ويطالب كومو ومعه حكام آخرون بإجراء المزيد من الفحوص لتحديد الإصابات الجديدة وكذلك فحص المناعة في إطار خططهم لإعادة تشغيل الشركات وقطاع الأعمال بولاياتهم. وقال لاري هوجان حاكم ولاية ماريلاند المنتمي للحزب الجمهوري في مقابلة مع شبكة (سي.إن.إن) التلفزيونية ”أعتقد أن الإدارة تحاول تكثيف الفحوص، يقومون ببعض الأمور مع المختبرات الخاصة“. وأضاف ”لكن محاولة استغلال هذا كي تقول إن حكام الولايات لديهم الإمكانيات لإجراء الكثير من الفحوص وإن عليهم العمل وإجراء الفحوص، أو بمعنى آخر أننا لا نقوم بعملنا، فهذا أمر زائف تماما“.
وقال رالف نورثام حاكم فرجينيا المنتمي للحزب الديمقراطي لشبكة (سي.إن.إن) التلفزيونية إن مزاعم ترامب ونائبه مايك بنس بأن الولايات لديها الكثير من الفحوص ”مجرد وهم“. وما تزال منطقة ماريلاند وفرجينيا وواشنطن العاصمة تشهد زيادة في الحالات رغم بدء التراجع في نيويورك وهي مركز التفشي الرئيسي بالولايات المتحدة. وتبرز بوسطن وشيكاجو كنقطتين جديدتين للتفشي مع ارتفاع حالات الإصابة والوفيات. وقالت ولايات عديدة من بينها أوهايو وتكساس وفلوريدا إنها تهدف إلى إعادة فتح أجزاء من اقتصاداتها، ربما بحلول الأول من مايو أيار أو أقرب من ذلك لكن مع توخي الحذر فيما يبدو.
وأعلن نائب الرئيس مايك بنس أن كل ولاية أميركية تملك القدرة على إجراء ما يكفي من الفحوص بما يسمح بإعادة فتح الاقتصاد واستئناف الحياة الطبيعية بشكل جزئي. وقال بنس لشبكة فوكس نيوز "نعتقد أن الفحوص التي نجريها اليوم (...) بمجرد أن ننشط جميع المختبرات التي يمكنها إجراء فحص فيروس كورونا، تعتبر كافية لأي ولاية في الولايات المتحدة للانتقال إلى المرحلة الأولى". وقال بنس "لدينا ملء الثقة بأنه يمكننا اجراء قدر كاف من الفحوص حتى نتمكن من إعادة فتح أميركا"، متعهدا مضاعفة عددها. وقال الديموقراطي جاي إنسلي حاكم ولاية واشنطن "وجود رئيس أميركي يشجع الناس على انتهاك القانون (...) أمر خطير".
رفع الحجر
في السياق ذاته تظاهر مئات الأميركيين في أنحاء الولايات المتحدة للمطالبة برفع إجراءات الإغلاق المفروضة لاحتواء فيروس كورونا المستجد، بتشجيع من الرئيس دونالد ترامب في وقت يتصاعد الاستياء إزاء التكلفة الباهظة لتدابير العزل على الاقتصاد. وتجمّع نحو 400 متظاهر، بعضهم راجل وبعضهم الآخر في سيارات، في كونكورد عاصمة ولاية نيوهامبشر لتوجيه رسالة مفادها أن تمديد إجراءات الحجر غير ضروري في ولاية سجلت عددا منخفضا نسبيا من الإصابات المؤكدة بكوفيد-19.
وضم الحشد محتجين مسلحين ومقنعين يرتدون بدلات شبيهة بالبدلات العسكرين، وآخرين يضعون قبعات تحمل شعارا مؤيدا لترامب. في تكساس تظاهر أكثر من 250 شخصا أمام برلمان الولاية في أوستن، بينهم أليكس جونز اليميني المتطرف المؤيد لنظريات المؤامرة ومؤسس موقع "إنفو وورز"، وهو حضر في شاحنة شبيهة بآلية عسكرية. وقال جاستن غريس الناشط في مجموعة "يونغ اميركانز فور ليبرتي" (شبان أميركيون من أجل الحرية) "حان الوقت لإعادة فتح تكساس، حان الوقت للسماح للناس بالعمل، حان الوقت للسماح بالتواصل الطوعي وللمنطق بأن يحكم وليس قوة الحكومة".
وقالت أميرة أبوزيد وهي ربة منزل تقيم في أوستن "لست طبيبة لكنني شخص ذكي يمكنه إجراء عمليات حسابية، ويبدو في نهاية الأمر أن الأرقام ليست مقلقة جدا". والتزم عدد قليل جدا من المتظاهرين بإرشادات التباعد الاجتماعي. وفي ولاية أنابوليس، بقي المتظاهرون الذين تجمعوا أمام برلمان ماريلاند داخل سيارتهم رافعين لافتات كتب على بعضها "الفقر يقتل أيضا". وقالت دولوريس التي تعمل مصفّفة شعر خلال مشاركتها في الاحتجاج في أنابوليس، إنّها لم تعد تستطيع العمل أو حتى تلقّي أيّ مساعدة حكوميّة لأنّها صاحبة عمل وليست موظّفة. وأضافت "يجب أن أحافظ على عملي، يجب أن أعمل كي أعيش، وإلا سوف أموت".
وخرجت احتجاجات أيضًا في كولومبوس (أوهايو) وسان دييغو (كاليفورنيا) وكذلك في ولايات إنديانا ونيفادا وويسكونسن، حسب الإعلام المحلّي. وفي كلّ مكان، لوّح المتظاهرون بالأعلام الأميركية، متجاهلين قواعد التباعد الاجتماعي. وما شجع المتظاهرين على النزول إلى الشارع في بعض الولايات الديموقراطية تغريدات لترامب كتب فيها إنه يفضل عودة سريعة إلى الحياة الطبيعية، علما بأن التظاهرات جرت ايضا في ولايات جمهورية مثل تكساس ونيوهامبشر.
ويخضع غالبية الأميركيين لإجراءات عزل تقيد حركتهم وتفرض إغلاق الأنشطة التجارية باستثناء الضرورية منها. ويدعو ترامب بشكل متكرر إلى عودة للحياة الطبيعة في أقرب وقت، فيما تتأتى عن إجراءات الحجر انعكاسات مدمرة على العمال والشركات الأميركية. بحسب فرانس برس.
وخلال مؤتمره الصحافي بدا أنّ ترامب يُبرّر الاحتجاجات، قائلاً إنّ "بعض الحكّام ذهبوا بعيدا جدا" في إجراءات الحجر. وأدّت هذه الإجراءات إلى ارتفاع كبير في عدد العاطلين عن العمل في كل أنحاء البلاد وحرمان العديد من الناس من أيّ مصدر دخل. ورحب ترامب باستئناف بعض الأنشطة التجارية في ولايتي تكساس وفيرمونت "مع الاستمرار في اتخاذ تدابير التباعد الاجتماعي الضرورية".
وتقضى الخطوط الإرشادية التي وضعها ترامب لإعادة فتح الاقتصاد بأن تكون الولاية شهدت 14 يوما من التراجع في أعداد الحالات قبل رفع القيود تدريجيا لكن رغم ذلك يبدو أن الرئيس المنتمي للحزب الجمهوري يشجع المحتجين الذين يريدون رفع القيود أسرع من ذلك من خلال كتابة سلسلة تغريدات على تويتر تدعوهم إلى ”تحرير“ ميشيجان ومينيسوتا وفرجينيا التي يديرها حكام من الحزب الديمقراطي. وحتى الحاكم الجمهوري لولاية ميريلاند لاري هوغان اعتبر أن تشجيع ترامب للمتظاهرين الذين اعتصموا في مبنى مقر الولاية في أنابوليس "لم يكن مفيدا".
دعاية انتخابية
الى جانب ذلك انتهز الرئيس الأميركي فرصة مؤتمره الصحافي اليومي حول فيروس كورونا ليعلن عن مساعدات مباشرة وغير مباشرة بقيمة 19 مليار دولار للأرياف. وقال ترامب الذي يأمل في انتخابه لولاية رئاسية ثانية في اقتراع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل "سنطبق برنامج مساعدات بقيمة 19 مليار دولار من أجل مزارعينا ومربي الماشية الرائعين الذين يواجهون عواقب الوباء العالمي".
وأوضح وزير الزراعة الأميركي سوني بيرديو إن 16 مليار دولار ستذهب مباشرة إلى المزارعين، بينما سيتم استخدام المليارات الثلاثة المتبقية لشراء منتجات غذائية ستوزع على الاكثر فقرا. وما زال المزارعون يشكلون قاعدة انتخابية لترامب. وكان الرئيس الجمهوري أغرق جزءا من قطاع الزراعة الأميركية في أزمة من خلال خوضه حربا تجارية مكلفة مع الصين. وقد ردت بكين باستهداف هؤلاء الداعمين الأوفياء للرئيس عبر فرض رسوم استيراد كبيرة على منتجاتهم.
لكن في المجموع فرض ترامب دفع 28 مليار دولار للمزارعين للتعويض عن النقص الناجم عن خسارة السوق الصينية. ويعاني قطاع الصناعات الغذائية بأكمله بشكل كبير من تداعيات وباء كوفيد-19 الذي يضرب بقوة الولايات المتحدة حيث تخضع غالبية السكان لإجراءات حجر، بينما أجبرت كل قطاعات الوجبات الغذائية - المطاعم والمقاهي ومتعهدو المواد الغذائية الذين يعدون من كبار المستهلكين للمنتجات الزراعية - إما على الحد من نشاطهم أو التوقف عن العمل.
لذلك قررت وزارة لزراعة العمل مع الموزعين المحليين والإقليميين الذين اختفى زبائنهم من مطاعم وفنادق بين ليلة وضحاها، لشراء منتجات طازجة بقيمة ثلاثة مليارات دولار. كما تنوي الوزارة شراء خضار وفاكهة طازجة بقيمة مئة مليون دولار شهريا ومنتجات ألبان بقيمة مئة مليون أخرى ولحوم بقيمة مئة مليون دولار أيضا. ولم يتوقف المزارعون عن العمل منذ بداية الأزمة لكن الطلب العادي تراجع.
وذكرت أكبر نقابة للمزارعين في البلاد "فارم بورو" أنه "مع إغلاق المدارس والجامعات والمطاعم والحانات، لم تعد هذه تشتري اللبن والخضار والفاكهة وغيرها من المواد الغذائية، ما أدى إلى خفض أسعار الحبوب والماشية بصورة مضطردة".
عبر ترامب في مؤتمره الصحافي أيضا عن أمله في استئناف حملته الانتخابية بسرعة. وقال "آمل أن نتمكن من عقد تجمعات (انتخابية)، هذا جيد جدا للبلاد (...) وهذا مهم جدا للسياسة. هذه طريقة رائعة لنشر رسالتنا". كما عبّر عن شعوره بالإحباط بسبب عدم تمكّنه من مغادرة واشنطن، بينما اعتاد سابقا على قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مارالاغو بفلوريدا. وقال "أعتقد أنني موجود في البيت الأبيض منذ، لا أعرف، منذ أشهر". وكانت هذه الحملة توقفت منذ بداية وباء كوفيد-19. غير ان الرئيس ينتهز فرصة مؤتمره الصحافي ليهاجم خصومه باستمرار.
وكشف دونالد ترامب خطته "لإعادة فتح أميركا" على ثلاث مراحل تبعا لخطورة وباء كوفيد-19 في كل ولاية بينما رأى حوالى ثلثي الأميركيين، حسب استطلاع للرأي، أن رئيسهم تأخر في اتخاذ إجراءات للتصدي لانتشار فيروس كورونا المستجد. وقال ترامب "استنادا إلى المعطيات الأخيرة، أصبح فريق خبرائنا متفقا على القول إنه يمكننا بدء المرحلة التالية من حربنا التي نسميها إعادة فتح أميركا". وأضاف أن حاكم الولايات الخمسين سيقررون في نهاية المطاف بشأن رفع القيود أو فرض تدابير أكثر أو اقل صرامة لاحتواء الوباء.
كما ان المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر والذي جعل أداءه في الاقتصاد أحد المحاور الرئيسية لحملته، ينوي إعادة تشغيل شركات البلاد بلا تأخير. وقال ترامب إن الولايات التي تتمتع "بصحة جيدة" يمكنها استئناف النشاط " قبل الأول من أيار/مايو الموعد المطروح اساسا، مشيرا إلى مونتانا ووايومينغ وداكوتا الشمالية التي تبدو في وضع جيد نسبيا بالمقارنة مع نيويورك أو نيوجيرزي اللتين "تعيشان جحيما" على حد قوله. والمرحلة الأولى من تحريك عجلة الاقتصاد حسب خطة البيت الأبيض، هي إعادة فتح المطاعم وصالات الرياضة بشروط، لكن ليس المدارس والحانات.
سوف يتسبب الانهيار التاريخي في أسواق الأسهم العالمية في التعجيل بنهاية مشروع العولمة الأمريكي، وفي غضون عام أو عامين سيصبح التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية مثل زيمبابوي.
سيناريو الرعب
فلنبدأ أولا بقليل من الإحصائيات: ضربت الكارثة التي وقعت يوم الأربعاء، 12 مارس الجاري، في سوق الأسهم أوروبا أكثر من أي مكان آخر، فكان سقوط المؤشرات الأوروبية عامة، وكذلك في أسواق كل من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا والنمسا وهولندا الأكبر في التاريخ! بالنسبة لألمانيا، كان ذلك اليوم هو الأسوأ منذ أكثر من 30 عاما، منذ يوم "الاثنين الأسود"، 19 أكتوبر عام 1987.
لقد انخفضت البورصات الأوروبية على مدى 4 أيام من الأسبوع الجاري بنسب تتراوح ما بين 20-23%، وهو وضع أسوأ بكثير مما كان عليه الوضع عام 2008. وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، خسرت البورصات في ألمانيا وفرنسا 33%، في المملكة المتحدة 30%، الولايات المتحدة 26%، اليابان 28%، بمعنى أن الأسابيع الثلاثة الماضية شهدت تدمير نمو الأسهم الذي حدث على مدار 4-10 سنوات.
مؤشر مرعب آخر: على خلفية الانهيار، وعد البنك المركزي الأمريكي بضخ 1.5 تريليون دولار خلال يومي الخميس والجمعة، وهو ما علّق عملية الانهيار لمدة نصف ساعة فقط، ثم عاود انهيار البورصات الأمريكية تسارعه إلى 10%. وفي يوم الجمعة وصلت هذه الأموال إلى البنوك، وشهدت مؤشرات الأسواق نموا طفيفا.
تأملوا! لقد طبع الاحتياطي الفدرالي الأمريكي زهاء 1.5 تريليون دولار بكبسة زر في يومين، وهو ما يعادل ضعفي حجم الدولارات المتداولة في الاقتصاد العالمي قبل أزمة عام 2008. وحتى يوم الخميس الماضي، كان حجم الدولارات المتداولة في العالم هو 4.2 تريليون دولار.
لكن هذا ليس كل شيء!!! فوفقا للاحتياطي الفدرالي الأمريكي، يمكن أن يصل إجمالي المبلغ المطبوع، بحلول نهاية الشهر إلى 4 تريليونات دولار !!! أي أن عدد الدولارات المتداولة في العالم، خلال 3 أسابيع، قد يتضاعف تقريبا دون زيادة مقابلة في حجم السلع. على العكس من ذلك ينهار الاقتصاد العالمي، ويصبح التضخم المفرط في الولايات المتحدة الأمريكية بذات المستوى في زيمبابوي وفنزويلا، وهو ما أصبح فعليا مسألة وقت.
فما الذي دفع البنك المركزي الأمريكي إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات الانتحارية؟ ولماذا كان الانهيار في سوق الأسهم فظيعا جدا إلى هذا الحد؟
إن الخطر الرئيسي ظل كما كان الوضع في عام 2008، وهو أن العالم يعيش في الديون. وكضمان للقروض، كانت ولا زالت تستخدم بعض الأصول، والتي غالبا ما تكون هي الأسهم. وعندما يبدأ هذا الانخفاض الحاد في البورصات، يلجأ الدائنون إلى المدينين طلبا إما لزيادة الضمان بشكل عاجل، أو لإعلان الإفلاس، وبعد ذلك تصبح تلك الضمانات ملكا للبنوك. لا يحتاج البنك لهذه الأسهم والعقارات وغيرها من الأصول، لذلك فهو يبيعها، فيزداد اختلال التوازن بين العرض والطلب، ثم الانخفاض اللاحق في الأسعار، حتى يبدأ رد الفعل المتسلسل للإفلاس وتصفية الأصول. تلك هي آلية "الاثنين" و"الخميس" وغيرهما من الأيام السوداء.
وما يوضح الحجم الحقيقي للكارثة هو انخفاض قيمة "الملاذات/الأصول الآمنة" الذهب والفضة بنسبة 3% في هذه الأيام. حتى الذهب انخفض، على خلفية الذعر العالمي المهول، بينما يبحث الجميع عن ملاذات آمنة!!! أي أن المدينين باعوا كل ما لديهم، بما في ذلك الذهب وآخر ما يستر أجسادهم لسداد الديون. والآن تعاني كل البنوك والشركات حول العالم من نقص حاد في الأموال، ومن المفارقات أن الدولارات تحديدا هي ما يعاني الجميع من نقصها، لأن جميع القروض بالدولار.
سوف تكون الخطوة التالية في انهيار النظام المالي هي فقدان الثقة، حينما يتوقف المرء عن الثقة في وضع شريكه التجاري، وما إذا كان سيفلس غدا أم لا. ثم تتوقف البنوك عن إقراض المصانع، وإقراض بعضها البعض، لأنها غير واثقة في أي أحد أو أي مؤسسة، وهو ما سيوقف حرفيا أي نشاط اقتصادي، فينهار النظام المالي.
موجة كهذه كادت أن تدفن الاقتصاد العالمي عام 2008، لكن الاحتياطي الفدرالي خلق تريليونات الدولارات من العدم، ليغرق بها السوق العالمية بالكامل، بحيث لم يعد لدى البنوك فرصة للإفلاس، وبالتالي أجّلت عملية الانهيار مؤقتا. بعد أزمة عام 2008 ارتفع عدد الدولارات المتداولة في العالم لعدة سنوات من 0.8 تريليون دولار قبل الأزمة إلى 4.5 تريليون دولار. الآن، وفي غضون أسبوعين ونصف الأسبوع، يمكن أن يزداد هذا الرقم بمقدار 4 تريليونات أخرى !!!! ولا تنسوا أن البنوك المركزية الأوروبية والإنجليزية واليابانية قد فعلت الأمر نفسه.
يمكن لأحدهم أن يقول: وماذا هنالك، طبعوا 4 تريليونات عقب اندلاع أزمة 2008، ولم يكن هناك تضخم مفرط، وسيطبعون 4 تريليونات الآن، البورصات تنمو...
الحقيقة هي أن الأسعار تعني التوازن بين كمية المال وكمية البضائع. فإذا قمت بطباعة ضعف كمية الأموال "من الهواء"، فلابد أن ترتفع الأسعار. وإذا قمت بطباعة المزيد من الأموال، فلابد أن يحدث تضخم مفرط كما حدث في زيمبابوي. هذا هو قانون الاقتصاد، وقانون الحفاظ على الطاقة في علم الفيزياء أيضا.
ولكن، لماذا لا يوجد تضخم في نظام الدولار بعد؟
يوجد هذا التضخم، لكنه في قطاعات منفصلة، وليس في السلع الاستهلاكية لسببين:
الأول، هو أن تريليونات الدولارات واليورو والين التي تمت طباعتها عقب الأزمة السابقة أدت إلى تضخم فقط في القطاعات التي لم يتم فيها تلبية الطلبات. بمعنى، أن الغرب يتميز عموما بارتفاع مستوى المعيشة، وقد وصل الأمريكيون والأوروبيون إلى حد التشبع في استهلاك السلع اليومية. أي أن الأمريكي سوف يأكل نفس عدد شطائر الهامبورغر ويشرب نفس عدد أكواب اللبن التي سوف يشربها بالراتب الحالي، حتى لو أعطيناه ألف دولار إضافية، لأنه يأكل الحد الأقصى، وليس بإمكانه أن يستهلك أكثر. يعني ذلك أن 4 تريليونات دولار إضافية لا يمكن أن تجعل الأمريكيين يرغبون في شراء 4 تريليونات شطيرة هامبورغر إضافية، لأنهم يستهلكون فعليا الحد الأقصى من الهامبورغر. أي أن الطلب الإضافي على السلع الاستهلاكية الأساسية لا يزداد بضخ تريليونات جديدة. لكنه يزداد في مجالات أخرى لا يتم فيها تلبية الطلب، مثل التعليم والصحة والإسكان وسوق الأوراق المالية، وهي القطاعات التي نلمس فيها ارتفاعا في أسعار كل شيء، بل وتضاعفت تلك الأسعار في السنوات الأخيرة. هذا بالتحديد هو الفرق بين الولايات المتحدة الأمريكية وزيمبابوي، فالطلب على الهامبورغر سينمو 100 مرة، إذا ما منحت الفرد في زيمبابوي 100 دولار إضافية، وسيكون هناك تضخم مفرط على الفور. أما إذا ما منحت الأمريكي 100 دولار إضافية، فسوف يستثمرها في الأسهم، وسيحدث تضخم في سوق الأسهم.
الثاني، هو أنه طالما لم يكن هناك أي نقص في السلع اليومية في السوق، فلن تؤدي تريليونات الدولارات إلى التضخم المفرط. هنا تأتي "البجعة السوداء" الصينية/ فيروس كورونا، فتوقف المصانع حول العالم، وتغلق المطاعم، وتقطع السلاسل التجارية. فعلى سبيل المثال، انخفضت صناعة السيارات في كوريا الجنوبية في فبراير بمقدار الربع، ولم تصدر حتى الآن أي إحصائيات مرعبة حول التداعيات التي خلفها الفيروس على التجارة والصناعة.
باختصار، فإن الغرب والعالم أجمع سيعاني للمرة الأولى منذ عقود من نقص في السلع، في الوقت الذي يبدأ فيه بالفعل ضخ أموال للتداول بسرعة كبيرة، وبمبالغ هائلة.
على هذا المنوال، سوف يدخل العالم إلى المرحلة قبل الأخيرة في انهيار النظام المالي العالمي، من خلال ضخ تريليونات الدولارات واليورو والين، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع مؤقت في البورصات، وسنرى الأعاجيب بينما ترتفع أسعار أسهم المصانع والشركات المتوقفة...
سوف يساعد ضخ الدولارات في تقوية الدولار مؤقتا، حيث معظم القروض تترجم إلى الدولار، ويحتاج إليه الجميع على خلفية موجات الإفلاس. ولكن فيما بعد، وحينما تهدأ الأسواق قليلا، سيجد المستثمرون أن الأموال كثيرة، دون أن تأتي بأي أرباح. ولا يمكن استثمارها في أي مكان، فجميع السندات والأسهم تؤدي إلى الخسارة. وحينها تبدأ أسعار الأصول المادية في الارتفاع، كل الأصول التي يمكن وضعها في الجيب ولمسها باليد: الذهب، الحبوب، النفط وغيرها.
وبنفس الكيفية التي لم تتمكن بها تريليونات الدولارات المطبوعة بعد عام 2008 من تجنب "الخميس الأسود"، 12 مارس 2020، فلن تتمكن تريليونات الدولارات الجديدة المطبوعة من منع انهيار جديد. وحينها سوف ينهار الهرم العالمي للقروض والنظام المالي العالمي، ويبدأ التضخم المفرط حول العالم.
اضف تعليق