إن تزايد عدد الإصابات الوافدة بفيروس كورونا أثار احتمال تعرض البلاد لموجة تفش ثانية في وقت توقف فيه بوجه عام انتقال العدوى محليا، فيما قد يؤدي تخفيف قيود التنقل أيضا لزيادة المخاطر في الداخل، هل ستشهد الصين موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا الوبائي؟
واصل الصين حربها الوقائية ضد فايروس كورونا الذي بدأ انتشاره من مدينة ووهان التابعة لمقاطعة هوبي في ديسبمبر 2019، واصاب اكثر من 81 ألف و3300 حالة وفاة، حيث اتخذت الحكومة الصينية إجراءات وقرارات مهمة وحاسمة منها الحجر على حوالي 60 مليون شخص في هوبي، وفرض قيود صارمة على السفر. وأنشأت المستشفيات الميدانية للتعامل مع التدفق المفاجئ لمرضى فيروس كورونا واستخدام التقنيات الحديثة وغيرها من الاجراءات الاخرى، التي ادت وبحسب بعض المصادر انحسار أعداد المصابين والوفيات في الصين.
وأقرت منظمة الصحة العالمية بنجاح جهود الصين في احتواء فيروس كورونا المستجد، بناءً على الأرقام التي أعلنتها بكين وذلك بفضل نهج "القوة الصارمة" رغم مضاعفاته السلبية. وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن إجراءات الاحتواء التي اتخذتها الصين ربما أنقذت مئات الآلاف من الأشخاص من العدوى. و قال الدكتور تيدروس أدهانوم، المدير العام للمنظمة: "يمكن دحر هذا الوباء، ولكن فقط من خلال نهج جماعي ومنسق وشامل يشارك فيه الجهاز الحكومي بأكمله".
من جهته، قال الدكتور وليام شافنر، أخصائي الأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت، إن "الأرقام تشير إلى أن تدابير الحجر الصحي الصارمة، عند تطبيقها بالكامل، يمكن أن تخنق انتشار الفيروس. هذه أكبر تجربة للصحة العامة في تاريخ البشرية". وكتبت "نيويورك تايمز": "بشكل مفاجئ، يبدو أن البلد الذي أخفى الانتشار الأولي للفيروس وأدار الأزمة بشكل سيئ، بات يسيطر عليه، على الأقل بأرقامه الرسمية. وقد انخفض عدد الحالات الجديدة المبلغ عنها بشكل كبير في الأيام الأخيرة حتى مع ارتفاع معدلات العدوى في بلدان أخرى". وذكّرت الصحيفة بأن الإجراءات المتبعة أدت لشل الاقتصاد الصيني، بينما تؤكد العديد من الشركات الصغيرة أنها باتت على شفير الإفلاس.
وكشفت لجنة الدولة للصحة الصينية، أن 2396 مصابا بفيروس كورونا، لا يزالون بالمستشفيات، بينما تعافى 93 بالمائة من إجمالي المصابين. وحسب بعض التقارير فقد بلغ عدد الإصابات المؤكدة بالفيروس في الصين، 81470 حالة، شفي وغادر المستشفيات منهم 75770 شخصا. واعلنت السلطات الصينية توقف وباء الفيروس في البلاد عمليا. وبلغ عدد الإصابات بالفيروس داخل الصين، أقل من 3000، فيما سجل تصاعد متواصل لحالات الإصابة الوافدة من الخارج. وأكدت لجنة الصحة الحكومية في جمهورية الصين، في 12 مارس أن ذروة الوباء في البلاد قد مرت.
عبر علماء وخبراء صحة صينيون عن اعتقادهم في أن المرحلة الأسوأ في حرب الصين على فيروس كورونا انقضت وقللوا من أهمية تحذيرات من عودة الفيروس على نحو موسمي أو أن ”موجة ثانية“ أكثر فتكا قد تظهر في وقت لاحق هذا العام. ومع استمرار انتشار الوباء في الخارج تأهب عدد متزايد من البلدان للسيناريو الأسوأ الذي يظل فيه فيروس كوفيد-19 متفشيا حتى العام المقبل على أقرب تقدير.
لكن مستشارين طبيين في الصين عبروا عن ثقتهم في أن إجراءات الاحتواء الصارمة التي طبقتها بكين حققت ما يكفي لضمان إمكانية السيطرة التامة على التفشي، محليا على الأقل، في غضون أسابيع. وعلى الرغم من استمرار قلقهم من مخاطر الحالات ”الوافدة“ من الخارج فإنهم يقولون إن من المتوقع أن تتمكن الصين من مكافحة كوفيد-19 بنفس الطريقة التي قضت بها على تفشي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) في 2003.
وادت أزمة فيروس كورونا ايضاً الى تدهور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، فقد دأب الرئيس الأمريكي ترامب على وصف فيروس كورونا "بالفيروس الصيني"، بينما أطلق عليه وزير خارجيته المتشدد مايك بومبيو اسم "فيروس ووهان"، وهي أمور تثير غضبا حقيقيا في بكين. وهاجم الرئيس ترامب ووزير خارجيته الصين لتقاعسها المزعوم في المراحل الأولى لانتشار وباء فيروس كورونا، من جانبها قالت الصين أن برنامجا أمريكيا للحرب الجرثومية هو سبب انتشار الوباء، وهذه الحرب بين العملاقين ليست حربا كلامية فقط، بل تتخطى ذلك إلى أمر أكثر خطورة.
ففي وقت سابق من الشهر الحالي، وعندما أعلنت الولايات المتحدة أنها قررت إغلاق حدودها بوجه القادمين من عدة دول أوروبية، بما فيها إيطاليا، أعلنت الحكومة الصينية بأنها بصدد إرسال فرق طبية ومواد ضرورية إلى إيطاليا البلد الأوروبي الأكثر تأثرا بالوباء. كما أرسلت الصين مساعدات إلى إيران وصربيا للغرض نفسه. وكانت تلك لحظة تحمل رمزية كبيرة، كما أشارت إلى الحرب المعلوماتية والدعائية الدائرة خلف الكواليس. فالصين مصممة على الخروج من هذه الأزمة وموقعها كقوة عظمى معزز. وجاء انتشار الوباء في وقت كانت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة متأزمة في الأصل. فلم ينجح اتفاق تجاري جزئي أبرم مؤخرا في حل الخلافات التجارية بين البلدين.
اغلاق ووهان
وفي هذا الشأن بدأت مدينة ووهان الصينية، حيث ظهر تفشي فيروس كورونا أول مرة، في إنهاء إغلاق استمر منذ شهرين بإعادة تشغيل بعض خدمات المترو وإعادة فتح الحدود، مما سمح لبعض مظاهر الحياة الطبيعية بالعودة ولم شمل العائلات. وبعد عزلها عن باقي أنحاء البلاد لمدة شهرين، فإن إعادة فتح مدينة ووهان، حيث اكتُشف وجود الوباء لأول مرة في أواخر ديسمبر كانون الأول، يمثل نقطة تحول في مكافحة الصين للفيروس على الرغم من انتشار العدوى منذ ذلك الحين إلى أكثر من 200 دولة.
واتخذت السلطات إجراءات صارمة لمنع الناس من دخول أو مغادرة المدينة الصناعية التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة في وسط الصين. وكانت الأسر ملزمة بعدم مبارحة منازلها وجري إيقاف خدمات الحافلات وسيارات الأجرة ولم يُسمح سوى لمتاجر المستلزمات الأساسية بالبقاء مفتوحة. وشهدت ووهان حوالي 60 في المئة من حالات الإصابة بكورونا، لكن وتيرة الإصابات انحسرت بشكل حاد مما يعد دليلا على نجاح الإجراءات التي جرى اتخاذها. بحسب رويترز.
ويثير وجود عدد غير معروف من حاملي الفيروس في الصين مخاوف لدى عامة الناس من أن يتسبب رفع القيود في إطلاق آلاف الأشخاص الذين ما زال بإمكانهم نشر الفيروس دون معرفة أنهم مرضى. ولا تزال الحياة في ووهان بعيدة عن وضعها الطبيعي إذ لا تزال الغالبية العظمى من المتاجر مغلقة وحواجز الطرق مقامة. ولن تسمح السلطات في ووهان للناس بمغادرة المدينة حتى يوم الثامن من أبريل نيسان.
كما أعلنت الصين أنها ستغلق موقتاً غالبية حدودها مع الخارج وتقلص بشكل كبير رحلاتها الدولية. ويمنع بموجب القيود الجديدة على السياح والأجانب المقيمين في الصين لكن المتواجدين خارجها حالياً دخول البلاد. ويبدو أن الإجراء لا يشمل المسافرين من أجل الأعمال. ويمكن لحاملي جوزات سفر الخدمة وجوازات سفر دبلوماسية دخول الأراضي الصينية. وأعلنت الصين في الأثناء خفض رحلاتها الدولية بشكل كبير. ولا يمكن لأي شركة صينية أن تقوم إلا برحلة خارجية واحدة في اليوم من الصين نحو بلد آخر. ولا يمكن للشركات الأجنبية في المقابل أن تسير إلا رحلة واحدة أسبوعياً إلى الصين.
موجة جديدة
على صعيد متصل قال متحدث باسم لجنة الصحة الوطنية في الصين إن تزايد عدد الإصابات الوافدة بفيروس كورونا أثار احتمال تعرض البلاد لموجة تفش ثانية في وقت ”توقف فيه بوجه عام“ انتقال العدوى محليا، فيما قد يؤدي تخفيف قيود التنقل أيضا لزيادة المخاطر في الداخل. وقال المتحدث مي فنغ إن الصين، التي شهدت أول ظهور للمرض في مدينة ووهان، سجلت عددا تراكميا من الحالات القادمة من خارج البلاد بلغ 693 حالة، مما يعني أن ”إمكانية حدوث موجة تفش جديدة لا تزال كبيرة نسبيا“.
وربع هذه الحالات تقريبا لوافدين في بكين. وقال المتحدث باسم حكومة بكين للصحفيين ”لا تزال العاصمة بكين تتحمل القدر الأكبر من المخاطر“. ومعظم الحالات القادمة من الخارج هي لصينيين عائدين إلى وطنهم. وصدرت أوامر لشركات الطيران بتقليص الرحلات الدولية بشكل كبير. كما بدأ تطبيق قيود على الأجانب الوافدين إلى البلاد. وقالت حكومة هوبي على حسابها الرسمي على ويتشات إن عددا من مراكز وشوارع التسوق في ووهان سيسمح لها باستئناف العمل. ومع رفع القيود على حركة المرور في هوبي، بدأت ووهان تدريجيا إعادة فتح الحدود واستئناف تشغيل بعض خدمات المواصلات.
واستأنفت كل المطارات في هوبي بعض الرحلات المحلية باستثناء ووهان الذي ستستأنف الرحلات المحلية في الثامن من أبريل نيسان. ولا زالت الرحلات بين هوبي وبكين معلقة. ووصل قطار إلى ووهان للمرة الأولى منذ إغلاق المدينة قبل شهرين. وتم تخفيف القيود أيضا على الراغبين في العودة إلى العاصمة، إلا أن الإجراءات لا تزال تبدو مشددة إذ يتعين تقديم طلب أولا والحصول على موافقة. بحسب رويترز.
لكن مع تخفيف القيود على التنقل، زادت المخاوف من أن عددا كبيرا من الحالات التي لم تشخص بالإصابة بالمرض ولم تظهر عليها أعراض يمكن أن تنقل العدوى. وسجل إقليم قانسو في شمال غرب الصين حالة إصابة جديدة لشخص جاء من إقليم هوبي بالسيارة ومعه شهادة صحية تفيد بأنه ليس مصابا بالفيروس. وأفاد تقرير للتلفزيون المركزي الصيني بأنه لم يتضح كيف أصيب ذلك الشخص بالعدوى.
اتهامات امريكية
في السياق ذاته زاد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من حدة انتقاداته لتعامل الصين مع تفشي فيروس كورونا، قائلا إن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لا يزال يحجب عن العالم معلومات يحتاجها للحيلولة دون حدوث إصابات أخرى. وكرر بومبيو اتهامات سابقة بأن تأخر بكين في مشاركة المعلومات حول الفيروس سبّب مخاطر للناس في أنحاء العالم وقال إن هذا ”عرّض حقا حياة الألوف للخطر“.
وتابع قائلا ”ما يقلقني هو أن هذا التعتيم وهذا التضليل الذي يشارك فيه الحزب الشيوعي الصيني لا يزال يحرم العالم من المعلومات التي يحتاجها كي يتسنى لنا منع حدوث إصابات جديدة أو تكرار شيء كهذا مرة أخرى“. واتهم بومبيو كذلك إيران وروسيا بشن حملات تضليل بخصوص الفيروس. وقال ”لا تزال حملات التضليل مستمرة من قبل روسيا وإيران إضافة إلى الصين“. وأضاف ”يقولون إنه جاء من الجيش الأمريكي ويقولون إنه ربما بدأ في إيطاليا، كل شيء للتنصل من المسؤولية“.
لكنه رغم انتقاده القوي للصين أحجم عن الإشارة للفيروس باسم ”الفيروس الصيني“ أو ”فيروس ووهان“، وهو ما حدث مرارا من قبل وأثار غضب الصين. وقال ”سيحين وقت توجيه الاتهامات“، لكنه أضاف أن من المهم أن يعرف العالم ما يحدث بالفعل. وتابع قائلا ”هذه أزمة عالمية مستمرة نحتاج للتأكد من أن كل دولة تتعامل اليوم بشفافية وتتشارك المعلومات عما يحدث بالفعل كي يتسنى للمجتمع العالمي وللرعاية الصحية العالمية وللعاملين في مجال الأمراض المعدية أن يبدأوا معالجة هذا بشكل شامل“. بحسب رويترز.
وفي بكين قال قنغ تشوانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية إن الصين تعاملت بشفافية وأتاحت المعلومات لمنظمة الصحة العالمية ولعدة دول منها الولايات المتحدة. وقال في مؤتمر صحفي يومي ”نحث الولايات المتحدة على التوقف عن تسييس الوباء والكف عن مهاجمة الصين وتشويه صورتها“. وقال بومبيو إنه لا بد من اتخاذ ”قرارات في غاية الأهمية“ مستقبلا حول هيكل العلاقات الأمريكية الصينية. وأضاف أن تحديات سلاسل الإمداد التي تواجهها الولايات المتحدة كانت بسبب شركات ”تدير سلاسلها للإمداد من الصين وليس هنا في الولايات المتحدة“.
وأمطرت بكين الدول الأوروبية التي تكافح فيروس كورونا بالمساعدات في إطار حملة دبلوماسية. وتبرعت أيضا بمئات آلاف الأقنعة الجراحية ومعدات إجراء فحوص للفيليبين وباكستان كما أرسلت فرقا طبية إلى إيران والعراق وقدمت قرضا بقيمة 500 مليون دولار لمساعدة سريلانكا على مكافحة الفيروس. وفي حين باتت الولايات المتحدة تكافح الفيروس على أرضها، يقول محللون إن الصين تحاول الإسراع في إعادة تموضعها كزعيم عالمي بديل.
وقالت مارينا رودياك الخبيرة في المساعدات الخارجية الصينية في جامعة هايدلبرغ "يوفر فشل حكومة الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب في تقديم أي استجابة دولية ذات معنى، وانشغالات الاتحاد الأوروبي بالاستجابة المحلية، فرصة فريدة لحكومة الصين لاستغلال هذه الوضع". وأفادت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) بأن الرئيس الصيني شي جينبينغ تعهد مساعدة إسبانيا وإيطاليا الأكثر تضررا جراء الفيروس، خلال مكالمات هاتفية مع رئيسي وزرائهما.
وأرسل فريقان طبيان صينيان إلى إيطاليا في لفتة لإظهار التضامن مع الشريك الأول للصين من الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع حزام وطريق الذي أطلقه العملاق الآسيوي. وتعد إيطاليا حاليا ثاني أكثر البلدان تضررا في العالم. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين على "تويتر" إن الصين سترسل مليوني قناع إلى أوروبا "على الفور" وأعربت عن امتنانها لرئيس الوزراء لي كشيانغ. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي ساعد الصين في كانون الثاني/يناير من خلال التبرع بالمعدات، وغردت "اليوم نحن ممتنون لدعم الصين".
اضف تعليق