الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي عمت مختلف مدن لبنان، واجبرت رئيس الوزراء سعد الحريري على تقديم استقالته ماتزال محط اهتمام اعلامي واسع، خصوصا وان هذه الاستقالة وبحسب بعض المراقبين ربما ستدخل البلاد في مـأزق جديد، كما انها لا تلبي طموحات الشعب الذي طالب بتغير النخبة السياسية ومحاربة الفساد وغيرها...
الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي عمت مختلف مدن لبنان، واجبرت رئيس الوزراء سعد الحريري على تقديم استقالته ماتزال محط اهتمام اعلامي واسع، خصوصا وان هذه الاستقالة وبحسب بعض المراقبين ربما ستدخل البلاد في مـأزق جديد، كما انها لا تلبي طموحات الشعب الذي طالب بتغير النخبة السياسية ومحاربة الفساد وغيرها من المطالب الاخرى. وعلى الرغم من هذه الاستقالة، إلا أن المتظاهرين ما يزالون في الشوارع، متمسكين بقائمة مطالبهم، المتمثلة في تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة ومحاسبة كل رموز الفساد في السلطة.
يبدو الوضع في شوارع لبنان كما نقلت بعض المصادر مرشحا للتصعيد، إذ يصر المتظاهرون على ضرورة تحقيق كل مطالبهم، ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون إلى تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط وذلك بعد استقالة الحريري. وقد تمهد تصريحات عون الطريق للتوصل لحل وسط بشأن تشكيل حكومة جديدة مطلوبة لتنفيذ إصلاحات عاجلة لإبعاد لبنان عن حافة هاوية اقتصادية عميقة.
وقال عون في خطاب بثه التلفزيون ”يجب أن يتم اختيار الوزراء والوزيرات وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاء للزعامات؛ فلبنان على مفترق خطير خصوصا من الناحية الاقتصادية وهو بأمس الحاجة إلى حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج لا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات ومدعومة من شعبها“. وقال مسؤول بارز مطلع إن الحريري مستعد لتولي رئاسة الوزراء في حكومة لبنانية جديدة بشرط أن تضم خبراء قادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بسرعة لتجنب انهيار اقتصادي.
كما دعا عون في خطابه إلى إنهاء النظام السياسي الطائفي وتأسيس حكم مدني وهو مطلب أساسي للمحتجين الذين طالبوا أيضا بأن يحل تكنوقراط محل القيادات التي يتهمونها بالفساد. ويرى بعض المراقبين ان التوافقات السياسية على تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان المقسم على اساس طائفي ستكون صعبة او مستحيلة وهو ما قد يعيد الامور الى المربع الاول ويدخل البلاد في ازمات ومشكلات كبيرة يصعب معالجتها.
الازمة والوقت
وفي هذا الشأن قالت الكتلة البرلمانية لجماعة حزب الله اللبنانية إن استقالة الحريري مضيعة لمزيد من الوقت اللازم للإصلاحات التي تعتبر على نطاق واسع ضرورية لإخراج لبنان من الأزمة الاقتصادية. وقالت الكتلة النيابية لحزب الله في بيان بثه التلفزيون ”هذه الاستقالة سوف تسهم في هدر الوقت المتاح لتنفيذ الاصلاحات“. واتهمت كتلة الوفاء للمقاومة الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية لنشر الفوضى.
وقالت كتلة حزب الله النيابية في البيان “تدعو الكتلة حاكمية المصرف المركزي إلى اتخاذ كل التدابير والإجراءات الآيلة إلى ضمان عدم تفلت الوضع النقدي في البلاد وخصوصا إبان هذه المرحلة الدقيقة والصعبة“. ودعت فرنسا، التي تدعم الحريري، إلى سرعة تشكيل حكومة جديدة بمقدورها تنفيذ إصلاحات ملحة.
وقالت جمعية مصارف لبنان إن البنوك ستعيد فتح أبوابها لتوفير الحاجات ”الملحة“ مثل الرواتب لكنها ناشدت العملاء أن يضعوا في اعتبارهم ”مصلحة البلد“ وسط مخاوف من أن يسارع الكثيرون بسحب ودائعهم أو تحويلها للخارج. وقال البيان إنها تأمل بأن ”يتفهم العملاء الوضع القائم وأن يتجابوا لخدمة مصالحهم ومصالح البلد في هذه المرحلة الاستثنائية“.
وقبل استقالة الحريري، أعلنت الحكومة سلسلة من الخطط الإصلاحية لكن دون خطوات ملموسة ولم تنجح في تهدئة المحتجين أو طمأنة المقرضين بما يكفي لحملهم على صرف مساعدات تبلغ 11 مليار دولار تقريبا لبنان في أمس الحاجة إليها كانوا قد تعهدوا بها في مؤتمر في باريس العام الماضي. وانحسرت المظاهرات الحاشدة التي اندلعت على النخبة الحاكمة بعد استقالة الحريري، لكن المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع مرة أخرى وطالب كثيرون منهم باستقالة مزيد من المسؤولين. بحسب رويترز.
وطلب الرئيس من الحكومة رسميا الاستمرار في تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة وفقا لنظام الحكم في لبنان. وفي محاولة لاستعادة مظاهر الحياة الطبيعية أزال الجنود مكبات قمامة وسيارات وخياما كانت تغلق طريقا سريعا يربط العاصمة بشمال لبنان. وقالت قيادة الجيش اللبناني إن حق التظاهر السلمي مكفول بموجب القانون لكنها قالت إنه ينطبق على ”الساحات العامة فقط“. وأطلق الجنود الغاز المسيل للدموع بعد اشتباك مع محتجين كانوا يسدون طريق في منطقة عكار. ودعا وزير التعليم المدارس والجامعات لفتح أبوابها لكن شهودا قالوا إن أغلب المدارس ظلت مغلقة في العاصمة كما في أجزاء من شمال البلاد وجنوبه.
وفيما تتنوع مطالب المتظاهرين بين منطقة وأخرى، إلا أن غالبيتهم يرون أن المرحلة المقبلة يجب أن تتضمن، بعد تشكيل حكومة اختصاصيين، إجراء انتخابات نيابية مبكرة وإقرار قوانين لاستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى مطلب رئيسي هو رحيل الطبقة السياسية برمّتها. وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد (1975-1990)، ولا زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء عموماً طائفة أو منطقة معينة.
حكومة وشروط
في السياق ذاته قال مسؤول بارز مطلع إن سعد الحريري مستعد لتولي رئاسة الوزراء في حكومة لبنانية جديدة بشرط أن تضم تكنوقراطا وتستطيع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة سريعا لتجنب انهيار اقتصادي. وتركت استقالة الحريري لبنان في حالة فراغ سياسي في وقت أزمة حادة وإصلاحات مطلوب تنفيذها على نحو عاجل لتجنب مشكلات مالية أعمق في دولة مثقلة بمستويات دين من بين الأعلى على مستوى العالم.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن الحكومة الجديدة يجب أن تكون خالية من مجموعة من الساسة البارزين الذين شملتهم الحكومة المستقيلة دون أن يذكر أسماء. وتضم الحكومة المستقيلة ممثلين بارزين عن أغلب الطوائف في لبنان ومنهم وزير الخارجية جبران باسيل عن التيار الوطني الحر المسيحي الذي كان هدفا بارزا للمحتجين. وباسيل حليف سياسي لجماعة حزب الله التي كانت تعارض استقالة الحكومة ولم تعلق بعد على استقالة الحريري خصم الحركة منذ فترة طويلة.
وطلب الرئيس اللبناني ميشال عون من الحكومة الاستمرار في تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة وفقا لنظام الحكم في لبنان. ولا يبدو أن هناك بديلا واضحا للحريري لشغل منصب رئيس الوزراء المخصص للمسلمين السنة بموجب نظام المحاصصة الطائفية المتبع لاقتسام السلطة في لبنان. وينظر للحريري باعتباره مركز الدعم الغربي ودعم دول الخليج العربية للبنان الذي يحتاج بشدة للدعم المالي الخارجي لإنعاش اقتصاده وتعزيز احتياطاته بالعملة الأجنبية. بحسب رويترز.
وقال عون إن الأحداث الأخيرة ”فتحت الباب على الإصلاح الكبير“ لكن الشعب سينزل إلى الشارع مجددا إذا ما برزت عواقب في طريق تشكيل ”حكومة نظيفة“. وتشير خطوة السياسي السني البارز سعد الحريري إلى تصاعد التوترات السياسية التي قد تعقد تشكيل حكومة جديدة قادرة على مواجهة أسوأ أزمة اقتصادية في لبنان منذ الحرب الاهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. واستغرق تشكيل حكومة الحريري الائتلافية التي تولت السلطة في يناير كانون الثانية تسعة اشهر. وأدت الأزمة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان حيث أدت الضغوط المالية إلى ندرة العملة الصعبة وتراجع قيمة الليرة اللبنانية المربوطة الدولار. كما تراجعت السندات اللبنانية بسبب الاضطرابات.
وحث الحريري في رسالة جميع اللبنانيين على أن ”يقدموا مصلحة لبنان وسلامة لبنان وحماية السلم الاهلي ومنع التدهور الاقتصادي على أي شيء آخر.“ وقال ”لكل الشركاء في الحياة السياسية أقول : مسؤوليتنا اليوم كيف نحمي لبنان ونمنع وصول أي حريق له. مسؤوليتنا كيف ننهض بالاقتصاد. يوجد فرصة جدية لا يجب أن تضيع. استقالتي أضعها بتصرف فخامة الرئيس وكل اللبنانيين.“ تعهد حلفاء لبنان العام الماضي بتقديم 11 مليار دولار لمساعدته على انعاش اقتصاده شرط تحقيق الاصلاحات التي فشلت الى حد كبير حكومة الحريري بتنفيذها. ولكن حتى الان لا يوجد ما يشير إلى تقديم مساعدات .
وسعى الحريري إلى نزع فتيل الغضب الشعبي وذلك من خلال حزمة إصلاحات اتفق عليها مع الأطراف الأخرى في حكومته الائتلافية التي تضم حزب الله. وتشمل هذه الحزمة مكافحة الفساد وإصلاحات اقتصادية تأخرت كثيرا. لكن مع عدم وجود إجراءات فورية لتطبيق الإصلاحات فان الكثير من المحتجين لم يشعر بالرضا.
مطالب خارجية
من جانب اخر أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، أن لبنان "يمر بأزمة خطيرة جدا مع تظاهرات شعبية حاشدة وحوادث وتوترات وأزمة ثقة". وقال "مع هذه الأوضاع تدعو فرنسا المسؤولين اللبنانيين إلى بذل كل الجهود لضمان استقرار المؤسسات ووحدة لبنان"، معتبراً أن اعلان سعد الحريري استقالته "يفاقم الأزمة".
وأضاف "الشرط للاستقرار هو الرغبة في الإصغاء إلى صوت الشعب ومطالبه". وتساءل "هل أن المسؤولين السياسيين اللبنانيين مستعدون للعمل على صنع لبنان معا؟". وتابع "هل سيضعون مصلحة البلاد قبل مصالحهم الخاصة؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه قرار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بالاستقالة". وقال "لبنان بحاجة إلى التزام مجمل الطبقة السياسية بالتساؤل عن أدائها نفسه، والعمل على ايجاد حواب قوي للشعب، وفرنسا مصممة على مساعدتهم في هذا الخصوص".
وحث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الزعماء السياسيين في لبنان على المساعدة في تشكيل حكومة جديدة تلبي احتياجات شعبها بعدما استقال رئيس الوزراء. وقال بومبيو في بيان ”المظاهرات السلمية ومظاهر التعبير عن الوحدة الوطنية بعثت برسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة تتسم بالكفاءة والفاعلية وإصلاحا اقتصاديا ونهاية للفساد المستشري“. بحسب رويترز.
كما دعت إيران إلى الوحدة بين الجماعات السياسية في لبنان بعد استقالة رئيس الوزراء. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي في بيان إن طهران ”تدعو إلى الوحدة والتعاطف بين جميع الطوائف والأحزاب السياسية في لبنان من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد وتحقيق المطالب المشروعة للشعب اللبناني“. وأضاف أن إيران تأمل بأن يجتاز لبنان حكومة وشعبا ”هذه المرحلة الخطيرة والحساسة بنجاح“. واتهم الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الولايات المتحدة والسعودية بإذكاء الاضطرابات في لبنان ودعا المحتجين إلى السعي للتغيير بالسبل القانونية.
اضف تعليق