q
تصاعد التوترات في ليبيا بشكل خطير، بين ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر من جهة، وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج من جهة أخرى، وهو ما اثار مخاوف الكثير خصوصا وان هذا الصراع ومع وجود اطراف خارجية داعمة تسعى الى تحقيق مصالحها...

تصاعد التوترات في ليبيا بشكل خطير، بين ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر من جهة، وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج من جهة أخرى، وهو ما اثار مخاوف الكثير خصوصا وان هذا الصراع ومع وجود اطراف خارجية داعمة تسعى الى تحقيق مصالحها، يمكن ان يسهم بنسف الآمال بعملية السلام واعادة البلاد الى سابق عهدها، وأصر المبعوث الأممي للبلاد، غسان سلامة، على إجراء مؤتمر السلام الوطني في موعده، في الوقت الذي طالبت فيه دول مجموعة الـ7 جميع الأطراف بالتقيد بعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، دون أن تستبعد فرض عقوبات على حفتر لهجومه على العاصمة.

وقال سلامة في مؤتمر صحفي عقده، في ظل التصعيد العسكري، إن الأمم المتحدة لن تضحي بالمؤتمر الذي يتم التحضير له منذ نحو عام، وسط أنباء عن إمكانية تأجيله. وأضاف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى لبيبا قائلا: "أعلم أن عقد الاجتماع في ظل تصعيد عسكري أمر صعب، ولكننا سنصر على أن يقام في موعده"، وتابع قائلا: "إلا إذا حدثت ظروف استثنائية جعلت الأمر مستحيلا". وقال بعض سكان طرابلس إن الأوضاع متوترة في العاصمة والمدنيون يعانون من نفاد الطعام والوقود، وكشفوا عن وجود ازدحام كثيف أمام محطات تعبئة الوقود، كما أشاروا إلى أن محال المجوهرات قد أغلقت خوفا من حرب شوارع وعمليات سرقة.

هذه التطورات ايضا كانت محط اعلامي كبير حيث علقت صحف عربية، بنسختيها الورقية والإلكترونية، على المعارك التي تقودها قوات شرق ليبيا بقيادة القائد العسكري خليفة حفتر للسيطرة على طرابلس. وانتقد بعض الصحف موقف مجلس الأمن الذي أخفق بنظرها في وقف قوات حفتر، ووصف بعض كُتّاب مقالات الراي المعارك الحالية حول طرابلس بانها "الفصل الأعنف في الصراع على النفط". وتنتقد جريدة "الراية" القطرية في افتتاحيتها ما تسميه "إخفاق مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى استراتيجية واضحة لمطالبة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بوقف سريع لإطلاق النار في طرابلس، والفشل في إدانته يمنحان حفتر وميليشياته المزيد من الفرص لتقويض الاستقرار في ليبيا".

وتضيف الصحيفة أن "التصعيد العسكري الخطير الذي يقوده حفتر وفق مخطط لاحتلال طرابلس والانقلاب على حكومة الوفاق المدعومة دولياً، ليس مصدر قلق للشعب الليبي الشقيق فحسب، وإنما للمجتمع الدولي، باعتبار أن مثل هذه التصرفات لا تأخذ المصلحة الوطنية العليا للشعب الليبي في الحسبان، وسيكون لها تداعيات وخيمة على الصعيدين المحلي والدولي، ولذلك، فإن مجلس الأمن مُطالب بقرار دولي عاجل يضع حداً لتصرفات حفتر ويعيد الاستقرار للشعب الليبي".

وتحت عنوان "طرابلس.. معركة النفط والدم"، يقول راجح الخوري في "الشرق الأوسط" اللندنية: "في النهاية، الجرح الليبي المفتوح على المآسي منذ عام 2011 يجب أن يندمل، فهل نكون الآن أمام المعركة الأخيرة التي تعيد توحيد البلاد، فتنتهي قصة ليبيا الشرقية وليبيا الغربية، التي تذكرنا جيداً بحكايات ومآسي بيروت الشرقية وبيروت الغربية؟". ويرى الكاتب أن المعارك الحالية هي "الفصل الأعنف في الصراع على النفط، المجبول بالدم"، مضيفاً أن "معركة طرابلس تبقى قاسية وصعبة لسببين؛ أولاً لأنها مكتظة بالسكان، وثانياً لأنها 'مكتظة' بتقاطع المصالح الإقليمية والدولية فوقها".

ويقول عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا ومندوبها الأسبق لدى الأمم المتحدة، في جريدة "الشرق الأوسط" إنه "بعد رحيل الحقبة الجماهيرية بقوة الثورة على الأرض، والتدخل العسكري الخارجي انهارت الدولة، وبدأ صراع على كل شيء، المال والسلطة والتناحر الفكري، مضافاً له التدخل الخارجي، دخلت البلاد حلقة أخرى من المتاهات الدموية وحكم مكر التاريخ، ولم يغب مكر الجغرافيا أيضاً". ويضيف: "اليوم تعود ليبيا إلى وحل الدم المعجون بغياب العقل، وتهاوي الوازع الوطني وسيادة المغالبة والقاعدة الصفرية".

السيطرة على طرابلس

وفي هذا الشأن توقفت عملية القائد العسكري القوي خليفة حفتر للسيطرة الخاطفة على العاصمة الليبية، لكنه لن يواجه على الأرجح ضغوطا حقيقية من الخارج للانسحاب لأن وصول خصوم متشددين يعزز دعوته للحرب على ”الإرهاب“. وتقدمت قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة حفتر إلى ضواحي طرابلس، وتوقعت حدوث انشقاقات وتحقيق النصر في غضون يومين وخروج النساء للاحتفال في الشوارع. لكن حكومة رئيس الوزراء فائز السراج المعترف بها دوليا استطاعت وقفهم في الضواحي الجنوبية ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير لجماعات مسلحة سارعت لتقديم العون من الفصائل الليبية المختلفة في غرب البلاد.

وبدلا من احتفال النساء، شاركت كثيرات في مسيرة في طرابلس ضد الهجوم. وكان حفتر (75 عاما)، وهو ضابط كبير سابق في جيش معمر القذافي، يحشد قواته ويكثف الضربات الجوية في حملة يقول إنها ضرورية لاستعادة النظام والقضاء على المتشددين. بيد أن محللين يقولون إن هذا يوحد خصوم حفتر خلف السراج الذي يفتقر إلى القوات النظامية ويحتاج إلى المساعدة، لكنه قد يجد صعوبة في السيطرة عليهم كلما طال أمد الحرب.

وأفسد تجدد الصراع خطة الأمم المتحدة لإحلال السلام في ليبيا بعد تأجيل مؤتمر للمصالحة الوطنية. ويهدد أيضا بتعطيل إمدادات النفط من الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وإطلاق موجة جديدة من المهاجرين عبر البحر صوب أوروبا. ويعتقد دبلوماسيون أن حفتر لن يواجه في الوقت الراهن ضغوطا من داعميه بما في ذلك الإمارات ومصر وفرنسا التي لا تزال تراه الرهان الأفضل لإنهاء الفوضى والانقسامات المستمرة منذ الإطاحة بالقذافي في 2011.

ويدعم حجتهم، التي تقوض دعوات إيطاليا الدولة المستعمرة لليبيا سابقا ودول أخرى للتوصل لحل سياسي، وصول متشددين في الأيام الأخيرة لمساعدة قوات السراج. ومن بينهم صلاح بادي القيادي في ميناء مصراتة القريب والذي له صلات بإسلاميين وربما له هو نفسه طموحات للسيطرة على طرابلس. وفي مقاطع مصورة من خط المواجهة ظهر بادي وهو يوجه الرجال بالإضافة إلى مهرب للبشر فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليه.

وأظهرت أيضا هذه المقاطع المصورة مشاركة بعض الإسلاميين المتشددين الذين كانوا مرتبطين في السابق بجماعة أنصار الشريعة في القتال. وأنحت واشنطن باللوم على هذه الجماعة في اقتحام مجمع دبلوماسي أمريكي في بنغازي في 2012 والذي أسفر عن مقتل السفير وثلاثة أمريكيين آخرين. وحاولت حكومة السراج التقليل من شأن وجود متشددين. وقال محمد سيالة وزير الخارجية في حكومة السراج للصحفيين إنه يوجد على الطرفين أشخاص متهمون بأنهم خارجون على القانون.

وأدى انضمام ما يقدر بمئات السلفيين إلى تضخم قوات حفتر كما أن أحد قادته مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بسبب ما يقال إنه إعدام بلا محاكمة لعشرات الأشخاص في مدينة بنغازي بشرق ليبيا. وبدأ حفتر في 2014 حملته التي سماها ”عملية الكرامة“ مطلقا على قواته اسم ”جيش“ في محاولة لتمييزها عن ”الميليشيات“ في المناطق الأخرى. وانتصر حفتر في معركة بنغازي ضد الإسلاميين بصفة أساسية في 2017 بدعم مستتر من دولة الإمارات ومصر وفرنسا ولكن بعضا من خصومه المهزومين موجودون الآن في طرابلس سعيا للثأر.

الخليج وأوروبا

في السياق ذاته دعت قطر إلى وقف إمدادات الأسلحة من الخارج إلى خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) الذي أثارت حملته للسيطرة على العاصمة طرابلس الخلافات في الخليج وأوروبا. وتشعر قوى أجنبية بالقلق لكنها عاجزة عن تبني موقف موحد إزاء أحدث تجدد للفوضى السياسية والقتال التي عمت ليبيا بعد الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي في عام 2011. وأسفر الصراع حتى الآن عن مقتل 174 شخصا وإصابة 756 آخرين ونزوح 18250 شخصا وفق أحدث إحصاءات الأمم المتحدة، كما تسبب في إرجاء خطة سلام دولية. ويهدد الصراع كذلك بتعطيل إمدادات النفط وزيادة أعداد المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا والسماح للمتشددين باستغلال الفوضى.

وقالت قطر إنه يتعين تشديد الحظر القائم الذي فرضته الأمم المتحدة على إرسال الأسلحة إلى ليبيا حتى يُمنع حفتر (75 عاما) من استلام أسلحة. ويحظى حفتر، الذي يتخذ من بنغازي مقرا له، بدعم مصر والإمارات والسعودية. وترى تلك الدول أنه قادر على إعادة الاستقرار في البلاد ومواجهة المتشددين الإسلاميين. وقطعت الدول الثلاث علاقاتها مع قطر في عام 2017، متهمة إياها بدعم المتشددين وإيران.

وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري لصحفية لا ريبوبليكا الإيطالية اليومية إنه يتعين تحديد موعد آخر لمؤتمر الأمم المتحدة للسلام في ليبيا، الذي تم تأجيله، وإجبار قوات حفتر على الانسحاب. وأضاف أنه يتعين تنفيذ حظر الأسلحة ”لمنع تلك البلدان التي تمد (حفتر) بالذخيرة وأحدث الأسلحة من مواصلة فعل ذلك“. وأفادت تقارير سابقة للأمم المتحدة بأن الإمارات ومصر أمدتا حفتر بالأسلحة والطائرات مما منحه تفوقا جويا على مختلف الفصائل الليبية. وتقول سلطات شرق ليبيا إن قطر وتركيا تدعمان فصائل منافسة تميل للإسلاميين في غرب ليبيا.

على غرار الخلافات الدبلوماسية في الخليج، توجد خلافات في أوروبا بين إيطاليا، الدولة المستعمرة لليبيا سابقا، وفرنسا. وسبق أن قدمت باريس الدعم لحفتر واعتبرته أفضل رهان على إنهاء الفوضى التي عمت ليبيا منذ انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي لإنهاء حكم القذافي الدامي الذي استمر لأربعة عقود. وتدعم إيطاليا، التي لها مصالح نفطية كبرى في ليبيا العضو في أوبك، حكومة طرابلس برئاسة رئيس الوزراء فائز السراج. وعبرت عن غضبها من عدم رغبة فرنسا في مساندة قرار حديث للاتحاد الأوروبي يدعو حفتر لوقف تقدمه.

والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع حفتر في القاهرة. وقال بيان رئاسي صدر عقب المحادثات إن السيسي شدد على دعم القاهرة ”لجهود مكافحة الإرهاب“. وقال دبلوماسيون ومحللون إن الإمارات ومصر دعمتا حفتر في الماضي بضربات عسكرية في شرق ليبيا، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان البلدان سيلعبان نفس الدور خلال الحملة الحالية. ويعد وجود حفتر، أو جيش يبدو مستقرا في ليبيا، أمرا مهما بالنسبة لباريس فيما يتعلق بسياستها الأوسع ضد المتشددين في منطقة الساحل.

ولفرنسا نحو 4500 جندي في المناطق الصحراوية جنوبي وغربي ليبيا، وتريد إلى أقصى حد ممكن ضمان عدم تسلل أي عناصر عبر الحدود. وسيتوقف دعمها لحفتر على مدى اعتقادها بقدرته على الانتصار أو إمكانية احتواء سقوط قتلى من المدنيين. وإذا زاد عدد القتلى المدنيين أو تدفقت موجة من اللاجئين، فربما تضطر باريس إلى أن تكون سباقة في ممارسة الضغوط عليه. كما سيعتمد دعم باريس على مدى تطور دعم الإمارات له. بحسب رويترز.

ومنذ تولي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السلطة، استمع كثيرا وبإمعان إلى آراء ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد بشأن ليبيا. وقبل تولي ماكرون، كان يوجد خلاف معروف في فرنسا بين وزارتي الخارجية والدفاع بشأن السياسة الداخلية. وقال جليل حرشاوي الزميل الباحث في معهد كلينجنديل في لاهاي ”رغم حرص فرنسا على إظهار أن سياستها إزاء ليبيا نابعة من الداخل، فإنها في الواقع مجرد تابع للإمارات بشكل أو آخر“. وأضاف ”اليوم، هذا يعني: إذا لم يقرر محمد بن زايد أن حفتر أضاع فرصته وفشل إلى غير رجعة، فإن إيمانويل ماكرون على الأرجح لن يغير أو يكبح سياسته المناصرة لحفتر في ليبيا“.

اضف تعليق