تطورات جديدة ومهمة تشهدها السودان مع استمرار الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية، التي انطلقت منذ 19 ديسمبر كانون الأول ضد حكم البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم. الذي رفض التنحي وقال إن أي تغيير في السلطة يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع. ويبدو أن نجاح احتجاجات مماثلة...
تطورات جديدة ومهمة تشهدها السودان مع استمرار الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية، التي انطلقت منذ 19 ديسمبر كانون الأول ضد حكم البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم. الذي رفض التنحي وقال إن أي تغيير في السلطة يجب أن يتم عبر صناديق الاقتراع. ويبدو أن نجاح احتجاجات مماثلة، وإن كانت أكبر حجما، في الجزائر في إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التنحي قد شجع النشطاء السودانيين على الدعوة إلى احتجاجات للاحتفال بذكرى الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس جعفر النميري عام 1985 في أعقاب احتجاجات حاشدة على حكمه. وحث المحتجون الجيش على الوقوف معهم مرة أخرى في محاولة لعزل البشير من السلطة.
ومهد سقوط النميري الطريق لانتخابات عامة وحكومة مدنية أطاح بها البشير في انقلاب عسكري أيده الإسلاميون في عام 1989. ويتولى البشير السلطة منذ ذلك الحين، واختير رئيسا في انتخابات عديدة يقول منتقدون إنها لم تكن حرة ولا نزيهة. وتمثل موجة الاحتجاجات أكثر التحديات استدامة في وجه البشير منذ توليه السلطة. وخرجت المظاهرات للاحتجاج على ارتفاع الأسعار ونقص السيولة النقدية لكنها تطورت إلى مظاهرات ضد حكم البشير. وفي فبراير شباط أعلن البشير حالة الطوارئ في البلاد التي يقطنها نحو 40 مليون نسمة وأقال الحكومة وحكومات الولايات في سلسلة من الخطوات التي استهدفت إحكام قبضته على البلاد.
تقول جريدة "العرب" اللندنية: "عكس إصرار الحراك الشعبي في السودان، على التمسك بالاعتصام المفتوح أمام وزارة الدفاع ودعوة الجيش للوقوف مع الاحتجاجات، حجم الغضب المتنامي على سياسات الرئيس عمر حسن البشير الذي يتمسك بدوره بالسلطة ويرفض جميع الحلول للأزمة المتواصلة منذ أشهر". وتضيف الجريدة: "ينذر وقوف الجيش مع الاحتجاجات بتحولات سريعة للأزمة في السودان التي تتواصل منذ ديسمبر الماضي".
ويرى بعض المراقبين انه "في حالة تجاوب الجيش السوداني مع مطالب المواطنين وإجبار البشير على إعلان عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فلن يكتفي المحتجون بذلك، بل يتوقع أن يرتفع السقف إلى تنحيته فوراً. وهو سيناريو سلكته انتفاضات عربية، حيث تبدأ شرارة التظاهر بهدف أمني وحقوقي أو سياسي أو اقتصادي محدد، ثم تتصاعد وتعلن الانتقام من أقطاب النظام برمته". و تتهيأ الساحة السودانية لسيناريو قريب من ذلك، ربما تكون مشكلته الظاهرة مثل من سبقوه في تونس ومصر واليمن وليبيا والجزائر، تتعلق بعدم وجود قوى سياسية تستطيع التحكم في زمام الأمور وقيادة المرحلة التالية لبر الأمان، بما يتواءم مع تطلعات الجماهير".
دعم الجيش
وفي هذا الشأن دعا آلاف من المتظاهرين في الخرطوم الجيش السوداني الى دعمهم في معارضتهم الرئيس عمر البشير، غداة استئناف للاحتجاجات التي تعصف بالسودان منذ حوالى اربعة أشهر. وكانت الأجهزة الأمنية وليس الجيش، تفرق حتى الان التظاهرات التي بدأت في 19 كانون الأول/ديسمبر. ولقي متظاهر حتفه في مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم، كما ذكرت السلطات. وردد المتظاهرون الذين احتشدوا لليوم الثاني على التوالي امام المجمع الذي يضم مقر القيادة العامة للجيش ووزارة الدفاع ومقر اقامة الرئيس، "السودان يتحرر، الجيش يتحرر"، كما افاد شهود.
وقال المتظاهر أسامة أحمد الذي قضى ليلته خارج المجمع "بعد ما قمنا به لن نغادر هذا المكان حتى ننجز مهمتنا". وأضاف متحدثا عن البشير الذي وصل الى الحكم بانقلاب في 1989، "لن نغادر المكان حتى يستقيل". وشارك الآلاف في أكبر مسيرة مناهضة للحكومة منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في كانون الأول/ديسمبر، ووصلوا خلالها للمرة الأولى إلى مقر القيادة العامة للجيش.
وفي التجمعات السابقة، حاول المتظاهرون مرارا التوجه نحو أماكن رمزية للحكم، مثل القصر الرئاسي، لكنهم غالبا ما مُنعوا من ذلك بالغاز المسيل للدموع الذي تطلقه القوى الأمنية. واكد منظمو التحرك، تحالف احزاب المعارضة الذي يضم المهنيين السودانيين، أن التجمع يهدف الى الطلب من الجيش أن "يختار بين شعبه وبين الديكتاتور". وقالوا في بيان انهم "يأملون في أن يتخذ الجيش موقفا من اجل الشعب". كما اوضحوا "ندعو شعبنا في قطاعات قريبة من الخرطوم الى الانضمام الى الذين في مقر قيادة الجيش".
وقال شهود عيان إن مجموعات من الرجال والنساء والأطفال توافدوا من مختلف أنحاء العاصمة، سيراً على الأقدام أو بحافلات أو سيارات، للانضمام إلى التجمع أمام مقر قيادة الجيش. وصرح شاهد بأن المتظاهرين هتفوا شعارات وطنية وصفقوا، بينما أطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع من أجل تفريقهم. ولوح متظاهرون لآليات عسكرية كانت تدخل مقر قيادة الجيش، فيما نظم قام بعض المتظاهرين بأداء الصلاة على الطريق أمام المجمع، بحسب شهود.
وأغلق آخرون بالحجارة جسرا على مقربة من مقر القيادة العامة يربط الخرطوم بمنطقة البحاري إلى الشمال، مما تسبب في اختناقات مرورية، كما ذكر شهود عيان. وقال شهود إن شركات خاصة عدة أعلنت يوم عطلة، ونظمت شركات أخرى عمليات إيصال الماء والوجبات الخفيفة إلى المتظاهرين. وقال أحد الشهود إن "العديد من الأشخاص قدموا مع طعام ومياه كما لو أنهم ينوون التخييم هنا لعدة أيام".
وسرعان ما تحولت التظاهرات التي بدأت في 19 كانون الأول/ديسمبر جراء قرار الحكومة زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف، حركة احتجاج في جميع أنحاء البلاد ضد البشير، الذي يرأس بلدا يواجه أزمة اقتصادية خطيرة. ويقول خبراء إنه رفض الاستقالة ويواجه أكبر تحد منذ وصوله إلى السلطة. وبعدما حاول قمع التحدي بالقوة، أعلن حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد في 22 شباط/ فبراير. ومنذ بداية التحرك، لقي 32 شخصا مصرعهم، كما تقول السلطات. لكن منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية تحدثت عن 51 قتيلاً على الأقل. بحسب فرانس برس.
وأوقف عدد من المتظاهرين لأنهم شاركوا في تجمعات غير مسموح بها وتمت محاكمتهم امام محاكم استثنائية. وقل موريسي موتيغا من "انترناشونال كرايزس غروب" إن "حجم التظاهرات يثبت ان رهان البشير للتوصل الى إنقاذ نظامه من خلال القمع، رهان خاسر". وتراجعت التعبئة كثيرا في الأسابيع الأخيرة، الذي لم يكن تاريخه صدفة، لأنه يوافق ذكرى ثورة 6 نيسان/ابريل 1985 التي سمحت بالإطاحة بنظام الرئيس جعفر النميري. ويواجه السودان، الذي اقتُطعت منه ثلاثة أرباع احتياطياته النفطية منذ استقلال جنوب السودان في 2011، تضخما يناهز 70% سنويا ويواجه عجزا كبيرا في العملات الأجنبية.
مطالب مشروعة
في السياق ذاته قال الرئيس السوداني عمر البشير الإثنين إن مطالب التظاهرات المناهضة لحكومته "مشروعة" لكنّه أشار إلى أن بعضها لم يتبع "الإجراءات القانونية" وتسبّب بتخريب الممتلكات. ويحمّل المحتجون نظام البشير مسؤولية سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد التي تشهد ارتفاعاً حاداً لأسعار المواد الغذائية وتضخّماً يناهز 70% سنوياً، ونقصاً كبيراً في العملات الأجنبية.
وقال البشير إنّ "الأزمة الاقتصادية أثرت على قطاعات واسعة من شعبنا". وتابع أنّ هذه الأزمة "جعلت من بعضهم يخرج الى الشارع لتحقيق مطالب مشروعة ولكن بعض هذه التجمعات لم تتبع الإجراءات القانونية كما أن بعضها نحى نحو تخريب الممتلكات". وكانت مكاتب ومبانٍ تابعة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم قد تعرضت للحرق خلال الأيام الأولى للتظاهرات. وأضاف أنّ "قوى سياسية سعت الى استغلال ذلك ونشر دعوات الكراهية" في المجتمع.
وبعد فشل حملة احتواء الحركة الاحتجاجية أعلن في 22 شباط/فبراير حال الطوارئ في البلاد لمدة عام، قبل أن يقلّص البرلمان المدة إلى ستة أشهر. ومنذ فرض حالة الطوارئ تم توقيف عدد من المتظاهرين لمشاركتهم في تجمّعات محظورة وأصدرت محاكم خاصة أحكاما بحقّهم في ظل تراجع حدة التظاهرات وحجمها. ويقول محللون إن حركة الاحتجاج التي يشهدها السودان تشكّل أكبر تحد للبشير منذ وصوله إلى سدة الحكم قبل ثلاثة عقود. بحسب فرانس برس.
من جانب اخر شارك عشرات الصحفيين السودانيين في مسيرة في الخرطوم للمطالبة بإنهاء حملة على حرية الصحافة وسط أكبر تحد للرئيس السوداني عمر البشير منذ وصوله إلى الحكم في انقلاب عسكري في عام 1989. وحمل المحتجون لافتة كبيرة كتب عليها ”صحافة حرة أو لا صحافة“ وساروا في شارع رئيسي في العاصمة السودانية. وهتفوا ”الصحافة صوت الشعب“ و“الثورة خيار الشعب“.
ومنذ بدء موجة المظاهرات ألقي القبض على 90 صحفيا بحسب شبكة الصحفيين السودانيين وهي جماعة مناهضة للحكومة نظمت احتجاجا. وقالت الشبكة إن معظمهم أفرج عنهم. وتقول لجنة حماية الصحفيين إن عددا من ألقي القبض عليهم غير مسبوق لكن من المستحيل إعطاء رقم دقيق لأن السلطات تعتقل الصحفيين ثم تطلق سراحهم مع حدوث ذلك لبعض الصحفيين أكثر من مرة. وقالت لجنة حماية الصحفيين أيضا إن السلطات السودانية حاولت فرض الرقابة على التغطية الخبرية للاحتجاجات وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار.
ضحايا وادانات
الى جانب ذلك قالت لجنة الأطباء المركزية في السودان إن سبعة أشخاص قتلوا بينهم ثلاثة من عناصر الجيش السوداني جراء محاولة الأجهزة الأمنية فض الاعتصام قرب مقر قيادة الجيش بالقوة. قالت لجنة الأطباء المركزية التابعة للمعارضة إن سبعة أشخاص قتلوا بينهم ثلاثة من عناصر الجيش السوداني وذلك جراء محاولة الأجهزة الأمنية فض الاعتصام بالقوة من أمام مقر قيادة الجيش. وأفادت اللجنة، وهي تجمع نقابي غير رسمي، في وقت سابق بمقتل شخصين من جراء الاعتداء على المعتصمين أمام قيادة الجيش.
وكانت اشتباكات تجددت بين الجيش وأفراد من أجهزة أمنية حاولت تفريق المعتصمين بالقوة، ونجح الجيش في السيطرة على الوضع وطرد القوة المهاجمة. من جانبها أصدرت الشرطة السودانية بيانا تقول فيه إنه بعد الاطلاع على الأحداث الأمنية، تم إصدار توجيهات بعدم التعرض للتجمعات السلمية وللمواطنين. وقال المتحدث باسم الشرطة السودانية في بيان إنه يأمل بحدوث توافق "يعزز الانتقال السلمي للسلطة". وقالت نائبة حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي إن هناك استخداما غير مسبوق للعنف من قبل النظام خلال التظاهرات المطالبة بتنحي البشير. وأضافت إن على الجيش الانحياز لموقف الشعب.
من جانبها اعتبرت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج انه آن الأوان للسلطات السودانية لكي تعرض "خطة انتقال سياسي تحظى بمصداقية" في مواجهة التظاهرات ضد النظام التي تشهدها البلاد منذ أشهر. وقالت سفارات الدول الثلاث في بيان مشترك نشر في الخرطوم "لقد آن الأوان للسلطات السودانية لكي ترد على هذه المطالب الشعبية بطريقة جدية وتحظى بمصداقية".
اضف تعليق