ازمة خطيرة تواجهها الحكومة السودانية، في ظل استمرار الاجتجاجات والمظاهرات الشعبية في هذا البلد الذي يعيش تحت وطأة أزمات اقتصادية متلاحقة، تفاقمت بشكل كبير بعد انفصال الجنوب عام 2011، الذي شكل وبحسب بعض المصادر، صدمة كبيرة إذ فقدت البلاد حوالي 75% من إيراداتها النفطية...

ازمة خطيرة تواجهها الحكومة السودانية، في ظل استمرار الاجتجاجات والمظاهرات الشعبية في هذا البلد الذي يعيش تحت وطأة أزمات اقتصادية متلاحقة، تفاقمت بشكل كبير بعد انفصال الجنوب عام 2011، الذي شكل وبحسب بعض المصادر، صدمة كبيرة إذ فقدت البلاد حوالي 75% من إيراداتها النفطية، واضطرت الحكومة إلى إجراء التقشف المالي، وإجراء إصلاحات هيكلية نقدية مثل تخفيض قيمة الجنيه السوداني خلال أعوام 2012 و2013، ووصل إلى5.7 جنيه سوداني للدولار ، وهو ما رفع من تكاليف الواردات وبالتالي أجج التضخم. ومن أبرز مشاكل الاقتصاد السوداني بعد الانفصال، ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وما زالت السودان دولة مثقلة بالديون الخارجية، حيث تراكمت عليها العديد من الديون المستحقة الدفع.

هذه الازمة الخطيرة وفي ظل غياب الاجراءا والخطط الحكومية، كانت سببا في اثارة الغضب الشعبي في السودان، حيث خرج الآلاف في تظاهرات حاشدة منددة بسياسات الحكومة واجراءاتها القمعية ضد المتظاهرين، وتصاعدت حدة التظاهرات التي اندلعت في 19 كانون الأول/ديسمبر إثر رفع الحكومة أسعار الخبز ثلاثة أضعاف. وقد تحولت إلى مسيرات مناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد وسط تتخللها دعوات إلى استقالة الرئيس عمر البشير. ويشهد السودان صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70% وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي وسائر العملات الأجنبية.

وأكد زعيم حزب الأمة السوداني المعارض، الصادق المهدي، أن الوقت مناسب للتغيير وإقرار حكم ديمقراطي، محذرا من محاولات إجهاض التظاهرات عبر انقلاب داخلي أو باستيلاء أحد مراكز القوة داخل النظام على السلطة. وقلل المهدي، في بيان صحفي، عبر صفحة حزب الأمة على "فيسبوك"، من محاولات السلطة في الخرطوم إجهاض التظاهرات الحالية، وتوقع أن تعمل المحاولات على نجاح الثورة.

الى جانب ذلك كشف السودان عن الدولة التى يعتبرها سببا في الاحتجاجات المتواصلة على أراضيه. وقال رئيس الوزراء السوداني، معتز موسى، إن انفصال جنوب السودان سبب أزمة اقتصادية كبيرة للسودان، بفقدان "الدولة حوالي 90 % من إيرادات النقد الأجنبي". وطالب موسى أن ينظر المحتجون إلى السودان بعد الانفصال، مؤكدا "السودان قبل الانفصال ليس هو ذات الدولة بعد الانفصال"، حسب سودان تربيون. وأشار رئيس الوزراء إلى أن السودان لم يطلب أى عون خارجي لاجتياز الأزمة، "لأن الحلول موجودة في الداخل".

مظاهرات مستمرة

قال شهود وحزب الأمة المعارض الرئيسي في السودان إن قوات الأمن السودانية أطلقت الغاز المسيل للدموع عند مسجد في العاصمة الخرطوم وتعرض عدد من المصلين للإصابة أو الاختناق. جاء الهجوم في الوقت الذي حاول فيه مئات المصلين الخروج من جامع السيد عبد الرحمن المهدي، أحد المساجد الرئيسية في العاصمة، في إطار الاحتجاجات شبه اليومية على حكم الرئيس عمر البشير المستمر منذ 30 عاما.

وهزت السودان الاحتجاجات التي بدأت في 19 ديسمبر كانون الأول بعد أن حاولت الحكومة رفع أسعار الخبز. وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن 45 شخصا على الأقل لاقوا حتفهم في الاحتجاجات بينما تقول الحكومة إن عدد القتلى بلغ 31 بينهم اثنان من قوات الأمن. وقال حزب الأمة الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي في بيان إن قوات الأمن هاجمت المصلين مباشرة بإطلاق الغاز المسيل للدموع ”بكثافة“ على حرم المسجد.

وقال البيان ”أطلقت أجهزة النظام القمعي الغاز المسيل للدموع بكثافة داخل حرم مسجد الإمام عبد الرحمن المهدي بود نوباوي. وقد استمر قصف المسجد وعربة الحبيب الإمام الصادق المهدي وضرب المصلين وتوجيه السلاح في وجههم ومحاصرة المسجد بواسطة مليشيات الأمن، مما أدى لإصابة واختناق عدد من المصلين“. وأضاف ”نؤكد بأن النظام المدحور قد فقد وعيه تماما وأصبح لا يلتفت لقيم وأخلاق الشعب السوداني ويعمل بكل بؤس في تكريس سلطة الطاغية“. بحسب رويترز.

وألقى البشير باللوم في الاحتجاجات على ”عملاء“ وطالب منافسيه بالسعي إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. ولم يظهر أي مؤشر على التخلي عن السلطة. كما اندلعت الاحتجاجات في مناطق أخرى من الخرطوم، حيث أغلق المتظاهرون الطرق بإطارات محترقة وفروع الأشجار. وفرقت قوات الأمن الاحتجاجات بالغاز المسيل للدموع لكن لم ترد تقارير عن وقوع إصابات. وفي شرق السودان، قام المئات بمسيرة في مدينة خشم القربة، مسقط رأس معلم توفي أثناء الاحتجاز بعد اعتقاله بسبب مشاركته في الاحتجاجات. وردد المتظاهرون هتاف ”بالروح بالدم نفديك يا أستاذ“. ولم تتدخل قوات الأمن.

استراتيجية جديدة

على صعيد متصل استخدم الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي يواجه احتجاجات شبه يومية ضد حكومته، نبرة تصالحية جديدة مع المتظاهرين قائلا إن معظمهم شبان يحوم شبح الفقر فوق رؤوسهم وتعهد بالإفراج عن الصحفيين المعتقلين. وبدا أن تصريحات البشير جزء من استراتيجية جديدة لتخفيف موقف الحكومة تجاه المحتجين بعد أن أدلى وزير الدفاع ورئيس الوزراء بتصريحات مشابهة في الأيام الأخيرة.

وقال البشير لصحفيين تمت دعوتهم للقصر الرئاسي لمناقشة الأحداث الأخيرة ”معظم المحتجين من الشباب وهناك دوافع دفعتهم للخروج الشارع من ضمنها التضخم الذى أدى لارتفاع الأسعار وفرص التشغيل والوظائف المحدودة لا تتوازن مع عدد الخريجين“. وتمثل التصريحات تناقضا حادا مع مطالبة البشير ”الفئران بالعودة لجحورها“. لكنه حذر من زعزعة استقرار الدولة السودانية قائلا ”يمكن النظر لما حدث في ليبيا ومرات يحدث ابتزاز وحاجيب القضاة الشرطة والنيابة لوقف هذا“.

وذكر البشير أن كل الصحفيين الذين سجنوا فيما يتصل بالاحتجاجات سيفرج عنهم. ويقدر نشطاء بأن عدد الصحفيين في السجن 16. وأضاف البشير أن غضب الشبان نابع من التطبيق الخاطئ ”لقانون النظام بصورة بعيدة عن مقاصد الشريعة الاسلامية“. ووجهت انتقادات لهذه القوانين من منظمات حقوق الإنسان لأنها على سبيل المثال تقيد حرية النساء بتجريم ارتداء السراويل. بحسب رويترز.

من جانب اخر قال وزير الدفاع السوداني إن الشباب الذين انخرطوا في الاضطرابات الأخيرة لهم ”طموح معقول“ وذلك في ثاني بادرة تصالحية من مسؤول كبير بالحكومة. ولم يتطرق الفريق أول ركن عوض محمد أحمد ابن عوف إلى مصادر قلق المحتجين مباشرة، لكنه قال إن الموقف في البلاد أظهر انفصاما بين الأجيال الشابة والكبار. وقال الوزير إن هذا ”يستوجب التواصل بين الأجيال ووضع المعالجات العادلة لمشاكل الشباب والوصول بهم للطموح المعقول“.

وأضاف خلال إفادة مع ضباط بالجيش وفقا لبيان لوزارة الدفاع أن الأحداث الأخيرة أظهرت ”ضرورة إعادة صياغة وتشكيل الكيانات السياسية والحزبية والحركات المسلحة للمشهد السياسي بذهنية مختلفة عما سبق“. ولم يشرح الوزير ماذا يقصد بإعادة الصياغة، ولم يرد حتى الآن تعليق من أحزاب المعارضة التي تؤيد المظاهرات. وخرج الناس إلى الشوارع في أنحاء السودان بسبب الإحباط من ارتفاع الأسعار ونقص السيولة والخبز والوقود وغيرهما من السلع الأساسية مطالبين البشير بالرحيل. وردد كثير منهم شعارات استخدمت في انتفاضات الربيع العربي.

مقتل مدرس

الى جانب ذلك خرج سودانيون إلى شوارع بلدة في شرق البلاد احتجاجا على مقتل مدرس بعد اعتقاله بتهمة المشاركة في التظاهرات المناهضة للحكومة التي تجتاح البلاد، بحسب شهود عيان. وأكد محقق أن المدرس أحد الخير (36 عاما) توفي متأثراً بجروح أصيب بها أثناء احتجازه بعد أن اعتقله رجال الأمن في بلدة خشم القربة شرق البلاد. واعتقل الخير، وهو عضو في حزب المؤتمر الشعبي، للاشتباه بأنه ينظم احتجاجات ضد الحكومة، بحسب ما أفاد أحد أقاربه.

وقال رئيس لجنة التحقيقات في مكتب النائب العام عامر محمد ابراهيم للصحافيين "وفقا لتقرير التشريح الذي تسلمته النيابة العامة فإن المرحوم احمد الخير توفى نتيجة لاصابات في ظهره وساقيه واجزاء أخرى من جسمه". وتابع "خاطب مكتب النائب العام مدير جهاز الأمن والمخابرات بولاية كسلا لإحضار أفراد جهاز الأمن الذين كانوا يتولون التحقيق مع المرحوم في خشم القربة وقاموا بترحيله الى كسلا".

كان قائد بالشرطة المحلية قد ذكر في البداية أن المعلم توفي جراء تسمم غذائي. لكن عامر محمد إبراهيم رئيس لجنة التحقيقات التى شكلها النائب العام قال إن التقرير الطبي ذكر أنه لم يتم العثور على أي سموم في جثة المعلم. وأضاف ”سبب الوفاة هو الإصابات المختلفة فى جسمه بآلة صلبة مرنة بالظهر والكلى والفخذ وبين الساقين ولا توجد سموم في جسمه“.

وتجمع المدرسون قرب وزارة التعليم في الخرطوم احتجاجا على مقتل زميل لهم في ولاية كسلا شرق البلاد، بحسب ما ذكر شهود عيان أضافوا أن شرطة مكافحة الشغب أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وتدفق زملاؤه إلى الشوارع وهتفوا "حرية سلام عدالة"، بحسب شاهد عيان أضاف أن "العديد منهم حملوا صور الخير الذي توفي أثناء احتجازه".

ودعا حزب المؤتمر الشعبي الإسلامي المشارك في حكومة البشير إلى إجراء تحقيق في مقتل المحتجين. كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على مظاهرة منفصلة نظمها خريجو جامعة الخرطوم، حسب شهود عيان. وقال أحد الشهود إن "الطلاب حاولوا الانطلاق بمسيرة، لكن تم تفريقهم بالغاز المسيل للدموع". ونظم مئات الأطباء اعتصامات في العديد من المستشفيات في البلاد ودعوا البشير إلى الاستقالة، بحسب شهود عيان. وأظهرت تسجيلات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أطباء يحملون لافتات تدعو البشير للاستقالة.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
احبائي
هذا التصعيد لن يجدي ولن يضعف موقف الرئيس البشير
فرنسا مظاهراتها اقوى وشرطتها تستخدم العنف بشكل كبير
ورغم ذلك جاء رئيسها لينتقد الدول العربية وينصحهم كاحد رجال التبشير
وأذكركم بما لعبه اليهودي الصهيوني برنار ليفي من دور مباشر في الخريف العربي وهو مرشح لرئاسة اسرائيل
وبعض الإخوة في السودان لم يعجبهم رأيى في مظاهرات السودان وما اليه ستصير
وقالوا لى : أنت تناصر الباطل ونحن لسنا ربيعا عربيا وانما نحن هبوب افريقى خطير
احبائي
دعوة محبة
ادعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه.....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-02-12