شهد المغرب في الأشهر الماضية موجات من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية في العديد من المناطق التي يعاني سكانها وكما نقلت بعض المصادر، من الفقر والتهميش يضاف الى ذلك تدهو ملف حقوق الانسان في هذا البلد، وبدأت هذه الاحتجاجات بعد مقتل بائع السمك محسن فكري...
شهد المغرب في الأشهر الماضية موجات من الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية في العديد من المناطق التي يعاني سكانها وكما نقلت بعض المصادر، من الفقر والتهميش يضاف الى ذلك تدهو ملف حقوق الانسان في هذا البلد، وبدأت هذه الاحتجاجات بعد مقتل بائع السمك محسن فكري (31 عاما) يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016 سحقا في عربة لجمع النفايات في الحسيمة بمنطقة الريف (شمال) عندما حاول الاعتراض على مصادرة بضائعه، مما أثار صدمة في المغرب وأشعل فتيل مظاهرات استمرت لأشهر، وموجات توقيفات وعقوبات في أعلى مستويات الدولة.
وكان المتظاهرون يطالبون في بداية الحركة الاحتجاجية بإحقاق العدالة وكشف الحقيقة، غير أن الحركة اتسعت تدريجيا لتشمل مطالب اجتماعية واقتصادية في منطقة الريف المعروفة تاريخيا بالتمرد والتي تشكو من التهميش وسوء التنمية. وواجه "حراك الريف" -وأحد أبرز وجوهه الناشط ناصر الزفزافي- تشددا تدريجيا من قبل السلطات التي أوقفت مئات الأشخاص، بينهم الزفزافي نفسه.
وفي دراسة صدرت عام 2010، لخصت الباحثتان الجامعيتان كارين بنعفلة ومونتسيرات أمبيرادور تعبئة سنوات الألفين فكتبتا بحسب بعض المصادر، أن هذه التحركات "تكشف عن الإحساس بالتهميش لدى سكان يعيشون في مساحات-هوامش، مناطق جبلية معزولة أو أرياف نائية، ويرسمون صورة مغرب وصف في زمن الانتداب بأنه غير مجدٍ، بعيدا عن حيوية محور الأطلسي الممتد بين طنجة والرباط والدار البيضاء". وتبقى هذه القراءة للأحداث صحيحة إلى اليوم من شدة ما تعانيه المملكة من تباين اجتماعي ومناطقي صارخ، على خلفية البطالة المتفشية بنسب مرتفعة بين الشباب.
وأشار تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أن الفقر الشديد ما زال منتشرا في المناطق المعزولة من المغرب. من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان مثل هكذا امور يمكن ان تسهم في زعزعة الامن، خصوصا مع وجود تيارات واطراف اسلامية متشددة تسعى الى الاستفادة من هكذا قضايا، يضاف الى ذلك المشكلات والازمات السياسية والخلافات الاخرى التي تعيشها المنطقة.
الفوارق الاجتماعية
وفي هذا الشأن نبهت هيئة رسمية مغربية الى استمرار الفوارق التي "تؤثر بشكل كبير على التماسك الاجتماعي" في المملكة، وذلك في تقرير أوردته الصحف المغربية. وأوضح المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في المغرب في دراسته ان "الفقـر والبطالة فـي صفـوف الشـباب والفـوارق أصبحت تتجاوز حدود المقبولية". وأوصت هذه الهيئة الاستشارية العامة باعادة احياء "الارتقـاء الاجتماعـي عـن طريق تعليـم حديث ذي جـودة ومتـاح للجميع" في البلد الذي يضم نحو 35 مليون نسمة.
وعبر المجلس عن الأسف للتمييز والاقصاء الذي يطاول بعض فئات السكان وللفوارق في مستوى الخدمات الصحية والتربوية وفرص العمل علاوة على الفوارق في مستوى الدخل. وأشار التقرير الى تنامي احتجاج المغاربة ضد هذه الفوارق كما أظهرت "الحركات الاجتماعية" التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة. وبعد احتجاجات على انعدام التنمية في شمال المملكة وضد نقص الماء في الجنوب او فرص العمل في جرادة (شمال شرق)، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة دعت الى المقاطعة الاقتصادية وضد "غلاء المعيشة".
واشار التقرير الى أن المغاربة الذين باتوا أكثر وعيا لحقوقهم باتوا يعبرون أكثر عن عدم رضاهم وعن حاجاتهم وانتظاراتهم. ولاحظ ايضا أن هذا التغيير في السلوك يفسره أيضا تنامي العالم الرقمي "سيما فـي سـياق يعـرف مشـاركة سياسـية متواضعـة، وتراجعـا علـى مسـتوى ثقـة الشـباب فـي مؤسسـات التأطيـر والوسـاطة" وهو ما دفع الى "تزايد استغلال العالـم الرقمـي باعتبـاره فضـاء للتعبيـر الحـر والنقـاش حـول مواضيـع تهـم المجتمـع، سـيما قضيـة الفـوارق". بحسب فرانس برس.
ويأتي نشر هذا التقرير في وقت تشهد فيه شبكات التواصل الاجتماعي منذ بداية أيلول/سبتمبر نشر اشرطة فيديو لشبان مغاربة يهاجرون الى اسبانيا على زوراق مطاطية رغم خطورة ذلك. وعنونت صحيفة أخبار اليوم المستقلة "اليأس أخطر من الفشل"، وذلك في اشارة الى زيادة عمليات عبور البحر باتجاه أوروبا.
حقوق الإنسان
على صعيد متصل قال حقوقيون مغاربة إن عام 2017 والستة أشهر الأولى من عام 2018 شهدت انتهاكات في مجال حقوق الإنسان على رأسها الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير بالإضافة إلى حرية الصحافة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستقلة في ندوة صحفية لتقديم تقرير يقع في 296 صفحة عن حالة حقوق الإنسان في المغرب ”الحريات العامة 2017 و2018 تميزت باعتقالات واسعة مست الكثير من النشطاء، إذ لا يتعلق الأمر بنشطاء الريف فحسب بل جرادة ومناطق أخرى في الجنوب والوسط“.
وشهد أواخر 2016 وعام 2017 احتجاجات في إقليم الريف بشمال البلاد على مقتل محسن فكري بائع السمك طحنا مع أسماكه المصادرة داخل شاحنة نفايات، وتحولت إلى مطالب اجتماعية انتهت باعتقال عشرات النشطاء ومحاكمتهم. وأصدرت محكمة مغربية في يونيو حزيران الماضي حكما على عدد من نشطاء الحراك على رأسهم ناصر الزفزافي بالسجن 20 عاما. ورشح البرلمان الأوروبي الزفزافي لجائزة سخاروف لحقوق الإنسان للعام 2018.
كما شهدت مدينة جرادة بشرق المغرب أيضا احتجاجات اجتماعية بعد مقتل ثلاثة عمال في انهيارات داخل مناجم الفحم العشوائية المنتشرة في المدينة. وشهدت أيضا مناطق في الجنوب المغربي مثل زاكورة احتجاجات على ندرة المياه الصالحة للشرب في تلك المنطقة أطلق عليها (احتجاجات العطش). وقال أحمد الهايج رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الندوة ”هناك عودة قوية للتضييق على الحريات وعلى المدونين، ونحن نعتبرها مؤشرات سلبية ستعود بالمغرب إلى سنوات ما يسمى بالرصاص“.
وكان المغرب قد شكل في العام 2005 هيئة لطي ملفات ماضي انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الفترة من 1956، وهو تاريخ حصول المغرب على استقلاله، إلى 1999، وهو تاريخ وفاة الملك الحسن الثاني. وتفاءل الحقوقيون ببداية ”عهد جديد“ يتزامن مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش في حين اعتبرها آخرون غير كافية ما دامت الدولة لم تعتذر وتقدم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى المحاكمة. وقال الهايج إن أعداد المعتقلين السياسيين تجاوز عدد الذين وردت تقارير عن احتجازهم في التسعينات، مشيرا إلى أن 1020 شخصا إما جرى احتجازهم أو يحاكمون لمشاركتهم في الاحتجاجات السلمية في أنحاء المملكة أو دعمهم لها.
وكان المغرب قد خرج سالما من عاصفة ”الربيع العربي“ التي ضربت المنطقة العربية في عام 2011 وأطاحت بعدد من الزعماء العرب. وقدم تحت ضغط من الشارع دستورا جديدا يحمل في ظاهره مزيدا من الحريات ويتنازل الملك فيه عن بعض من سلطاته الشكلية. وسجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ”تدخلات عنيفة للقوات العمومية في مدينة الحسيمة في 20 يوليو 2017“ أسفرت عن وفاة حالتين فيما بعد، ”كما عرفت السجون 9 حالات من الوفيات في ظروف لا زالت عائلات الضحايا تطالب بالكشف عن الأسباب الحقيقة وراءها وتقديم المسؤولين عن السهر على سلامة السجناء وصيانة حقوقهم وحقهم في الحياة للمساءلة“.
كما تحدث التقرير عن وفيات ”أثناء التوقيف والتحقيق داخل مخافر الشرطة“ وبلغت أربعة. وانتقد التقرير أيضا اعتقال صحفيين على رأسهم حميد المهداوي الذي اعتقال أثناء تغطية مظاهرة في الحسيمة، وكذلك اعتقال مدونين ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي. وتراجع المغرب مرتبتين على مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2017 والذي جاء فيه بالمرتبة 133 من بين 180 دولة. بحسب رويترز.
وطالب التقرير السلطات كذلك بتبني قانون يحمي المهاجرين وطالبي اللجوء ويوقف ترحيلهم. ويجد المغرب صعوبة في التصدي لتدفق المهاجرين الأفارقة الذين يسعون إلى العبور إلى أوروبا. ولم ترد الحكومة بعد على التقرير، بيد أن وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد قال ”المغرب ليس قهوة خالصة ولا حليبا خالصا، إنه مزيج من القهوة والحليب في مجال حقوق الإنسان بمعنى أنه ليس جحيما حقوقيا ولا جنة كذلك“.
محاكمات مستمرة
الى جانب ذلك عاقبت محكمة مغربية عددا من نشطاء ما يعرف ”بحراك جرادة“ الذي اندلع العام الماضي بمدينة جرادة الواقعة في شرق المغرب احتجاجا على مقتل عمال مناجم فحم بالسجن. وأصدرت محكمة الاستئناف بوجدة في أقصى شرق المغرب أحكاما بسجن 18 شخصا تراوحت بين أربعة أعوام وعامين كما حكمت المحكمة بالسجن عامين مع إيقاف التنفيذ على رجل قال دفاعه إنه ”مريض عقليا وكان مودعا بمستشفى الأمراض العقلية والنفسية بوجدة“.
وقال المحامي عبدالحق بنقادة ”لقد فوجئنا بهذه الأحكام الصادرة عن غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بوجدة في حق أكبر ملف من ملفات معتقلي حراك جرادة“. وأضاف ”الأحكام قاسية وغير متوقعة بلغت حوالي ستين سنة في مجموعها“. وكان حراك جرادة اندلع في ديسمبر كانون الأول من عام 2017 بعد وفاة شقيقين كانا يعملان في بئر عشوائية للفحم الذي اشتهرت به مدينة جرادة عندما امتلأت بئرهما بالماء وغرقا، كما توفي شخص ثالث ثم رابع بعد أسابيع وهم يستخرجون الفحم من هذه الآبار.
واحتج نشطاء على مقتلهم حيث يقولون إنهم يعملون في ظروف سيئة جدا وتحولت الاحتجاجات إلى مطالب اجتماعية واقتصادية بتنمية المدينة وتوفير بديل اقتصادي. واعتقلت السلطات عددا من النشطاء على خلفية هذه الاحتجاجات متهمة إياهم باللجوء إلى العنف وإذكاء الفوضى. ووجهت المحكمة للمدانين عدة تهم من بينها ”المشاركة في إضرام النار عمدا في ناقلات بها أشخاص والمشاركة في وضع في طريق عام أشياء تعوق مرور الناقلات والذي تسبب في حوادث خطيرة وإصابة أشخاص بجروح خطيرة وإهانة واستعمال العنف في حق موظفين عموميين... وكسر أشياء مخصصة للمنفعة العامة وحيازة السلاح دون مبرر والتجمهر المسلح في الطرق العمومية والعصيان المسلح“. بحسب رويترز.
وقال بنقادة ”كدفاع أثبتنا في جلسة المناقشة براءة المعتقلين بجميع الحجج والأدلة والمناقشات القانونية الرصينة للملف كما أبرزنا للمحكمة ضعف الرواية التي وردت بالمحاضر“. وأضاف أن الدفاع سيستأنف على الحكم. واشتهرت مدينة جرادة بالفحم الحجري إلا أن الدولة أعلنت في عام 1998 نضوبه. لكن السكان الذين يعتمدون عليه لتدبير قوت يومهم يستمرون في البحث عنه في مناجم عشوائية تفتقر لشروط السلامة المهنية. كما يقولون إن وسطاء يستغلونهم إذ يشترون منهم الفحم بثمن بخس ليبيعه هؤلاء بسعر أعلى. وطالب المحتجون بتوفير بديل اقتصادي. وتقول الدولة إنها قدمت لهم مجموعة من الحلول لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدينة.
شبهات تعذيب
من جانبها أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن هناك "شبهات بتعذيب" الموقوفين سجلت خلال المرحلة الأولى من محاكمة قادة "حراك الريف" بالمغرب، داعية القضاء للنظر في "الأدلة التي تفيد بتعذيب الشرطة للمتهمين" خلال جلسات الاستئناف الجارية حاليا. وبدأت منتصف تشرين الثاني/نوفمبر في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء محاكمة 42 من قادة هذه الحركة الاحتجاجية التي هزت شمال المغرب بين 2016 و2017، بعد خمسة أشهر من صدور أحكام ابتدائية بالسجن لمدة تتراوح بين عام وعشرين عاما. في حين استفاد 11 متهما من عفو أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس في آب/أغسطس.
وقال وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد إن الوزارة سترد على التقرير بعد دراسته، مشيرا في الوقت ذاته الى أن "هيومان رايتس ووتش" لا تستند في معلوماتها الى "تحريات ميدانية". ونشرت المنظمة الحقوقية تقريرا بعنوان "المغرب: شبهات التعذيب تشوّه محاكمة جماعية". وجاء فيه أن محاضر الجلسات أمام قاضي التحقيق المكلف بالقضية تفيد أن "50 من أصل 53 متهما قالوا إن الشرطة في مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء، ضغطت عليهم بطريقة أو بأخرى لتوقيع محاضر استنطاق تدينهم من دون قراءة محتواها".
وأضاف "هكذا اعترف المتهمون بارتكاب أعمال عنف ضد رجال الشرطة وإضرام النار في سياراتهم وإحراق مبنى لعائلات موظفي الشرطة (...) وتنظيم احتجاجات غير مرخص لها". وهي الاعترافات التي "أنكروها أمام قاضي التحقيق ثم أثناء المحاكمة". وكان ناصر الزفزافي الذي ينظر اليه على أنه "زعيم الحراك" شكا تعرضه "للتعذيب" أثناء مثوله أمام القاضي. وطالبت جمعيات حقوقية بالتحقيق في هذه التصريحات، لكن السلطات المغربية أنكرت هذه الاتهامات، مؤكدة أن محاكمة معتقلي "الحراك" توفرت فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة.
ونقل التقرير عن مدير التواصل والمرافعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة أحمد بنشمشي إن "عدم الأخذ بالاعتبار أدلّة التعذيب والاعترافات القسرية وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة، شوّه المحاكمة الابتدائية في قضية الحراك". وتابع أن "على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء النظر في الأدلة التي تفيد بتعذيب الشرطة للمتهمين، عندما تراجع أحكام الإدانة ضد نشطاء ومتظاهرين من منطقة الريف". بحسب فرانس برس.
وقال وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد إنه لم يطلع بعد على تقرير "هيومن رايتس ووتش"، مؤكدا أن الوزارة سترد عليه بعد دراسته وتجميع المعطيات من القطاعات المعنية. وأضاف "بشكل عام أعتقد أن هيومن رايتس ووتش منظمة مهمة، لكنها لا تستقي معلوماتها وفق تحريات ميدانية". وأكد أن "التعذيب المنهجي لم يعد موجودا في المغرب، بل فقط حالات فردية نعمل على محاصرتها". وشمل العفو الذي أصدره العاهل المغربي بمناسبة عيد الأضحى في آب/أغسطس في المجموع 188 شخصا دينوا بأحكام مختلفة على خلفية "الحراك"، كما أفاد مصدر في المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
أرض خصبة للتطرّف
من جانب اخر يبدو حيّ العزوزية حيث أوقف عبد الرحيم خيالي، أحد المشتبه بهم في مقتل السائحتين الاسكندينافيتين في المغرب، بعيدا كلّ البعد عن الأحياء الراقية في مراكش جوهرة السياحة المغربية، بمناطقه السكنية العشوائية وباعته المتجولين وشبابه العاطلين عن العمل. فاطمة خيالي عمّة عبد الرحيم، هذا السبّاك البالغ من العمر 33 عاما الذي أوقف إثر الاشتباه بتورّطه في جريمة قتل الطالبة الدنماركية لويزا فيسترغر يسبرسن والنروجية مارين أولاند في منطقة نائية من الأطلس الكبير (الجنوب)، تعجز عن تصديق ما حصل. وتقول المرأة البالغة من العمر 46 عاما والحزن جليّ في عينيها "هذه فاجعة لنا وللمغرب. لا أحد يتقبّلها".
يقع هذا الحي في الضاحية الشمالية الغربية لمراكش العاصمة السياحية للمغرب ويفصله شارع رئيسي معبّد عن منطقة بنيت فيها فيلات محاطة بأشجار النخيل. وفي الجهة المقابلة للشارع تتشّعب أزقّة ضيّقة ملتوية وسط بيوت من طوب اسمنتي عار من أي طلاء تؤدي إلى ساحة صغيرة يتوسطها مسجد. وعبد الرحيم خيالي هو أول الموقوفين في هذه الجريمة التي أكّدت السلطات على "طابعها الإرهابي" وقد ظهر في تسجيل مصوّر إلى جانب ثلاثة مشتبه بهم آخرين أوقفوا بعد أيام، وهم يبايعون جميعهم تنظيم داعش.
وبحسب السلطات، هم سجّلوا هذا الفيديو " قبل تنفيذهم الأفعال الجرمية" في موقع يبعد عشرات الكيلومترات عن العزوزية يستقطب هواة رياضة المشي. وقد قُطع رأس إحدى الجثتين، بحسب مصدر مطلع على التحقيق. ويوضح الباحث محمد مصباح المتخصص في الحركات الإسلامية أن المشتبه بهم الأربعة "هم شباب تتراوح أعمارهم بين 25 و33 عاما يعانون من التهميش الاجتماعي ومعارفهم محدودة في مجال الدين".
وبحسب أقربائه، اعتنق عبد الرحيم خيالي منذ ثلاث سنوات الفكر السلفي الذي يزداد انتشارا في الأحياء الشعبية في المملكة المعروفة بتوجّهها الديني المعتدل. وتخبر فاطمة خيالي إنه "كان يعمل سبّاكا في فندق لكنه قرر فجأة ترك هذا العمل بحجة أن الفندق يقدّم الخمر". وتردف عتيقة الشابة التي ترعرعت معه في الحيّ أنه "بات يرفض إلقاء التحية على النساء والاختلاط معهن في الأعراس".
وعلى بعد خمسين مترا، كان يونس أوزياد (27 عاما)، الموقوف هو الآخر للاشتباه بضلوعه في هذه الجريمة، يعيش في منزل والديه ويعمل نجّارا. وهو كان شابا لا يثير المتاعب "ولم نلحظ أي مؤشرات تنذر بارتكابه فعل كهذا"، بحسب ما يقال عبد العاطي بائع الخضر في الحيّ. ويذكر جيران يونس أنه أطلق لحيته وبات يلبس على الطريقة السلفية منذ سنة أو أكثر قليلا. وقبل ذلك "كان يدخن ويشرب"، على حدّ قول جاره نور الدين. ويخبر الأخير "بدأ ينصحنا بالصلاة لكن بكلّ لطف". أما والد يونس، فهو رفض التحدث مع وسائل الإعلام مكتفيا بالقول "أنا رجل منهار".
لم يلحظ سكان الحي أيّ تواجد جليّ للدعاة السلفيين في منطقتهم. لكن، بحسب حسن خيالي قريب عبد الرحيم الذي ينشط في المجال الاجتماعي، استحالت المنطقة قنبلة موقوتة "قابلة للانفجار بسبب تفشّي آفة المخدرات والفقر والبطالة والدعارة. كل أسباب الانحراف متوفرة هنا". وهذه هي أيضا حال قرية حربيل على بعد حوالى عشرين كيلومترا من مراكش حيث كان يقيم مشتبه بهما آخران هما رشيد أفاط (33 عاما) وعبد الصمد الجود (25 عاما). وكلاهما بائعان متجولان.
ويعمل أبناء حربيل في الفلاحة وقد يُخيّل للمرء أن القرية خالية من المارة ويرفض سكانها الإدلاء بتصريحات للصحافة. ويقول أحدهم مفضلا عدم الكشف عن اسمه "الناس هنا خائفون، لقد تملّكهم الرعب جراء بشاعة الجريمة وضغط الصحافة". وبالإضافة إلى المشتبه بهم الأربعة الرئيسيين، أوقفت السلطات المغربية تسعة أشخاص آخرين للاشتباه بصلاتهم بمقتل السائحتين الاسكندينافيتين في جنوب البلاد. بحسب فرانس برس.
وهزّت هذه الجريمة المملكة التي بقيت بمنأى عن هجمات تنظيم داعش. فقد شدّد المغرب إجراءاته الأمنية وترسانته التشريعية، معززا تعاونه الدولي في مجال مكافحة الارهاب، إثر الاعتداء الانتحاري في الدار البيضاء (33 قتيلا) في 2003 وفي مراكش (17 قتيلا) سنة 2011. غير أن جريمة القتل هذه "حتى وإن كانت حادثة منعزلة قد تمهّد الطريق لخلايا إرهابية أخرى، خصوصا في المناطقة المحرومة"، بحسب محمد مصباح.
اضف تعليق