فازت الحكومة البريطانية التي تقودها رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مهندسة الخروج من الاتحاد الأوروبي، بالثقة خلال تصويت شهده مجلس العموم. إذ صوت 325 من النواب ضد قرار حجب الثقة مقابل 306. وكانت ماي كما نقلت بعض المصادر، قد تلقت ضربة قاسية في البرلمان إثر رفض النواب مخططها حول بريكسيت...
فازت الحكومة البريطانية التي تقودها رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مهندسة الخروج من الاتحاد الأوروبي، بالثقة خلال تصويت شهده مجلس العموم. إذ صوت 325 من النواب ضد قرار حجب الثقة مقابل 306. وكانت ماي كما نقلت بعض المصادر، قد تلقت ضربة قاسية في البرلمان إثر رفض النواب مخططها حول بريكسيت، ما شجع المعارضة على تقديم مذكرة حجب الثقة عن الحكومة. وكان زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربن قد دعا إلى التصويت بحجب الثقة عن الحكومة، إلا أن حزبها التف حولها، وفازت حكومتها بالثقة من جديد ما أدى إلى تفادي إجراء انتخابات عامة جديدة.
وبعد فشل حجب الثقة عن حكومتها، دعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قادة المعارضة إلى محادثات جديدة حول بريكسيت. وقالت ماي: "أود أن أدعو قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان لعقد لقاءات ثنائية ". وأكدت أن "الحكومة تعقد هذه الاجتماعات بروح بناءة، وأدعو الجميع أن يفعلوا الشيء ذاته .. ولكن علينا إيجاد حلول قابلة للتفاوض، والحصول على دعم كاف في هذا المجلس". وأضافت "أنا مستعدة للعمل مع أي عضو من أعضاء هذا المجلس لتنفيذ البريكسيت، وضمان احتفاظ هذا المجلس بثقة الشعب البريطاني".
وتواجه تيريزا ماي تحديات كبيرة في ما يخص تنفيذ بريكسيت، خصوصا بعد ان رفض البرلمان البريطاني في وقت سابق بفارق كبير الاتفاق الذي أبرمته رئيسة الوزراء تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي، مما يثير اضطرابا سياسيا قد يؤدي إلى خروج البلاد من الاتحاد دون اتفاق أو حتى عدم الخروج. ومع قرب موعد الانسحاب المقرر في 29 مارس آذار، تواجه المملكة المتحدة أعمق أزمة سياسية منذ نحو نصف قرن وليس معروفا كيف ستخرج من الاتحاد الذي انضمت إليه عام 1973 أو ما إذا كانت ستخرج منه.
واتحد نحو 100 من النواب المحافظين، من المؤيدين للانسحاب والرافضين له، مع باقي النواب لإسقاط الاتفاق، وذلك في أسوأ هزيمة برلمانية تمنى بها حكومة في تاريخ بريطانيا الحديث. وتشير هذه الهزيمة المهينة، وهي الأولى التي يمنى بها أي اتفاق في البرلمان منذ عام 1864، إلى انهيار استراتيجية على مدى عامين كانت تهدف لخروج بريطانيا من الاتحاد في 29 مارس آذار مع حفاظها على علاقات وثيقة معه.
اتفاق جديد
وفي هذا الشأن قال الاتحاد الأوروبي لبريطانيا إنه يمكنه قبول اتفاق خروج مختلف بعد أن رفض البرلمان البريطاني بأغلبية ساحقة الاتفاق الذي تفاوضت عليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي لكن ذلك مرهون بتغيير مطالب لندن الرئيسية. ودافع ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في كلمة ألقاها أمام البرلمان الأوروبي عن الاتفاق المبرم مع ماي الذي رفضه تحالف من النواب البريطانيين المؤيدين والرافضين للخروج من الاتحاد الأوروبي وحذر من أن مخاطر خروج غير منظم من التكتل أصبحت أكبر منها في أي وقت مضى.
وقال إن المفوضية الأوروبية ستكثف استعداداتها لخروج غير منظم قد يؤدي لاختلالات في أوروبا بأسرها. وأشار بارنييه إلى أن أحد السبل للمضي قدما هو أن تقبل بريطانيا بالتزام أكبر بقواعد الاتحاد الأوروبي لضمان الحصول على علاقات تجارية وثيقة للغاية في المستقبل - ويقول مسؤولون من الاتحاد الأوروبي إن بريطانيا يمكنها، على سبيل المثال، التخلي عن تصميمها على مغادرة الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة المنظمة مركزيا.
وقال بارنييه مشيرا إلى تصريحات البرلمان الأوروبي وجميع الدول الأعضاء ”إذا اختارت بريطانيا السماح بتغيير خطوطها الحمراء في المستقبل، وإذا فعلت ذلك لتحقيق طموح تجاوز اتفاق بسيط وإن لم يكن هينا للتجارة الحرة، فإن الاتحاد الأوروبي سيكون مستعدا على الفور ... للرد إيجابيا“. وتكرر هذا الاقتراح ”بعلاقات أوثق“ على لسان جاي فيرهوفستاد منسق خروج بريطانيا بالبرلمان الأوروبي.
لكن بارنييه وغيره أكدوا على مدى ما كشف عنه التصويت الذي أجري في لندن من انقسامات دون أن يلقي الضوء على موقف توافقي يمكن لبريطانيا بالفعل الالتفاف حوله قبل الموعد المقرر لخروجها من التكتل وربما الدخول في مأزق قانوني يؤثر على المواطنين والشركات. وقال مانفرد فيبر زعيم يمين الوسط في البرلمان الأوروبي وحليف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مناشدا ”أرجوكم، أرجوكم، أرجوكم أخبرونا أخيرا بما تريدون تحقيقه“.
لكنه أضاف قائلا إنه ”لم يعد هناك مجال للمناورة“ فيما يتعلق بإعادة التفاوض على الاتفاق القائم الذي يقول أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إنه يبقي بدرجة كبيرة على ارتباطها بقواعد الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بترتيب يتعلق بالحدود بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية. وأكد بارنييه إنه لا يمكن التهاون في هذا الأمر. بحسب رويترز.
وقال مخاطبا جلسة للبرلمان الأوروبي شهدت حضورا ضعيفا في وقت مبكر من الصباح فيما يعكس تنامي الضجر في أوروبا من مشاكل بريطانيا ”في الوقت الراهن من السابق لأوانه تقييم كل نتائج هذا التصويت“. وأضاف ”كنا وما زلنا نحترم المناقشات البرلمانية الديمقراطية في بريطانيا ولن أتكهن بالاحتمالات المختلفة. ما أظهره تصويت الأمس هو أن الأوضاع السياسية للتصديق على اتفاق الخروج لم تتهيأ بعد في لندن“. ودعا بعض النواب الأوروبيين بريطانيا لإجراء استفتاء ثان على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأشار دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي إلى أن الانقسامات في بريطانيا قد تقود إلى إلغاء خروجها من الاتحاد الأوروبي.
الى جانب ذلك قال فينس كيبل زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار الموالي للاتحاد الأوروبي إن البرلمان البريطاني سيتحرك حتى لا تخرج بريطانيا من التكتل دون اتفاق. ونقلت صحيفة صنداي تايمز عن مصدر كبير في الحكومة قوله إن النواب الرافضين للاتفاق يعتزمون السيطرة على جدول أعمال البرلمان بهدف تعليق أو تأخير الخروج.
وردا على سؤال عما إذا كان بوسع النواب التقدم بمشروع قانون لإبطال المادة 50 قال كيبل لتلفزيون بي.بي.سي ”نعم هذا هو ما سيحدث بالضبط وهذا هو بالضبط ما ينبغي أن نفعله لأن السماح بالملابسات الفوضوية للخروج دون اتفاق سيكون شنيعا ولا يغتفر“. وأضاف ”أعتقد أن البرلمان سيتولى هذه العملية وسيصر على أن نمضي في خيار عدم الخروج“. وقال ستيفن باركلي وزير شؤون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إن مخاطر سعي البرلمان لإحباط الخروج من التكتل زادت. وأضاف ”زادت مخاطر تصرف البرلمان بطريقة تُفشل أكبر تصويت في تاريخنا“.
تأخير الموعد
في السياق ذاته قال بنك جولدمان ساكس إن الهزيمة التي مُني بها اتفاق رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي في البرلمان تجعل التوصل لاتفاق أقل حدة وتأخير موعد الخروج أو حتى عدم الخروج على الإطلاق أمرا أكثر ترجيحا. وكتب أدريان بول الخبير في الاقتصاد الأوروبي بالبنك في مذكرة ”نعتقد أن إمكانية الخروج من الاتحاد الأوروبي ’بلا اتفاق‘ تضاءلت بشكل أكبر“. والبنك متمسك بالسيناريو الخاص به بأن التوصل ’لبديل مشابه‘ للاتفاق الحالي سيحصل في نهاية الأمر على أغلبية في مجلس العموم.
من جانب اخر قال زعيم المعارضة البريطاني جيريمي كوربين إن الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق سيكون ”كارثيا“ وإنه سيحبذ في هذه الحالة التوصل لاتفاق على إجراء استفتاء ثان. وردا على سؤال خلال مقابلة مع تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بخصوص إمكانية إجراء استفتاء ثان على الخروج قال كوربين ”من وجهة نظري أفضل التوصل لاتفاق عبر التفاوض الآن إذا كان ذلك بمقدورنا لدرء خطر الخروج دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي يوم 29 مارس وهو أمر كارثي للصناعة وكارثي للتجارة“.
من جانب اخر يقول اثنان من أكبر المتبرعين للحملة الداعمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إنه بات لديهما اعتقاد الآن بأن الحكومة ستتخلى في نهاية المطاف عن المشروع الذي أيداه، وأن المملكة المتحدة ستبقى في الاتحاد. وقال الملياردير بيتر هارجريفز، ثاني أكبر المتبرعين لحملة الخروج في 2016، ومدير صناديق التحوط المخضرم كريسبين أودي إنهما يتوقعان أن تبقى بريطانيا في الاتحاد برغم انتصار حملتهما في استفتاء 2016.
وقال أودي، الذي يدير صندوق التحوط أودي أسيت مانجمنت، إنه بات الآن يستعد لارتفاع الجنيه الاسترليني بعدما جنى صندوقه الرئيسي في السابق فوائد المراهنة على هبوط الأصول البريطانية وسط مخاوف واسعة بالسوق من تأثير الخروج من الاتحاد. ويأتي تشاؤم المتبرعين في خضم جمود في البرلمان بشأن اتفاق الخروج الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، فيما ألقى بشكوك كبيرة بشأن كيف سيحدث الخروج أو حتى إن كان سيحدث أصلا.
وقال هارجريفز، الذي كون ثروته من المشاركة في تأسيس صندوق هارجريفز لانسداون، إن المؤسسة السياسية عازمة على إحباط الخروج من الاتحاد وإن هذا سيولد انعداما للثقة في الطبقات السياسية البريطانية. وأضاف أن الحكومة ستطلب على الأرجح تمديد عملية الخروج الرسمية ثم ستدعو إلى استفتاء ثان. وقال هارجريفز (72 عاما)، أحد أغنى أغنياء بريطانيا والذي تبرع بمبلغ 3.2 مليون جنيه استرليني (4.08 مليون دولار) لحملة الانسحاب من الاتحاد ”لقد استسلمت تماما. أشعر بإحباط شديد، لا أعتقد أن الخروج سيتم أصلا. ”إنهم (المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي) يعولون على حقيقة أن الناس قد ضاق بهم ذرعا لدرجة أنهم سيقولون ’سحقا له، سنبقى“. ألحظ هذا الاتجاه. المشكلة هي أنه عندما يتأخر حدوث شيء كل هذه المدة، يقل شعورك بالغيظ بشأنه“.
والتراجع عن الانسحاب سيمثل أحد أكثر التحولات الاستثنائية على الإطلاق في تاريخ بريطانيا الحديث، كما لا تزال العوائق كبيرة في طريق إجراء استفتاء ثان. والحزبان السياسيان الرئيسيان في البلاد لا يزالان ملتزمين بالانسحاب من الاتحاد تماشيا مع استفتاء 2016. لكن أودي الذي تبرع بمبلغ 870 ألف جنيه استرليني للحملة المؤيدة للانسحاب، قال إنه رغم اعتقاده بأنه لن يتم إجراء استفتاء ثان، فهو لا يعتقد أيضا أن الانسحاب سيتم. وقال في مقابلة ”رؤيتي هي أنه لن يحدث... لا يمكنني أن أتصور كيف سيتم في ظل هذه التركيبة في البرلمان“. بحسب رويترز.
ويُنظر إلى البرلمان البريطاني إلى حد كبير باعتباره مؤيدا لأوروبا نظرا لأن نحو ثلاثة أرباع النواب صوتوا في استفتاء 2016 لصالح البقاء في الاتحاد. وقال أودي إنه غير نظرته بشأن الاسترليني على مدى الشهر الماضي وإن الجنيه ”يبدو أنه قد يرتفع بشدة“ ويصل إلى 1.32 أو 1.35 دولار.
استفتاء جديد
في السياق ذاته أفاد استطلاع رأي بأن مزيدا من البريطانيين يريدون بقاء بلادهم عضوا في الاتحاد الأوروبي واتخاذ قرار نهائي بأنفسهم في هذا الصدد عبر إجراء استفتاء ثان. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة (يوجوف) أنه في حالة إجراء استفتاء ثان على الفور فإن 46 في المئة سيصوتون لصالح بقاء بلادهم في الاتحاد بينما سيصوت 39 في المئة فقط لصالح الانسحاب. وانقسمت النسبة المتبقية بين ناخبين لم يحسموا أمرهم بعد ومن يرفضون التصويت ومن امتنعوا عن الإجابة على هذا السؤال.
وعندما جرى استبعاد هؤلاء من العينة التي شملها الاستطلاع كانت النتيجة 54 مقابل 46 صوتا لصالح الاستمرار في الاتحاد. وتتوافق نتائج هذا الاستطلاع إلى درجة كبيرة مع نتائج استطلاعات أخرى جرت خلال الشهور الماضية وأظهرت انقساما عميقا بين الناخبين مع رجاحة الكفة قليلا تجاه الاستمرار ضمن التكتل الأوروبي. وشارك في الاستطلاع ما يزيد على 25 ألفا وأجرته المؤسسة لصالح حملة (بيبولز فوت) التي تقود مطالبات بإجراء استفتاء ثان. وترفض ماي بشدة إجراء استفتاء ثان. لكن الاستطلاع أظهر أن 41 في المئة رأوا أن القرار الأخير بشأن الخروج ينبغي أن يحسمه استفتاء عام جديد، في حين أن 36 في المئة عبروا عن اعتقادهم بضرورة ترك هذا القرار في يد للبرلمان.
على صعيد متصل قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن المملكة المتحدة ستواجه المجهول إذا رفض البرلمان اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي. ووصفت ماي ما قد يحدث ”سنكون في منطقة مجهولة. لا أعتقد أن هناك أي شخص بوسعه تأكيد ما قد يحدث فيما يتعلق برد الفعل الذي سنراه في البرلمان“. وقالت ماي إن إجراء استفتاء ثان سيثير انقساما كما أنه سيعد عدم احترام للذين صوتوا من أجل الانسحاب في الاستفتاء الأول. كما أشارت إلى أن الوقت المتبقي لن يسمح بإجراء استفتاء جديد. وأضافت ماي ”في حقيقة الأمر لن يتسنى إجراء استفتاء من الناحية العملية... قبل 29 مارس“.
اضف تعليق