ازمة جديدة تشهدها السودان بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث شهد هذا البلد تظاهرات جديدة احتجاجا على ارتفاع الاسعار تخللتها اعمال عنف وقعت في الخرطوم وعدة مدن اخرى أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المواطنين، حسب تصريحات مسؤولين محليين، ويشهد السودان صعوبات اقتصادية متزايدة...
ازمة جديدة تشهدها السودان بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث شهد هذا البلد تظاهرات جديدة احتجاجا على ارتفاع الاسعار تخللتها اعمال عنف وقعت في الخرطوم وعدة مدن اخرى أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المواطنين، حسب تصريحات مسؤولين محليين، ويشهد السودان كما نقلت بعض المصادر، صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو سبعين بالمئة وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي وسائر العملات الأجنبية. ويبلغ سعر الدولار لرسمياً 47,5 جنيهاً وفي السوق الموازية 60 جنيهاً. ويعاني 46% من سكان السودان من الفقر، وفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة سنة 2016.
ودفع ارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية والأزمة النقدية المحتجين إلى الخروج للشوارع في أنحاء السودان للتظاهر ضد البشير الذي تولى السلطة عقب انقلاب عسكري دعمه إسلاميون في عام 1989. وكان المحتجون، الذين احتشدوا في مواقع عدة بالخرطوم عقب قرار الحكومة زيادة سعر الخبز ثلاث مرات في بلد يعاني من ركود اقتصادي، استهدفوا في وقت سابق مكاتب للحزب الحاكم وأحرقوا عددا منها. والسودان الذي كان في شبه حالة افلاس، خسر مليارات الدولارات من العائدات النفطية بعد انفصال الجنوب الذي يملك ثلاثة ارباع الاحتياطي النفطي، في تموز/ يوليو 2011.
ويرى بعض المراقبين ان استمرار التظاهرات والاحتجاجات الشعبية في ظل استمرار القمع الحكومي، يمكن ان يسهم في خلق حرب اهلية جديدة على الرغم من الوعود الرسمية والوعود والمساعدات العاجلة التي قدمتها بعض الدول الخليجية ومنها قطر، ووعد الرئيس السوداني عمر البشير المواطنين، بإصلاحات حقيقية "لضمان حياة كريمة" لهم. وأضاف خلال خطاب جماهيري، أن "ما يحدث من ضائقة هو ابتلاء سنصبر عليه حتى ينجلي لأن الحكم والقوة والأرزاق بيد الله وهو أمر تأمرنا به عقيدتنا"، بحسب صحيفة "الانتباهة". وزاد: "الأزمة الاقتصادية الله بحلها (سيحلها). الناس في عهد الصحابة أكلت صفق الأشجار"، وفقا لصحيفة "التيار" الورقية.
وقوبلت هذه التصريحات باستياء لدى كثير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي، فقال أحدهم: "يعني من الواضح أنه لا يملك حلا للأزمة الاقتصادية". كما قال البشير إن السودان يتعرض، ودولا عربية، لمحاولات الابتزاز الاقتصادي والسياسي من الدول الكبرى. وأوضح في خطاب ألقاه في حفل لتخريج قادة عسكريين في الخرطوم، أن تلك الدول تسعى "لفرض التبعية على الشعوب والذات الوطنية وتركيع الأنظمة ودفعها تجاه تحقيق مصالحها في السيطرة على موارد الشعوب"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية. وسخر البشير ممن يطلقون شائعات حول هروبه والقبض عليه، مؤكدا أنه باق في مكانه ولن يرحل إلا بأمر الشعب.
37 قتيل
وفي هذا الشأن قالت منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان إنها أحصت مقتل 37 متظاهرا برصاص قوات الأمن السودانية خلال خمسة أيام شهدت احتجاجات على غلاء المعيشة في البلاد. وعمت الاحتجاجات الغاضبة العديد من المدن السودانية بعد انطلاقها في 19 ديسمبر/ كانون الأول عقب قرار الحكومة زيادة سعر الخبز ثلاث مرات في بلد يعاني من الركود الاقتصادي.
وقال مسؤولون وشهود، إن ما لا يقل عن ثمانية أشخاص قتلوا في هذه المظاهرات، ستة في القضارف شرق البلاد، واثنان في عطبرة في الشرق أيضا، خلال اشتباكات مع شرطة مكافحة الشغب. لكن مصادر أخرى تحدثت عن حصيلة أكبر. وقدر زعيم حزب الأمة، المعارض الرئيس في البلاد، الصادق المهدي أن العدد يصل إلى 22 قتيلا، وشجب "قمع الجيش" للمظاهرات. وفي بيان أفادت منظمة العفو الدولية أن "37 متظاهرا قتلوا برصاص قوات الأمن خلال خمسة أيام من الاحتجاجات المناهضة للحكومة". بحسب فرانس برس.
وقالت سارة جاكسون مساعدة مدير المنظمة غير الحكومية لمنطقة شرق أفريقيا والبحيرات الكبرى والقرن الأفريقي "إن واقع استخدام قوات الأمن للقوة المميتة دون تمييز ضد المتظاهرين العزل هو أمر مقلق للغاية". ودعت المنظمة السلطات إلى "وضع حد لاستخدام القوة المميتة وتجنب إراقة المزيد من الدماء بلا طائل". وفي اليوم السادس من الاحتجاجات، وعد الرئيس السوداني عمر البشير المواطنين "بإصلاحات حقيقية لضمان حياة كريمة" لهم.
بعد الاحتجاج على غلاء المعيشة في بداية المظاهرات، هتف المحتجون خلال مسيراتهم بشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، على غرار الشعار الذي أطلق خلال حراك الربيع العربي في 2011. وقال البشير، وهو أحد أقدم الحكام في أفريقيا والشرق الأوسط، أمام حشد في ولاية الجزيرة بوسط السودان إن الذين دمروا مؤسسات وأضرموا النيران في ممتلكات عامة ”خونة“ ومرتزقة.
وأطلقت قوات الأمن السودانية في الخرطوم الغاز المسيّل للدموع على مئات المتظاهرين الذين لبوا دعوة إلى مسيرة إلى القصر الرئاسي في حركة احتجاج كبيرة، وكان "تجمّع المهنيين السودانيين" الذي يضم أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعات دعا في بيان إلى تظاهرة نحو القصر الجمهوري "لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتنحّي الرئيس فوراً عن السلطة استجابة لرغبة الشعب السوداني وحقناً للدماء".
وأضاف البيان أنّ التجمّع يقترح إذا ما وافق البشير على التنحّي أن "تتشكّل حكومة انتقالية ذات كفاءات وبمهام محدّدة ذات صبغة توافقية بين أطياف المجتمع السوداني". وأطلق التجمّع نفسه دعوة إلى إضراب عام لبّاها العديد من القطاعات. ونشرت سفارة بريطانيا في السودان على موقع تويتر "أن مجموعة الترويكا (بريطانيا والنروج والولايات المتحدة) بالإضافة إلى كندا أبدت قلقها إزاء أعمال العنف التي وقعت خلال الاحتجاجات الأخيرة في السودان، مع وجود تقارير موثوقة عن استخدام حكومة السودان للذخيرة الحيّة وسقوط حالات قتلى عديدة".
البشير يحذر
الى جانب ذلك حذر الرئيس السوداني عمر البشير المواطنين من ”الاستجابة لمحاولات زرع الإحباط“ في أول تعليقات علنية له في الاحتجاجات المناهضة للحكومة بالعاصمة الخرطوم. وقالت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إن البشير اجتمع بمساعديه الأمنيين ونقلت عنه قوله إن الدولة مستمرة في ”إجراء إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة“. وتخرج احتجاجات اعتراضا على ارتفاع الأسعار، ونقص السلع الأساسية، وأزمة سيولة واشتبك محتجون مع قوات الأمن.
واستهدف المتظاهرون مرارا مقار حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يتزعمه البشير، وهتفوا بإنهاء حكمه المستمر منذ 29 عاما. وألقى مسؤولون بالحكومة باللوم في الاحتجاجات على ”مندسين“ وسجل مسؤولون وشهود 12 حالة وفاة على الأقل رغم أنه من الصعب التحقق من العدد الفعلي للقتلى.
من جانب اخر بدأ في السودان إضراب عام في إطار موجة احتجاجات تشهدها البلاد منذ رفعت الحكومة أسعار الخبز وأعقبها تحرّك احتجاجي تخلّلته صدامات دامية قد يكون الأضخم على الإطلاق خلال ثلاثة عقود من حكم الرئيس عمر البشير. ولبّت قطاعات مختلفة الدعوة إلى الإضراب التي أطلقها الأحد "تجمّع المهنيين السودانيين"، في حين كانت التظاهرات لا تزال مستمرة في مدن عدّة، ولا سيّما أم درمان، المدينة التوأم للعاصمة الخرطوم.
وقال الطبيب محمد الأصم عضو تجمّع المهنيين إنّ "الإضراب بدأ والآن تجري عملية حصر لعدد المستشفيات التي نفّذ فيها الإضراب في كل السودان وعدد الأطباء الذين شاركوا فيه، لكن لدينا تجارب سابقة في الدعوة الى إضرابات شاركت فيها كل المستشفيات الحكومية بكل مناطق السودان". ورأى محلّلون بناء على هذه التطوّرات أنّ الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، معتبرين أنّه إذا كان المحرّك الأساسي للاحتجاجات هو الوضع الاقتصادي فإنّه في النهاية مرتبط بسياسات الحكومة.
وقال عبد اللطيف البوني عميد كليّة الاقتصاد في الجامعة الوطنية إنّ "السبب الأساسي للاحتجاجات اقتصادي ومرتبط بغلاء الأسعار، إلاّ أنّ الأزمة الاقتصادية جذرها سياسي ومتمثّل في فشل السياسات الحكومية وارتكابها أخطاء وسوء إدارة". لكنّ المتحدّث باسم حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) ابراهيم الصديق اعتبر أنّ اسباب الاحتجاجات اقتصادية لكنّ "البعض" استخدمها خدمة "لأجندات سياسية".
وقال "هناك سببان للأحداث أحدهما الضائقة الاقتصادية وهذا مفهوم الاحتجاج ضدّه والحكومة معترفة به والناس خرجت بسبب شحّ الخبز والوقود والسيولة النقدية وهذا من حقّها". وأضاف "أمّا السبب الثاني فهو أجندات سياسية بعضها داخلي لأحزاب يسارية تريد خلخلة بنية الدولة وبعضها أجندة خارجية مرتبطة بالمجموعة التي أُعلن أنّها ضبطت وتنتمي لحركة عبد الواحد نور المتمردة وجاءت من اسرائيل وهي من تسببت في حرق المؤسسات".
لكنّ المحلّل السياسي محمد لطيف وهو كاتب زاوية يومية في صحيفة "اليوم التالي" رأى أنّه "في ظلّ شحّ الموارد الذي تعاني منه الدولة وغياب أفق حلّ للأزمة الاقتصادية الخيار الوحيد المتاح حلّ سياسي بانفتاح الحكومة ومخاطبة مطالب الجماهير وفتح منبر الحوار مع كل المكوّنات السياسية السودانية دون استثناء".
غير أن البوني يعتبر أنّ "الباب مفتوح على كل الاحتمالات: إذا دخلت قوى خارجية على الخط وساندت الاحتجاجات، حتى لو إعلامياً فقط، فسيؤدي ذلك إلى تغيير سياسي. أمّا إذا لم يحدث ذلك، فستتراجع الاحتجاجات". وأوضح أنّ "سبب ذلك بسيط وهو أنّه ليس هناك مجال للمقارنة بين المعارضة الداخلية والقوة الأمنيّة للنظام". بحسب فرانس برس.
من ناحيته اعتبر لطيف أنّ "استمرار التظاهر يعتمد على ردّة فعل الحكومة، فإذا أصرّت على الحلّ الأمني والتصعيد سيحدث تصعيد من الطرف الآخر وسيصبح حينها الموقف مفتوحاً على كل الاحتمالات"، محذّراً من أنّه "في ظلّ التركيبة الهشّة للسودان وانتشار الكيانات المسلّحة يمكن للمستقبل أن يكون قاتماً". وأضاف "ليس هناك خيار سوى مراجعة التركيبة الحاكمة، وعلى الحزب أن يراجع علاقاته ومواقفه وإلا سيجد نفسه أمام وضع لا يحسد عليه، وأعتقد أن حزباً بهذه الهشاشة التي ظهرت لا يمكنه قيادة المرحلة القادمة لذا مراجعة مواقفه وهيكله حتمية".
دعم قطري
من جانب اخر قال مكتب الرئيس السوداني في بيان إن الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر اتصل هاتفيا بالرئيس عمر البشير للتعبير عن دعمه للسودان بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي جرت بعدة مدن سودانية خلال الأيام الماضية. ويتزايد التنافس بين قطر ودول أخرى في المنطقة على النفوذ في السودان ودول أخرى تقع على البحر الأحمر وخليج عدن. كما أن دول الخليج ظلت مصدر تمويل مهم للسودان بعد أن خسر ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي مع انفصال الجنوب في عام 2011. وذكر البيان أن الشيخ تميم أعلن خلال الاتصال ”وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لمساعدة السودان علي تجاوز هذه المحنة مؤكدا حرصه علي استقرار السودان وأمنه“.
من جانب اخر قال رئيس الوزراء السوداني معتز موسى إن ميزانية بلاده لعام 2019 تشمل مخصصات للدعم بقيمة 66 مليار جنيه سوداني (1.4 مليار دولار)، منها 53 مليارا للخبز والوقود. وقال موسى خلال مؤتمر صحفي إن الوقود يُباع في السودان بعُشر تكلفته الفعلية، بينما تدفع الحكومة 90 بالمئة من قيمته في صورة دعم مباشر. وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تدفع 36 مليون دولار أسبوعيا لدعم الوقود و35 مليون جنيه سوداني لدعم الخبز يوميا. وأردف قائلا ”لن يكون هناك رفع دعم ولكن ستكون هناك سياسات جديدة لتوجيه الدعم للمستحقين، فلا يمكن أن ندعم المقتدرين ماليا“.
وتزيد الحكومة معروضها النقدي من أجل تمويل عجز الميزانية، مما يتسبب في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية. وتضرر السودان بشدة حينما انفصل الجنوب في عام 2011، وهو ما أدى إلى فقدانه ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، المصدر المهم للنقد الأجنبي. وأكد الرئيس السوداني عمر البشير، على استمرار الدولة في إجراء إصلاحات اقتصادية توفر للمواطنين حياة كريمة، ووعد بإجراءات حقيقية تعيد ثقة المواطنين في القطاع المصرفي، بحسب وكالة الأنباء السوادنية الرسمية (سونا). ودعا البشير، المواطنين إلى عدم الالتفات لمروجي الشائعات، والحذر من الاستجابة لمحاولات زرع الإحباط.
من جانبهما، نصح خبيران اقتصاديان الحكومة السودانية بعدة إجراءات يجب العمل بها بشكل عاجل لاحتواء تصاعد الاحتجاجات في عدد من مناطق بالبلاد، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية. وطالب الخبيران، بضرورة التوصل لحل للأزمة قبل نهاية العام الجاري، وتجنب الحلول المُسكنة لعدم تفاقم الأوضاع.
اضف تعليق