تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بخصوص معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التى أبرمت في عام 1987، وهو ما اثر قلق ومخاف الكثير خصوصا وان التصريحات والاتهامات المتبادلة قد تسهم بخلق صراع جديد، في تطور خطير رآه خبراء ضربة قوية للاستقرار الإستراتيجي في العالم...
تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بخصوص معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التى أبرمت في عام 1987، وهو ما اثر قلق ومخاف الكثير خصوصا وان التصريحات والاتهامات المتبادلة قد تسهم بخلق صراع جديد، في تطور خطير رآه خبراء ضربة قوية للاستقرار الإستراتيجي في العالم كما نقلت بعض المصادر، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب
أن بلاده ستنسحب من معاهدة القوى النووية مع روسيا. وقال ترامب إن "روسيا قد انتهكت الاتفاق وقاموا بانتهاكه لسنوات عديدة"، كما لفت إلى أنه "لا يعلم لما لم تقم" إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بـ"التفاوض أو الانسحاب"، مضيفاً: "نحن لن نسمح لهم بمعارضة الاتفاق النووي والخروج وتصنيع الأسلحة بينما نحن لا يسمح لنا هذا".
ورأى الرئيس الأمريكي أن روسيا "للأسف" لم تحترم لاتفاقية"، التي وقعها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان مع رئيس الاتحاد السوفيتي، ميخائيل غورباتشوف. أما فيما يتعلق بتفاصيل المعاهدة، فكان على كل من أمريكا والاتحاد السوفييتي تفكيك الصواريخ الأرضية البالستية وصواريخ كروز، التي تتراوح مسافة إطلاقها بين 550 إلى 5500 كيلومتر تقريباً، حيث تسعى هذه المعاهدة إلى حماية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين ورسم اتفاق بين دولتين في وسط السباق للتسليح أثناء الحرب الباردة.
في المقابل، رد السيناتور الروسي، ألكسي بوشكوف، على إمكانية "انسحاب" ترامب من المعاهدة، قائلاً في تغريدة على "تويتر" إن الولايات المتحدة الأمريكية "ستعيد العالم إلى الحرب الباردة"، كما شبه القرار بـ "ضربة هائلة لنظام الاستقرار الاستراتيجي بأكمله في العالم". وحذر المشرع الروسي كونستانتين كوساشيف على صفحته الخاصة على "فيس بوك" من أن آثار الانسحاب من المعاهدة "قد تكون كارثية حقاً"، كما لفت إلى أن إنهاء الاتفاق "سيؤثر أيضاً على تمديد معاهدة الأسلحة الاستراتيجية، التي تنتهي في 2021"، مضيفاً أن "الإنسانية تحت تهديد فوضى كاملة من الأسلحة النووية".
وفي 8 ديسمبر 1987 وقع الرئيس الأميركي رونالد ريجان مع رئيس الاتحاد السوفيتي سابقًا ميخائيل غورباتشوف معاهدة القوى النووية متوسطة المدى. وتمكنت المعاهدة أن تضع حدًّا للأزمة التي اندلعت في الثمانينات عقب نشر الاتحاد السوفيتي لصواريخ إس. إس – 20 النووية التي كانت تستهدف عواصم أوربية بإلغاء فئة كاملة من الصواريخ يراوح مداها 500 و5000 كم. بدأ الاتحاد السوفيتي بتنفيذ بنود المعاهدة بشكل كامل منذ 1991، حيث قام بتدمير 1792 صاروخًا في مقابل 859 صاروخًا دمرتهم الولايات المتحدة. ونصت المعاهدة على أحقية كل طرف في فسخ المعاهدة بعد تقديم أدلة مقنعة تثبت الحاجة للخروج منها، حيث إن المعاهدة لم تكن محددة المدة.
أثار قرار ترامب العديد من المخاوف والانتقادات، خاصة تلك المتعلقة بتسارع السباق المحموم في تطوير وإنتاج أسلحة نووية لدى المعسكرين الشرقي والغربي. وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أهمية معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي وقعت خلال الحرب الباردة في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب. وفي ذات السياق أعربت ألمانيا عن أسفها لقرار ترامب بالانسحاب، مشيرة إلى ضرورة التشاور بين شركاء حلف شمال الأطلسي بشأن عواقب القرار الأميركي. ووفقًا لمحللين قد يدفع الانسحاب من المعاهدة الصين إلى تطوير أسلحة نووية متوسطة المدى دون قيود، لاسيما أنها لم توقع على الاتفاق، مما سيؤدي إلى تبعات ضخمة على السياسة الدفاعية الأميركية في آسيا، لاسيما الصين التي يخوض ترامب ضدها حربًا تجارية.
60 يوما فقط
وفي هذا الشأن أمهلت الولايات المتحدة روسيا 60 يوما للإقرار بما قالت واشنطن إنه انتهاك لمعاهدة للحد من التسلح تجعل أوروبا خالية من الصواريخ النووية. وضغطت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي وعلى رأسها ألمانيا على وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال اجتماع في بروكسل لمنح فرصة أخيرة للدبلوماسية قبل انسحاب واشنطن من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى المبرمة عام 1987، وذلك خشية بدء سباق جديد للتسلح في أوروبا.
وفي المقابل وافق وزراء خارجية دول الحلف على الإعلان رسميا عن أن روسيا ”تنتهك جوهر هذه المعاهدة“، وذلك في بيان داعم للولايات المتحدة. وتنفي روسيا تطوير أي صواريخ كروز متوسطة المدى تطلق من البر وقادرة على حمل رؤوس نووية وضرب مدن أوروبية خلال وقت قصير. وفي الوقت الذي أعلن فيه ينس ستولتنبرج الأمين العام للحلف أنه ستكون هناك حملة دبلوماسية مكثفة لمحاولة إقناع روسيا بالتخلي عما قال بومبيو إنها ”كتائب عديدة من صواريخ إس.إس.سي-8“، من المقرر أن تنسحب واشنطن من المعاهدة في فبراير شباط.
وقال بومبيو بخصوص الصواريخ خلال مؤتمر صحفي بعد لقائه مع نظرائه في الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ”مداها يجعلها تهديدا مباشرا لأوروبا“ مضيفا أن أفعال روسيا ”تقوض بشكل كبير الأمن القومي لأمريكا وحلفائها“. وقال بومبيو إن الحكومة الأمريكية تحدثت بشأن هذا الأمر مع موسكو لنحو 30 مرة على الأقل منذ عام 2013 ورغم ذلك لم تجد ردا سوى الإنكار وإجراءات مضادة. بحسب رويترز.
وأضاف ”في ضوء هذه الحقائق فإن الولايات المتحدة تعلن أن روسيا تنتهك جوهر هذه المعاهدة وسوف نعلق التزاماتنا (بموجب المعاهدة)... خلال 60 يوما ما لم تعد روسيا للالتزام بها بشكل كامل يمكن التحقق منه“. وأشار بومبيو إلى أن واشنطن ستضطر لاستعادة التوازن العسكري في أوروبا بعد تلك المهلة، دون مزيد من التوضيح. لكنه اكتفى بقول إن اختبار ونشر صواريخ جديدة سيظل مجمدا حتى ذلك الحين.
رد روسي
في السياق ذاته نقلت وكالات أنباء روسية عن الرئيس فلاديمير بوتين قوله إن الكرملين سيرد إذا انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى. وناقش بوتين السبل المحتملة للرد الروسي مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع الروسية وقال إن الكرملين على استعداد لمناقشة المعاهدة مع واشنطن.
وهناك شكوك حول استمرار هذه المعاهدة، التي تعود لحقبة الحرب الباردة والتي خلصت أوروبا من الصواريخ النووية، في ظل تجدد التوتر بين الغرب وروسيا والذي من أبرز أسبابه ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014 ودورها في شرق أوكرانيا. واتهمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب روسيا بعدم الالتزام بمعاهدة القوى النووية التي أُبرمت قبل 31 عاما وهددت بالانسحاب من المعاهدة نتيجة لذلك. وينفي الكرملين انتهاك المعاهدة.
وناقش مبعوث روسي هذه المسألة مع حلف شمال الأطلسي خلال محادثات نادرة، في 31 أكتوبر تشرين الأول، حث فيها الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج موسكو على القيام بتغييرات سريعة تفضي إلى الالتزام بالمعاهدة بصورة كاملة وقال إن تطوير روسيا لصواريخ كروز (إس.إس.سي-8) تمثل ”خطرا بالغا على الاستقرار الاستراتيجي“. ويخشى زعماء أوروبيون من أن يؤدي انهيار المعاهدة إلى سباق تسلح جديد.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو ستنتج صواريخ محظورة في الوقت الحالي بموجب معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى إذا انسحبت الولايات المتحدة منها وبدأت في إنتاج مثل هذه الصواريخ. واتهم بوتين في تصريحات تلفزيونية الولايات المتحدة بإلقاء اللوم على روسيا في انتهاكات كذريعة للانسحاب من المعاهدة. وأشار إلى أن العديد من الدول تنتج صواريخ تحظرها المعاهدة لكن موسكو وواشنطن التزمتا بها.
من جانبه قال وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف إن روسيا ترى أن الولايات المتحدة تسعى لتعطيل معاهدة (ستارت) الجديدة للأسلحة النووية بتحركها للانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التي تعود لحقبة الحرب الباردة. وكانت مسؤولة أمريكية كبيرة قد قالت إن على موسكو التخلص من صواريخ كروز الموجهة من طراز (9إم729) القادرة على حمل رؤوس نووية وقاذفات هذه الصواريخ أو تعديل مداها بما يتفق مع معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى الموقعة عام 1987 وتجنب انسحاب الولايات المتحدة منها. وقال لافروف ”أصبح هناك انطباع بأنه تجري تهيئة الساحة لتعطيل هذه الوثيقة (ستارت الجديدة) أيضا نتيجة لذلك“.
وتجاهل الكرملين طلبا أمريكيا بالتخلص من صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وقال إنها تتفق مع معاهدة الحد من التسلح التي ترجع لحقبة الحرب الباردة وترى واشنطن أن هذه الصواريخ تنتهكها. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحفيين ردا على سؤال بشأن الطلب الأمريكي ”روسيا لم ولا تنتهك (المعاهدة) ولا تزال ملتزمة بتعهداتها بموجب معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى“.
وعادت المعاهدة الموقعة منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلى الواجهة في تشرين الأول/أكتوبر، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تنوي "إنهاء الاتفاق" وتطوير أسلحة نووية من جديد. وأعلن ترامب المعتاد على تغيير مواقفه، نيته العمل مع روسيا والصين بهدف وقف ما وصفه بـ"سباق تسلح كبير وخارج عن السيطرة". وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لصحافيين أنه "تم تشويه الوقائع لإخفاء الهدف الحقيقي من الانسحاب الأمريكي من هذه المعاهدة"، من دون اعطاء المزيد من التفاصيل. ولم تمنع التهديدات الأميركية رئيس أركان الجيش الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف من التأكيد أن موسكو ستزيد حجم ترسانتها النووية.
وصرّح في بيان للجيش الروسي "يتبيّن أن أحد العوامل الأكثر تدميراً الذي يُعقد العلاقات الدولية هو تصرفات الولايات المتحدة التي تحاول إبقاء دورها في السيطرة على الشؤون الدولية". وتابع "لهذا الغرض تتخذ واشنطن وحلفاؤها تدابير معقدة ومنسقة لاحتواء روسيا وتشويه دورها في الشؤون الدولية".
الحرب الباردة
الى جانب ذلك حذر ميخائيل جورباتشوف آخر زعماء الاتحاد السوفيتي من تبعات تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة وقال إن الحرب الباردة لا يجب أن تعود. وأعان مساعدون جورباتشوف (87 عاما) على الوصول إلى دار عرض سينمائي لمشاهدة العرض الأول في روسيا لفيلم وثائقي جديد عن حياته والإصلاحات التي نفذها في الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات ومساعيه للحد من التسلح بما ساهم في إنهاء الحرب الباردة.
وأدلى الزعيم السابق بتصريحات موجزة في دار العرض بموسكو وقال ردا على سؤاله عن حرب باردة جديدة ”يجب أن نحجم عن ذلك... ليس فقط عن الحرب الباردة. علينا أن نواصل المسار الذي حددناه. يجب أن نحظر الحرب للأبد. والأهم هو أن نتخلص من الأسلحة النووية“. ويرى كثير من الروس أن جورباتشوف هو الرجل الذي أفضت إصلاحاته إلى انهيار الاتحاد السوفيتي فيما يشيد به الغرب بصفته الرجل الذي ساهم في إنهاء الحرب الباردة. بحسب رويترز.
وأدان في مقال للرأي نشر بصحيفة نيويورك تايمز موقف الولايات المتحدة بعد أن صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه يعتزم الانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التي وقعها جورباتشوف مع رونالد ريجان عام 1987. وفي رسالة مكتوبة ومعدة سلفا قرأها مساعد له في قاعة العرض قبل بدء الفيلم قال جورباتشوف ”لدي قناعة أن بإمكاننا وقف نشوب حرب باردة جديدة. سأفعل كل شيء من أجل ذلك... والأخطر من ذلك سيكون العودة للمواجهة.. وبدء سباق تسلح جديد. إنهم يتحدثون بالفعل عن الحرب النووية وكأن الأمر مقبول تماما. يتم الإعداد للأمر وتتم مناقشة السيناريوهات“.
وأخفقت روسيا في دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر في دعوة واشنطن وموسكو للحفاظ على معاهدة للسيطرة على الأسلحة ساهمت في إنهاء الحرب الباردة. وحذرت موسكو من أن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة قد يدفعها لطرح القضية على مجلس الأمن الدولي.
واقترحت روسيا مشروع قرار في لجنة نزع السلاح في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ودعت روسيا إلى تصويت على السماح للجنة بنظر مشروع القرار لكنها أخفقت في مسعاها بعد أن حصلت على تأييد 31 صوتا فقط مقابل 55 صوتا معارضا وامتناع 54 دولة عن التصويت. وقال أندريه بيلوسوف نائب مدير إدارة منع الانتشار والرقابة على التسلح ”في غضون عام.. إذا انسحبت الولايات المتحدة من المعاهدة وبدأت في زيادة التسلح بدون قيود، بأسلحة ذات قدرات نووية، سنواجه واقعا مختلفا تماما“.
وتساءل إن كانت الولايات المتحدة تستعد للدخول في حرب قائلا ”لماذا إذن؟... يريدون الانسحاب من المعاهدة؟ لماذا يريدون زيادة قدراتهم النووية؟“ وقال بيلوسوف إن روسيا يمكنها أن تطرح القضية على مجلس الأمن الدولي إذا مضت الولايات المتحدة قدما في تنفيذ تهديدها بالانسحاب من المعاهدة. ولا يتوقع أن تفضي مثل تلك الخطوة لأي قرارات بالنظر إلى امتلاك الدولتين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.
وقال روبرت وود سفير الولايات المتحدة لشؤون نزع الأسلحة للجنة إن واشنطن ظلت نحو خمس سنوات تحاول التواصل مع موسكو لبحث مسألة الالتزام بالمعاهدة لكن روسيا ”أنكرت إنتاج أو اختبار صواريخ كروز تطلق من البر“. وأضاف ”لم يعترفوا إلا مؤخرا بأنهم أنتجوها ثم ظلوا يصرون على أنها لا تنتهك المدى المنصوص عليه في المعاهدة“. وتابع قائلا ”الولايات المتحدة تحلت بالكثير من الصبر مع روسيا ونأمل في أن تفعل روسيا ما هو صواب وتدمر صواريخ كروز التي تطلق من البر“.
اضف تعليق