بدأت الولايات المتحدة بتطبيق الجزء الثاني من العقوبات على إيران الغنية بالنفط في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد كما نقلت بعض المصادر. وتشمل العقوبات الجديدة مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي للعملات الصعبة التي تحتاجها إيران...
بدأت الولايات المتحدة بتطبيق الجزء الثاني من العقوبات على إيران الغنية بالنفط في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد كما نقلت بعض المصادر. وتشمل العقوبات الجديدة مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي للعملات الصعبة التي تحتاجها إيران، وسيتم وفق هذه العقوبات منع الشركات الأجنبية التي تقرر شراء النفط من طهران من دخول الأسواق الأمريكية. ووضع الرئيس الأميركي الذي يواجه الكثير من الانتقادات، إيران أمام خيار ما بين تغيير نهجها أو مواجهة تدهور اقتصادها.
وقال دونالد ترامب في بيان أن "الهدف هو إرغام النظام على القيام بخيار واضح: إما أن يتخلى عن سلوكه المدمر، أو يواصل على طريق الكارثة الاقتصادية". وبعد ستة أشهر من سحب ترامب بلاده من الاتّفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، ورغم الاحتجاجات الإيرانية وانتقادات الحلفاء الأوروبيين وروسيا والصين، أعلنت الولايات المتحدة رسميا إعادة فرض الشريحة الثانية من العقوبات على هذا البلد. وكانت واشنطن أعادت فرض الشريحة الأولى من العقوبات في آب/أغسطس الماضي. والقرار الأميركي يعني منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأميركية في حال قرّرت المضي قدماً بشراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية.
وأكد ترامب في بيانه أن تحرك الولايات المتحدة موجه ضد النظام الإيراني "وليس ضد الشعب الإيراني الذي يعاني منذ زمن طويل". وأوضح أن هذا ما حمل على استثناء سلع مثل الأدوية والمواد الغذائية من العقوبات "منذ وقت طويل". ووصف البيت الأبيض هذه العقوبات بأنها "أشد عقوبات أقرت حتى الآن" ضد إيران. ويردد الرئيس الجمهوري أنه على استعداد للقاء قادة الجمهورية الإسلامية للتفاوض بشأن اتفاق شامل على أساس تلبية 12 شرطاً أميركياً، أبرزها فرض قيود أكثر تشدّداً على القدرات النووية الإيرانية ممّا هو وارد في اتّفاق العام 2015، وفرض قيود على انتشار الصواريخ البالستية الإيرانية، وعلى ما تعتبره واشنطن "النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار" في العديد من دول الشرق الاوسط مثل سوريا واليمن ولبنان. وكرر ترامب ذلك إذ أكد في بيانه "نبقى على استعداد للتوصل إلى اتفاق جديد أكثر تكاملا مع إيران".
عقوبات واستثناءات
اعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن ثمانية دول ستستفيد من استثناءات مؤقتة تتعلق بشراء النفط من إيران، وسيكون بإمكانها تاليا الاستمرار مؤقتا في استيراد النفط الإيراني، مشيرا إلى أن هذا الاستثناء تقرر "فقط لأنها أثبتت قيامها بجهود كبيرة في اتجاه وقف وارداتها النفطية قدر الإمكان" ولأنها أيضا "تعاونت في العديد من الجبهات الأخرى" مع الولايات المتحدة. ولم يحدد بومبيو هذه البلدان التي ستصدر قائمة بها، مشيرا إلى أن اثنين من هذه البلدان تعهدا بقطع وارداتهما من النفط الإيراني تماما في المستقبل، فيما ستستمر الدول الست الأخرى في شراء النفط الإيراني إنما بكميات أقل بكثير من فترة ما قبل العقوبات.
وفي أنقرة، أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن بلاده بين الدول المستثناة من الحظر. وتوقع مراقبون أن تكون كوريا الجنوبية والهند والصين أيضا من بين الدول المستثناة. وعلى المستوى الأوروبي، أعربت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك عن "الأسف الشديد" لقيام الولايات المتحدة بإعادة فرض عقوباتها على إيران. وجاء في البيان أيضا "أن هدفنا هو حماية اللاعبين الاقتصاديين الأوروبيين الذين يقومون بمبادلات تجارية مشروعة مع إيران".
وأضاف البيان أن الاتفاق "يشكل عاملا أساسيا في إطار الهندسة العالمية لمنع الانتشار النووي، وفي إطار الدبلوماسية المتعددة (...). إنه أساسي لأمن أوروبا والمنطقة والعالم أجمع". وتابع الوزراء في بيانهم "بصفتنا موقعي الاتفاق التزمنا العمل خاصة على الإبقاء على عمل شبكات مالية مع ايران، وعلى ضمان استمرار الصادرات الإيرانية من النفط والغاز. إن عملنا بالنسبة الى هذه المواضيع وغيرها سيتواصل (...) وقد تكثفت هذه الجهود خلال الأسابيع القليلة الماضية".
وأكدت الإدارة الأمريكية أن هذه العقوبات "ستكون الأقوى في التاريخ"، وأن تطبيقها سيكون أكثر تشددا بكثير مما كان يجري في السابق، وأن إجراءات أخرى ستتخذ في الإطار نفسه خلال الأشهر القليلة المقبلة. ولإثبات حزم الإدارة الجمهورية، أشار وزير الخارجية إلى أن إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما كانت منحت إعفاءات لعشرين بلدا خلال الفترة السابقة من فرض العقوبات. من جهته، أعلن وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين أن 700 شخص أو كيان سيضافون إلى اللائحة الأمريكية السوداء، أي أكثر بـ300 اسم من تلك التي كانت سحبت بعد العام 2015. وقال أيضا إن الولايات المتحدة تود قطع المؤسسات المالية الإيرانية الخاضعة لعقوبات والتي ستصدر قائمة بها، عن نظام "سويفت" الدولي للتحويلات المالية، مع استثناء "التحويلات الإنسانية".
وتوقع دبلوماسي أوروبي أن "تكون العقوبات مؤلمة"، مع العلم أن الاقتصاد الإيراني يعاني أصلا في الوقت الحاضر من صعوبات، والعملة الإيرانية تتراجع منذ أشهر عدة. كما اعتبر الدبلوماسي أن ما يفرض اليوم على إيران "شبيه بما جرى مع الكوريين الشماليين أي عقوبات وضغوط قصوى لكي يصبحوا بعدها جاهزين للتفاوض". ولا تخفي إدارة ترامب اقتناعها بأن هذه الاستراتيجية ستنجح كما نجحت مع كوريا الشمالية، حيث تعهد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-أون بـ"نزع السلاح النووي" خلال قمة تاريخية عقدها مع الرئيس الأمريكي بعد أشهر من التوتر الشديد والتهديدات المتبادلة. بحسب فراس برس.
من جانب اخر نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي قوله إن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تواجه معارضة في أنحاء العالم فيما تستعد واشنطن لإعادة فرض عقوبات على قطاعي النفط والبنوك الحيويين في إيران. وأضاف خامنئي أن الولايات المتحدة فشلت في إعادة فرض هيمنتها على إيران منذ الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه المدعوم من واشنطن عام 1979. ونسب التلفزيون إلى خامنئي قوله خلال اجتماع مع آلاف الطلاب ”العالم يعارض كل قرار يتخذه ترامب“. وأضاف ”هدف أمريكا هو إعادة تأسيس الهيمنة التي كانت تفرضها (قبل 1979) لكنها فشلت. أمريكا هُزمت من قبل الجمهورية الإسلامية طيلة الأربعين عاما الماضية“.
عواقب وخيمة
على صعيد متصل قالت إيران إن العقوبات الأمريكية عليها ستكون لها ”عواقب وخيمة“ على النظام العالمي وذلك قبل أيام من سريان عقوبات جديدة على صادرات النفط الإيرانية. ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله ”للأسف تسعى دولة تخرق القانون (الولايات المتحدة) لمعاقبة دولة تلتزم بالقانون (إيران) ... هذه الطريقة ستكون لها عواقب وخيمة على النظام العالمي“. لكن ظريف أضاف ”لم يحقق الأمريكيون أهدافهم بفرض العقوبات غير المشروعة على إيران“.
وتقول طهران إنها ملتزمة تمام الالتزام بالاتفاق النووي وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة مرارا على ذلك. وقال ترامب إن الاتفاق الذي وافق عليه سلفه باراك أوباما لا يشمل الصواريخ الباليستية الإيرانية ودورها في الحروب بالمنطقة أو ما سيحدث عند انتهاء العمل بالاتفاق النووي عام 2025. وقال ظريف بعد اجتماع ثلاثي مع وزيري الخارجية في تركيا وأذربيجان ”تصدى المجتمع الدولي للعقوبات الأمريكية“. وتابع ”قاومت الدول المجاورة والأوروبية إجراءات واشنطن الأحادية“.
ولا تزال الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق ملتزمة به وستطلق قريبا آلية لتفادي النظام المالي الأمريكي باستخدام وسيط أوروبي للتجارة مع إيران. واتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي واشنطن بشن ”حرب نفسية“ على طهران بفرضها ”عقوبات غير إنسانية وعدائية“ للإضرار بالاقتصاد الإيراني. وكتب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على تويتر أن الاقتصاد الإيراني يتراجع، قائلا ”هذا ما يحدث عندما يسرق النظام الحاكم من شعبه ويستثمر في (الرئيس السوري بشار) الأسد بدلا من توفير الوظائف للإيرانيين، إنهم يدمرون الاقتصاد“. وأرسل الحرس الثوري الإيراني أسلحة وآلاف الجنود إلى سوريا للمساعدة في دعم الأسد خلال الحرب الأهلية المستعرة منذ سبع سنوات هناك. بحسب رويترز.
وفي رد فعله على تعليقات بومبيو، نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن قاسمي قوله ”هذه التعليقات تقوم على الشعبوية والمغالطة... الاقتصاد الإيراني أظهر نموا طوال السنوات الماضية عندما كانت إيران تقاتل الإرهابيين“. وفقد الريال الإيراني 70 في المئة من قيمته هذا العام بسبب ضعف الاقتصاد والصعوبات المالية في البنوك المحلية والطلب القوي على الدولار بين الإيرانيين الذين يخشون تأثير العقوبات.
من جانب اخر قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت عن عقوبات جديدة على إيران ”لصرف“ الانتباه عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. واستهدفت وزارة الخزانة الأمريكية حركة طالبان الأفغانية المسلحة بعقوبات ضد ثمانية أشخاص جرى تصنيفهم بأنهم إرهابيون عالميون بينهم اثنان على صلة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يشرف على عمليات خارج حدود الجمهورية الإسلامية. وكتب ظريف على تويتر ”لصرف الانتباه عن الوحشية السعودية في اسطنبول وفي اليمن أعلنت الخزانة الأمريكية... عقوبات على إيران بزعم أنها ’تدعم‘ طالبان المناهضة لإيران. متناسية أن الولايات المتحدة تتفاوض حاليا مع طالبان هذه وأن عملاءها يدعمونها منذ وقت طويل“.
النفط الايراني
في السياق ذاته نقل موقع وزارة النفط الإيرانية عن الوزير بيجن زنغنه قوله إن إنتاج بلاده من الخام لا يمكن أن يعوضه منتجو النفط الآخرون في حالة تأثر طهران بالعقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة في نوفمبر تشرين الثاني. وأبلغ الموقع ”كما قلت مرارا، لا يوجد بديل للنفط الإيراني في السوق. إنتاج السعودية وروسيا قريب من أعلى مستوياته على الإطلاق ولا يملكان الطاقة الفائضة لضخ المزيد من أجل إحلال نفط إيران.“
وتقول السعودية، غريمة إيران وحليفة الولايات المتحدة، إنها قادرة على زيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا من 10.7 مليون حاليا. وفي يونيو حزيران، اتفقت أوبك على زيادة المعروض لتعويض التعطل المتوقع للصادرات الإيرانية. غير أن إيران قالت مرارا إن صادراتها النفطية لا يمكن أن تتوقف تماما بسبب مستويات الطلب المرتفعة في السوق، وحملت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسؤولية موجة صعود أسعار الخام الناجمة عن العقوبات المفروضة على طهران. وقال زنغنه ”إدراك السوق لهذا العجز رفع الأسعار... وأبطأت أسعار النفط النمو الاقتصادي لمعظم الدول المستهلكة، وهو ما يؤثر على الاقتصاد العالمي“. بحسب رويترز.
وهون وزير الخزانة الامريكي ستيفن منوتشين من المخاوف من أن ترتفع أسعار النفط، قائلا إن السوق استوعبت بالفعل خسائر الإمدادات. ونصح زنغنه ترامب ”بالتخلي عن فرض عقوبات على صادرات إيران النفطية“، قائلا إن المنتجين من خارج أوبك غير قادرين على تعويض النقص في السوق. وحذرت إيران من أنه في حالة عجزها عن بيع نفطها بسبب الضغوط الأمريكية فإنها لن تسمح للدول الأخرى في المنطقة بذلك أيضا، مهددة بإغلاق مضيق هرمز.
الى جانب ذلك قال مصدران بشركة زاروبيجنفت الروسية المملوكة للدولة إن الشركة انسحبت من مشروعين في إيران بسبب العقوبات الأمريكية الوشيكة. وفي مارس آذار الماضي، وقعت شركة النفط الوطنية الإيرانية اتفاقا مع زاروبيجنفت لتطوير حقلي أبان وبيدر الغرب النفطيين في غرب إيران. ويستهدف الاتفاق الذي مدته عشر سنوات زيادة الانتاج في الحقلين إلى 48 ألف برميل يوميا من مستواه الحالي البالغ 36 ألف برميل يوميا.
ووفقا للموقع الاخباري لوزارة النفط الإيرانية (شانا) فإن تكلفة تطوير الحقلين قدرت بحوالي 674 مليون دولار مع 68 مليون دولار إضافية في تكاليف غير مباشرة. لكن مصدرا بالشركة التي مقرها موسكو قال إن العقوبات الأمريكية الوشيكة على إيران تضع نهاية للمشروعين. وأضاف قائلا ”زاروبيجنفت انسحبت من كل المشاريع في إيران بسبب العقوبات“. وامتنعت الشركة عن التعقيب.
وقال المصدر ”سنخسر إيرادات بالعملة الأجنبية إذا تعرضنا للعقوبات“، مضيفا أن هذا سيكون له أيضا تأثير سلبي على شركاء الشركة في مشاريع أخرى. والمنطقة الرئيسية لنشاط زاروبيجنفت هي مكامن نفطية بحرية في فيتنام منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي. وقال مصدر آخر إن الشركة ليس لديها أي خطط للعمل في إيران. وفي مايو أيار، قالت شركة لوك أويل النفطية الروسية إنها قررت عدم المضي قدما في خطط لتطوير مشاريع في إيران في الوقت الحالي بسبب تهديد العقوبات الأمريكية.
اضف تعليق