التغيرات المهمة التي اجراها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قبل شهور قليلة فقط من موعد الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في شهر نيسان/أبريل 2019، في المؤسسات الأمنية والعسكرية وشملت شخصيات بارزة، كعبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني، وسعيد الباي القائد الأعلى للناحية العسكرية الثانية...
التغيرات المهمة التي اجراها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قبل شهور قليلة فقط من موعد الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في شهر نيسان/أبريل 2019، في المؤسسات الأمنية والعسكرية وشملت شخصيات بارزة، كعبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني، وسعيد الباي القائد الأعلى للناحية العسكرية الثانية، وحبيب شنتوف القائد الأعلى للناحية العسكرية الأولى من أجل تشديد قبضته على السلطة، وهذه التغيرات التي ستشمل ايضا مؤسسات أخرى كالقضاء، عدها البعض تحرك جديد من قبل بوتفليقة والشخصيات المقربة منه لتمهيد الطريق إلى ولاية رئاسية خامسة في بلد يعيش العديد من الازمات والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية تفاقمت بشكل كبير بعد انخفاض أسعار النفط.
لغاية الآن وكما نقلت بعض المصادر فمن الصعب لأي شخص أن يتكهن ما الذي سيقرره الرئيس بوتفليقة وهل سيرشح نفسه أم لا للبقاء في منصبه الذي احتله عام 1999، لكن مؤشرات عديدة تدل أن فكرة الولاية الرئاسية الخامسة قائمة في ذهن الرئيس الجزائري المريض ومقربيه، وعلى رأسهم أخيه سعيد. والدليل على ذلك هي تصريحات زعماء أحزاب الموالاة، مثل حزب جبهة التحرير الوطني الذي يترأسه جمال ولد عباس (84 سنة) وحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه الوزير الأول أحمد أويحيى واللذان دعيا بشكل علني ورسمي الرئيس بوتفليقة إلى قبول "تضحية" إضافية من أجل الجزائر والترشح لعهدة خامسة على التوالي.
أكثر من ذلك، أحمد أويحيى، الذي يعتبر من بين أبرز الشخصيات السياسية في الجزائر، أكد أنه "لن يترشح أبدا لخوض غمار الرئاسيات طالما فخامة الرئيس والرفيق عبد العزيز بوتفليقة مرشح لعهدة خامسة"، مثنيا في الوقت نفسه على "الإنجازات العظيمة التي قام بها بوتفليقة، وعلى رأسها قانون المصالحة الوطنية والوئام المدني" منذ توليه السلطة.
وما يجعل فرضية ترشح بوتفليقة لولاية خامسة ممكنة وجدية، هو غياب المعارضة السياسية التي لم تتمكن من الاتفاق على شخصية توافقية يمكن أن تنافس الرئيس الحالي في حال شارك في الانتخابات. فعدا مبادرة زعيم حزب حركة مجتمع السلم (إسلامي) عبد الرزاق مكري الذي دعا إلى "مرحلة انتقالية" تحت راية المؤسسة العسكرية، لم يبادر أي حزب سياسي أو شخصية بمشروع سياسي يمكن يحدث التغيير في الجزائر. وبينما ترتفع على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف أصوات جزائرية تدعو إلى التغيير وإلى فتح الفضاء السياسي المغلق لطاقات جديدة ومسؤولين شبان و"نظيفين"، بدأت "الماكينة السياسية" للنظام الجزائري تشتغل لغاية أن يتم انتخاب بوتفليقة لولاية خامسة في نيسان/أبريل 2019. لكن ككل "الماكينات" يمكن أن تتعطل...
تخفيف قبضة الجيش
وفي هذا الشأن قال محللون ودبلوماسيون إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يقوم بعزل عدد من كبار القادة في الجيش من أجل تشديد قبضته على السلطة في الوقت الذي من المحتمل فيه أن يسعى لإعادة الترشح للرئاسة العام المقبل ويقلص سلطة الجيش. وأقال بوتفليقة (81 عاما) اثنين آخرين من كبار القادة العسكريين ليصل العدد الإجمالي للشخصيات العسكرية البارزة التي أقيلت من مناصبها إلى نحو عشرة خلال الشهور القليلة الماضية فحسب.
وقالت مصادر سياسية إن هذه الإقالات تشير إلى تسارع وتيرة الإصلاح الأمني التي بدأت قبل أعوام لتحويل الجيش المنخرط في السياسة إلى هيئة أكثر مهنية. بيد أن تخفيف قبضة الجيش الذي يهيمن على البلد المنتج للنفط منذ حرب الاستقلال بين عامي 1954 و 1962 مع فرنسا سيستغرق وقتا. لكن النتائج الأولى تبدو واضحة للعيان، فالإقالات التي كانت تثير في السابق عواصف من الجدل باتت الآن أمرا روتينيا. وقال ضابط مخابرات متقاعد طلب مثل آخرين عدم نشر اسمه نظرا لحساسية المسألة ”اعتاد العسكريون على أن يقيلوا لا أن يُقالوا“.
وأضاف أن القرارات التي كانت تتخذ في تاقارا مقر وزارة الدفاع بوسط الجزائر أصبحت الآن تتخذ من مقر عمل بوتفليقة في قرية زرالدة الساحلية على بعد 20 كيلومترا غربي العاصمة. وعندما انتخب بوتفليقة أول مرة في عام 1999، كان يُنظر إلى الجيش وأجهزة المخابرات على أنهما المسيطران الحقيقيان على السلطة. لكن الآن، في ظل تكهنات بأنه سيذعن لدعوات من الحزب الحاكم للترشح لفترة خامسة محتملة في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى عام 2019 رغم المخاوف الصحية، فإن بوتفليقة يعمل على تركيز السلطة في دائرته المقربة من غير العسكريين.
وأبرز الوجوه على الساحة الآن هم سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الأصغر، ورئيس الوزراء أحمد أويحيى ووزير الداخلية نور الدين بدوي. وتشمل الإقالات الأخيرة أربعة من كبار القادة العسكريين، وقائد المخابرات العسكرية وعددا من القادة في وزارة الدفاع بالإضافة إلى قائد الشرطة وضابط الجيش عبد الغني هامل. وقبل حملة هذا العام، كان بوتفليقة قد أقال في 2015 مدير المخابرات محمد مدين وعشرات من كبار القادة في أجهزة المخابرات.
كما حل الجهاز الأمني المعروف باسم دائرة الاستعلام والأمن واستحدث بدلا منه جهازا يحمل اسم دائرة الشؤون الأمنية يقوده اللواء المتقاعد عثمان طرطاق. وترفع هذه الدائرة تقاريرها إلى الرئيس وليس إلى الجيش مثلما كان الحال من قبل. وقال أرسلان شيخاوي رئيس مؤسسة استشارية ”إنها عملية طويلة والهدف هو أن يكون الجيش أكثر مهنية وبعيدا عن السياسة“. وتخضع التغيرات في الجزائر للمتابعة عن كثب لأن البلد حليف أساسي في المعركة الغربية ضد التطرف في المنطقة كما أنه من كبار موردي الطاقة لأوروبا.
وإذا استمر هذا التحول بعيدا عن الجيش، فقد يساعد هذا المستثمرين الذين ضاق ذرعهم بتعطل تأشيرات الدخول أو طلبات التقدم لمشاريع بسبب البيروقراطية التي يهيمن عليها الجيش وشخصيات أمنية تتشكك في الأجانب. وقال جيف بورتر وهو مدير مؤسسة نورث أفريكا ريسك الاستشارية ”ستكون هذه الأنباء محل ترحيب للمستثمرين الأجانب المباشرين الذين سيرون في الخطوة مزيدا من التطبيع لعملية صناعة القرار داخل الحكومة“. بحسب رويترز.
وتريد الجزائر جذب مزيد من الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز لإنهاء سنوات من تعطيل الإنتاج. وعين بوتفليقة في مارس آذار 2017 رئيسا تنفيذا جديدا مدربا في الولايات المتحدة لإعادة تأهيل شركة سوناطراك الحكومية التي كانت تعيد بناء علاقاتها مع شركات النفط الكبرى التي فقدت الاهتمام بالجزائر بسبب الروتين والخلافات والشروط الصعبة. ويبقى الخطر الأكبر هو صحة بوتفليقة الذي نادرا ما شوهد علانية منذ أن أقعدته جلطة في عام 2013 على كرسي متحرك. وكانت رحلته الأسبوع الماضي إلى سويسرا لإجراء ما وصفته الرئاسة بفحوص روتينية تذكيرا بذلك.
دعوة لترشيح بوتفليقة
في السياق ذاته دعا رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (81 عاما) إلى الترشح لولاية خامسة في 2019 منهيا بذلك تكهنات بأنه هو نفسه ربما يكون مهتما بالمنصب. وقال أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، المتحالف مع بوتفليقة، في كلمة أمام كبار أعضاء الحزب ”مجلسنا الوطني يعتزم دعوة المجاهد عبد العزيز بوتفليقة إلى الاستمرار في أداء مهمته وتضحيته في خدمة الجزائر، والتجمع الوطني الديمقراطي يؤكد له دعمه للاضطلاع بعهدة جديدة كرئيس للجمهورية“. وأضاف ”أنه التزام من أجل الاستمرارية والاستقرار، التزام من أجل الجزائر“.
ودعا حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يحكم الجزائر في تحالف مع التجمع الوطني الديمقراطي، والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني بوتفليقة إلى الترشح لولاية جديدة من خمس سنوات برغم الغموض الذي يحيط بحالته الصحية. ويلازم بوتفليقة مقعدا متحركا منذ أن أصيب بجلطة في 2013، ولم يعلن حتى الآن أنه سيترشح مجددا. وقليلا ما يظهر بوتفليقة في مناسبات عامة منذ 2013. ويقول محللون إن المعارضة المتشرذمة والمنقسمة على نفسها غير قادرة على أن تشكل تحديا جادا أمام ولاية خامسة لبوتفليقة إذا ما قرر الترشح مرة أخرى. وتولى بوتفليقة السلطة في عام 1999. وتنتهي ولايته الرابعة في النصف الأول من 2019.
منافس جديد
من جانب اخر بدأت الساحة السياسية الجزائرية تتحرك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/أبريل 2019 المقبل، إذ أعلن ناصر بوضياف، نجل الرئيس الجزائري السابق محمد بوضياف (رئيس "الهيئة العليا للدولة" آنذاك)، الذي اغتيل بعد بضعة أشهر على توليه الحكم، حين كان يلقي خطابا داخل مسرح بمدينة عنابة (حوالي 400 كلم شرق الجزائر) في 25 يونيو 1992 بأنه "سيترشح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقرر إجراؤها في شهر نيسان/أبريل 2019 المقبل".
وناصر بوضياف هو المترشح الثاني رسميا بعد اليساري فتحي غارس. وكتب بوضياف على صفحته في فيس بوك: "اليـوم بـعـد إحـيائـنا لـذكـرى الـ 26 لاستشهاد "سـي الطـيـب الوطـنـي" (محمد بوضياف) بمـسقط رأسـه ولايـة المـسيلـة (حوالي 200 كلم شرق الجزائر العاصمة) بـلديـة أولاد ماضــي، حـيث شـهد هذا اليـوم حضـور جـمع غـفير من الـشعب ومـجاهدين، قـمت بالإعـلان عـن تـرشحـي للرئاسـيـات 2019 وبـمشروع وطـنـي قـوي يحـمل كـل الحلـول للـخروج مـن الأزمـة التـي سـببها هـذا النـظام الفاسـد" في إشارة إلى إدارة الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي يتوقع ترشحه إلى ولاية خامسة على التوالي رغم حالته الصحية المتردية. "أمد لكم يدي مثلما فعل أبي عام 1992"
وأضاف بوضياف في شريط فيديو نشره على نفس الصفحة: "حلمي تخليص بلدنا من هذا النظام الفاسد ومن جذوره حيث أننا نملك الحلول في تحقيق العدالة ورفع مستوى العلم والنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق الديمقراطية الحقيقية وإرجاع حق كل الشعب الجزائري وجعله هو السيد الأول في هذا الوطن". وتابع: "مثلما مد والدي في 1992 يده لكم (يقصد الشعب الجزائري) ها أنا أمد لكم أيضا يدي ونتحد لبلوغ طموحاتنا وطموحات الشهداء"، داعيا جميع الجزائريين لأن "يقفوا معي ويساندوني" كوني "قادر على جمع الشمل".
هذا، وأكد ناصر بوضياف أنه في حال انتخب رئيسا جديدا للجزائر في 2019، فإنه لن يقضي في السلطة إلا ولاية واحدة و"ليس أربع أو خمس عهدات"،في تلميح مرة أخرى إلىبوتفليقة. ولخوض غمار الانتخابات وبناء برنامج سياسي واقتصادي كفيل بإقناع الناس، أسس ناصر بوضياف في 2017 حركة سياسة اسمها "الجزائر قبل كل شيء". وهدفه هو كسب دعم الجزائريين الذين لا يعرفون الكثير عن والده عدا كونه اغتيل بعد ستة أشهر فقط من عودته من المنفى بالمغرب حيث قضى 30 سنة تقريبا.
ويسعى ناصر بوضياف دون هداوة لكشف الحقيقة عن مقتل والده منذ 26 سنة، حيث اتهم في مرات عديدة مسؤولين عسكريين وسياسيين كبار في الجزائر بالوقوف وراء هذه العملية. لكن بالنسبة للعدالة الجزائرية فإن مدبر اغتيال محمد بوضياف هو الملازم بومعرافي الذي لا يزال في السجن. ويعتبر محمد بوضياف من أبرز الشخصيات التاريخية الجزائرية إذ كان من بين مؤسسي حزب الجبهة الوطنية رفقة عبان رمضان وأيت أحمد وكريم بلقاسم و أخرين رفعوا السلاح ضد المستعمر الفرنسي في 1954. بحسب فرانس برس.
لكن بعد مرور سنة من الاستقلال أي في 1963، غادر الجزائر ليعيش في المنفى بالمغرب بعد أن انتقد سياسة الرئيسين السابقين بن بلة وبومدين. ويعد ناصر بوضياف المرشح الثاني لخوض الانتخابات في الجزائر بعد فتحي غارس الذي ترشح من جانبه باسم "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" اليسارية. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية، يتوقع أن يرتفع عدد المرشحين في حين لا يزال الغموض يكتنف الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة التي أعلنت شخصيات عديدة اعتراضها عليها.
اضف تعليق