لقد كان اهم سبب في فوز لوبيز ابرادور هو ضيق المكسيكيين بالفساد والافلات من العقاب والعنف، وليس بسبب غضب ترامب من كل ما هو في الجنوب، بحسب مارجاك. واضاف ان \"واشنطن يمكنها بل وعليها ان تغتنم هذه الفرصة لاعادة صياغة علاقاتها مع المكسيك، كما ان عليها ليس فقط الحفاظ على التعاون بل وتعميق هذا التعاون بشكل يفيد البلدين...
العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والمكسيك، والتي تفاقمت بشكل كبير منذ تولي ترامب مهامه في يناير 2017 بعد حملة انتخابية تخللتها وبحسب بعض المصادر، تصريحات مناهضة للمكسيك ووعد بإقامة جدار على الحدود تدفع ثمنه المكسيك إضافة إلى هجمات على اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية الذي يربط البلدين وكندا منذ 1994. ما تزال محط اهتمام واسع بسبب التصعيد المتواصل والقرارات الجديدة التي تتخذها الإدارة الأمريكية بخصوص هذا الملف الذي اثار غضب واستياء الحكومة المكسيكية، وشن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هجوماً حاداً على المكسيك والديموقراطيين والكونغرس الأميركي بسبب مشاهد أظهرت مئات المهاجرين المتوجهين سيراً إلى حدود الولايات المتحدة.
وغرّد ترامب على «تويتر» مهاجماً المكسيك لسماحها لتلك المجموعة من مواطني أميركا الوسطى بالسير من دون عوائق باتجاه الولايات المتحدة، فيما كان موقع «بازفيد» الاخباري ووسائل إعلام أميركية أخرى تغطي مسيرتهم يومياً. وهدد بالغاء اتفاق «نافتا» للتبادل الحر بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة، وطالب الكونغرس بتشديد قوانين الهجرة ودعم خطته المتعلقة ببناء جدار كبير على طول الحدود المكسيكية.
وأعلن إنه لن يؤيد بعد الان خطة بديلة لبرنامج «داكا»، الذي يقدم الحماية من الترحيل لحوالى 700 ألف مهاجر لا يحملون أوراقاً قانونية، معظمهم من المكسيكيين الذين وصلوا الى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفالاً. وكتب الرئيس: «إن للمكسيك السلطة التامة كي لا تسمح لهذه القوافل الكبيرة من الناس بدخول البلاد». واضاف: «إن المكسيك تكسب ثروة من اتفاق نافتا ... لديهم قوانين قوية متعلقة بالحدود، قوانينا بائسة». وتابع: «مع كل الأموال التي يجنونها من الولايات المتحدة، نأمل بأن يمنعوا الاشخاص من عبور بلادهم وصولاً إلى بلادنا، على الاقل حتى يغير الكونغرس قوانيننا الخاصة بالهجرة».
ولا يزال ترامب غاضباً لانه لم يحقق سوى تقدم جزئي لجهة وعوده ببناء جدار وترحيل مهاجرين غير شرعيين والحد بشكل كبير من الهجرة الشرعية، وهو ما يربطه بتجارة المخدرات وعصابات الجرائم والارهاب. في وقت سابق هذا العام فشل الكونغرس في إقرار تشريع من شأنه تحقيق أهداف ترامب، وفي الوقت نفسه يعرض خطة لمنح الجنسية لـ690 ألف مسجل في برنامج «داكا» و1.1 مليون آخرين يمكن تصنيفهم في البرنامج الملغى. وقال ترامب ”في النهاية ستدفع المكسيك تكلفة بناء الجدار.. لا يفعلون أي شيء على الإطلاق لمنع الناس من المرور عبر المكسيك من هندوراس وكل الدول الأخرى...لا يفعلون شيئا لمساعدتنا“.
ترامب ولوبيز ابرادور
وفي هذا الشأن فاز لوبيز اوبرادور (64 عاما) في الانتخابات الرئاسية بنسبة تزيد عن 53% ، في هزة كبيرة للمؤسسة السياسية تثير علامة استفهام حول علاقات المكسيك مع جارتها القوية وشريكتها التجارية الرئيسية، الولايات المتحدة. ورغم خط ترامب المتشدد بشأن المهاجرين وتهديداته ببناء جدار على الحدود وتغيير التجارة، ورغم وعد لوبيز اوبرادور "بوضع ترامب في مكانه"، إلا أنه يبدو ان الزعيمين مصممان على الانطلاق في بداية جيدة بعد مكالمة هاتفية جرت فور فوز لوبيز اوبرادور.
وقال مستشار ترامب للامن القومي المتشدد جون بولتون ان الرئيس "سيتطلع" الى ما يتوقع انه سيكون لقاء مثمراً مع لوبيز ابرادور. وقال "ان اجتماع الرئيسين قد تصدر عنه نتائج مفاجأة". وبعيدا عن الخطاب المتفائل، يرى محللون ان هناك عددا من نقاط الخلاف الكامنة حتى لو خفف لوبيز ابرادور من تشدده بعد تسلمه منصبه. وفاز لوبيز ابرادور، عمدة مدينة مكسيكو السابق، بالرئاسة في ثالث محاولة على وعد "التغيير الجذري"، ولكن من المتوقع ان تخفف ادارته من اللهجة بعد ان فاز بالسلطة.
وقال المحلل مارك روزنبرغ من شركة "جيوكوانت" الاستشارية ان لوبيز ابرادور "سيحكم مثل زميله اليساري لولا دا سيلفا في البرازيل وليس مثل (الراحل هوغو) شافيز في فنزويلا". اما جيسون مارجاك مدير المجلس الاطلسي في اميركا اللاتينية فقال ان "لوبيز ابرادور ليس شافيز". وتساءل "هل سيسعى لوبيز ابرادور الى تطبيق اصلاحات اجتماعية بطريقة براغماتيكية مثل لولا؟ نعم اعتقد انه سيتبع نهجه. ولوبيز ابرادور مثل لولا من حيث ان اتباعه يعتبرونه مخلصا يتمتع بقوى فائقة". واضاف "ولكن الوضع الاقتصادي الذي يجد فيه لوبيز ابرادور نفسه مختلف تماما عن ذلك الذي ورثه لولا".
لقد كان اهم سبب في فوز لوبيز ابرادور هو ضيق المكسيكيين بالفساد والافلات من العقاب والعنف، وليس بسبب غضب ترامب من كل ما هو في الجنوب، بحسب مارجاك. واضاف ان "واشنطن يمكنها بل وعليها ان تغتنم هذه الفرصة لاعادة صياغة علاقاتها مع المكسيك، كما ان عليها ليس فقط الحفاظ على التعاون بل وتعميق هذا التعاون بشكل يفيد البلدين". ورغم الخلافات العميقة بين بلديهما، الا ان اليساري المكسيكي لوبيز ابرادور يشترك مع قطب العقارات المحب للظهور ترامب (72 عاما) في الكثير من الامور.
رأى خوان كارلوس هيدالغو من معهد "كاتو" ان "الرجلين قوميان يعتبران نفسيهما مخلصين عليهما القضاء على المؤسسة الفاسدة غير الفعالة ويتبنيان اجندة وضع بلادهما أولا"، مضيفا ان ترامب قد يرى في لوبيز ابرادور الشخص المقرب منه. الا انه حذر ان الامور يمكن ان تسير بعكس ذلك. وقال "الاثنان شعبويان، والشعبويون يحتاجون الى اعداء للاستمرار سياسياً"، وقد يجد لوبيز ابرادور في ترامب عدوا خارجيا له. واعتبر مايكل شيفتر، رئيس مركز الحوار الاميركي، ان من بين اخطر القضايا واكثرها حساسية قد تكون اتفاق نافتا للتجارة الحرة في اميركا الشمالية، والتعاون الامني والهجرة. وقد كان اتفاق نافتا الذي تم التوقيع عليه في 1994 لتنظيم التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، هدفا لغضب ترامب منذ ان اطلق حملته لانتخابات الرئاسة في 2015. بحسب فرانس برس.
وفي اب/اغسطس الماضي أمر ترامب ببدء مفاوضات جديدة لاعادة النظر في الاتفاق المعقد، الا ان روزنبرغ يقول ان النزعات الحمائية على الجانبين ستعقد جهود تجديد الاتفاق. وقال هيدالغو انه "من المرجح ان تكون وعود لوبيز ابرادور الانتخابية بالسعي للاكتفاء الذاتي في الانتاج الغذائي عقبة في اعادة التفاوض". واكد مارجاك "نستطيع التنبؤ بأن يتبنى لوبيز ابرادور نفس النهج الحاد تجاه محادثات التجارة مع نظيره الاميركي .. ونتيجة لذلك يتوقع ان تصبح محادثات التجارة اكثر صعوبة مع سعي شركاء نافتا التوصل الى تسوية جديدة".
المكسيك تعارض
من جانب اخر أشار مصدر ومذكرة موجزة إلى أن المكسيك تعارض طلبا أمريكيا بدفع الوافدين الذين يسعون للجوء إلى الولايات المتحدة للتقدم بطلب للجوء إلى المكسيك بدلا منها، في خطوة تمثل انتكاسة للمساعي الأمريكية بتعزيز التعاون في مجال الهجرة. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الاتفاق المعروف باسم (اتفاقية الملاذ الآمن في بلد ثالث) قد يكون رادعا للآلاف من أبناء أمريكا الوسطى الذين يسافرون عبر المكسيك كل عام سعيا للجوء بالولايات المتحدة.
ورغم تزايد ضغوط الولايات المتحدة كي تقبل الاتفاقية، ترى المكسيك أن الاقتراح خط أحمر لن تتخطاه، وذلك وفقا لمذكرة موجزة أعدها وزير الخارجية المكسيكي لويز فيديجاراي لعرضها في اجتماع عقده مع وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي كيرستشن نيلسن في جواتيمالا. وتقول المذكرة ”المكسيك ليست في وضع يقبل اتفاقية الملاذ الآمن في بلد ثالث كما اقترحت الولايات المتحدة في عدة مناسبات سابقة“.
وتضيف ”بذلت المكسيك جهدا كبيرا في تزويد أبناء أمريكا الوسطى المحتجزين على الحدود الجنوبية بقدر أكبر من المعلومات عن حق اللجوء، واتخذت في الآونة الأخيرة إجراءات تسمح للمتقدمين بطلبات لجوء بالعمل إلى حين البت في أمرهم“. وسيجبر اقتراح (الملاذ الآمن في بلد ثالث) الساعين للجوء الذين يصلون إلى الحدود البرية للولايات المتحدة عبر المكسيك أن يتقدموا بطلب للبقاء في المكسيك كلاجئين على الأرجح.
اتفاقية نافتا
الى جانب ذلك كرر الرئيس الاميركي دونالد ترامب القول بان مستقبل المفاوضات الجارية حاليا حول اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، تبقى مرتبطة بموقف المكسيك من ملف الهجرة. وقال ترامب في تغريدة "على المكسيك التي لديها قوانين في مجال الهجرة شديدة القساوة، ان تمنع المهاجرين من عبورها الى الولايات المتحدة". واضاف "قد نجعل من هذا الامر شرطا جديدا لاتفاق التبادل الحر".
وسارع وزير الخارجية المكسيكي لويس فيديغاراي كاسو الى الرد معتبرا ان ربط الامرين "لن يكون مقبولا" بالنسبة الى المكسيك. وكتب ترامب ايضا "ان بلادنا لا يمكن ان تقبل ما يحصل"، مكررا رغبته في موافقة الكونغرس على تمويل بناء الجدار الذي يريد اقامته على الحدود بين بلاده والمكسيك. وتوافق الولايات المتحدة وكندا والمكسيك على ضرورة اعادة التفاوض حول اتفاق التبادل الحر الاميركي الشمالي الذي يعود الى نحو ربع قرن، الا ان نقاط الخلاف لا تزال كثيرة وتحول دون التوصل الى اتفاق.
من جانب اخر وافقت ولاية كاليفورنيا في نهاية المطاف على نشر 400 جندي من جيش الاحتياط (الحرس الوطني) خصوصا على حدودها مع المكسيك، كما طلب الرئيس الاميركي دونالد ترامب. وكان رونالد فيتييلو مساعد مدير ادارة الجمارك وحماية حدود الولايات المتحدة صرح انه تلقى رسالة من حاكم كاليفورنيا جيري براون تفيد انه "لن يشارك" في نشر الحرس الوطني.
لكن براون اعلن في بيان لاحق انه "بناء على التزامها مكافحة الاجرام على المستوى الوطني" ستقوم ولاية كاليفورنيا "بحشد عدد من افراد الحرس الوطني يصل الى 400 لمكافحة العصابات ومهربي المخدرات في الولاية وعلى طول الساحل والحدود الاميركية المكسيكية". واضاف انه اتخذ هذا القرار بعدما حصل على "تأكيد بان الحكومة الفدرالية ستقوم بتمويل هذه المهمة" بأكملها، مشيرا الى ان هؤلاء سينضمون الى 250 آخرين يعملون حاليا في هذه الولاية الكبيرة التي تشكل معقلا للديموقراطيين في غرب الولايات المتحدة.
وأكد الحاكم على أن العسكريين لن يشاركوا في "تطبيق القوانين المتعلقة بالهجرة او بناء جدار على الحدود". وكان الرئيس الجمهوري كتب في تغريدة ان "جيري براون وكاليفورنيا لا يسعيان الى الامن على طول حدودهم الهشة"، معتبرا ان حاكم الولاية "غير قادر على ان يتخذ قرارا ليقوم جيش الاحتياط بدوريات ويحمي الحدود". واضاف ترامب ان "معدل الجريمة سيسجل ارتفاعا اكبر والجدار الذي ينتظرونه في سان دييغو بدأ" تشييده.
وتخوض كاليفورنيا والحكومة الاميركية مواجهة سياسية حول الهجرة والبيئة بعدما اكد جيري براون خصوصا ان ولايته "ملاذ" للمهاجرين لن تتعاون مع الشرطة الفدرالية في هذا المجال. ورفض براون اتهامات الرئيس مؤكدا انه تم التوصل الى اتفاق وسيعلن رسميا. وكان قد أعلن انه مستعد لنشر العسكريين اذا لم تكن مهمتهم متركزة على الهجرة السرية بل على الاجرام. بحسب فرانس برس.
وردد في مؤتمر صحافي حججه ردا على تغريدة ترامب. وقال "تهريب المخدرات او البشر والاسلحة النارية التي تذهب الى المكسيك الى عصابات كل هذا يعني بالنسبة لي الاجرام". واضاف ان "محاولة القبض على أمهات واطفال يائسين وقاصرين لا يرافقهم راشدين قدموا من اميركا الوسطى، امر آخر". واكد "نريد ان نكون متعاونين". وكان الحرس الوطني، قوة الاحتياط في الجيش، تدخل على الحدود في 2006 و2008 و2010. وقد نشر حوالى 960 عسكريا في الولايات الحدودية اريزونا ونيومكسيكو وتكساس، وكلها يحكمها جمهوريون.
اضف تعليق