الازمة السياسية التي تمر بها إيطاليا بسبب رفض الرئيس سيرجيو ماتاريلا تعيين المعارض للاتحاد الأوروبي باولو سافونا وزيرا للاقتصاد، ضمن ائتلاف حكومي بين حزب \"الرابطة\" اليميني المتطرف وحركة \"خمس نجوم\". وعلى الرغم الاجراءات المتخذة يمكن ان تسهم وكما يرى بعض المراقين في ادخال البلاد في مشكلات كبيرة...
الازمة السياسية التي تمر بها إيطاليا بسبب رفض الرئيس سيرجيو ماتاريلا تعيين المعارض للاتحاد الأوروبي باولو سافونا وزيرا للاقتصاد، ضمن ائتلاف حكومي بين حزب "الرابطة" اليميني المتطرف وحركة "خمس نجوم". وعلى الرغم الاجراءات المتخذة يمكن ان تسهم وكما يرى بعض المراقين في ادخال البلاد في مشكلات كبيرة، ومن المتوقع كما نقلت مصادر اعلامية مختلفة، تنظيم انتخابات جديدة بعد انهيار محادثات تشكيل هذه الحكومة. وقوبل رفض الرئيس الإيطالي تعيين سافونا وزيرا للاقتصاد بدعوات لعزله، بعد أن كانت الحركة والحزب انخرطتا في مفاوضات استمرت لأسابيع لمحاولة تشكيل ائتلاف حكومي.
ودفع رفض ماتاريلا تعيين سافونا وتخلي المحامي والسياسي غير المتمرس جوزيبي كونتي عن تكليفه تشكيل الحكومة، حركة "خمس نجوم" وحزب الرابطة إلى التراجع عن تشكيل ائتلاف حكومي. وأوضح ماتاريلا أنه وافق على كل الوزراء المقترحين عدا سافونا الذي وصف اليورو بأنه "قفص ألماني" وقال إن إيطاليا بحاجة إلى خطة للخروج من العملة الأوروبية الموحدة "إذا اقتضى الأمر". وندد رئيسا حزب "الرابطة" وحركة "خمس نجوم" ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو برفض الرئيس معتبرين أنه ناجم عن تدخل ألمانيا ووكالات التصنيف الائتماني وجماعات الضغط المالي.
ووضع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا الدولة على مسار يفضي إلى انتخابات جديدة بتعيينه مسؤولا سابقا في صندوق النقد الدولي رئيسا مؤقتا للوزراء وتكليفه بالتخطيط لانتخابات مبكرة وتمرير الميزانية المقبلة. ويمهد تعيين كارلو كوتاريلي لتشكيل حكومة مؤقتة الطريق أمام إجراء انتخابات، ستكون على الأرجح صراعا يتعلق بدور إيطاليا في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وهو الأمر الذي أدى لاهتزاز الأسواق المالية العالمية.
وتسعى إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، لتشكيل حكومة جديدة منذ أن انتهت انتخابات في مارس آذار بنتيجة غير حاسمة. وتخلت القوى المناهضة للمؤسسات عن جهودها لتشكيل ائتلاف حاكم بعد خلاف مع الرئيس. واستخدم الرئيس حق النقض (الفيتو) ضد مرشح حزبي حركة (5-نجوم) وحزب رابطة الشمال المنتمي لأقصى اليمين لمنصب وزير الاقتصاد. ودفع هذا الحزبين إلى اتهام الرئيس بخيانة الناخبين وإفشال خطتهما لتشكيل الحكومة.
وبالرغم من أن روما من أهم الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأزمة السياسية الحالية من شأنها أن تعصف بالعلاقات بين روما وبروكسيل، فنتيجة للأوضاع الحالية تدفع التيارات اليمينية المتطرفة بإعادة النظر في علاقة روما بالاتحاد، لإنهم ينظرون بإن علاقة التكامل والإرتباط بينهم حدى من قدرة إيطاليا على حل أزماتها الداخلية. وبمناهضة سياسات منطقة اليورو وعودة التعامل بالعملة الوطنية “الليرة” يمكن أن تتجاوز روما هذه التحديات التي باتت عقبة أمام مسيرة التنمية والتقدم.
وبالنظر إلى ان الاقتصاد الإيطالي، يعد من أهم الاقتصاديات الأوروبية؛ حيث يأتي في المرتبة 8 عالميًا من حيث الحجم، ويبلغ الناتج الإجمالي ما يقرب من تريليون دولار، علاوة على إنه الثالث أوروبيًا بعد ألمانيا وفرنسا. تتخوف العواصم الأوروبية من تنفيذ اليمين المتطرف وعوده الانتخابية باتباع سياسات أكثر شعبوية تتمثل أبرزها في خفض الضرائب، وزيادة إعانات البطالة، والنفقات الاجتماعية لمحدودي الدخل.
إذ يمكن أن تصل تكلفة هذه السياسات ما يقرب من 100 مليار يورو، بالإضافة إلى زيادة عجز الميزانية عن 3% كحد أقصى وضعه البنك المركز الأوروبي، مما يؤدي إلى عدم تمكن روما من الاستدانه لتمويله، وعليه قد تصل إلى وضع أشبه بالأزمة المالية اليونانية في 2010. ولعب الاتحاد دوراً بارزًا في مساعدة روما للنهوض عبر منحها عدد من القروض وبالفعل تمكنت مع انتعاش اقتصادها مرة ثانية إلا إنها لم تستطيع سداد القروض ودخلت في دائرة الديوان والبالغة 250 مليار يورو.
وأصبحت الأوضاع الاقتصادية الخانقة دافعًا للشعوب والقوميات للمطالبة بالانفصال عن الدولة الأم أو بالخروج من التكتلات الاقتصادية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي. وتواجه روما خطر الانفصال عن الاتحاد الأووربي بتولي الأحزاب اليمينة السلطة، وتنفيذ وعودهم الانتخابية لتجنب تنامي النزعات الانفصالية الداخلية لبعض الأقاليم. وتقف روما في مفترق الطريق وعليها الاختيار بين الدخول في أزمات سياسية وما ستتبعها من أزمات اقتصادية ونزعات انفصالية داخلية، أو المواجهة سياسات الاتحاد والانفصال عنه مع تولي الحكومة اليمينة المناهضة له.
وتشهد روما عددًا من الحركات الانفصالية لبعض الأقاليم مثل “مقاطعة جنوب تيرول في إيطاليا” التي تقع في شمال إيطاليا وهي جزء من منطقة “ترينتينو”؛ حيث يحذوا سكان جنوب التيرول حذو اسكتلندا، في الرغبة في الانفصال عن إيطاليا، نتيجة ما تعانيه روما من أزمات اقتصادية فضلًا عن تأثرهم بالسياسات التقشفية التي أدت إلى إنها لم تعد تتلقى العائدات الضريبية المخصصة لها.
قطع الطريق
وفي هذا الشأن اختار الرئيس الايطالي سيرجو ماتاريلا قطع الطريق امام اول حكومة شعبوية في بلد يعد من مؤسسي الاتحاد الاوروبي بفرضه فيتو اثار مفاجأة في الخارج لكنه كان متوقعا في ايطاليا. وفوجئت اوروبا بهذا الفيتو على وزير اختارته اكثرية برلمانية منتخبة اثر انتخابات تشريعية لم يشكك احد في طابعها الديموقراطي.
في الانظمة البرلمانية لا يتمتع المنصب الاعلى في البلاد ان كان ملكة في بريطانيا او رئيسا في المانيا، الا بسلطات محدودة. والرئيس الايطالي لا يشكل استثناء لهذه القاعدة لكن في بلد تعاقبت فيه 64 حكومة منذ 1946، دوره كحكم آمر ناه كان دائما اساسيا. وكتب مدير صحيفة "لا ريبوبليكا" القريبة من اليسار انه "لو رضخ ماتاريلا حارس الدستور للتهديدات لكان انهار التوازن بين سلطات الدولة". وهذا الدور الحساس مع تعاقب الازمات، عزز صورته وموقعه الضامن لاستقرار البلاد رغم تعرضه احيانا لانتقادات. اما صحيفة "ال فاتو كوتيديانو" القريبة من حركة خمس نجوم المناهضة للمؤسسات فقالت "الملك سيرجو يطيح بكل شيء".
خلال الازمة المالية في 2011 في الوقت الذي كانت اسواق المال معادية لايطاليا، لم يتردد جورجو نابوليتانو سلف ماتاريلا في المساهمة في اطاحة سيلفيو برلوسكوني ليعين لاحقا المفوض الاوروبي السابق ماريو مونتي رئيسا للحكومة. وكان برلوسكوني عبر عن استياء شديد وطالب عبثا بانتخابات مبكرة. هنا ايضا تدخل الرئيس حرصا منه على حماية الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد.
لكن هل يمكن استخدام الفيتو ضد وزير يتم اختياره بحجة انه قادر على رفع الفارق بين فوائد الاقتراض الايطالية والالمانية على 10 سنوات؟. يتساءل قسم من المحللين. ولوح الرئيس ماتاريلا بوضوح بهذا التهديد وكذلك بالاشارة السلبية الى الاسواق في حال تعيين خبير الاقتصاد المشكك باليورو باولو سافونا وزيرا للمال. ولتبرير هذا القرار اوضح ان واجبه حماية مصالح المدخرين الايطاليين. بعبارة اخرى ما الفائدة من التصويت بما انه يمكن للرئيس التذرع بحق يعتبره اهم من بطاقة الاقتراع حسبما قال لويجي دي مايو زعيم حركة خمس نجوم.
وبرر الرئيس، العضو السابق في المجلس الدستوري، خطوته مؤكدا ان التزام ايطاليا الاوروبي اساسي. وقال الاحد "اذا اردنا بحث مسألة الخروج من اليورو علينا القيام بذلك علنا وبشكل معمق. لكن هذا الموضوع لم يكن اساسيا خلال الحملة الانتخابية الاخيرة". ورد دي مايو باعلانه اطلاق اجراءات لاقالته لكن يرى معظم الخبراء انها لن تفضي الى نتيجة الا اذا تعلق الامر ب"خيانة عظمى" او "المساس بالدستور". بحسب فرانس برس.
من جهته، قال ماسيمو لوتشاني رئيس جمعية الدستوريين الايطاليين "ان الرئيس ماتاريلا مارس صلاحياته الدستورية لا اكثر ولا اقل". لكن قراره يقسم البلاد. و يتبادل المدافعون عن الرئيس تحت شعار "انا مع ماتاريلا" والمعارضون تحت شعار "ماتاريلا استقل" الاهانات على مواقع التواصل الاجتماعي. وانهالت الاتصالات الهاتفية على مقر الرئاسة دعما لماتاريلا كما ذكرت مصادر في القصر الرئاسي للصحافة وجمعت عريضة تم التداول بها لصالح الرئيس حوالى 15 الف توقيع.
احتجاجات سلمية
الى جانب ذلك دعا رئيس حركة (5-نجوم) الإيطالية أنصاره للتظاهر السلمي بعد مع خلاف مع الرئيس أجبر الحزب على التخلي عن محاولات تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الرابطة المنتمي لأقصى اليمين. وقال رئيس الحركة لويجي دي مايو في بث مباشر على موقع فيسبوك ”دعونا لا نستسلم الآن، علينا ألا نذعن لتعجرف المؤسسات التي قررت منع الناس من اتخاذ قرارات لوطنهم“. وأضاف دي مايو ”أحدثوا بعض الجلبة، من المهم أن نقوم بذلك معا“.
وقال رئيس الحركة الذي يبلغ من العمر 31 عاما إن الحركة المناهضة للمؤسسات ستنظم مسيرات وتجمعات سلمية في كل المدن الإيطالية. كما أعاد دي مايو التأكيد على أن الحركة لم تخطط أبدا لخروج إيطاليا من منطقة اليورو. وقال دي مايو ايضا أمام تجمع لأنصاره في روما "استبدلوا حكومة تتمتع بالأغلبية بأخرى لن تنالها". ولاحقا طالب دي مايو بعزل الرئيس ماتاريلا. وقال دي مايو في برنامج تلفزيوني "آمل أن نعطي الكلمة للإيطاليين في أقرب وقت، لكن أولا علينا توضيح بعض الأمور. أولا عزل ماتاريلا (...) وبعدها الانتخابات".
وقال ”كنا على بعد خطوات قليلة من تشكيل حكومة، وتم إيقافنا لأن في حكومتنا وزير انتقد الاتحاد الأوروبي“. وأضاف ”أريد إحالة هذه الأزمة المؤسسية إلى البرلمان... ومحاكمة الرئيس“، مشيرا إلى الاتهامات التي تنص عليها المادة 90 من الدستور. اما ماتيو سالفيني زعيم رابطة الشمال اليمينية المتطرفة فقال عبر شبكات التواصل الاجتماعي "عملنا لاسابيع طويلة لتشكيل حكومة تدافع عن مصالح المواطنين الايطاليين. الا ان احدهم قال لنا :لا". واضاف "لن نكون بعد اليوم تابعين لاحد. ان ايطاليا ليست مستوطنة ولسنا عبيدا لدى الالمان ولا لدى الفرنسيين". وختم قائلا "الايطاليون اولا، وانا لا اتخلى عن اي شيء".
اضف تعليق