q
التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا، ربما ستسهم بتعقيد المشهد الامني في المنطقة خصوصا وان البعض يرى أن المواجهات المباشرة بين إيران وإسرائيل بدأت بالفعل على الأراضي السورية، وأن الجولة الأولى من هذه المواجهة كانت في فبراير الماضي، حين أعلنت إسرائيل إسقاط طائرة إيرانية دخلت أجواءها...

التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا، ربما ستسهم بتعقيد المشهد الامني في المنطقة خصوصا وان البعض يرى أن المواجهات المباشرة بين إيران وإسرائيل بدأت بالفعل على الأراضي السورية، وهو ما اكدته صحيفة "نيويورك تايمز". حيث أكد الكاتب توماس فريدمان عبر الصحيفة، أن الجولة الأولى من هذه المواجهة كانت في فبراير الماضي، حين أعلنت إسرائيل إسقاط طائرة إيرانية دخلت أجواءها.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي رونين مانليس، آنذاك، إن الطائرة انطلقت من مطار "تيفور" السوري في محافظة حمص، وكانت موجهة لتنفيذ هجوم على إسرائيل. وردت القوات الجوية الإسرائيلية بشن غارة على مطار "تيفور" العسكري السوري، أسفرت عن سقوط سبعة عسكريين إيرانيين، وفقا لما نشرته وكالة "تسنيم" الإيرانية. وعلق مصدر عسكري إسرائيلي —رفض نشر اسمه — للصحيفة، قائلا: "لأول مرة نرى قيام إيران بشيء ضد إسرائيل بشكل مباشر وليس من خلال عملائها. هذا يفتح مرحلة جديدة".

وأكمل المصدر "ضرب مطار "تيفور" كان المرة الأولى التي نقوم فيها بهجوم حي على أهداف إيرانية، سواء المنشآت أو الأفراد". وتأتي التطورات الحالية في الأوضاع بين البلدين، في ظل تحذير مسؤولين إسرائيليين بعدم تسامح بلادهم مع التواجد الإيراني في سوريا، كونه على حد قولهم يهدد أمن إسرائيل.

وتأتي المواجهة بعد يومين من إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني بتحريض من إسرائيل. حيث اكدت إسرائيل إنها هاجمت كل البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا تقريبا بعد أن أطلقت قوات إيرانية صواريخ على أراض تحتلها إسرائيل للمرة الأولى في قصف متبادل هو الأوسع نطاقا بين الخصمين. وكان هذا أعنف قصف إسرائيلي في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية السورية في 2011 والتي يشارك فيها الإيرانيون وفصائل شيعية متحالفة معهم وقوات روسية دعما للرئيس بشار الأسد.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الضربات الجوية الإسرائيلية ”مناسبة“ لأن إيران ”تجاوزت خطا أحمر“. وأضاف ”نحن في خضم معركة مطولة وسياستنا واضحة: لن نسمح لإيران بترسيخ وجودها عسكريا في سوريا“. وزادت التوقعات باندلاع صراع إقليمي، في ظل تحذيرات إسرائيل من أنها عازمة على منع التغلغل العسكري الإيراني في سوريا. وقالت إسرائيل إن إيران أطلقت 20 صاروخا من طرازي جراد وفجر أسقطها نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي أو لم يصل مداها إلى الأهداف بالجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.

وأضافت أن فيلق القدس الذراع المسؤولة عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني هو الذي أطلق الصواريخ. وكانت إيران وإسرائيل قد انزلقتا بالفعل لمواجهة قبل أن يعلن ترامب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، لكن خطوته هزت المنطقة. وداخل إيران، قد تعزز هذه الخطوة قوة المتشددين وتضعف المعتدلين الذين يسعون لعلاقات أفضل مع الغرب. وجاءت الاحداث في أعقاب هجوم صاروخي يشتبه ان إسرائيل نفذته على سوريا استهدفت قاعدة عسكرية في منطقة الكسوة بعد ساعات من إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق.

مرحلة جديدة

وفي هذا الشأن ذكر الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله أن هجوما صاروخيا من سوريا على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل مثّل ”مرحلة جديدة تماما“ في الحرب السورية وأظهر أن دمشق وحلفاءها لن يسمحوا أن تمر الهجمات الإسرائيلية في سوريا دون رد. وقالت إسرائيل إن الهجوم شنه الحرس الثوري الإيراني الذي أسس حزب الله الشيعي في لبنان عام 1982. وانتشرت القوات الإيرانية وحزب الله في سوريا دعما للرئيس بشار الأسد.

وأضافت إسرائيل أنها هاجمت كل البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا بعد أن أطلقت قوات إيرانية صواريخ على أراض تحتلها إسرائيل للمرة الأولى في قصف متبادل هو الأوسع نطاقا بين العدوين. وقال نصر الله في خطاب تلفزيوني إنه جرى إطلاق 55 صاروخا في الهجوم، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف العشرين صاروخا التي قالت إسرائيل إنها أسقطتها أو لم تصب أهدافها خلال الهجوم. ولم يذكر نصر الله ما إذا كان حزب الله قد شارك في هذا الهجوم.

وقال نصر الله ”الرسالة (من الصواريخ التي استهدفت الجولان المحتل هي) أنه لا القيادة السورية ولا الجيش السوري ولا الشعب السوري ولا حلفاء سوريا يسمحون بأن تبقى سوريا مستباحة أمام الاعتداءات الإسرائيلية وجاهزون لأن يذهبوا إلى أبعد مدى“.

وأشار إلى أن إسرائيل حاولت إخفاء حجم الهجوم وأهميته. وقال ”نحن أمام مرحلة جديدة في سوريا وما حصل كسر الهيبة الإسرائيلية والتهديد بقطع اليد التي تمتد للجولان انتهى“. وتخشى إسرائيل أن تكون إيران وحليفها حزب الله تعملان على تحويل سوريا إلى جبهة قتال جديدة معها، ووجهت ضربات لمواقع سورية عدة مرات خلال الحرب، منها مواقع للجيش السوري وأخرى لحزب الله وما وصفته بمواقع تدعمها إيران.

وكانت إيران تعهدت قبل الهجوم بالرد على مقتل سبعة من جنودها في قاعدة جوية سورية في أبريل نيسان جراء ما يعتقد بأنها ضربة جوية إسرائيلية. وتعتبر إسرائيل إيران أكبر تهديد لها، واستهدفت مرارا قواتها وفصائل متحالفة معها في سوريا. وقال نصر الله إن ”الرسالة التي أوصلها هذا الهجوم الصاروخي للإسرائيليين ولحكومة العدو وكانت مدوية ...إنه إذا أنت تظن أنك تستطيع أن تستمر هكذا وتطلع في سوريا وتقصف وتقتل وتدمر ولم تلق أي رد فعل على الإطلاق وتكتفي بالتهديد والتهويل والعالم لا يرد أنت مخطئ ... والرد سيكون بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب وفي المكان المناسب وبالطريقة المناسبة“.

وذكرت إسرائيل أن فيلق القدس هو الذراع المسؤولة عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني هو الذي أطلق الصواريخ. وقال البيت الأبيض في بيان ”نشر النظام الإيراني أنظمة صواريخ هجومية في سوريا تستهدف إسرائيل هو تطور غير مقبول وبالغ الخطورة لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها“. وقال نصر الله إن إسرائيل لم تضرب مواقع استراتيجية خلال هجماتها في سوريا. بحسب روينرز.

وأضاف ”أريد أن اكشف لكم سرا أنه تم إبلاغ حكومة العدو من خلال جهة دولية أن الرد الإسرائيلي على سوريا لو تجاوز الخطوط الحمراء فان القصف الثاني سيكون في قلب فلسطين المحتل“ في إشارة إلى حدود إسرائيل ما قبل عام 1967. وفي وقت سابق، قال الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله إن الهجوم أكد على ”توازن الردع“ بين إسرائيل وخصومها.

إسرائيل وحلفاء الاسد

في السياق ذاته حذر أفيجدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي الرئيس السوري بشار الأسد من مغبة الوجود العسكري الإيراني في بلاده وقال إن أنشطة أقوى حلفاء الأسد في المنطقة لن تتسبب إلا في مزيد من ”الأضرار والمشكلات“. وقال ليبرمان للأسد أثناء جوله في مرتفعات الجولان المحتلة إنه يجب أن يحذر خاصة من قاسم سليماني قائد فيلق القدس وهو فرع الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن العمليات خارج حدود إيران. وقال ليبرمان ”لدي رسالة للأسد: تخلص من الإيرانيين.. تخلص من قاسم سليماني وفيلق القدس.. إنهم لا يساعدونك.. إنهم لا يسببون سوى الضرر“. وأضاف ”وجودهم لن يتسبب إلا في المشكلات والأضرار. تخلص من الإيرانيين وربما نستطيع أن نغير المزاج العام هنا“.

من جانب اخر نقلت صحيفة إزفيستيا اليومية عن مساعد كبير في الكرملين قوله إن روسيا لا تجري محادثات مع الحكومة السورية لإمدادها بصواريخ إس-300 أرض جو المتطورة ولا تعتقد أنها ضرورية، في تحول في موقف موسكو على ما يبدو. جاءت تصريحات فلاديمير كوجين مساعد الرئيس فلاديمير بوتين الذي يشرف على المساعدات العسكرية الروسية للدول الأخرى، في أعقاب زيارة قام بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لموسكو ومارس ضغوطا كبيرة على بوتين كي لا يمد سوريا بالصواريخ.

وكانت روسيا أشارت إلى إنها ستزود الرئيس السوري بشار الأسد بالصواريخ رغم اعتراضات إسرائيل وذلك بعد ضربات عسكرية غربية على سوريا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حينها إن الضربات أعفت روسيا من أي التزام أخلاقي يمنعها من تسليم الصواريخ ونقلت صحيفة كوميرسانت عن مصادر عسكرية لم تسمها القول إن عمليات التسليم قد تبدأ قريبا. لكن تصريحات كوجين التي أدلى بها بعد محادثات نتنياهو مع بوتين في موسكو تشير إلى أن ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي آتت ثمارها في الوقت الحالي على الأقل.

ونسبت إزفيستيا لكوجين القول عند سؤاله عن احتمال تزويد سوريا بصواريخ إس-300 ”في الوقت الراهن نحن لا نتحدث عن أي عمليات تسليم لأنظمة (دفاع جوي) حديثة“. وأضاف ”الجيش السوري لديه بالفعل كل ما يحتاجه“. وقلل الكرملين من فكرة تراجعه عن مسألة الصواريخ أو أن‭‭ ‬‬أي قرار مرتبط بزيارة نتنياهو.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عند سؤاله عن الأمر ”لم يتم الإعلان عن إمدادات (صواريخ إس-300) على هذا النحو“. وتابع ”لكننا قلنا بعد الضربات (الغربية على سوريا) إن روسيا بالطبع تحتفظ بحقها في القيام بأي شيء تعتبره ضروريا“. وساعد احتمال تزويد الأسد بالصواريخ إلى جانب التدخل العسكري في سوريا موسكو في تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. وبذلت إسرائيل جهودا متكررة لإقناع موسكو بعدم بيع صواريخ إس-300 إلى سوريا، إذ تخشى من أن تحد من قدراتها الجوية على استهداف شحنات الأسلحة إلى جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران. ونفذت إسرائيل عشرات الضربات الجوية ضد شحنات مشتبه بها. بحسب فرانس برس.

والنظام الصاروخي إس-300 طوره الجيش السوفيتي لكن جرى تحديثه ومتاح الآن في عدة إصدارات بقدرات مختلفة. ويطلق النظام صواريخ من شاحنات وهو مصمم لإسقاط الطائرات العسكرية والقذائف الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى. وعلى الرغم من أن نظام إس-400 الأكثر تطورا قد حل محلها، إلا أن صواريخ إس-300 لا تزال تعتبر قوية للغاية وتتفوق على كل ما تملكه الحكومة السورية حاليا من صواريخ. وتعتمد سوريا حاليا على مزيج من أنظمة مضادة للطائرات روسية الصنع أقل تقدما للدفاع عن مجالها الجوي.

ردود ومواقف

على صعيد متصل حثت فرنسا إيران على الامتناع عن كل ”الاستفزازات العسكرية“، وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن باريس ”تطالب إيران بالامتناع عن كل الاستفزازات العسكرية وتحذرها من كل مغريات الهيمنة الإقليمية“. وأدانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الهجوم الإيراني ودعت إيران إلى الإسهام في منع تصعيد التوتر في المنطقة. الى جانب ذلك أبلغت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اتصال هاتفي بأن بريطانيا تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الإيراني. وقال مكتب ماي في بيان ”رئيسة الحكومة نددت بالهجمات الصاروخية الإيرانية على القوات الإسرائيلية وقالت إنها تدعم بقوة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد العدوان الإيراني“.

وقال البيان البريطاني إن ماي ونتنياهو ”اتفقا على ضرورة أن يواصل المجتمع الدولي العمل معا للتصدي لنشاط إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار وأن تستخدم روسيا نفوذها في سوريا لمنع أي هجمات إيرانية أخرى“. وتابع البيان البريطاني أن ماي ”أكدت مجددا موقفنا من الاتفاق النووي الإيراني وأشارت إلى أننا مع شركائنا الأوروبيين ما زلنا ملتزمين بقوة بضرورة التمسك بالاتفاق باعتباره أفضل سبيل لمنع إيران من تطوير سلاح نووي“.

كما دعت روسيا، التي تربطها صداقة مع إسرائيل لكنها تقاتل في نفس الجبهة مع إيران في الحرب الأهلية السورية، الطرفين لممارسة ضبط النفس وحل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن سوريا أسقطت أكثر من نصف الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل. وزادت التوقعات بتفجر الوضع الإقليمي بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. وبعد ذلك بساعات قال قائد في تحالف إقليمي موال للحكومة السورية إن الصواريخ الإسرائيلية استهدفت قاعدة عسكرية في الكسوة.

واتخذت إدارة ترامب موقفا متشددا ضد الاتفاق النووي الإيراني لأسباب من بينها الرد على تدخلات طهران العسكرية بالمنطقة. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز لشبكة فوكس نيوز إن المواجهة مع إسرائيل في الجولان ”هي مجرد دليل آخر على أنه لا يمكن الوثوق بالنظام ال إيراني وتذكرة أخرى جيدة بأن الرئيس اتخذ القرار السليم بالانسحاب من الاتفاق الإيراني“.

اضف تعليق