ذكرت صحيفة \"الغارديان\" البريطانية ان الخاسر الأكبر من الانتخابات العراقية هي إيران مشيرة الى ان التمرد المتنامي في العراق ضد سيطرة الوكيل الإيراني على مؤسسات الدولة يشكل نقطة تحول. وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير لها أن العراقيين بدأوا يستاؤون من سلوك طهران الذي وصفته بالاستعمار الجديد كاشفة عن ان طهران بدأت تواجه بالفعل ضربات تحد من تقدمها التوسعي في المنطقة...
الانتخابات البرلمانية التي جرت بتاريخ 12/5/2018 في العراق، ومن خلال نتائجها الاولية المعلنة ربما ستحمل يحسب بعض المراقبين، الكثير من السيناريوهات المعقدة ولأسباب مختلفة منها عدم حصول تيار او كتلة معينة على اغلبية مريحه تمكنها من تشكيل الحكومة المقبلة، والتي ستكون ايضا حكومة توافقات ومصالح ومحاصصة مبنية على تحالفات واتفاقات معينة، يضاف الى ذلك التدخلات الخارجية خصوصا وان بعض دول الجوار، قد سعت الى اجراء محادثات من اجل ضمان مصالحها في العراق، خصوصا مع صعود تيارات وقوى جديدة يمكن ان تعارض مثل هكذا توجهات.
التحالفات الجديدة وكما نقلت بعض المصادر، ستكون بعنوان محاربة الفساد والفاسدين ويناء الوطن وغيرها من البرامج الاخرى التي اعلن عنها، لكن المفاوضات ستكون صعبة وطويله خصوصا فيما يتعلق بتسمية رئيس الحكومة، خصوصا مع وجود خصوم اقوياء تمكنوا من تحقيق فوز مهم، الامر الذي قد يدعوا بعض المنافسين الى عرقلة اي مشروع جديد والدعوة لإبطال نتائج الانتخابات الحالية كاملة والذهاب لحكومة طوارئ على أن تعاد الانتخابات مرة أخرى أما في نهية الخريف القادم أو بداية الشتاء من عام 2019. خصوصا مع وجود شكوك بحدوث حالات التزوير وفساد العد الإليكتروني وعدم صحة النتائج التي أفرزها وبالتالي لا يمكن الوثوق بالنتائج جملة وتفصيلا، هذا بالإضافة الى عزوف الناخبين وهو ما قد يكون مبرر لعدم دستورية الانتخابات كونها أقل من النسب المعقولة.
تشكيل الحكومة
وفي هذا الشأن تتواصل المشاورات لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت، مع سعي ايران الى تعزيز نفوذها والحد من دور تحالف الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي تقرب في الاونة الاخيرة من السعودية، الجارة اللدودة. ويحتمل ان يكون الزعيم الشعبي مقتدى الصدر من سيشكل الحكومة العراقية المقبلة، بعدما أظهرت النتائج الرسمية الأولية فوز تحالفه، متقدما على قائمة "الفتح" التي تضم فصائل الحشد الشعبي، وائتلاف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة فنر حداد إن خطوة استبعاد الزعيم الشعبوي مقتدى الصدر "ليست مستحيلة بالحسابات، لكنها صعبة من الناحية السياسية". وعلى خط الحسابات، بدأت اللوائح الأخرى الفائزة في الانتخابات، خلف تحالف "سائرون" الذي شكله الصدر مع الحزب الشيوعي وبعض التكنوقراط، العمل كل بما يراه مناسبا، على تنظيم اجتماعات تفاوضية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تشكيل تكتل يضمن لها دورا فعالا على الأقل، إذا لم يكن منصب رئاسة الحكومة.
لكن عراق ما بعد صدام شكل نظامه السياسي بطريقة معقدة تفرض قيام تحالفات برلمانية، لمنع عودة الديكتاتورية والتفرد بالحكم. وعقب كل انتخابات تشريعية تدخل الكتل الفائزة في مفاوضات طويلة لتشكيل حكومة غالبية، وليس بعيدا أن تخسر الكتلة الأولى الفائزة في الانتخابات التشريعية قدرتها على تشكيل حكومة، بفعل تحالفات بين الكتل البرلمانية. لذا، فمن الممكن قانونيا ودستوريا بالشكل النظري استبعاد "سائرون" من التشكيلة الحكومية، على غرار ما حصل في العام 2010، بتشكيل تحالف برلماني يجمع العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، ويسمي رئيس مجلس الوزراء.
أشار المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، هشام الركابي إلى أن ائتلاف "دولة القانون" يتفاوض "مع قوى مهمة (...) مثل الفتح وأطراف سنية وشيعية وكردية". وكان مقتدى الصدر، استثنى كتلتي المالكي، وهادي العامري، من أي إشارة إلى إمكانية الائتلاف معهما. والمعروف أن شخصية الصدر ونهجه موضع إشكال لدى إيران، والولايات المتحدة على حد سواء. فلن تنسى واشنطن "جيش المهدي" الذي أدمى صفوف القوات الاميركية بعد الاجتياح العام 2003.
والإيرانيون يتذكرون دائما المواقف العدائية لسليل آل الصدر المعروفين بزعامتهم الدينية ذات الاحترام الواسع. وآخر تلك المواقف كان زيارته إلى السعودية، عدو إيران اللدود. وإذ تأتي عمليات المساومة في ظل توتر إقليمي إيراني أميركي، إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، بدأت طهران، بحسب مصادر سياسية، اجتماعات للحد من نفوذ الصدر.
وذكر أحد المشاركين في تلك الاجتماعات أن قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني كان متواجدا في بغداد وشارك في اجتماع مع أحزاب شيعية بارزة وأخرى صغيرة. ولفت إلى أن سليماني "أبدى اعتراضه على التحالف مع سائرون وقائمة عمار الحكيم، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي والحزب الديموقراطي الكردستاني". ويلفت حداد في هذا الإطار إلى أن "عدم رغبة الصدر في العمل مع الفتح ودولة القانون، سيدفع بإيران إلى ممارسة ضغوط لضمان حصولها على مقعد حول الطاولة"، مضيفا أن ذلك قد يترجم في النهاية "كالمعتاد في شكل حكومة توافقية مع جميع الأطراف المعنية، من دون معارضة برلمانية رسمية". بحسب فرانس برس.
وألمح مقتدى الصدر في آخر تغريدة له على موقع تويتر، إلى معارضته لفكرة الحكومة التوافقية التي وصفها بـ"خلطة العطار"، مؤكدا استمراره في العمل على "تشكيل حكومة تكنوقراط". وفي كل حال، نقلت صحيفة "المدى" العراقية عن "مقربين" من الصدر، قولهم إن الأخير "لا ينوي التمسك بتسمية رئيس الحكومة المقبل، لكن تصدره لنتائج الانتخابات سيضع خيوط اللعبة في يده، أو يتحول إلى ما يعرف بصانع الملوك".
نتائج وخلافات
الى جانب ذلك قال رياض البدران رئيس المفوضية العليا للانتخابات في العراق إن مسلحين يحاصرون عدة مراكز تصويت وبداخلها موظفون في مدينة كركوك بشمال البلاد بعد أيام من إجراء الانتخابات العامة. وأضاف البدران إن المسلحين، الذين لم يحدد هويتهم، يمارسون ضغوطا على المفوضية لتغيير نتائج الانتخابات في المنطقة متعددة الأعراق. ومضى يقول ”إن بعض المفوضين هم بحكم الرهائن“ وطالب السلطات بحمايتهم.
وقال البدران إن النتائج النهائية الرسمية للانتخابات ستعلن خلال اليومين المقبلين. وثار خلاف على النتائج الأولية في كركوك بين التركمان والعرب في المنطقة التي تضم عددا كبيرا من الأكراد كذلك. وقالت المفوضية إن النتائج الأولية من كركوك تشير إلى فوز الاتحاد الوطني الكردستاني وهو من الأحزاب الكردية التاريخية في الإقليم. وفي أكتوبر تشرين الأول الماضي طردت القوات العراقية مدعومة بمقاتلين شيعة قوات البشمركة الكردية التي كانت تسيطر على مدينة كركوك منذ عام 2014 والتي منعت تنظيم داعش من السيطرة عليها. وكان التنظيم المتشدد اجتاح مواقع الجيش في شمال وشرق العراق. ورحب العرب والتركمان بعودة الجيش العراقي لكركوك. والانتخابات التي أجريت هي الأولى التي تجرى في العراق منذ هزيمة تنظيم داعش العام الماضي أمام القوات العراقية وتحالف تقوده الولايات المتحدة.
من جانب اخر فلم تكد تغلق مراكز الاقتراع أبوابها في مدينة السليمانية الكردية حتى انفجر الغضب بسبب اكتساح غير متوقع للحزب المهيمن على المدينة. وسرعان ما اندلعت اشتباكات بالأسلحة بين الفصائل المتنافسة. وهدأت حدتها فيما بعد لكن أحزاب المعارضة الكردية المدعومة بمسلحيها تطالب بإعادة الانتخابات وسط اتهامات بالتزوير. وفي تلك الأجواء يخشى كثيرون من أن تتحول المناطق التي تقطنها أغلبية كردية في شمال العراق إلى ساحة حرب بين الأحزاب.
وتعد الاشتباكات في السليمانية معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المتحالف مع إيران دلالة مباشرة على الصراعات الدامية التي يُخشى منها بعد أول انتخابات تشهدها البلاد في أعقاب هزيمة تنظيم داعش. وكانت الأحزاب الكردية الجديدة تأمل في استغلال الاستياء العام من الصفوة السياسية المتهمة بضياع 27 عاما من الحكم الذاتي الذي كافحوا طويلا من أجله بمحاولتها الفاشلة للاستقلال العام الماضي.
وتوفي العام الماضي جلال الطالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي سبق وأن شغل منصب رئيس العراق كما اعترى الضعف مسعود برزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ استفتاء الاستقلال الكارثي الذي روج له. لكن النتائج الأولية تظهر انتصارا قويا للحرس القديم وهو ما ترفضه المعارضة بشكل مباشر. ومع شكوى الكثير من الناخبين من الفساد كان من المتوقع أن تنتزع الأحزاب الجديدة مقاعد من الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية ومن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم إقليم كردستان شبه المستقل.
وبعد النتائج الأولية الصادمة أصبح الوضع في السليمانية متوترا على نحو خاص. وسافر السياسي المخضرم هوشيار زيباري وهو وزير سابق للخارجية العراقية إلى هناك من أربيل للقيام بجهود وساطة. وقال إن الجماعات المسلحة تنتشر حاليا بأعداد كبيرة داخل مقرات حركة التغيير والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة. وكان الحزبان المعارضان يأملان في تحقيق انتصارات في الانتخابات. ويشير فرز أولي إلى أن حركة التغيير المعروفة باسم كوران حصلت على ثلاثة مقاعد في البرلمان في حين حصل التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة على مقعدين بينما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على ثمانية مقاعد.
وقال زيباري وهو أحد زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني إنه إذا كانت النتائج صحيحة فإن الاتحاد الوطني الكردستاني كان سيحصل على أربعة مقاعد. وأضاف أنه تحدث مع كل الأطراف وإنه من خلال ما قالوه فإنه إذا بدت نتائج الانتخابات غير مرضية فسوف يلجأون إلى الكفاح المسلح في شوارع السليمانية. وقال زيباري وشهود إن ميليشيا الاتحاد الوطني الكردستاني أطلقت النار على مقر قيادة كوران ورد مسلحو كوران بإطلاق النار أيضا.
وتطالب أحزاب المعارضة بإعادة الانتخابات في بيان مشترك وهددت ”بإجراء سياسي“ في بغداد والدول المجاورة إذا لم تُلب مطالبهم. وحثت حكومة أربيل جميع الأطراف على وقف العنف وحل خلافاتهم من خلال القنوات الرسمية مثل المفوضية العليا للانتخابات. ولطالما كان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني هو القوة السياسية المهيمنة في السليمانية، وإن كان ينافس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهيمن على معظم إقليم كردستان العراق.
الخاسر الأكبر
ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية ان الخاسر الأكبر من الانتخابات العراقية هي إيران مشيرة الى ان التمرد المتنامي في العراق ضد سيطرة الوكيل الإيراني على مؤسسات الدولة يشكل نقطة تحول. وقالت الصحيفة البريطانية في تقرير لها أن العراقيين بدأوا يستاؤون من سلوك طهران الذي وصفته بالاستعمار الجديد كاشفة عن ان طهران بدأت تواجه بالفعل ضربات تحد من تقدمها التوسعي في المنطقة.
وقالت "الغارديان"، إن إيران لا يمكنها الاعتماد على روسيا والصين لإنقاذها أو تمويل اقتصادها غير الكفء الذي تسيطر عليه الدولة، وتدخلاتها المستمرة في سوريا واليمن، أو حتى دعم برنامجها للصواريخ البالستية.
اضف تعليق