ان نسبة العزوف الكبيرة في الانتخابات التشريعية العراقية، مثَّلت فشلاً مزدوجاً للنفوذين الأمريكي والإيراني بالعراق، وان جهودا كبيرة تبذل من مختلف الأطراف من أجل تجاوز مرحلة الطائفية في العراق، خاصة أن البلد ما زال يتأرجح بين نفوذ قوى خارجية تسعى للسيطرة عليه، ولعل أبرز تلك الملامح ما يمكن ملاحظته في الصراع الإيراني-الأمريكي...

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات العامة، التي شهدها العراق السبت، بلغت نحو 44.52%، وسط حالة من النشوة بالانتصار لدى اطراف سياسية فيما رفضت الأخرى نسب المشاركة والتصويت واتهمت المفوضية بعدم تادية واجبها بالشكل الصحيح.

وأوضح رئيس المفوضية، رياض البدران، في مؤتمر صحفي، أن 44.52% من المسجلين في 92% من مراكز الاقتراع أدلوا بأصواتهم، على أن يتم الإعلان عن النسبة الكلية بعد الحصول على بقية البيانات، وأضاف أن "العدد الإجمالي الكلي للناخبين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات هو 24 مليوناً و325 ألف ناخب (من أصل 37 مليون نسمة)".

وأشار إلى أن عدد المصوتين بلغ 10 ملايين و840 ألفاً و980؛ بينهم 9 ملايين و900 ألف للتصويت العام، و709 آلاف و396 للتصويت الخاص (عناصر الجيش والشرطة)، و179 ألفاً و329 لتصويت الخارج.

النصر يعلن النصر

وعقب انتهاء التصويت تسابقت الكتل السياسية لاعلان نتائج الأصوات التي حصلت عليها رغم عدم وجود إحصائية رسمية من قبل المفوضية، اذ قال المتحدث باسم ائتلاف "النصر" الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الأحد، إن الائتلاف حقق تقدماً على المستوى الوطني في النتائج الأولية للانتخابات النيابية.

وأضاف حسين العادلي لوكالة "الأناضول": إن "ائتلاف النصر متقدم حتى الآن على المستوى الوطني في النتائج الأولية، لكن إجمالي النتائج ممكن أن تتضح مساء اليوم"، وفي السياق ذاته، قال مصدر في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومسؤول أمني لـ"رويترز"، إن قائمة العبادي متقدمة فيما يبدو في الانتخابات البرلمانية، تليها قائمة سائرون التي تضم التيار الصدري والحزب الشيوعي.

الصدر في مواجهة العبادي

وتكسب الانتخابات البرلمانية أهميتها لانها تحدد رئيس الوزراء المقبل، اذ ان الكتلة التي تحصل على اعلى عدد من المقاعد في مجلس النواب تستطيع فرض شروطها على الاخرين، او الحصول على دعم الكتل الصغيرة لدعم مرشحها لاعلى منصب تنفيذي في الدولة.

تحالف سائرون يجد نفسه اليوم منافسا لائتلاف النصر الذي يتزعمه حيدر العبادي، اذ قدّم السيد مقتدى الصدر، مرشّحاً محتملاً عن الائتلاف الذي يدعمه لمنصب رئيس الحكومة العراقية المقبلة، ليُقصي بذلك حزب الدعوة الذي تولّى المنصب منذ احتلال العراق عام 2006، في حال فوزه.

وقال الصدر في بيان، الأربعاء الماضي، إن مرشّحه هو: "علي دواي (محافظ ميسان، ينتمي للتيار الصدري) سيكون أحد مرشّحي (ائتلاف سائرون)، إذا فازت بعدد من المقاعد يؤهّلها لذلك".

ويدعم الصدر ائتلاف "سائرون"؛ المكوّن من حزب "الاستقامة" التابع لتيّاره، وأحزاب مدنية ويسارية بينها الحزب الشيوعي، في ائتلاف فاجأ الساحة العراقية؛ بسبب ائتلاف حزب بمرجعية دينية مع حزب شيوعي وأحزاب مدنية.

ويشغل دواي منصب محافظ ميسان للدورة الثانية على التوالي، وله شهره واسعة في الأوساط الشعبية بجنوب العراق؛ بسبب ما يُنشر عنه في وسائل التواصل الاجتماعي من صور تظهر مخالطته للعامة.

الشمال يشكك بالنتائج

وفي شمال العراق أعلنت أحزاب المعارضة الأربعة في إقليم كردستان، رفضها وعدم التزامها بـ"مجمل عملية الانتخابات ونتائجها"، وطالبت أحزابُ المعارضة في بيان مشترك، بإعادة إجراء انتخابات البرلمان العراقي في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، وعلى رأسها محافظة كركوك.وشهدت محافظتا السليمانية وكركوك في إقليم الشمال العراقي توتراً أمنياً وحظراً للتجول، بعد إغلاق صناديق الاقتراع، احتجاجاً على اتهامات بالتزوير.

وهاجم مسلحون مجهولون مراكز الاقتراع في السليمانية، بإطلاق النار وإحداث أعمال عنف، ما دعا رئيس حكومة إقليم شمالي العراق، نيجيرفان بارزاني، إلى المطالبة بالتزام الهدوء.

وفي مدينة كركوك تظاهر آلاف التركمان العراقيين؛ تنديداً بما قالوا إنها عمليات "تحايل وتزوير" في الانتخابات البرلمانية، متهمين أحزاباً كردية بـ"تحويل أصوات ناخبين تركمان لصالحها".

وعقب ذلك، فرض الجيش العراقي حظراً للتجوال في المدينة، خشية تصعيد الموقف، على خلفية اتهام العرب والتركمان للأطراف الكردية بالتزوير، في الانتخابات المقرر إعلان نتائجها الرسمية الاثنين.

هبة رجل واحد

وحذّرت كتل سياسية من "أزمات خطيرة"، بسبب تداعيات نتائج الانتخابات، داعية إلى "تغليب لغة الهدوء والحوار لتلافيها"، بينما حثّ زعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، أتباعه على الاستعداد لـ"هبة رجل واحد"، إذا ثبت التلاعب بأصوات الناخبين، وسط مطالبات بإلغاء الانتخابات.

وحذّر مقتدى الصدر، في بيان صحافي، من "التلاعب بعمليات العد والفرز لأصوات الناخبين"، داعياً أتباعه إلى "الاستعداد لهبة رجل واحد، إذ إن التلاعب بأصوات الشعب جريمة لا تغتفر، وإن فعلوا وسكتم فستكون النهاية"، بحسب تعبيره.

من جهته، قال رئيس "تحالف القرار"، أسامة النجيفي، في بيان صحافي، "إنّ نتائج انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس، كانت سلبية"، مبيناً أنّ "النسبة المتدنية من التأييد الجماهيري، الذي ستعتمد عليه أي مجموعة تسعى لتشكيل الحكومة المقبلة، وما يقابلها من نسبة جماهيرية عالية، يمكن أن تنحاز بسهولة إلى جانب أي قوة معارضة، فضلاً عن عدم قناعة كثير من التحالفات السياسية بنتائج الانتخابات"

وأكد النجيفي أنّ "كل ذلك سيدفع العراق إلى أحضان أزمة جديدة قد تتعدى تأخير تشكيل الحكومة المقبلة، أو القناعة بقدرتها على مواجهة التحديات"، داعياً قادة وأعضاء الكتل السياسية إلى "الهدوء والحوار لمعالجة الأزمة الحالية، وأن يضعوا نصب أعينهم حفظ وضع العراق من الفوضى أو الخلافات التي تفتح المجال للأجندات الأجنبية للعب دور مباشر يتعارض مع استقرار العراق وأمن شعبه".

خسارة غير متوقعة

وتحدث "تحالف الوطنية"، بزعامة إياد علاوي، عن عمليات "تزوير وتضليل وشراء لأصوات الناخبين"، داعياً إلى إعادة الانتخابات، مع "إبقاء الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، حتى توفير الظروف الملائمة لإجراء انتخابات تعبر عن تطلعات الشعب".

بدوره، قال المرشح عن "تحالف بغداد"، سنان الجميلي، إنّ "انخفاض نسب التصويت يفتح الباب أمام أزمات خطيرة مقبلة عليها البلاد"، مبيناً أنّ "التحالفات الكبيرة التي لن تحقق نتائج مرضية لها ستتحرك للطعن بنتائج الانتخابات، وهي اليوم بدأت تمهد لذلك من خلال الحديث عن تزوير وتلاعب وسرقة للأصوات".

وأضاف الجميلي في حديثه لصحيفة العربي الجديد، أنّ "نسب التصويت المنخفضة لم تكن متوقعة أبداً، وهذا بحد ذاته منعطف خطير، إذ أنّ كتلاً سياسية ستخسر خسارة غير متوقعة بسبب ذلك، والمشكلة أنّ الأحزاب العراقية لا تؤمن بالديمقراطية، بل تسعى لتحقيق المصالح الخاصة بكل الوسائل، ما يفتح باب الأزمات"، داعياً الكتل إلى "تغليب لغة الحوار، والقبول بما ستفرزه صناديق الاقتراع".

أمريكا وإيران داخل صناديق الاقتراع

واهتمت الصحافة الغربية بالانتخابات العراقية وركزت على إمكانية الفوز او الخسارة للكتل السياسية في اطار قربها او بعدها عن أمريكا او ايران، اذ اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن نسبة العزوف الكبيرة في الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت يوم السبت، مثَّلت فشلاً مزدوجاً للنفوذين الأمريكي والإيراني بالعراق.

وأضافت الصحيفة: "قبل الانتخابات التي جرت السبت، كانت نسبة التفاؤل كبيرة بأن هذه الانتخابات ستكون الأكثر فائدة للعراقيين، خاصة أنها الأولى التي تجري بعد هزيمة تنظيم داعش، ولكن مع ساعات الصباح الأولى تبدَّد ذلك، فكان أن أصبح عدد مراقبي بعض المراكز الانتخابية أكثر من عدد المصوتين".

وتقول الغارديان ان جهودا كبيرة تبذل من مختلف الأطراف من أجل تجاوز مرحلة الطائفية في العراق، خاصة أن البلد ما زال يتأرجح بين نفوذ قوى خارجية تسعى للسيطرة عليه، ولعل أبرز تلك الملامح ما يمكن ملاحظته في الصراع الإيراني-الأمريكي، الذي يُتوقع له أن يبلغ مداه عقب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحابه من صفقة النووي مع إيران، وفق الصحيفة.

وتشير الصحيفة البريطانية إلى أنه رغم ميل ترامب إلى الانسحاب من العراق، فإن بغداد لا تزال ساحة مفضلة لـ"البنتاغون" ودائرة القرار في أمريكا، حيث يرى البعض أن العراق هو ساحة الصراع المستقبلي مع إيران، ففي الوقت الذي تفضل فيه أمريكا حيدر العبادي رئيساً للوزراء لولاية ثانية، فإن إيران تدعم هادي العامري.

وترى الصحيفة ان العزوف الكبير الذي رافق الانتخابات الأخيرة يؤشر إلى فشل القيادات العراقية، سواء تلك الموالية لإيران أو تلك الموالية لأمريكا، في جذب الناخبين العراقيين ودفعهم للمشاركة في هذه الانتخابات، فعلى الرغم من أن المفوضية العراقية للانتخابات أعلنت أن نسبة المصوتين تجاوزت 44%، فإن كل المؤشرات تؤكد أن النسبة قد لا تكون تجاوزت 30%، حسبما ذكرت الصحيفة البريطانية.

اخبار جيدة وسيئة

وفي سياق ذي صلة كتب الصحفي البريطاني الشهير ديفد هيرت مقالا حول الانتخابات العراقية قال فيه أن "الأخبار الجيدة، هي أن القوائم الحزبية مقسمة على أسس غير طائفية، فلم يعد المهم في الأمر أن تكون سنيا أو شيعيا، بل توجد انقسامات داخل القوائم الحزبية نفسها".

وأشار إلى أن "التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران أسفر عن انقسامات داخل الحزبين اللذين تهيمن عليهما الأغلبية الشيعية: حزب الدعوة الحاكم والمجلس الإسلامي الأعلى، أما حزب الدعوة فقد انقسم إلى تحالف النصر الذي يقوده العبادي، والذي يراه البعض حاليا منحازا نحو المملكة العربية السعودية، بينما يقود زعيم الحزب، المالكي، تحالف دولة القانون، والذي يميل نحو إيران، ولقد أمكن الوصول إلى هذه الحالة بعد أن أصدر البرلمان قانونا يجيز للحزب الواحد الترشح من خلال قائمتين متنافستين".

ولفت إلى أن "هناك قائمة ثالثة اسمها الفتح، وهذه تمثل الحشد الشعبي ويقودها هادي العامري، زعيم منظمة بدر والتي تعتبر موالية لإيران بالكامل، وهناك قائمة رابعة اسمها سائرون يقودها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، والذي كان ذات يوم رمزا للمعارضة الشيعية ضد الاحتلال الأمريكي، وهذه القائمة تميل اليوم نحو المملكة العربية السعودية".

ورأى أن "القوائم التي يهمين عليها السنة تعاني كذلك من الانقسام من حيث ولائها للقوى الإقليمية المتنافسة، ويقود قائمة القرار خميس الخنجر وأسامة النجيفي، أحد النواب الثلاثة للرئيس العراقي، وتتكون القائمة من عشرة أحزاب صغيرة شكلت ائتلافا فيما بينها ويعتقد بأنها على صلة وثيقة بكل من تركيا وقطر، ومعروف أن قطر تخضع حاليا لحصار تفرضه عليها المملكة العربية السعودية".

ونبه إلى أن "هناك قائمة الوطنية، وهذه تشتمل على الحزب الإسلامي العراقي المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وهو أكبر الأحزاب السنية في العراق، إضافة إلى علاوي، رئيس الوزراء السابق".

"يوجد داخل القائمة مجموعتان علمانيتان وأحزاب إسلامية على علاقة وثيقة بإيران، بينما يميل علاوي نحو الإماراتيين، ثم هناك قائمة الحل التي يترأسها محمد الكربولي، وهذه تعتبر أقرب إلى السعودية" وفق إشارة الكاتب. 

اضف تعليق