بعد سنوات من الحكم تنحى الرئيس الكوبي كاسترو (86 عاما) عن كرسي الرئاسة لخلفه الجديد دياز كانيل (57 عاما)، لكن من غير المرجح وكما يرى بعض المراقبين أن يكون رحيله، الذي كان أعلنه قبل عدة سنوات، بداية لتغييرات كبيرة في كوبا ولو لفترة على الأقل. وتنحى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو عن حكم كوبا...
بعد سنوات من الحكم تنحى الرئيس الكوبي كاسترو (86 عاما) عن كرسي الرئاسة لخلفه الجديد دياز كانيل (57 عاما)، لكن من غير المرجح وكما يرى بعض المراقبين أن يكون رحيله، الذي كان أعلنه قبل عدة سنوات، بداية لتغييرات كبيرة في كوبا ولو لفترة على الأقل. وتنحى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو عن حكم كوبا، منهياً ما يقارب 60 عاما من حكم عائلة كاسترو والذي بدأ مع وصول شقيقه فيدل للحكم في العام 1959 مع الثورة الشيوعية. وبعد سنوات من تدرجه سلم السلطة في الحزب الشيوعي، يعد دياز كانيل رهانا آمنا لوراثة عباءة كاسترو الفكرية والزعماء المسنين الآخرين الذين ساعدوا فيدل كاسترو على الإطاحة بالدكتاتور المدعوم من الولايات المتحدة فولخينسيو باتيستا.
ويرى محللون ان انتهاء عهد عائلة كاسترو في الحكم في كوبا لن يؤدي بالضرورة الى علاقات أفضل مع الولايات المتحدة. فسيواجه الرئيس الجديد تنافرا متجددا مع "العدو" الاميركي الأبدي، لأن الرئيس الجمهوري دونالد ترامب أوقف منذ سنة تقاربا بدأ اواخر 2014. وبعد عقود من الحرب الباردة بين الجارتين، أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما وراؤول كاسترو في كانون الأول/ديسمبر 2015 تطبيع العلاقات.
وأعاد البلدان فتح سفارتيهما وقام اوباما بزيارة تاريخية لكوبا في آذار/مارس 2016. وسيكون دياز-كانيل أول زعيم كوبي لم يحارب في الثورة، لكن محللين قالوا إن السياسة الداخلية في الولايات المتحدة ستلعب دورا رئيسيا في تشكيل العلاقات بين واشنطن وهافانا. وقالت اليزابيث نيوهاوس مديرة برنامج كوبا في مركز السياسة الدولية وهو مركز ابحاث مقره واشنطن "إذا لم يقم ديا-كانيل أو غيره بتغيير الأمور بشكل راديكالي، لا أتصور أن يكون هناك الكثير من التغيير" في علاقات البلدين.
وقالت نيوهاوس إن مؤيدي الرئيس دونالد ترامب في ولاية فلوريدا، التي يقود نوابها تشكيل السياسة الاميركية تجاه كوبا، "يريدون أن يروا هذه العلاقة في جمود، تماما كما هي الآن". وقالت مافيس اندرسون المحللة المتخصصة في مجموعة عمل اميركا الجنوبية والتي سعت لتذويب الجليد في علاقات البلدين إنه إذا وصل دياز-كانيل الى السلطة فإنه لن يحدث تغييرا كبيرا في العلاقات الاميركية الكوبية. وقالت إن "الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة وهذا أمر محزن لأن الملعب غير مهيأ".
واتفقت نيوهاوس واندرسون على أن الإدارة الأميركية وضعت ملف السياسة الخارجية في أيدي المحافظين المتشددين، وعلى رأسهم مايك بومبيو، الذي لم يتم تأكيد توليه حقيبة وزارة الخارجية بعد، ومستشار الأمن القومي جون بولتون. وفي نفس الوقت، يقود فريق تشكيل سياسة واشنطن حيال كوبا اثنان من النواب المحافظين جدا من أصل كوبي: ماركو روبيو وماريو دياز-بالارت وكلاهما من فلوريدا. وفي هذه الأجواء، قال محللون إن الخطوة الاولى ستكون وضع الجدل حول "الهجمات" الغامضة التي استهدفت صحة الدبلوماسيين الاميركيين في كوبا خلف البلدين وترك السفارة الاميركية في هافانا تعمل بشكل كامل مجددا.
وفي اذار/مارس الفائت، أعلنت الخارجية الاميركية تقليص افراد بعثتها في كوبا بعد المزاعم عن حصول "هجمات" غامضة اثّرت على الحالة الصحية للموظفين الاميركيين. وتعمل السفارة الاميركية في هافانا بعدد أقل من الموظفين منذ ايلول/سبتمبر 2017، عندما تم اجلاء دبلوماسيين اميركيين مع عائلاتهم بعد تعرضهم لامراض مفاجئة في الرأس. وبالاجمال اصيب 24 اميركيا من الموظفين وافراد عائلاتهم باعراض مشابهة لارتجاج الدماغ دون وجود علامات لصدمات خارجية.
ورغم أن الكثير من الحظر الاقتصادي الاميركي لا يزال منصوصا عليه في القانون الأميركي، شرعت إدارة أوباما في تخفيف بعض القيود، خصوصا سعيا لتعزيز السفر بين البلدين. وقال بدرو فرييري المحامي الأميركي-الكوبي المتخصص في العلاقات الثنائية إن "عملية التقارب راكدة لكن يمكن احياؤها إذا ما تغيرت الإدارة الأميركية". وأكد أنه "متفائل بحذر" بخصوص علاقات أفضل بين واشنطن وهافانا. وأوضح أن "الظروف التي تجعل كوبا جذابة وتلك التي تجعلها صعبة لا تزال كما هي".
حصيلة ستة عقود
وفي هذا الشأن غادر الرئيس الكوبي راؤول كاسترو منصبه بعد 12 عاما على اعتلائه سدة الحكم خلفا لشقيقه الراحل فيدل. ولعل خروج الشقيقين كاسترو من الرئاسة بعد نصف قرن من اندلاع الثورة يدعو للتأمل في مسيرة هذا البلد ما بين القبضة الحديدية لفيدل، ثم سلسلة الإصلاحات التي قادها راؤول ومهدت للتقارب مع الولايات المتحدة ثم انتقال السلطة إلى نائبه ميغيل دياز كانيل.
ويعتبر تسليم السلطة في كوبا، نهاية ستة عقود حكم خلالها الأخوان كاسترو الجزيرة الكاريبية بلا منازع. ويسلم راؤول كاسترو صلاحياته إلى رئيس جديد ينتخبه البرلمان، واكتشف كريستوف كولومبوس كوبا في 1492 وباتت مستعمرة إسبانية حتى استقلالها في 1902، وهي أكبر جزر الأنتيل بمساحة تبلغ 110 آلاف و860 كيلومترا مربعا، فيما يقدر عدد سكانها بـ 11,23 مليون نسمة بحسب الأرقام الرسمية. وألغيت العبودية في 1886 لكن حلت يد عاملة سوداء محل السكان الأصليين الذين زالوا بسرعة.
وأطاح انقلاب عسكري في أول كانون الثاني/يناير1959 بفولغينسو باتيستا الذي كان يحكم كوبا منذ 1952، على يد مجموعة "الملتحين" (باربودوس) تحت قيادة فيدل كاسترو. والذي بات القائد "الأعلى" لجمهورية اشتراكية سنتين بعد ذلك الحدث الذي غير تاريخ الجزيرة. وبادرت الولايات المتحدة إلى قطع العلاقات مع النظام الكوبي الجديد منذ 1961 ودعمت محاولة فاشلة لإنزال قوات معادية لكاسترو في خليج الخنازير.
وفي نفس العام فرضت واشنطن حظرا اقتصاديا وماليا صارما على كوبا ما زال مطبقا حتى اليوم، برغم إبرام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما اتفاقا تاريخيا لتطبيع العلاقات بين البلدين في 2014، سرعان ما تراجع عنه الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. وكان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو دعا شقيقه راؤول إلى تولي الرئاسة في 31 تموز/يوليو 2006، بداعي المرض. ليصبح راؤول كاسترو في شباط/فبراير 2008 رسميا رئيسا لكوبا، كما تولى في نيسان/أبريل2011 رئاسة الحزب الشيوعي الكوبي بعد تخلي فيدل عن هذا المنصب أيضا. وتوفي فيدل في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، لتطوى معه صفحة هامة من تاريخ هذا البلد.
وأعلنت الولايات المتحدة وكوبا في 17 كانون الأول/ديسمبر 2014 تقاربا تاريخيا وضع حدا لنصف قرن من العزلة الأمريكية لكوبا. وأعاد البلدان في 20 تموز/يوليو 2015 علاقاتهما الدبلوماسية وفتحا سفارتين أيضا. وقام الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما بزيارة تاريخية لكوبا في 20 آذار/مارس 2016 هي الأولى لرئيس أمريكي منذ ثورة كاسترو. لكن الرئيس الحالي دونالد ترامب عاد وتبنى في 2017 سياسة أكثر تشددا أنهت مسار التقارب. كما وتأثرت العلاقات بين البلدين بـ "هجمات صوتية "غامضة استهدفت دبلوماسيين أمريكيين.
ودفع الحظر الأمريكي المفروض على كوبا منذ 1962 السكان إلى العمل في الإصلاح وإعادة التدوير. واعتمدت الجزيرة مع انقطاع الإمدادات السوفياتية إثر انهيار الاتحاد السوفياتي في 1990، إلى حد كبير على فنزويلا الشريك التجاري الأساسي لكوبا ومزودها بالنفط بشروط تفضيلية جدا. لكن الأزمة الحادة التي تمر بها فنزويلا إلى جانب تراجع أسعار المواد الأولية أثرا بشدة على الاقتصاد الكوبي.
من جهتها، أصبحت الصين في2017 الشريك التجاري الأول لكوبا. ويشكل تصدير الخدمات (بشكل أساسي إرسال متعاونين طبيين إلى الخارج) المصدر الأول للدخل من العملات الأجنبية لكوبا، متقدما بفارق كبير على قطاع السياحة الذي استقطب 4,5 ملايين شخص في 2017. لكن نسبة النمو ارتفعت برغم ذلك وبلغت 1,6 المئة في 2017، بعدما كانت 0,5 بالمئة في 2016. كما ارتفعت مبيعات سيكار الهفانا الشهير 12 بالمئة العام الماضي بفضل زيادة الطلب الصيني.
ولعب راؤول كاسترو منذ 2006 دورا في إصلاح النموذج الاقتصادي الكوبي بشكل تدريجي، من خلال تعزيز المبادرات الخاصة والاستثمار الأجنبي مع الحفاظ على "مكاسب الاشتراكية" في اقتصاد لا يزال تحت هيمنة الدولة بنسبة 80 بالمئة. لكن بات يمكن للمواطنين الكوبيين التسجل كعاملين مستقلين وشراء أو بيع مساكن وسيارات والسفر إلى الخارج دون الحاجة إلى إذن مسبق.
ومن التحولات الجذرية في كوبا، اعتراف الحكومة في نهاية آذار/مارس، بارتكاب "أخطاء" في اتخاذ إجراءات "بتحديث الاقتصاد" مؤكدة أن كل الإصلاحات "تجري مراجعتها"، حسبما ذكرت الصحيفة الحكومية "غرانما". ولعل أبرز الأولويات كانت إنهاء العمل بعملتي البيزو الكوبي (للنفقات الداخلية) والبيزو القابل للصرف (للمنتجات والخدمات المستوردة) وهو نظام فريد من نوعه بالعالم.
الدفاع عن إرث الثورة
على صعيد متصل بدأ رئيس كوبا الجديد ميجيل دياز كانيل ولايته خلفا لراؤول كاسترو متعهدا بالدفاع عن الثورة الاشتراكية التي قادها الشقيقان كاسترو منذ عام 1959 ومؤكدا الحاجة إلى تحديث اقتصاد البلاد. واختار البرلمان دياز كانيل الشخصية البارزة والراسخة في الحزب الشيوعي الحاكم للرئاسة في خطوة محسوبة بدقة تهدف إلى المحافظة على النظام السياسي في الجزيرة الواقعة في منطقة الكاريبي.
وقال الرئيس الجديد (57 عاما) أمام البرلمان في أول خطاب له كرئيس ”التفويض الممنوح من الشعب لهذا المجلس هو منح الاستمرارية للثورة الكوبية في لحظة تاريخية فارقة“. وعبر الرئيس الجديد عن تقديره البالغ لراؤول كاسترو (86 عاما) الذي تولى السلطة قبل عقد مع تدهور صحة شقيقه فيدل الذي توفي في عام 2016. وسيحتفظ كاسترو بنفوذ ليس بالقليل من خلال زعامة الحزب الحاكم لحين عقد مؤتمره العام في 2021. وقال دياز كانيل وهو يشيد بالإصلاحات التي طبقها وهو رئيس إن كاسترو سيبقى زعيما للثورة وسيشارك في صنع القرارات الكبرى.
وفي خطاب وداع استمر 90 دقيقة بدا كاسترو هادئا وأعطى انطباعا أنه لن يختفي سريعا من المشهد السياسي. ووجه كاسترو انتقادات حادة للسياسات الخارجية والتجارية وسياسات الهجرة للولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب. وقال ”منذ أن تولى الرئيس الحالي السلطة حدث تراجع متعمد في العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة فيما سادت نبرة عدائية حافلة بالتهديد“. بحسب رويترز.
وعلى الرغم من ذلك أشاد الرئيس الجديد بالخطوات التي اتخذها كاسترو في عهد باراك أوباما للتقارب مع الولايات المتحدة وقال إن سياسة كوبا الخارجية ليست محلا للمساومة مكررا نهجا تبنته هافانا منذ أمد بعيد وهو الحوار مع أي طرف يعامل كوبا على قدم المساواة. وفي واشنطن قال مسؤول في البيت الأبيض إن إدارة ترامب لا تتوقع أن يحظى الشعب الكوبي بأي حريات إضافية في عهد الرئيس الجديد ”المختار بعناية“ ولا نية لديها لتخفيف سياستها تجاه الحكومة الكوبية.
إنهاء القمع
في السياق ذاته دعت الولايات المتحدة الرئيس الكوبي الجديد ميغيل دياز-كانيل إلى إنهاء "القمع" في الجزيرة، منددةً في الوقت نفسه بانتقال "غير ديموقراطي" على مستوى الرئاسة في البلاد. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت "نشعر بخيبة أمل من أنّ الحكومة الكوبية قد اختارت إسكات الأصوات المستقلة والحفاظ على احتكارها القمعي للسلطة، بدلاً من السماح لشعبها بأن يكون لديه الخيار الحقيقي من خلال انتخابات حرة وعادلة وتنافسية".
وأضافت "يجب على الرئيس الكوبي الجديد اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين حياة الشعب الكوبي، واحترام حقوق الإنسان، ووضع حد للقمع، وإتاحة مزيد من الحريات السياسية والاقتصادية". وتابعت "المواطنون الكوبيون لم يحصلوا على القدرة الحقيقية للتأثير على نتائج هذه العملية الانتقالية غير الديموقراطية". بحسب رويترز.
وحضت نويرت "الرئيس الجديد على الاستماع إلى مطالب المواطنين الكوبيين والاستجابة لها، من أجل كوبا أكثر ديموقراطية وحرية وازدهارا". واصبح دياز-كانيل البالغ من العمر 57 عاما الرئيس الجديد لكوبا ليبدأ عملية انتقال تاريخي بعد نحو ستة عقود من حكم الأخوين كاسترو، مع تعهّده "مواصلة الثورة" الكوبية.
قال مايكل شيفتر، رئيس مجموعة "حوار بين الاميركتين" في واشنطن، ان "من الصعوبة بمكان تقويم قدرة دياز كانيل على تولي مهمات الرئيس (...) انه ابن النظام، لكن صلابة النظام هي التي تشكل اكبر عقبة للتقدم". واكد هذا الخبير ان بداياته "ستشكل اختبارا لقدراته السياسية، ويمكنه ان يتوقع بعض المقاومة".
وقال خورخي دواني، مدير معهد البحوث الكوبية في جامعة فلوريدا، ان دياز كانيل "سيتبنى على الارجح اسلوب ادارة يتسم بالتمسك بالقواعد المؤسسية والبيروقراطية، اكثر من اعتماده على حضوره وشخصيته، كما كان الحال مع فيدل، ثم مع اختلاف ضئيل مع راوول".
اضف تعليق