زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى فرنسا، والتي وقع خلالها بحسب بعض المصادر 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية بقيمة إجمالية تزيد عن 18 مليار دولار. اصبحت محط اهتمام واسع داخل فرنسا وخارجها خصوصا وان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه تحديات وضغوط كبيرة من قبل المعارضة...
زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى فرنسا، والتي وقع خلالها بحسب بعض المصادر 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية بقيمة إجمالية تزيد عن 18 مليار دولار. اصبحت محط اهتمام واسع داخل فرنسا وخارجها خصوصا وان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه تحديات وضغوط كبيرة من قبل المعارضة بشأن مع الرياض اكبر مصدر للنفط الخام في العالم، بشأن بعض الملفات المهمة ومنها الملف الصراع في اليمن وقضايا التسليح الفرنسي وغيرها من الملفات الاخرى كحقوق الانسان والصراع في سوريا، ويرى بعض المراقبين ان ابن سلمان وفي إطار سياسته الجديدة يسعى وبعد جولة استمرت اسابيع في الولايات المتحدة وسبقتها زيارتان الى مصر وبريطانيا، الى كسب جميع الحلفاء من خلال عقود وصفقات تجارية بمئات الملايين من الدولارات، في سبيل تحقيق مكاسب خاصة واجبار الحلفاء على القبول ببعض المطالب ومنها اقصاء وتهميش ايران العدو اللدود للسعودية، والتي يسعى ماكرون الى تحسين العلاقات معها ايران.
وكشفت صحيفة “لي تريبيون” الفرنسية، أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آثار حفيظة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشرط وضعه مقابل استفادة الشركات الفرنسية من عقود تجارية مع المملكة. وذكرت الصحيفة، أن “ابن سلمان أوضح لماكرون أن الشركات الفرنسية، مثل المجموعات الأمريكية، يمكن أن تستفيد من عقود مع المملكة، بشرط عدم متاجرتها مع إيران”، مضيفة أن هذا الشرط أثار حفيظة ماكرون، دون أن توضح مزيداً من التفاصيل.
من جانب آخر، قال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الفرنسي، إن ولي العهد السعودي ألغى، زيارة لمجمع كبير للشركات التكنولوجية الناشئة في باريس، كانت تهدف لتسليط الضوء على عمق العلاقات الفرنسية السعودية في مجال التكنولوجيا. وأوضحت لي تريبيون أنه من المرجح أن يتسبب إلغاء زيارة الأمير محمد لمجمع ستيشن إف، في شعور ماكرون بالإحباط، خاصة أنه زار عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون بالولايات المتحدة.
وفي ختام الزيار عقد الرئيس الفرنسي وضيفه مؤتمرا صحفيا بقصر الإليزيه، قال فيه الرئيس ماكرون إن باريس لن تتسامح مع تهديد الصواريخ الباليستية للسعودية لكنها تريد احترام قانون حقوق الإنسان الدولي في اليمن. وأضاف ماكرون أنه يتفق مع السعودية على ضرورة كبح توسع إيران بالمنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية لكنه لا يزال يعتقد بوجوب الحفاظ على اتفاق إيران النووي. لكن ولي العهد السعودي الأمير محمد قال إن حكومة إيران لا تخدم مصالح شعبها وتدعم الإرهاب وتعمل ضد مصلحة السعودية.
وطالبت عدة منظمات غير حكومية الرئيس الفرنسي بالتوقف عن بيع السعودية أسلحة فرنسية قد تستخدم في اليمن. وأعلنت مديرة "هيومن رايتس ووتش" في فرنسا بينيديكت جانرود أن "الرياض على رأس تحالف قتل وجرح آلاف المدنيين" و"العديد من هذه الهجمات يرقى إلى جرائم حرب". ورفعت منظمة غير حكومية شكوى في باريس ضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتهمة "التواطؤ بالتعذيب" متهمة الجيش السعودي الموضوع تحت إمرته بـ"قصف أهداف مدنية عمدا" في اليمن، كما علم من محامين لدى المنظمة. ورفعت منظمة "ليغال سنتر فور رايتس آند ديفيلبمنت" (المركز القانوني للحقوق والتنمية) شكوى لدى محكمة الدرجة الأولى في باريس المتخصصة في النظر في جرائم الحرب، ضد ولي العهد وهو أيضا وزير الدفاع.
نصيحة ماكرون
وفي هذا الشأن هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتقدي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقال إن من السهل توجيه الانتقادات لتعجل الأمير الشاب في حركة الإصلاح وحث من يذمه على منحه فسحة من الوقت. وكان الأمير محمد، في زيارة استغرقت ثلاثة أيام لفرنسا، قد حاز إشادات غربية بسعيه لتقليل اعتماد المملكة على النفط ومعالجة فساد مزمن وتنفيذ إصلاحات في المجتمع السعودي المحافظ. غير أن بعض المستثمرين وهنت عزائمهم من جراء شدة الحملة على الفساد وما اكتنفها من سرية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بعد أن أطاح الأمير بولي العهد السابق ابن عمه الأكبر سنا في يونيو حزيران.
وبعد لقاء أول اتسم بالتوتر بين الزعيمين في الرياض في نوفمبر تشرين الثاني الماضي هيمن عليه خلاف في الرأي حول إيران سعى كل من ماكرون والأمير محمد للتعرف على الآخر والتركيز على النقاط المشتركة لا على خلافاتهما. وقال ماكرون والأمير البالغ من العمر 32 عاما يقف إلى جواره ”أسمع تساؤلات مشروعة من المجتمع المدني والصحفيين عن حقوق الإنسان وقضايا مختلفة حساسة فيما يتعلق ببلدكم (لكني) أنظر أيضا إلى ما يجري في المنطقة. نحن هنا أمام زعيم شاب سيؤدي أعلى المهام في بلد 70 في المئة من سكانه دون سن الثلاثين“.
وأضاف ”بوسعنا أن يكون لنا الخيار في التمسك بمواقفنا التقليدية ويمكننا أن نقرر أن تكون أول الأفعال لتحديث هذا المجتمع شكلية. وإذا فعلنا ذلك فإننا سنترك الأمير محمد يواجه من يرون العكس في منطقته ويقررون العودة للوراء والحفاظ على الإسلام السياسي أو الإرهاب“. وفي إطار الإصلاحات التي ارتبطت بولي العهد تم تخفيف قيود اجتماعية مثل رفع الحظر على دور السينما وقيادة النساء للسيارات. كما وعد بالعمل على نشر الفكر الإسلامي المعتدل. وخلال زيارته لباريس التقى الأمير محمد بقيادات دينية ودعا إلى شراكة استراتيجية جديدة تتركز في جوهرها على القوة الثقافية الناعمة التي تتمتع بها فرنسا وخبراتها السياحية بدلا من توقيع عقود بمليارات الدولارات كما فعل في الولايات المتحدة وبريطانيا. بحسب رويترز.
وقال الأمير محمد مازحا خلال المؤتمر الصحفي بقصر الإليزيه ”أنا وأنت من كبار السن في السعودية لأن 70 في المئة من السكان أصغر منا سنا“. وأضاف ”الشراكة بين السعودية وفرنسا مهمة للغاية وخاصة الآن لما تشهده أوروبا والشرق الأوسط من تغيرات في العالم“. وكانت العلاقة بين الزعيمين شهدت بعض التوتر في نوفمبر تشرين الثاني بعد أن اتهم مسؤولون لبنانيون السعودية باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري رهينة في المملكة. وانتهى الأمر بتوسط ماكرون للوصول إلى حل مع الأمير محمد وتناول الثلاثة العشاء في قصر الإليزيه ونشر الحريري صورة التقطها بنفسه لثلاثتهم.
مبيعات الأسلحة
الى جانب ذلك دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مبيعات أسلحة فرنسية للتحالف الذي يقاتل في اليمن بقيادة السعودية لكنه قال إنه يشعر بالقلق إزاء الوضع الإنساني وسوف يستضيف مؤتمرا بشأن هذه القضية قبل الصيف. وتتزايد الضغوط على ماكرون لخفض الدعم العسكري للسعودية والإمارات اللتين تقودان التحالف الذي يقاتل جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران والتي تسيطر على معظم شمال اليمن والعاصمة صنعاء.
وأسفر الصراع اليمني عن سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل وشرد ما يربو على ثلاثة ملايين دون علامة تذكر على انفراجة دبلوماسية لتخفيف حدة الأزمة. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف أن 75 بالمئة من الشعب الفرنسي يريدون أن يعلق ماكرون صادرات السلاح للسعودية والإمارات. وحذرت جماعات حقوقية أيضا من احتمال إقامة دعاوى قضائية إذا لم توقف الحكومة مبيعاتها.
وقال ماكرون في مؤتمر صحفي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ”منذ بدء الصراع في اليمن وفرنسا تتبنى عملية محددة للغاية حيث يتم بحث جميع مبيعات العتاد العسكري كل حالة على حدة وعلى أساس معايير قوية تعكس احترام القانون الدولي الإنساني والخطر من إلحاق أي أذى بالسكان المدنيين“. وفرنسا ثالث أكبر مصدر للأسلحة في العالم وتعتبر السعودية والإمارات من بين أكبر مشتري أسلحتها.
وخلافا لكثير من حلفائها، لا تخضع الإجراءات الخاصة بتراخيص التصدير في فرنسا لضوابط برلمانية، إذ تقرها لجنة يشرف عليها رئيس الوزراء وتضم وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد. ولا يجري نشر تفاصيل التراخيص ولا تخضع للمراجعة بعد الموافقة عليها إلا فيما ندر. وتأكيدا على القلق بشأن الوضع الإنساني، قال ماكرون إنه سيستضيف مؤتمرا في الأشهر المقبلة لتحديد الإجراءات الإضافية التي يمكن القيام بها رغم دعمه لما يفعله التحالف بقيادة السعودية في اليمن. بحسب رويترز.
وقال ماكرون ”موقف فرنسا واضح: الدعم الكامل لأمن السعودية والتنديد بأنشطة (الصواريخ) الباليستية القادمة من الحوثيين والاستعداد للتوصل إلى حل سياسي للصراع والتعبير عن مطالب إنسانية قوية بشأن السكان المدنيين“. وقال محاميان إن جماعة حقوقية يمنية أقامت دعوى ضد ولي العهد السعودي خلال زيارته لفرنسا تتهمه بالتواطؤ في التعذيب والمعاملة غير الإنسانية في اليمن. وعندما سئل عن الضحايا المدنيين، قال ولي العهد السعودي إن بلاده تعمل على تحديث قواعد الاشتباك الخاصة بها لتجنب أي خسائر في صفوف المدنيين لكنه أضاف أن ”العمليات العسكرية على مدار التاريخ شهدت أخطاء أيا كان البلد الذي وقعت فيه“.
وقال مسؤول من وزارة الدفاع الفرنسية إن فرنسا والسعودية اتفقتا على توقيع اتفاقية حكومية جديدة لإبرام صفقات الأسلحة. وتحل الاتفاقية محل إجراء انتقده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يشغل كذلك منصب وزير الدفاع. وقالت مصادر إن الأمير يريد تغيير الإجراءات التي كانت تتم في السابق. وقال المسؤول ”بالتعاون مع السلطات السعودية بدأت فرنسا استراتيجية جديدة لتصدير السلاح للسعودية والذي كانت تتولاه حتى الآن شركة (أو.دي.ايه.اس)“ مشيرا إلى المؤسسة التي تتولى حاليا المصالح الدفاعية الفرنسية في السعودية.
وأضاف المسؤول دون الخوض في مزيد من التفاصيل أن الصادرات ”ستصبح الآن مشمولة ضمن اتفاقية حكومية بين البلدين. شركة (أو.دي.ايه.اس) ستتولى فقط استكمال العقود القائمة“.
وفي السنوات القليلة الماضية اشترت الرياض دبابات وعربات مدرعة وذخيرة ومدفعية وسفنا حربية من فرنسا. وفي عام 2016 أقرت فرنسا تصاريح بتوريد أسلحة ربما تصل قيمتها إلى 18 مليار يورو (22.11 مليار دولار) للسعودية وسلمت بالفعل ما قيمته مليارا يورو.
دعوى قضائية
على صعيد متصل وفي الوقت الذي بدأ فيه الأمير محمد بن سلمان زيارة رسمية إلى فرنسا، رفعت جمعية يمنية للدفاع عن حقوق الإنسان شكوى ضد ولي العهد السعودي لدى محكمة العدل العليا بتهمة "التواطؤ في عمليات تعذيب"، وفق ما نقل موقع إذاعة "فرانس أنفو" الفرنسية. ويمثل الجمعية اليمنية التي رفعت القضية، المحامي الفرنسي جوزيف براهم. فيما تتضمن الشكوى المكونة من خمس عشرة صفحة، والتي اطلع عليها موقع إذاعة "فرانس أنفو" الفرنسي، أن ولي العهد السعودي ووزير الدفاع السابق متهمان باستهداف السكان المدنيين اليمنيين عن قصد وبشن هجمات على مخيمات النازحين، وأسواق ومباني سكنية ومستشفيات.
ويذكر أنه ومنذ بداية النزاع، عام 2015، نشرت المملكة العربية السعودية 150 ألف جندي ونحو 100 طائرة مقاتلة في البلاد. فيما أدى تدخل التحالف العسكري بقيادة الرياض إلى سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل و50 ألف جريح. وتشير الشكوى أيضا إلى استخدام السعودية للقنابل العنقودية، وهي فئة من الأسلحة المحظورة بموجب اتفاقية دولية أقرتها 108 دول السعودية ليست عضوا فيها، إضافة إلى "الاختفاء القسري". بحسب فرانس برس.
ووفق الأمم المتحدة فإن 22 مليون يمني أي 80 بالمئة من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، فيما يعيش 19 مليون شخص في حالة انعدام الأمن الغذائي أي 60 بالمئة من مجموع الشعب اليمني، فيما يعاني 3 مليون امرأة وطفل من سوء تغذية حاد. هذا إضافة لظهور وباء الكوليرا مؤخرا. وتعتبر الجمعية اليمنية، أن عدم قدرة اليمنيين للوصول للحاجيات والأغذية الأساسية هو نتيجة "للهجمات الجوية والحصار البحري" الذي ينفذه التحالف بقيادة السعودية. وقد رفع براهم الدعوى من مبدأ مصادقة فرنسا على اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية، ما يمنحها الحق في التحقيق مع أي طرف يشتبه في ارتكابه جرائم، وإن كان أجنبيا، من اللحظة التي تطأ فيها قدمه التراب الفرنسي.
الى جانب ذلك قدم مشرع من حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلبا رسميا بفتح تحقيق برلماني في مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده السعودية للقتال في اليمن، وقال سيباستيان نادو، وهو مشرع جرى انتخابه العام الماضي ضمن مئات من البرلمانيين الجدد الذين يشكلون الأغلبية التي يتمتع بها ماكرون، إنه و 15 نائبا آخرين تقدموا رسميا بطلب لإنشاء لجنة تحقيق. ويطالب هؤلاء بتشكيل لجنة من 30 عضوا ”لدراسة التزام فرنسا بالمعايير الدولية فيما يخص تراخيص تصدير الأسلحة والذخيرة وكذلك التدريب والخدمات والمساعدة التي منحتها بلادنا خلال السنوات الثلاثة تلك إلى الأطراف المتحاربة في الصراع اليمني“.
اضف تعليق