q

بدأت رسميا في مصر حملة الانتخابات الرئاسية والتي من المقرر إجراؤها في 26 آذار/مارس المقبل، والتي تبدو نتيجتها محسومة سلفا للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في ظل عدم وجود أي منافس قادر على صنع المفاجأة بعد انسحاب عدد من المرشحين وإقصاء آخرين. ودعي المصريون كما نقلت بعض المصادر، للاقتراع لمدة ثلاثة أيام من 26 إلى 28 آذار/مارس المقبل في الجولة الأولى لانتخابات ينافس فيها السيسي الذي يحكم مصر بيد من حديد منذ 2014، خصما لم يكن معروفا قبل ترشحه هو رئيس حزب "الغد" المصري موسى مصطفى موسى.

وموسى وحزبه من مؤيدي السيسي وكان حسابه على فيس بوك يعج بصور وكلمات التأييد للرئيس. وتشير تقارير في وسائل الإعلام المحلية إلى أنه قدم أوراق ترشحه في محاولة لحفظ ماء الوجه وحتى لا يبقى السيسي مرشحا وحيدا. وبعد أن تم استبعاد المعارضين للنظام من سباق الرئاسة أو قرروا الانسحاب مبررين موقفهم بالضغوط، أعلن مصطفى موسى في اللحظة الأخيرة خوضه الانتخابات الرئاسية وقدم أوراقه إلى الهيئة الوطنية للانتخابات في الساعات الأخيرة قبل غلق باب الترشيح.

ويرى بعض المراقبين ان الانتخابات الرئاسية في مصر محسومة مسبقاً، خصوصا وان الرئيس الحالي قد سعى الى اقصاء جميع الخصوم وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية التي انتقدت لهجة التهديد والوعيد والاجراءات والخطط الحكومية الاخيرة، حيث وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحذيرا شديدا إلى كل من يتطلع إلى تحدي حكمه وذلك بعد يوم من دعوة زعماء المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، وقال السيسي ”احذروا، الكلام اللي اتعمل من سبع تمن سنين مش هيتكرر تاني في مصر“ في إشارة الى الاحتجاحات الواسعة التي اندلعت في العام 2011 وأطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك وأعقبتها سنوات من الاضطراب السياسي والاقتصادي.

وأضاف ”اللي منجحش ساعتها هتنجحوه دلوقتي؟ لا.. لا.. لا .. انتو باين عليكم متعرفونيش صحيح“. ودعا أكثر من 150 من السياسيين والنشطاء في مصر إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي يخوضها السيسي. ومن بين الداعين إلى المقاطعة حمدين صباحي، الذي خاض انتخابات الرئاسة في 2014 ضد السيسي، وهشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات وأحد داعمي حملة رئيس الأركان السابق سامي عنان الانتخابية. وقال السيسي إنه قد يطلب من المصريين النزول إلى الشوارع ومنحه ”تفويضا“ في مواجهة من وصفهم ”بالأشرار“. ولم يحدد من يقصدهم.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إنه لا ينبغي "على الإطلاق" انتظار أي شيء من الحملة الانتخابية التي يعتقد أنها ستكون مجرد "تصريحات بالدعم الكامل" للرئيس السيسي. ومن غير المتوقع بحسب السيد، أن تشهد الحملة الانتخابية جدلا سياسيا. ويضيف "ستتركز الحملة على مرشح واحد". والرئيس السيسي حاضر بالفعل بشكل شبه دائم على شاشات التلفزيون وفي الصحف إذ تغطي وسائل الإعلام على مدار الساعة أنشطته ولقاءاته مع مختلف المسؤولين المصريين والأجانب. وفي الشوارع لا أثر لصور موسى مصطفى موسى لكن صور السيسي منتشرة وسط اللافتات الدعائية.

ومع ذلك فرضت الهيئة العليا للانتخابات المسؤولة عن إدارة العملية الانتخابية برمتها، قواعد للحملة الانتخابية من ضمنها أن تتخذ وسائل الإعلام موقفا "موضوعيا" وأن توفر فرصا "متساوية" للمرشحين. كما أعلنت الهيئة أنه "يحظر على شاغلي المناصب السياسية وشاغلي وظائف الإدارة العليا في الدولة، الاشتراك بآية صورة من الصور في الدعاية الانتخابية بقصد التأثير الإيجابي أو السلبي على نتيجة الانتخابات أو على نحو يخل بتكافؤ الفرص بين المترشحين".

وانتقدت وسائل الإعلام الموالية للسلطة بشدة الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات التي أطلقتها شخصيا سياسية معارضة. ومنذ بدء السباق الرئاسي تم توقيف عدة شخصيات معارضة. وفي 2014، خاض السيسي الانتخابات في مواجهة حمدين صباحي وهو مرشح، وفق السيد، كانت لديه فرصة ضئيلة في الفوز ولكنه كان يتمتع بمصداقية سياسية وشرعية شعبية أكبر من تلك التي يحظى بها في الانتخابات الحالية موسى مصطفى موسى.

اقصاء الخصوم

وفي هذا الشأن قال مصدر قضائي ووكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في مصر إن محكمة جنايات جنوب القاهرة قررت إدراج اسم السياسي عبد المنعم أبو الفتوح على قوائم الإرهابيين وذلك بعد أيام من إلقاء القبض عليه. وكانت الشرطة قد ألقت القبض على أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية وأحد مرشحي انتخابات الرئاسة لعام 2012، من منزله بإحدى ضواحي العاصمة بعد بلاغين تقدم بهما محاميان إلى النيابة العامة يتهمانه بنشر أخبار كاذبة والتحريض على مؤسسات الدولة والتواصل مع جماعة محظورة.

وقالت وزارة الداخلية إنها رصدت معلومات عن قيام أبو الفتوح بالتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة داخل البلاد وخارجها. وأضافت في بيان أن التواصل جاء ”لتنفيذ مخطط يستهدف إثارة البلبلة وعدم الاستقرار بالتوازي مع قيام مجموعاتها المسلحة بأعمال تخريبية ضد المنشآت الحيوية لخلق حالة من الفوضى تمكنهم من العودة لتصدر المشهد السياسي“. ونفى أبو الفتوح هذه الاتهامات خلال التحقيقات ووصفها بأنها ”ملفقة وكاذبة“. وأمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بتهم بينها ”تولي قيادة في جماعة إرهابية“.

وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط إن قرار إدراج أبو الفتوح على قوائم الإرهابيين صدر ”بناء على المذكرة المقدمة بهذا الشأن من النائب العام... حيث تبين أن أبو الفتوح ومن معه قد تولوا وانضموا إلى جماعة أسست على خلاف القانون تستهدف الإضرار بمصالح الدولة المصرية ومقدراتها“. وأضافت أن القرار شمل 15 شخصية أخرى، لكنها لم تذكر مزيدا من التفاصيل. وقال حذيفة ابن أبو الفتوح والمحامي عبد الرحمن هريدي رئيس هيئة الدفاع عنه إن النيابة لم تخطر أسرته أو محاميه بقرار محكمة الجنايات الذي قال هريدي إنه علم به من وسائل الإعلام الرسمية.

وأضاف هريدي ”واضح أن هناك إصرارا على إلصاق التهم بشخصية سياسية لتخويف كل السياسيين حتى لمجرد إطلاق الرأي“. وتابع قائلا إن قرار إدراج أبو الفتوح على قوائم الإرهابيين يعني تلقائيا منعه من السفر والتحفظ على أمواله. وقال إن هيئة الدفاع ستطعن على قرار محكمة الجنايات أمام محكمة النقض، وهي أعلى محكمة مدنية في البلاد.

ويلزم قانون لمكافحة الإرهاب صدر في 2015 وانتقدته بشدة جماعات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان السلطات المصرية بإعداد قائمة بالأفراد والكيانات الإرهابية كما ينص على عقوبات تتراوح بين السجن خمس سنوات والإعدام. وجاء القبض على أبو الفتوح بعد أيام من انتقادات حادة وجهها إلى الحكومة من بينها العمل على منع ترشح منافسين حقيقيين للرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة.

وقال أبو الفتوح في مقابلة أُجريت في لندن مع قناة الجزيرة مباشر التلفزيونية قبل أيام قليلة من القبض عليه إنه يرفض أن يكون الجيش طرفا في السياسة أو اقتصاد البلاد. وقال ”أي محاولة من أي رئيس سواء كان عبد الفتاح السيسي أو من قبله أو من بعده لدفع الجيش لأن يكون طرفا في عملية سياسية أنا باعتبرها جريمة لا نقبلها نحن كمصريين“. وكان أبو الفتوح (67 عاما) قد أعلن تركه جماعة الإخوان المسلمين في 2011 وخاض انتخابات 2012 مستقلا. وحظرت مصر الإخوان المسلمين وصنفتها جماعة إرهابية بعد عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لها عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمه. بحسب رويترز.

وجاء القبض على أبو الفتوح بعد إلقاء القبض على محمد القصاص نائب رئيس حزب مصر القوية الذي أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق معه بتهم التحريض على مؤسسات الدولة ونشر أخبار كاذبة. كما جاء بعد أيام من إلقاء القبض على الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة الذي دعا أيضا لمقاطعة انتخابات الرئاسة. وتأتي تلك الاعتقالات قبل الانتخابات التي يسعى السيسي للفوز فيها بولاية ثانية وينافسه فيها سياسي لا يتمتع بشعبية. وتعهدت الهيئة الوطنية للانتخابات بإجراء الاقتراع وفقا لمبادئ الاستقلالية والشفافية والموضوعية.

حرية ونزاهة الانتخابات

من جانب اخر انتقدت 14 منظمة حقوقية مصرية الانتخابات الرئاسية التي ستجرى اواخر اذار/مارس المقبل، معتبرة انها "ليست حرة ولا نزيهة"، بحسب بيان نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش. واعتبرت المنظمات الحقوقية في البيان ان "الحكومة المصرية داست على أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة، في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها من 26 إلى 28 مارس/آذار 2018". واورد البيان ان حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي "دأبت على خنق الحريات الأساسية، واعتقلت مرشحين محتملين وأوقفت مناصرين لهم".

ووقعت البيان منظمات اقليمية من بينها "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، واخرى دولية مثل "هيومن رايتس ووتش"، و"مراسلون بلا حدود". واعتبرت المنظمات في بيانها انه يتعين "على حلفاء مصر إعلان موقفهم الآن والتنديد بهذه الانتخابات الهزلية بدل الاستمرار في الدعم غير المشروط لحكومة تقود أسوأ أزمة حقوقية في البلاد منذ عقود". ويدعو البيان "الأطراف التي تقدم دعما ماليا كبيرا للحكومة المصرية" ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية، الى جعل "حقوق الإنسان جزءا أساسيا في علاقاتها بمصر".

ويضيف البيان انه يتعين على هذه الدول "وقف كافة المساعدات الأمنية التي يمكن استخدامها في القمع الداخلي، وأن تركز المساعدات على ضمان التحسن الملموس في تدابير حماية حقوق الانسان الأساسية". وتندد المنظمات بالمناخ السياسي "الذي يحرم الناس من حقوقهم في المشاركة السياسية وفي حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي"، وبالاطاحة بمنافسين رئيسيين للسيسي أعلنوا نيتهم الترشح للانتخابات الرئاسية، وتدعو السلطات المصرية الى "الإفراج فورا عن جميع المعتقلين جراء الانضمام إلى حملات سياسية أو لذكرهم نية الترشح في الانتخابات".

وكان تم اقصاء العديد من المنافسين للسيسي على الرئاسة، او تعرضوا لضغوط دفعتهم الى التخلي عن الترشح. وكان رئيس الاركان المصري السابق سامي عنان استُبعد من السباق الرئاسي في كانون الثاني/يناير بعيد اعلانه نيته الترشح، وقد اتهمته قيادة الجيش المصري بالترشح "دون الحصول على موافقة القوات المسلحة".

بدوره اعلن رئيس الوزراء المصري السابق احمد شفيق مطلع كانون الثاني/يناير انه عدل عن الترشح، بعد ان كان اعلن من الامارات حيث كان يقيم انه ينوي الترشح للانتخابات. ولدى وصوله الى مصر اختفى عن الانظار لنحو 24 ساعة ليعلن بعدها انه يعيد درس نيته الاستمرار بالترشح. كذلك أعلن رئيس حزب الاصلاح والتنمية المصري محمد انور السادات، النائب البرلماني السابق، عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية بعد أن رأى ان المناخ الحالي لا يسمح بذلك، كما أعلن المحامي اليساري المدافع عن حقوق الانسان خالد علي عدوله عن الترشح، عازيا قراره الى اعتقال بعض مساعديه في الحملة اضافة الى ضيق الفترة الزمنية التي تفصل عن موعد الانتخابات. ولم يتبق بمواجهة السيسي في السباق الرئاسي الا رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى. بحسب فرانس بريس.

وكان موسى اعلن مؤخرا تأييده للسيسي، وشكل حملة اطلق عليها اسم "مؤيدون" لدعمه في الانتخابات الا ان حزب الغد قال في بيان انه قرر ترشيح رئيسه "دعما للمصلحة العليا للوطن لما يستحقه من انتخابات تعددية". واواخر كانون الثاني/يناير دعا ائتلاف "الحركة المدنية الديمقراطية"، الذي يضم ثمانية أحزاب سياسية ونحو 150 شخصية سياسية، الى مقاطعة الانتخابات الرئاسية بسبب الاجواء السائدة في البلاد. وقد وجه السيسي انتقادات حادة للداعين الى المقاطعة محذرا من زعزعة الامن في البلاد.

اضف تعليق