q

تطورات جديدة يشهدها ملف الصراع المستمر في سوريا، بعد ان أسقط صاروخ مضاد للطائرات طائرة حربية إسرائيلية أثناء عودتها من غارة جوية على مواقع قوات حكومية تدعمها إيران اهم حليف لسوريا في المنطقة، هذا الحدث وكما يرى بعض المراقبين ربما سيكون بداية لصراع جديد وحرب خطيرة بين ايران واسرائيل، التي تخشى من تنامي الدور الإيراني في سوريا، خصوصا وان طهران قد سعت بحسب بعض التقارير، الى بناء قواعد عسكرية دائمة في هذا البلد وعمدت الى نقل صواريخ متطورة ودقيقة من شأنها كسر التفوق العسكري الإسرائيلي، كما انها تسعى لنشر منظومة صاروخية من الساحل اللبناني حتى جنوب سوريا، بحيث يصبح بمقدورها ضرب أي مكان في إسرائيل.

وتعتبر هذه المرة الأولى التي تتمكن فيها دفاعات جوية سورية من إسقاط طائرة حربية إسرائيلية، بعد أن نفذت تل أبيب أكثر من 26 هجوما داخل سوريا منذ عام 2013، كان آخرها قبل أيام، عندما قصفت طائرات إسرائيلية مجمع البحوث العلمية بريف دمشق. وبعد أن كانت دمشق تكتفي كما نقلت بعض المصادر، بإعلانها الاحتفاظ بحق الرد على الغارات الإسرائيلية، شهد العام الماضي تزايدا في الرد على غارات الطائرات الإسرائيلية عبر الدفاعات الجوية، واعترف محللون عسكريون إسرائيليون مطلع العام الجاري أن هذه الدفاعات باتت تهدد الطائرات الإسرائيلية، وربطوا ذلك بتعزيز إيران وجودها على الحدود مع الجولان المحتل.

ومنذ قيام إسرائيل بمناورات واسعة وغير مسبوقة في الجبهة الشمالية في سبتمبر/أيلول الماضي، باتت مناوراتها في الشمال قرب الحدود السورية واللبنانية دائمة بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، كما شرعت مؤخرا ببناء جدار أمني فاصل على الحدود مع لبنان مما فاقم التوتر هناك، ودفع بيروت إلى إعلان أنها سترد على أي أعمال تخترق حدودها الجنوبية.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي تحدث المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أليكس فيشمان عن تصاعد ما وصفه بـ"الحرب الخفية" بين إسرائيل وإيران في سوريا. وقال إن على الإسرائيليين أن يعرفوا أن بلادهم تخوض مواجهة عسكرية وصفها بـ "المنضبطة" ضد منظومة عسكرية إيرانية آخذة بالاستقرار في سوريا. ولفت إلى أن إسرائيل ترصد سعي إيران لإقامة قواعد جوية وبحرية وبرية في سوريا، وتشكيل قوات للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل.

ويشير فيشمان إلى أن إسرائيل تعتبر توسيع النفوذ الإيراني في سوريا بمثابة إعلان حرب عليها، وأنه في حال لم يكن الروس والأميركيون قادرين أو راغبين بمنع ذلك بطرق دبلوماسية، "فإنه على ما يبدو لم يبق أمام إسرائيل سوى أن تعمل بنفسها". ويشير المحلل العسكري الإسرائيلي إلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي وصف سوريا ولبنان بأنهما جبهة واحدة أسماها "جبهة الشمال". وقال فيشمان "ستتواصل الحرب ضد هذه المنظومات بقوة تتغير بحسب رد فعل سوريا وإيران وحزب الله، وإذا لم يتراجع أحد هناك، فإن حربا قد تنشب".

في الإطار ذاته كتب العميد المتقاعد من الجيش الإسرائيلي مايكل هيرتسوغ تحليلا مطولا في معهد واشنطن رجح فيه مواجهة إسرائيلية إيرانية في سوريا. وقال إن تنامي الوجود الإيراني في سوريا بات يشغل حيزا كبيرا في المشهد الإستراتيجي الإسرائيلي. وبرأيه فإن المسار الحالي لتصاعد التوتر سيؤدي إلى مواجهة إسرائيلية إيرانية، معتبرا أن العبء يقع على روسيا لمنع التمدد الإيراني قبل انفجار الحرب مع إسرائيل. وخلص للإشارة إلى أن التصدي للخطط الإيرانية في سوريا سيكون فاعلا بشكل أفضل بكثير إذا كانت إجراءات الردع الإسرائيلية تندرج ضمن إستراتيجية أميركية استباقية، بدلا من أن تحمل إسرائيل وحدها عبء المواجهة. وبينما يرجح مراقبون أن تبقى المواجهة الحالية محدودة، يرى آخرون أن الاحتمالات تبقى قائمة لتوسعها أو تحضيرها لحرب شاملة قد تبدأ من سوريا ولبنان، ولا يعلم أحد أين ومتى وكيف ستنتهي.

المواجهة في سوريا

وفي هذا الشأن شكلت الغارات الجوية الاسرائيلية الاخيرة في سوريا أول مواجهة مباشرة علنا بين العدوين اللدودين اسرائيل وايران، بعد اشهر من التوترات، لكن الجانبين لا يرغبان على ما يبدو في خوض حرب حاليا، بحسب محللين. وشنت اسرائيل سلسلة غارات جوية في سوريا على اهداف سورية وايرانية ردا على اختراق طائرة ايرانية بدون طيار اطلقت من سوريا مجالها الجوي، بحسب الجيش الاسرائيلي، لكن طهران نفت هذا الامر.

واعقب ذلك اسقاط مقاتلة اسرائيلية "اف 16" في الاراضي الاسرائيلية. وهي المرة الاولى يعلن فيها الجيش الاسرائيلي بشكل واضح ضرب اهداف ايرانية في سوريا. وهذه المرة الاولى ايضا التي يتم فيها اسقاط مقاتلة اسرائيلية منذ العام 1982، بحسب ما اوردت وسائل الاعلام الاسرائيلية. وأثنى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو على الغارات الاسرائيلية، مؤكدا انها شكلت "ضربة قوية للقوات الايرانية والسورية".

وركزت وسائل الاعلام الايرانية المقربة من النظام على اسقاط الطائرة الاسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية، وكتبت احدى الصحف انها "نهاية السماء الامنة للنظام الصهيوني في سوريا". وتزايد التوتر بين اسرائيل وايران في سوريا منذ فترة من الزمن، بينما يقول محللون ان هناك ثلاثة مصالح مختلفة على الاقل هناك. ولا ترغب اسرائيل في ان تعزز عدوتها اللدودة ايران، وجودها العسكري في سوريا عبر دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.

وتبدو ايران مصممة على البقاء هناك، بينما يبدو النظام السوري الذي انتصر في الحرب، أكثر عزما على التصدي للغارات الجوية الاسرائيلية داخل البلاد، بحسب محللين. والاسد مدعوم ايضا من قبل روسيا وحزب الله اللبناني. وتعترف اسرائيل بشنها عشرات الغارات الجوية على قوافل تقول انها كانت في طريقها لحزب الله الذي خاضت معه حربا عام 2006. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان، ومقره بريطانيا، ان ستة اشخاص قتلوا في الغارات الاسرائيلية بينهم اربعة غير سوريين كانوا يقاتلون في صفوف النظام، بالاضافة الى جنديين سوريين.

وحتى قبل الغارات حذرت مجموعة الازمات الدولية في تقرير ان الانشطة الايرانية في سوريا تعزز مخاوف الدولة العبرية من وجود قواعد ايرانية على حدودها. وكتبت المجموعة في تقرير ان "حربا اشمل قد تكون واردة في حال القيام بإساءة تقدير واحدة". ورأى اوفر زالزبرغ المحلل في "مجموعة الأزمات الدولية" ان المواجهة الاخيرة في سوريا زادت من فرص اندلاع حرب على المدى الطويل. وقال "اقتربنا خطوة الى الامام"، موضحا "ليس بسبب الحادث نفسه بل نرى ان الجانبين يتخذان الآن مواقف أكثر حزما".

وفي طهران، رأى المحلل السياسي مجتبى موسوي ان النيران السورية المضادة للطائرات التي قامت باسقاط الطائرة الاسرائيلية تمثل " تحولا في استراتيجية سوريا وحلفائها". وقال موسوي ان ايران مصممة على البقاء في سوريا. واضاف "اسرائيل والولايات المتحدة تسعيان الى منع او تحديد وجود ايران في سوريا بعد الحرب" مشيرا الى ان "ايران لن تتراجع ولن تترك سوريا لأنها حليف جيواستراتيجي مهم بعد سنوات من القتال ودفع الثمن لانقاذها".

ولا تزال سوريا واسرائيل رسميا في حالة حرب رغم أن خط الهدنة في الجولان بقي هادئا بالمجمل طوال عقود حتى اندلعت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. ومنذ اندلاع الاحداث في سوريا عام 2011 عملت اسرائيل على تجنب التورط في هذا النزاع الا انها كانت تستهدف احيانا مواقع للنظام السوري او قوافل سلاح تقول انها كانت في طريقها الى حزب الله اللبناني. وفي اذار/مارس 2017 استهدف الطيران الاسرائيلي قافلة سلاح في سوريا واعترضت اسرائيل صاروخا اطلق باتجاه اراضيها. واكد الجيش السوري يومها انه اسقط مقاتلة اسرائيلية واصاب اخرى، الامر الذي نفته اسرائيل.

ورأت سيما شاين التي شغلت في السابق منصب نائب مدير ايران في وزارة الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية ان تسلسل الاحداث يشير الى ان العسكريين الايرانيين في سوريا لم يقوموا على الارجح بتنسيق عملية الطائرة دون طيار مع القيادة السياسية في طهران. وقالت "من ناحية سياسية بالنسبة لايران، اعتقد ان هذا كان اسوأ توقيت" في اشارة الى الاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بالاضافة الى جهود طهران الدبلوماسية للحفاظ على الاتفاق النووي الذي قامت بتوقيعه عام 2015 مع القوى الدولية. بحسب فرانس برس.

وبحسب شاين، فأنه على الارجح ان الحرس الثوري الايراني قرر، سواء في طهران او مهمته في سوريا، ان "هذا افضل وقت تشغيلي بالنسبة اليهم". ورجحت شاين وقوع حوادث مماثلة ولكنها استبعدت اندلاع مواجهة كاملة، قائلة "في الوقت الحالي، سيقوم الجانبان بتحديد الرد. ولن يكون هناك تصعيد في المستقبل القريب جدا". ويتفق زالزبرغ على انه لا توجد رغبة حقيقية في شن حرب. وأضاف "اعتقد انه سيتم احتواء هذا الحادث" موضحا "بشكل عام، فأن الطرفين لا يبحثان عن حرب". وأشار معلقون آخرون الى انه في حال اندلاع حرب بين الدولتين اللتين تملكان مخزونا من الاسلحة، فأنه من السهل جر المنطقة الى هاوية. وكتب المعلق ناحوم بارنيا في صحيفة يديعوت احرونوت ان "غالبية الحروب في الشرق الاوسط جاءت نتيجة تطورات غير مقصودة".

تهديدات مستمرة

من جانب اخر قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تسعى للسلام ولكنها ستواصل الدفاع عن نفسها في مواجهة إيران. وأضاف نتنياهو إنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتابع في بيان عبر التلفزيون ”أكدت له التزامنا وحقنا في الدفاع عن أنفسنا في مواجهة الهجمات التي تُشن من الأراضي السورية. اتفقنا على استمرار التنسيق بين جيشي بلدينا“. وقال إنه تحدث مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون . وأضاف أن ”إسرائيل تسعى للسلام ولكننا سنواصل الدفاع عن أنفسنا بشكل ثابت في مواجهة أي هجوم علينا أو أي محاولة من إيران لترسيخ نفسها ضدنا في سوريا“.

من جانبه قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في وقت سابق، إن بلاده مستعدة للحفاظ على أمن المنطقة أكثر من أي وقت مضى. وحذر في الوقت ذاته أي دولة تعتقد أنها قادرة عل تحقيق أي نتائج عن طريق دعم الإرهاب وقصف الدول المجاورة، في إشارة إلى القصف الإسرائيلي الذي استهدف قواعد إيرانية في سوريا. وقال روحاني "تخطئ أي دولة تظن أنها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون الدول الأخرى أو قصف دول الجوار تستطيع تحقيق النتائج المرجوة.. نحن مستعدون لأمن المنطقة أكثر من أي وقت مضى.. وفي هذا السياق ندعو جميع الدول الأخرى للتعاون معنا، واليوم أقمنا تعاوناً ثلاثياً ورباعياً وخماسياً".

من جهته، أكد أمين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني ، أن مزاعم الإسرائيليين حول ضرب قواعد إيرانية في سوريا مجرد أكاذيب. وقال إن إيران لديها "تواجد استشاري في سوريا وليس عسكرياً ليتم طرح تلك المزاعم". وأضاف شمخاني، أن مزاعم إسرائيل حول تحليق طائراتهم رداً على تحليق طائرة مسيرة ايرانية كلام خاطىء، معتبراً أنه "من حيث المبدأ لا تحلق مقاتلات حربية من أجل إستهداف طائرة مسيرة". وقال شمخاني في تصريحات نقلتها قناة "روسيا اليوم"، إن إسقاط الدفاعات الجوية السورية المقاتلة الإسرائيلية يشير إلى أن أي خطأ ترتكبه إسرائيل في المنطقة لن يبقى من دون رد، لكنه نفى أن يكون هناك أي دور لإيران في إسقاط الطائرة، وقال إن الدفاعات الجوية السورية هي التي أسقطتها.

من جهته، قال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني حسين نقوي، إن إسقاط الطائرة الإسرائيلية "تطور مهم جدا يتوجب على إسرائيل أن تدركه جيدا". وشدد على أن على إسرائيل أن تتوقع ردا أقسى وأهم من إسقاط الطائرة الحربية إذا أصرت على مواصلة اعتداءاتها ضد محور المقاومة في المنطقة. وأضاف نقوي، أن هناك معادلة جديدة في المنطقة، وأن كلا من سوريا ولبنان وحزب الله تغيروا عما كانوا عليه قبل نحو عقد من الزمن. وتابع أن "محور المقاومة لن يسمح لإسرائيل بأن تواصل اعتداءاتها على سوريا ولبنان".

وأشار نتنياهو إلى أن حكومته "حددت ووضعت خطوطا حمراء ستتصرف وفقا لها في مواجهة أي محاولة للإضرار بالسيادة الإسرائيلية". وأضاف "الحكومة لم تغير من القواعد التشغيلية والخطوط الحمراء بالنسبة لها" من جانبها قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة ”تدعم بقوة“ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وقالت المتحدثة هيذر ناورت ”الولايات المتحدة قلقة للغاية من تصاعد العنف على حدود إسرائيل وتدعم بقوة حق إسرائيل السيادي في الدفاع عن نفسها“. وأضافت ”تصاعد التهديد المتعمد الذي تمثله إيران وطموحها لاستعراض قوتها وهيمنتها يعرض للخطر كل الشعوب في المنطقة من اليمن إلى لبنان“.بحسب رويترز.

من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن بلاده لن تسمح لإيران بـ"ترسيخ" وجودها العسكري في سوريا،. وأضاف نتانياهو أن "إسرائيل تريد السلام لكننا سنستمر في الدفاع عن أنفسنا بعزم ضد أي اعتداء علينا، وضد أي محاولة من قبل إيران لترسيخ وجودها عسكريا في سوريا أو في أي مكان آخر". كما صرح نتانياهو أن "إسرائيل تحمل إيران ومضيفيها السوريين مسؤولية عدوان اليوم"، مؤكدا "أننا سنواصل القيام بكل ما هو ضروري للدفاع عن سيادتنا وأمننا".

اضف تعليق