بعد سبعة اعوام على سقوط نظام القذافي في 2011، ماتزال ليبيا تعاني الكثير من الازمات والمشكلات بسبب استمرار الصرعات والحروب الداخلية التي تخوضها المجاميع والاحزاب المسلحة والقبائل التي تشكل المكون الرئيسي للمجتمع الليبي. يضاف الى انتشار المجاميع الاسلامية المتطرفه ومنها تنظيم داعش الذي استفاد كثيرا من حالة الفوضى الامنية في هذا البلد المقسم سياسي كما نقلت بعض المصادر، بسبب النزاع على السلطة. فحكومة الوفاق الوطني التي انبثقت في نهاية 2015 عن اتفاق رعته الامم المتحدة، تتخذ من طرابلس مقرا لها بينما تتمركز سلطة منافسة لها في شرق البلاد الذي تسيطر على اجزاء كبيرة منه القوات الموالية للمشير خليفة حفتر.
كما اصبح غياب الامن ونقص المواد الاساسية جزءا من الحياة اليومية لليبيين التي تسير على وقع انقطاعات التيار الكهربائي وصفوف الانتظار امام المصارف التي تنقصها السيولة. وتواجه الصناعة النفطية التي تشكل المصدر الرئيسي لموارد البلاد، صعوبات في العودة مجددا الى حجم الانتاج في عهد القذافي الذي كان يبلغ 1,6 مليون برميل يوميا. اصبحت ليبيا ايضا معبرا للهجرة السرية وتتهم باستمرار باساءة معاملة واستغلال مئات الآلاف من المهاجرين القادمين خصوصا من افريقيا جنوب الصحراء بهدف محاولة عبور البحر المتوسط الى اوروبا.
وينتظر الليبيون حتى اليوم نهاية المرحلة الانتقالية التي تسودها الفوضى وولادة دولة ديموقراطية. ويرى الكثير من الليبيين العودة الى حياة الامن والاستقرار اصبح اليوم وفي ظل وجود الاسلحة والجماعات المسلحة حلم قد يصعب تحقيقة . وتصطدم اي محاولة للاعادة النظام في كل مرة بعداء العديد من المجموعات المسلحة التي تبدل ولاءاتها حسب مصالحها الآنية. وحاول المشير حفتر الذي يرى فيه انصاره منقذا ويتهمه معارضوه بالسعي الى اعادة فرض حكم ديكتاتوري، ان يفرض نفسه في نهاية 2017 كبديل وحيد للسلطة، لكن القوى الغربية اعترضت طريقه. وانتهى الامر برجل الشرق الليبي القوي الذي تدعمه مصر والامارات باعلان دعمه لاجراء انتخابات بدون ان يوضح ما اذا كان سيترشح فيها. وتمكن المشير حفتر الصيف الماضي من طرد المجموعات الجهادية من بنغازي بعد معارك طاحنة استمرت ثلاثة اعوام. وما زالت ثاني مدن ليبيا مهد الثورة التي اطاحت القذافي، تشهد اعمال عنف يسقط فيها قتلى.
الانتخابات القادمة
وفي هذا الشأن يقف الليبيون في الذكرى السابعة للثورة التي اطاحت بنظام معمر القذافي على مفترق طرق بين متفائل ومتشائم، ويحذو بعضهم الأمل في ان تطوي الانتخابات التي تريد الامم المتحدة تنظيمها هذه السنة صفحة الازمة السياسية والامنية في البلاد. وتقول أمينة محمد الكوافي وهي تسير على شاطئ بحر الصابري في بنغازي بمنطقة أحالها الدمار إلى أشبه بمنطقة للأشباح "لعل هذا العام سيغاث فيه الناس، لقد عشنا سبع سنوات عجاف بعد الثورة ولن نرى أسوأ مما رأيناه فيما سبق، والفرج قريب".
وتعقد الكوافي (42 عاما) التي تصطحب أطفالها في هذا المتنزه المطل على ساحة الحرية التي شهدت اعتصامات الثورة على معمر القذافي، الأمل على الانتخابات قائلة وهي تشير بأصابعها نحو أطلال تلك الساحة "هنا كنا نعتصم والمقاتلون ضد القذافي كانوا يخوضون حربا ضروسا لأجل تحريرنا". وتضيف "لقد آلمنا ضنك العيش الآن، لكن الانتخابات قادمة لا محالة وسيتغير المشهد وستعود فرحتنا بثورة 17 فبراير وسنحتفل".
وتصر الأمم المتحدة ومبعوثها غسان سلامة على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بدعم صريح من مجلس الأمن الدولي بحلول نهاية أيلول/سبتمبر المقبل، وأعلنت عدة دول غربية رغبة ملحة في ضرورة إجراء الانتخابات، وقامت بتقديم دعم مالي للعملية الانتخابية المقبلة لكن بدون وجود خارطة واضحة. من جهته، لا يعول الصحافي سعد البدري (35 عاما) على الانتخابات المقبلة للخروج من الأزمة الراهنة، قائلا "إن أي حل سياسي في ليبيا يبقى بعيد المنال على المدى القريب بسبب طمع الجميع في السلطة والتشبث بها". ويضيف "لقد ضيع الجميع مفهوم الوطن بين التشبث بأفكار النظام السابق وأحلام ثورة فبراير التي تم اختطافها". باتت الطريق نحو الانتخابات ممهدة أكثر من أي وقت مضى، رغم وجود مخاوف من إمكانية تصدّر الأطراف المتشددة المشهد السياسي الجديد.
وتمكن المشير حفتر الصيف الماضي من طرد المجموعات الجهادية من بنغازي، ثاني مدن ليبيا، بعد معارك طاحنة استمرت ثلاثة اعوام. وتتساءل فيديريكا سايني فاسانوتي من معهد بروكينغز في واشنطن "حين يكون هناك 20 مليون قطعة سلاح بأيدي الليبيين وعددهم ستة ملايين نسمة، كيف يمكن تصور نجاح الانتخابات" في ليبيا. وتضيف "الانتخابات هي ذروة الديموقراطية، وليس البداية". ولا توجد في ليبيا سلطة مركزية واحدة متمثلة في حكومة تضم مختلف الأطراف لتأمين العملية الانتخابية ما جعل المبعوث الأممي يخوض جولات جديدة من الحوار بين أطراف الصراع لتعديل اتفاق الصخيرات الذي وقع بين الفرقاء الليبيين عام 2015.
يرى عبد القادر محمد (37 عاما) وهو مهندس معماري ينشط في العمل السياسي ان البلاد بحاجة إلى خارطة طريق واضحة المعالم غير تلك التي أعلنها المبعوث الأممي. ويؤكد عبد القادر على خطوات هامة تسبق العملية الانتخابية تتمثل في إعادة تشكيل المفوضية وإصدار قانون للانتخابات مع وجود دستور أو تعديل في الإعلان الدستوري المؤقت ينقل البلد إلى شكل الدولة المنشود ويعبر بها من المراحل الانتقالية.
لكن الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية محمود المرشتي (68 عاما) يرى أن الأهم هو وجود إجماع وطني على قبول نتائج الانتخابات المرتقبة وألا يكون هناك انقلاب على صندوق الاقتراع في حال لم ترض النتائج أحد الأطراف، قائلا "إننا خضنا تجربة سابقة مريرة في هذا الأمر". ويضيف المرشتي أن "احتفالنا بثورة 17 شباط/فبراير هذا العام يتمثل في الرجوع إلى الشعب ليقول كلمته في انتخابات حرة ونزيهة تعيد للدولة هيبتها وتنهي الانقسام وترفع المعاناة عن كاهل المواطن الذي عانى ويلات العوز والجوع والمرض والخوف".
وبدأت مفوضية الانتخابات، بتحديث لوائحها الانتخابية. وحتى 14 شباط/فبراير بلغ عدد الذين سجلوا اسماءهم 2,4 مليون ناخب، بينهم 894 الفا و95 ناخب جديد بحسب قولها. وكانت كريمة البدري المصرفية من طرابلس بين نحو مليون امرأة سجلن اسماءهن. وتقول ان "حرية التصويت هي الانجاز الاساسي للثورة" مضيفة "يجب ان نركز على المستقبل لمحاولة اعادة اعمار البلاد، رغم ان النور في آخر النفق يبدو بعيدا". بحسب فرانس برس.
وأخذت المظاهر الاحتفالية بثورة شباط/فبراير تتراجع مع العام 2014 بعد الهجوم الذي شنته قوات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس، ودخول قوات المشير حفتر في شرق البلاد في أتون حرب على الجماعات الإسلامية المتطرفة. ويعزو المحامي سلامة البركي (29 عاما) تراجع المظاهر الاحتفالية بذكرى الثورة الى ما يعيشه الليبيون من شح كبير للسيولة النقدية وارتفاع للأسعار نتيجة انهيار العملة الليبية أمام باقي العملات، إضافة إلى انعدام الخدمات الطبية والمعيشية وغياب الأمن. لكن سالم المعداني (33 عاما) وهو شقيق لأحد "شهداء الثورة" الذين واجهوا قوات القذافي يقول إنه "سيحتفل بالذكرى ولو كان لوحده".
الاتحاد الأفريقي يحذر
على صعيد متصل قال مسؤول كبير في الاتحاد الأفريقي إنه ينبغي للسلطات الليبية عدم التعجل في إجراء انتخابات مقررة ضمن جهود الأمم المتحدة لإنهاء الصراع والانقسام بالبلاد. وكانت الأمم المتحدة قالت إنها ترغب في مساعدة ليبيا على تنظيم انتخابات عامة في إطار سعي المنظمة لإنهاء الجمود بين الفصائل المتمركزة في شرق ليبيا وغربها. وأقر مسؤولون بالأمم المتحدة منهم الممثل الخاص إلى ليبيا غسان سلامة بوجود تحديات سياسية وأمنية وتشريعية معقدة أمام إجراء مثل هذا التصويت لكنهم يقولون إن تأييد الليبيين للانتخابات شجعهم.
وحضر سلامة قمة للاتحاد في أديس أبابا للتشاور مع زعماء إقليميين بشأن كيفية أتباع نهج مشترك تجاه ليبيا. وقال إسماعيل شرقي مفوض مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ”لقد استقبلنا (سلامة) الذي يتفق على أن هذا الصراع معقد وصعب للغاية بدرجة يتعذر معها على أي منظمة حله بمفردها“. وأضاف ”المنظمتان (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي) ستعملان معا لدعم المصالحة وتهيئة الظروف الضرورية للانتخابات“.بحسب رويترز.
وتابع يقول ”نحن (الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي) نقول إنه ينبغي عدم الاندفاع نحو الانتخابات. ينبغي علينا إعداد أرض صلبة لانتخابات سلمية ذات مصداقية حتى تحظى نتائجها باحترام كل الأطراف“. وتحاول الأمم المتحدة إحياء خطة سلام ليبية مجمدة جرى توقيعها في ديسمبر كانون الأول 2015. وشككت الأطراف المشاركة في آخر انتخابات شهدتها ليبيا عام 2014 في نتائجها، مما زاد حدة الصراع الذي نشأ بعد انتفاضة 2011 وأدى إلى تأسيس حكومتين متنافستين في طرابلس وفي شرق البلاد.
الى جانب ذلك عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن انزعاجها من تقارير عن عمليات إعدام ”وحشية“ دون محاكمة في مدينة بنغازي بشرق ليبيا وذلك بعد انتشار صور تعرض على ما يبدو إعدام تسعة سجناء على الأقل في موقع تفجير سيارتين. ويشبه المسلح الذي ظهر في الصور محمود الورفلي وهو قائد بالقوات الخاصة مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة تنفيذ عدد من عمليات القتل المشابهة.
وقالت البعثة في حسابها على تويتر ”تطالب الأمم المتحدة بتسليم محمود الورفلي على الفور إلى محكمة الجنايات الدولية، خصوصا وأنها رصدت على الأقل خمس حالات إعدام بإجراءات موجزة أرتكبها أو أمر بها الورفلي في 2017“. وأضافت ”يتحمل المسؤولون عن ارتكاب أو تنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة المسؤولية الجنائية الكاملة بموجب القانون الجنائي الدولي“. ونشرت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي وظهرت في وسائل الإعلام المحلية. وحدثت واقعة الإعدام رميا بالرصاص فيما يبدو أمام مسجد بيعة الرضوان ببنغازي، حيث خلف انفجار سيارتين ملغومتين ما لا يقل عن 35 قتيلا.
والورفلي عضو بوحدة للقوات الخاصة تابعة لقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر الذي يسيطر على بنغازي وقاتل الإسلاميين وخصوما آخرين في المدينة. وبعدما قالت المحكمة الجنائية الدولية إنها تسعى إلى إلقاء القبض على الورفلي في أغسطس آب، أعلن الجيش الوطني الليبي أنه يحقق معه واعتقله. ورفضت القوات الخاصة مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية.
مدينة الأشباح
الى جانب ذلك وبعد سنوات على اضطرارهم لترك منازلهم في الحرب الأهلية التي أطاحت بمعمر القذافي، كان من المفترض أن يبدأ الآلاف من سكان مدينة تاورغاء الليبية التي تحولت إلى ”مدينة أشباح“ العودة إليهالكن ذلك لم يحدث. فقد أغلقت جماعات مسلحة الطريق، مما بدد آمال العائلات وألقى بظلال من الشك على تسوية جرى التفاوض عليها طويلا وأظهر مجددا كلفة الحياة في بلد يحكمه مسلحون لا رقيب عليهم فيما يبدو.
وأصبحت مدينة تاورغاء، التي نشأت بين بساتين النخيل على بعد 200 كيلومتر تقريبا جنوب شرقي طرابلس، رمزا للانقسام والصراع في ليبيا في أعقاب الانتفاضة التي ساندها حلف شمال الأطلسي ضد القذافي. واستخدمت القوات الموالية للقذافي تاورغاء خلال مهاجمتها مدينة مصراتة القريبة أثناء الحرب. وبعد القتال أخلت قوات مصراتة تاورغاء من سكانها لتتحول إلى مدينة أشباح ويعيش سكانها، وكثير منهم من ذوي البشرة السمراء المنحدرين من نسل عبيد من أفريقيا جنوبي الصحراء، في مخيمات مؤقتة بائسة.
وبعد سنوات من المفاوضات، كان من المفترض أن يبدأ سكان تاورغاء العودة في نهاية المطاف في أول فبراير شباط. لكن بعد قضائهم أياما على الطريق قالوا إن المسلحين لم يسمحوا لهم بدخول المدينة. وقالت امرأة في مخيم للنازحين على طريق مطار طرابلس بعد أن حاولت أسرتها الوصول إلى المدينة في موكب من السيارات ”أولادي كانوا يحملون الحمامات لإطلاقها للسلام... كما كانوا يحملون غصن الزيتون أيضا“.
وأضافت المرأة التي طلبت عدم نشر اسمها لأسباب أمنية ”العقلاء أوقفوا السيارات وطلبوا مننا الانتظار.. وفجأة السيارات كانت تسرع وكان هناك إطلاق رصاص“. وتابعت قائلة ”طلب منا (العقلاء) الانتظار حتى يمكن حل المشكلة. ولكن بعد ثلاثة أيام وإطلاق الرصاص علينا، ابني بدأ بالبكاء بشكل جنوني وقد انهار حلمه“. ولا تزال ليبيا بدون حكومة يمكن أن تبسط السيطرة على الشوارع.
وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس تناوئها حكومة منافسة وفصائل مسلحة متحالفة معها في شرق ليبيا. والبلدات والمدن مقسمة إلى حد بعيد بين الجماعات المسلحة، التي يحصل كثير منها على رواتب من الدولة، لكنها لا تخضع لأي من الحكومتين سوى بشكل فضفاض في أحسن الأحوال.
وكانت حكومة الوفاق الوطني روجت للعودة إلى تاورغاء على أنها انفراجة كبرى. لكن عندما حاولت مواكب السكان الاقتراب من البلدة من جهة الغرب أوقفهم رجال من كتائب مرتبطة بحكومة الوفاق الوطني. وجرى منع سكان آخرين قادمين من الشرق، قبل الوصول إلى سرت التي تسيطر عليها قوات مصراتة منذ أن طردت تنظيم داعش منها في 2016. وكان مسؤولون من مصراتة، وهي نفسها مقسمة بين جماعات معتدلة ومتشددة، قد دعوا إلى تأجيل العودة المقررة قائلين إن ثمة حاجة لمزيد من الاستعدادات لضمان أمن العائدين ودفعوا أيضا بأن بعض شروط اتفاق يعود إلى العام 2016 بين مصراتة وسكان تاورغاء لم يجر الوفاء بها.
ودافع يوسف الزرزاح رئيس لجنة الصلح بين مصراتة وتاورغاء عن الجماعات التي أوقفت العائدين. وقال في مؤتمر صحفي ”لديهم مطالب مشروعة تتضمن بعض النقاط في الاتفاق بين مصراتة وتاورغاء كالاعتراف بثورة السابع عشر من فبراير والاعتذار الرسمي من سلطات تاورغاء لأهالي مصراتة“. وأنحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باللائمة في منع عودة اللاجئين على ”بعض العناصر المتشددة“ ونددت ”بمحاولات ابتزازهم ماليا للسماح لهم بالعودة الآمنة إلى ديارهم“. بحسب رويترز.
ولا تزال تاورغاء مهجورة ومدمرة ولم يتضح كيف يمكن للسكان الاستقرار هناك قبل استعادة البنية التحتية الأساسية. لكن حكومة الوفاق الوطني، التي تسعى جاهدة لفرض سلطاتها في العاصمة وخارجها، حاولت التوسط لحل للأزمة. وقال يوسف جلالة وزير الدولة لشؤون النازحين والمهجرين ”عقدنا اجتماعا مع بلدية مصراتة وآمر المنطقة العسكرية الوسطى وآمر الشرطة العسكرية... الاجتماع استمر حتى منتصف الليل ولكن لم نخرج بنتائج إيجابية“.
اضف تعليق