يعاني السودان من مشكلات وازمات مختلفة أهمها الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تفاقمت حدتها بشكل كبير بعد انفصال الجنوب في يوليو/تموز 2011 وفقدان عائدات ثلاثة أرباع عائدات النفط التي أصبحت من حصة الدولة الجديدة بعد الانفصال، إضافة إلى عقود من العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضتها عام 1997. وسعت إلى رفعها مؤخراً. هذه الأزمات أجبرت الحكومة السودانية على إجراء خطط وإصلاحات تقشفية تضمنت خطوات لتخفيض الإنفاق العام ورفع الدعم الحكومي عن أسعار المشتقات النفطية وفرض ضرائب إضافية على المواطنين. قد شملت ايضا رفع الدعم الحكومي عن بعض المواد المهمة ومنها الخبز الذي ارتفعت اسعاره بشكل كبير، فقبل سنوات كان يمكن في السودان شراء خمسة أرغفة بجنيه واحد، واليوم لا يمكنك شراء سوى رغيف واحد.
وأثارت تلك الإجراءات كما نقلت بعض المصادر، غضب الشارع وخرجت مظاهرات احتجاجية على غلاء المعيشة، اتسع نطاقها بعد أيام ليصل إلى مدن وقرى سودانية، لتتحول بعد ذلك إلى مطالبة شعبية بإسقاط النظام. وتسبب هبوط الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية ايضا في أزمة اقتصادية حادة، عانت معها المصارف في توفير السيولة اللازمة للعملاء، فضلا عن ارتفاع الأسعار. وانعكس تأثير الهبوط الحاد لسعر الجنيه بصورة مباشرة على أسعار السلع والخدمات. ورغم عدم وفرة النقد الأجنبي، يستورد السودان ثلاثة أرباع احتياجاته، بكلفة تصل إلى ستة مليارات دولار، مما يزيد الأزمات الاقتصادية تفاقما.
وأفرزت موازنة 2018 في السودان بحسب بعض الخبراء أزمات متعددة، طالت حياة المواطن المعيشية في ظل ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية، وتذبذب أسعار الصرف، مع بوادر شح في بعض السلع. الموازنة السودانية التي أجازها البرلمان في 31 ديسمبر/ كانون أول الماضي، تضمنت زيادة الدولار الرسمي والجمركي إلى 18 جنيها مقابل 6.9 جنيهات في الموازنة السابقة. وبلغ عجز موازنة العام الجاري 28.4 مليار جنيه (4.11 مليارات دولار)، ما تشكل نسبته 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأقرت موازنة العام الحالي، زيادة في أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي والتجاري، وقطاع الخدمات، بما ينذر خروج عدد كبير من المصانع السودانية من دائرة الإنتاج.
احتجاجات الخبز
وفي هذا الشأن اندلعت احتجاجات على رفع أسعار الخبز في أنحاء السودان مما أدى إلى مقتل طالب في حين ألقت السلطات القبض على أحد قيادات المعارضة وصادرت عدة صحف في محاولة لإخماد اضطرابات متنامية. وجاءت المظاهرات في أعقاب احتجاج مماثل في مدينة سنار بجنوب شرق البلاد بعد مضاعفة سعر الخبز في الأيام الأخيرة بعد إعلان الحكومة أنها ستلغى الدعم في موازنة 2018.
وقال أحد السكان في مدينة الدمازين في الجنوب الشرقي إن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع بينما ردد حوالي 400 متظاهر هتافات معلنين رفضهم لزيادات الأسعار وأحرق البعض إطارات السيارات. ويعد رفع الدعم جزءا من تدابير التقشف التي اتخذها السودان وهو يكافح في مواجهة ارتفاع التضخم إلى نحو 25 في المئة ونقص حاد في العملة الصعبة أثر على حركة الاستيراد. وشهد السودان احتجاجات جماهيرية متقطعة خلال السنوات القليلة الماضية اعتراضا على إجراءات التقشف. وطبقا لمنظمة العفو الدولية هناك زهاء 185 شخصا ربما قتلوا في عام 2013 أثناء مظاهرات على رفع أسعار الوقود مع خروج الآلاف إلى الشوارع.
ومنذ ذلك الحين كانت الاحتجاجات أقل حجما ودعت أحزاب المعارضة الرئيسية لتنظيم مظاهرات سلمية احتجاجا على رفع أسعار الخبز. وقال سكان إن الاحتجاجات انتشرت إلى وسط الخرطوم إضافة إلى ثلاث مدن تقع إلى الجنوب من العاصمة وهي، إضافة إلى الدمازين، نيالا والجنينة جنوب شرق البلاد. وقال بيان من رئيس بلدية الجنينة إن طالبا بالمدرسة الثانوية قتل وأصيب ستة آخرون بالمدينة أثناء الاحتجاجات. ولم يعلن المسؤول سبب الوفاة لكنه قال إن تحقيقا سيجري في الحادث. بحسب رويترز.
وقال أعضاء في حزب المؤتمر السوداني إن السلطات ألقت القبض على عمر الدقير رئيس الحزب الذي يعد أحد أكبر جماعتين معارضتين في البلاد. وقال رؤساء تحرير إن السلطات منعت بيع ست صحف يومية تتضمن تغطية فيها انتقاد لرفع الدعم وزيادات الأسعار. ونفى وزير الدولة بوزارة الداخلية بابكر دقنة أن تكون المظاهرات ردا على ارتفاع أسعار السلع ونقلت وكالة أنباء السودان عنه قوله إن الشرطة ”ستتعامل بالقمع مع التظاهر بالتخريب“. وبدأ السودان سلسلة إصلاحات اقتصادية تماشيا مع توصيات من صندوق النقد الدولي تهدف إلى انتشال اقتصاد البلاد المنهك من عثرته وذلك بعد أشهر من قرار الولايات المتحدة برفع العقوبات مما زاد الآمال بعودة الاستثمارات التي تحتاج إليها الحكومة بشدة.
وقال اتحاد أصحاب المخابز في السودان إن أسعار الخبز تضاعفت بعد أيام قليلة من إلغاء الحكومة الدعم للقمح في ميزانيتها لعام 2018. وأضاف الاتحاد أن سعر الرغيف قفز من نصف جنيه سوداني ِإلى جنيه بعد صعود أسعار طحين القمح. ودعا أكبر حزب معارض في البلاد إلى احتجاجات سلمية ضد الميزانية الجديدة، وتجمعت حشود خارج مخابز في الخرطوم للتعبير عن إحباطها من الخطوة التي اتخذتها الحكومة.
وقالت فاطمة أحمد، وهي ربة بيت، بينما كانت تشتري الخبز ”الأسعار الجديدة ستجعلنا نتضور جوعا“. وأضافت قائلة ”الحكومة غير مهتمة بنا. أحوالنا قاسية... لا يمكننا احتمال المزيد“. وبدأت الحكومة السودانية سلسلة إصلاحات اقتصادية تماشيا مع توصيات من صندوق النقد الدولي تهدف إلى إقالة اقتصاد البلاد المنهك من عثرته.
وقال عضو اتحاد المخابز محمد عوض السيد "كل المخابز قررت رفع الاسعار بعد ان ارتفعت اسعار طحين القمح ا". ورفعت المطاحن سعر كيس الطحين زنة 50 كلغ من 167 الى 450 جنيها سودانيا (65 دولار). وقال محمد عبد الله صاحب احد المخابز في شمال الخرطوم "عندما ينفد مخزوني من الطحين ساتوقف عن العمل ففي حين ارتفع سعر الطحين بنسبة 270% فان سعر الخبز تضاعف فقط. هذا ليس عدلا". واكد حسن احمد الموظف في شركة خاصة بينما كان يقف امام احد المخابز ان كلفة توفير الخبر لاسرته تضاعفت من 20 الي 40 جنيها في اليوم. وقال "بالاسعار الجديدة، يجب انفاق 1200 جنيه شهريا للخبز من مرتب قدره نحو ثلاثة الاف جنيه هذا امر غير مقبول". وبدأت اسعار المواد الغذائية والوقود في الارتفاع منذ العام الماضي عندما قررت الحكومة الغاء الدعم من اجل اصلاح الاقتصاد.
تدهور العملة
من جانب اخر اعلن بنك السودان المركزي انه سيخفض قيمة العملة المحلية الى ثلاثين جنيها للدولار الواحد. واشار البنك في موقعه على الانترنت الى ان سعر الصرف الرسمي الجديد دخل حيز التنفيذ. وهذا الانخفاض الجديد لقيمة الجنيه هو الثاني خلال اسابيع. وفي وقت سابق، كان قد جرى تداول الجنيه السوداني بسعر رسمي بلغ 18 جنيها للدولار الواحد. وهوت قيمة الجنيه في السوق السوداء، وبلغت ما بين 40 و43 جنيها للدولار الواحد.
وطالب البنك المركزي من البنوك التجارية التنسيق الجيد وحسن استخدام العملات الاجنبية من اجل "المساعدة في استيراد الاحتياجات الاساسية". وراجت تجارة تبديل العملات في السوق السوداء بشكل واسع منذ ان رفعت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية في 12 تشرين الاول/اكتوبر الماضي فرضتها طوال عشرين عاما. وكان من المتوقع ان يتحسن سعر صرف الجنيه بعد رفع العقوبات لكن حدث العكس. ويؤكد مسؤولون حكوميون ان البنوك العالمية ما زالت لديها تحفظات حيال التعامل مع البنوك السودانية رغم رفع الحظر الاميركي. بحسب فرانس برس.
ومع ان واشنطن رفعت العقوبات الاقتصادية، الا انها ما زالت تضع السودان في لائحة الدول الراعية للارهاب. وادى تدهور سعر صرف الجنيه الى زيادة معدل التضخم الذي بلغ 34 في المئة. ويعاني الاقتصاد السوداني منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 آخذا معه 75% من انتاج النفط الذي كان حجمه 470 الف برميل يوميا. واثر الانفصال، اتخذت الحكومة السودانية اجراءات تقشفية شملت رفع الدعم عن المنتجات النفطية في ايلول/سبتمبر 2013 ادت الى تظاهرات كانت من اسوأ الاضطرابات منذ تولي الرئيس عمر البشير الحكم في العام 1989 وتسببت في مقتل زهاء 200 شخص وفقا لمنظمات حقوقية بينما تشدد الحكومة على ان عدد القتلى لم يتجاوز مئة شخص. ومنذ كانون الثاني/يناير الماضي يشهد السودان احتجاجات ضد الحكومة جراء ارتفاع اسعار المواد الغذائية.
السوق السوداء
على صعيد متصل قال مجدي حسن يس وزير الدولة بوزارة المالية في السودان إن سوقا سوداء للعملة الأجنبية هي المسؤولة عن ارتفاع الأسعار الذي أثار اضطرابات في البلاد، وليس خفض قيمة العملة في بداية العام الجديد. واندلعت احتجاجات في الشوارع بعدما تضاعفت أسعار الخبز في أعقاب قرار الحكومة إلغاء الدعم في ميزانيتها لعام 2018 في إطار إجراءات تقشفية. وخفض السودان قيمة عملته إلى 18 جنيها مقابل الدولار من 6.7 جنيه في السابق. ورغم ذلك، لا تزال العملة الصعبة شحيحة في النظام المصرفي الرسمي، وهو ما يدفع المستوردين إلى اللجوء للسوق السوداء الأعلى تكلفة.
وهبطت قيمة العملة السودانية إلى 30.5 جنيه مقابل الدولار يوم الثلاثاء في السوق السوداء، حيث يقول تجار إن الطلب ارتفع بشكل كبير مع عدم قدرة البنوك على تلبية احتياجات السوق. ووصف يس في كلمة ألقاها في البرلمان ارتفاع الأسعار مؤخرا بأنه نتيجة لتلاعب السوق السوداء في سعر الصرف، وقال إن وزارة المالية والبنك المركزي يعملان للقضاء عليها، بدون أن يحدد كيف فعل ذلك. بحسب رويترز.
وبلغ التضخم السنوي في السودان 24.76 بالمئة في نوفمبر تشرين الثاني وفق أحدث قراءة متاحة. واستبعدت الحكومة تعويم العملة، وهو إجراء حث صندوق النقد الدولي السودان على إتخاذه في إطار إصلاحات أوسع يقول إنها مطلوبة لجذب الاستثمارات وإحياء الاقتصاد المتعثر. وقال يس إن ارتفاع الأسعار لا يرتبط بخفض سعر الصرف الرسمي للعملة من 6.7 جنيه إلى 18 جنيها مقابل الدولار، لأن الحكومة تبذل جهودا لخفض أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية.
وشنت قوات الأمن في السودان حملة على السوق السوداء للعملة لكبح السوق الموازية التي قوضت النظام المصرفي في حين توقف بعض المستوردين عن ممارسة نشاطهم نتيجة تقلص المعروض من الدولار. وشهد وسط الخرطوم وجودا أمنيا مكثفا حول المناطق التجارية التي غالبا ما تشهد تعاملات في السوق السوداء. وقال شاهد ومتعاملون إن التجار اختفوا إلى حد كبير من الأماكن التي يتواجدون فيها عادة خارج البنوك والشركات حيث تجرى صفقات العملات.
وقال متعامل بالسوق السوداء ”توقفنا عن العمل خشية القبض علينا. تشن قوات الأمن حملات مكثفة.. لكننا سنعاود نشاطنا.. لا توجد دولارات في البنوك والسعر هناك ليس حقيقيا لذا سيعود الناس إلينا“. وذكر بيان صادر عن مكتب النائب العام أنه سيبدأ في مكافحة السوق السوداء وسيوجه للتجار اتهامات بتمويل الإرهاب وغسل الأموال وتخريب الاقتصاد.
اضف تعليق