مع اقتراب موعد الانتخابية الرئاسية في روسيا المقرر إجرائها في 18 مارس 2018، دخلت روسيا في صراع حرب انتخابية جديدة خصوصا بعد ان أكدت المحكمة الدستورية حظر تسجيل بعض المرشحين المدانين بقضايا تمنعهم من حق الترشيح في هذه الانتخابات ومنهم أليكسي نافالني زعيم حزب التقدم المعارض، وهو ما اثار موجة جدل وانتقادات واسعة داخل وخارج روسيا، إذ شددت لجنة الانتخابات المركزية أن نافالني لا يستطيع المشاركة في الانتخابات الرئاسية قبل العام 2028 لكونه مدانًا "محكوما عليه" في ارتكاب جرائم مالية. ونفى نافالني قطعيًا الاتهامات المنسوبة إليه، مدعيًا أنها تحمل طابعًا سياسيًا. ويمارس السياسي المعارض أنشطة اجتماعية مكثفة، ويشارك في التظاهرات في مختلف مناطق روسيا، وقد تم حبسه غير مرة في الأشهر الماضية بتهمة مخالفة قانون التظاهر.
ويتوقع ان يفوز بوتين بولاية رئاسية رابعة في الانتخابات المرتقبة في آذار/مارس سيما وأن منافسيه لا يتمتعون بحجم سياسي فاعل، مما يجعل فترة حكمه الاطول في روسيا منذ الدكتاتور جوزيف ستالين. وسجل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسميا ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة للفوز بفترة ولاية جديدة. وقدم بوتين الأوراق المطلوبة إلى اللجنة المركزية للانتخابات بنفسه. وتظهر استطلاعات الرأي أن بوتين، الذي يهيمن على المشهد السياسي الروسي منذ 17 عاما لتوليه منصبي الرئيس ورئيس الوزراء، بصدد تحقيق فوز مريح آخر بفترة ولاية أخرى مدتها ست سنوات. وسيتيح له ذلك الحكم حتى عام 2024 وسيكون حينها قد بلغ من العمر 72 عاما.
ويخوض بوتين، ضابط المخابرات السابق، الانتخابات كمرشح مستقل في تحرك ينظر له على أنه وسيلة لتعزيز صورته ”كأب للأمة“ وليس شخصية سياسية حزبية.
وقال حزب روسيا المتحدة الحاكم وحزب روسيا عادلة إنهما سيدعمان بوتين. ويشيد الحلفاء ببوتين لأنه استعاد الشعور الوطني بالكرامة ووسع نطاق نفوذ موسكو بتدخله في سوريا وأوكرانيا. لكن زعيم المعارضة أليكسي نافالني، يقول إن بوتين أمضى وقتا أطول مما ينبغي في السلطة وإن الدعم له مصطنع من قبل وسائل إعلام رسمية منحازة ونظام جائر يقصي المعارضين الحقيقيين. ودعا نافالني إلى مقاطعة الانتخابات ليثير بذلك مخاوف من خروج مظاهرات واسعة النطاق واشتباكات مع الشرطة.
استطلاع رأي
وفي هذا الشأن أظهر استطلاع إلكتروني للآراء، أجراه المركز الروسي لدراسة الرأي العام، أن نحو ثلاثة أرباع الناخبين، مستعدون للتصويت لصالح الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال المدير العام للمركز، فاليري فيودوروف في هذا الصدد: " أعرب 73% ممن استطلعت آراؤهم، عن رغبتهم بالتصويت لصالح فلاديمير بوتين، وأكثر من 6% بقليل لبافل غرودينين (الحزب الشيوعي)، ولفلاديمير جيرينوفسكي (الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي) أيضا أكثر من 6% بقليل، بمعنى أنه يمكننا القول إنهما يتقاسمان المركز الثاني.. وحلت كسينيا سوبتشاك (حزب المبادرة المدنية) في المركز الثالث وحصلت على 1.2%، أما كل من غريغوري يافلينسكي ( حزب يابلوكو) وبوريس تيتوف (حزب روست) فحصلوا على أقل من 1% من أصوات الاستطلاع".
وأشار فيودوروف إلى أن "0.6% من الذين شملهم الاستطلاع أعلنوا عزمهم على الحضور إلى صناديق الاقتراع وإفساد بطاقات الاقتراع.. وهناك من قالوا إنهم لن يصوتوا على الإطلاق". وقال المدير العام للمركز: "بالطبع، هناك من وجد صعوبة في الإجابة، فضلا عن أولئك الذين سيصوتون لمرشح آخر لم يكن مدرجا في قائمتنا الأولية.. هؤلاء المرشحون ينتظرون أصواتا يصل مجموعها إلى نصف في المئة". ويترشح فلاديمير بوتين مستقلا، فيما يترشح بافيل غرودينين عن الحزب الشيوعي، وفلاديمير جيرينوفسكي، عن الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، وكسينيا سوبتشاك عن حزب "المبادرة المدنية"، وغريغوري يافلينسكي عن حزب "يابلوكو" وبوريس تيتوف مرشح عن الحزب "روست".
امبراطور مدى الحياة
في السياق ذاته اكد المعارض الروسي اليكسي نافالني الذي اعتبر غير مؤهل للترشح في انتخابات 18 آذار/مارس الرئاسية، "استحالة الاعتراف" بانتخابات تهدف "بالواقع إلى إعادة تنصيب" فلاديمير بوتين الذي يريد على قوله ان يكون "امبراطورا مدى الحياة". وصرح نافالني ان "هذه الانتخابات ليست انتخابات، وسيصبح دوري من الآن وصاعدا التوعية على ان هذه العملية التي يسمونها انتخابات تهدف بالواقع إلى إعادة تنصيب بوتين"، اثناء الحديث في مكتبه المتاخم لستوديو صغير يسجل فيه فيديوات لمدونته. واضاف "سنثبت استحالة الاعتراف بهذه الانتخابات وبهذه السلطة وسنقنع الناس بذلك".
وفي آخر كانون الاول/ديسمبر رفضت اللجنة الانتخابية طلب ترشح نافالني بداعي إدانته بالاختلاس في قضية تهدف في رأيه إلى إبعاده من السياسة. ودعا المعارض أنصاره إلى مقاطعة الاستحقاق والتظاهر في جميع انحاء روسيا في 28 كانون الثاني/يناير. أضاف ان "بوتين يريد أن يكون أمبراطورا مدى الحياة. ومحيطه المؤلف من شخصيات فاحشة الثراء من أبرز أغنياء العالم يريد الأمر نفسه".
وتابع نافالني "ليست لدينا حاليا انتخابات حقيقية ونطالب باسترجاعها. بعد ذلك سنصبح مستعدين للفوز بتلك الانتخابات" لافتا الى ان السلطة "تفهم ذلك ولذلك مُنعت من الترشح". والمعارض الذي بدأ حياته العامة بميول قومية بات اليوم يلقى دعم الليبراليين، ونظم في آذار/مارس وحزيران/يونيو تظاهرتين واسعتين في مختلف مدن البلاد تخللهما توقيف الآلاف.
ورغم تجاهل الاعلام المحلي لنافالني، يبقى شديد الحضور في مختلف شبكات التواصل التي تتناقل بكثافة تحقيقاته حول فساد النخب، ولا سيما فيديو بشأن رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف تم الاطلاع عليه 25 مليون مرة على موقع يوتيوب. وخاض اليكسي نافالني حملة على مدى أشهر في جميع أنحاء روسيا ونظم لقاءات وفتح مكاتب كثيرة في الارياف رغم عراقيل السلطات، ما أكسبه قاعدة انصار مخلصين أغلبهم من الشباب.
وأودع نافالني السجن ثلاث مرات بسبب أنشطته في 2017. وصرح ان بوتين "يخشاني، يخشى الذين أمثلهم" مؤكدا انه انشأ "الحركة السياسية الجماعية الأهم في تاريخ روسيا الحديث مع أكثر من 200 ألف متطوع". واضاف "لن نصوت، نريد الاقناع بضرورة الامتناع عن التصويت، ونرصد الاستحقاق لمنع السلطة من تزوير نسبة المشاركة" وخصوصا في المناطق المعروفة بأنها مؤاتية لعمليات التزوير على غرار القوقاز بحسبه.
وتشكل نسبة المشاركة الرهان الأساسي في انتخابات 18 آذار/مارس الرئاسية فيما يبدو بوتين، مدعوما بشعبية استثنائية، الفائز شبه المؤكد بولاية رابعة تبقيه في السلطة إلى 2024، بعد ربع قرن من تعيينه خلفا لبوريس يلتسين. ويرى كثير من الروس في رئيسهم البالغ 65 عاما مهندس عودة الاستقرار بعد فوضى التسعينات، واعرب اكثر من 85% عن نيتهم التصويت له في آخر استطلاعات الرأي الصادرة عن معهد "المركز الروسي لأبحاث الرأي العام" المقرب من السلطة.
كما انه يتقدم بفارق واسع على المرشح الشيوعي بافيل غرودينين (أقل من 8%) مقابل أقل من 1% للمرشحين الآخرين الليبراليين كسينيا سوبتشاك وغريغوري يافلينسكي. اما مركز ليفادا، معهد الاستطلاع المستقل الوحيد، فلم يسمح له بإجراء استطلاعات للرأي أثناء الحملة بعدما صنفته السلطات "عميلا للخارج".
واعتبر نافالني أن شعبية بوتين "موجودة حصرا في خلفية لا تجيز فيها (السلطات) لبعض المرشحين خوض السباق ولا تسمح إلا بالذين تختارهم". كما اتهم الرئيس الروسي بـ"تحويل روسيا إلى دولة سلطوية" وبـ"جعل الفساد قاعدة لسلطته" وبـ"استغلال مواضيع السياسة الخارجية" على غرار اوكرانيا او سوريا للتغطية على الصعوبات الاقتصادية في البلاد حيث يبقى مستوى المعيشة متدنيا. بحسب فرانس برس.
كذلك أكد المعارض ان "نضالي السياسي ليس محصورا بالانتخابات" ولو انه يقر "بمخاوف" على سلامته وسلامة عائلته. وقال "اعي جيدا مع من أتعامل وأعلم بما يقدر عليه الكرملين من جرائم، وبجماعة الفاسدين في خدمته وجحافل القتلة تحت إمرتهم، في الشيشان مثلا (...) الذين يمكنهم القتل على بعد 200 متر من الكرملين على غرار ما جرى مع بوريس نيمتسوف"، المعارض الذي تم اغتياله في 2015.
بين الشرعية والتشكيك
الى جانب ذلك دافعت الرئاسة الروسية عن شرعية الانتخابات الرئاسية المقررة في آذار/مارس 2018 بعد رفض ترشح اليكسي نافالني الذي يعد أبرز معارض للرئيس فلادمير بوتين، ودعا الى مقاطعة الاقتراع. وأعلن نافالني (41 عاما) وهو خبير قانون أجرى عدة تحقيقات حول فساد نخب روسية، مقاطعة الانتخابات حال صدور قرار اللجنة الانتخابية التي رفضت قبوله ترشيحه بسبب حكم قضائي صادر بحقه قال المعارض انه "مفبرك".
وندد الاتحاد الاوروبي بقرار اللجنة الذي قال انه يرخي بظلال "شك جدية بشأن التعددية السياسية في روسيا وأفق انتخابات ديمقراطية ". ورد ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين بان "عدم مشاركة احد الراغبين في الترشح بسبب القانون، لا يمكن باي حال ان يمس من شرعية الانتخابات". وبالنظر الى شعبية بوتين الذي يحكم البلاد منذ 18 عاما وغياب نافالني الذي تمكن من حشد آلاف المحتجين في الشوارع في الاشهر الاخيرة، يرى بعض المراقبين ان نسبة الامتناع ستكون عالية الأمر الذي قد يؤثر على مشروعية نتائج الاقتراع.
وراى خبراء ان الهدف الرئيسي للكرملين بات تعبئة الناخبين في اقتراع يبدو معروف النتائج من الان والحد من عمليات التزوير لتفادي حدوث تظاهرات كبيرة وانتقادات الغرب والمعارضة. وقالت المحللة السياسية ايكاترينا شولمان من جامعة رانيبا إن "خطر المشاركة الضعيفة قائم. ولا علاقة للامر بنافالني بل بغياب اهمية التصويت مع انتخابات نتيجتها محسومة سلفا".
ودعا بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريلس، المقرب من الكرملين، اتباع الكنيسة للاقبال على الانتخابات في 18 آذار/مارس 2018. وقال "يجب ان نشارك فيها من اجل المساهمة في رسم مستقبل بلادنا"، بحسب ما اوردت وكالة نوفوستي. وذكرت صحيفة "ار بي كي" بداية كانون الاول/ديسمبر 2017 ان الكرملين اصدر تعليمات للمسؤولين في المناطق لجعل يوم الاقتراع يوم احتفال لجذب الناخبين.
ورغم عدم اكتراث وسائل الاعلام الوطنية فان تجمعات نافالني جمعت آلاف الاشخاص وفتح عشرات المكاتب لحملته في المناطق، وهو الان يعول عليها للدعوة للمقاطعة. وعلق المتحدث باسم الكرملين قائلا "ستدرس الدعوات للمقاطعة بعناية لتبين ان كانت مخالفة ام لا للقانون". ولم يشكل رفض ترشح المعارض مفاجأة. وكان اشير مرارا الى انه لن يكون بامكانه الترشح قبل 2028 بسبب حكم صدر بحقه في شباط/فبراير 2017 بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ لادانته في قضية اختلاس اموال.
وأعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن روسيا ستضطر لاتخاذ تدابير مضادة إذا حاول عدد من الدول التدخل في الانتخابات الرئاسية القادمة. وقالت زاخاروفا خلال مؤتمر صحفي:"لدينا أيضا معلومات عن خطط للتدخل المدمر لبعض الدول في الشؤون الداخلية لروسيا في سياق حملة الانتخابات الرئاسية".
وأضافت زاخاروفا: أود أن أذكر مرة أخرى أن هذه المحاولات سيتم مواجهتها بشدة، وإذا لم تتوقف، سنضطر إلى اتخاذ تدابير مضادة مناسبة، بما في ذلك رد الفعل العام والكشف عن البيانات المتاحة لنا. ودعا مجلس الاتحاد الروسي مراقبين من دول أجنبية ومنظمات دولية لمتابعة الانتخابات الرئاسية. وأضافت ماتفينكو "يملك مجلس الاتحاد الروسي الحق القانوني لدعوة مراقبين أجانب، ونحن سنستخدم هذا الحق بالتأكيد… كلما كثر المراقبون، كلما كان التقييم أكثر موضوعية. واثقة، أنه نظرا للاهتمام الكبير بالانتخابات الرئاسية، سيكون عدد المراقبين قياسيا، هذه توقعاتي".
كما صرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بأن المفاوضات مع الولايات المتحدة تواجه صعوبة، مؤكدا استعداد بلاده للرد على المشككين في شرعية الانتخابات الرئاسية القادمة في روسيا. وردا على سؤال عما إذا كانت السلطات تستعد لاتهامات في وسائل الإعلام الغربية من التزوير والاحتيال في الانتخابات المقبلة، قال بيسكوف، "نحن نستعد، لأن هذا أيضا يمكن توقع حصوله، أنتم تعلمون، إنه على رئيسنا وبلدنا، وقبل وقت طويل من الانتخابات بدأت الهجمات الجماعية. ويتم تحضيرها، فهي نظمت بعناية. ولكن كما قمنا بالرد في السابق سنقوم الآن". يذكر أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجري في روسيا يوم 18 آذار/مارس عام 2018. أما الحملة الانتخابية فانطلقت بشكل رسمي يوم 18 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
اضف تعليق