q

تتواصل المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن والمناطق المغربية، للتنديد بالفساد والتهميش وتفشي الفقر والبطالة. وتشهد هذه المنطقة الريفية مظاهرات منذ وفاة بائع السمك في نهاية تشرين الأول/أكتوبر2016، ومع مرور الأشهر اتخذت الاحتجاجات طابعا اجتماعيا وسياسيا. وعرفت منطقة الريف التي خضعت للاستعمار الإسبانى بعض الاحتجاجات الاجتماعية، خاصة فى فترة الملك الحسن الثانى، الذي قمع بشدة ثورة في الريف في عام 1958، وكان آنذاك وليًا للعهد، كما انتفضت المنطقة في احتجاجات اجتماعية عام 1984 إلى جانب عدد من مناطق المغرب.

وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد تظاهر آلاف من سكان مدينة جرادة شمال شرق المغرب مجددا لمطالبة السلطات بتوفير العمل والتنمية وذلك بعد ايام من وفاة شقيقين في منجم غير قانوني للفحم الحجري. وتجمع المحتجون ومعظمهم من الشباب في الساحة الرئيسية لهذه المدينة المنجمية السابقة للتعبير عن غضبهم اثر وفاة الشقيقين (23 و30 عاما) سعيا وراء لقمة العيش في منجم مهجور، وهتفوا "بديل اقتصادي" و"لا للتهميش".

وقال مسؤول محلي في الجمعية المغربية لحقوق الانسان انه منذ اغلاق منجم المدينة الذي كان يعيل جرادة "لم يعد للمدينة مورد آخر، ولا توجد فرص عمل ولا مصانع والناس تعيش حياة الفقر". ووجه المحتجون الذين رفع الكثير منهم علم البلاد، اصابع الاتهام الى "اعيان" المنطقة الذين يملكون تراخيص استغلال المناجم و"يفرضون قوانينهم". وقال نشطاء حقوقيون إن إضرابا عاما أصاب الحياة في مدينة جرادة المغربية بالشلل فيما يتواصل اعتصام ومظاهرات احتجاجا على مقتل شخصين كانا ينقبان عن الفحم بالمدينة بشكل غير قانوني. وقال محمد عدادي، وهو ناشط حقوقي بالمدينة، ”عدد المعتصمين يقدر بالآلاف كما أن إضرابا عاما يشل المدينة بعد مقتل الأخوين حسين وجدوان أثناء تنقيبهما عن الفحم الحجري“. وتقع مدينة جرادة على بعد 522 كيلومترا شرقي العاصمة الرباط. وأضاف عدادي أنه بعد غلق مناجم الفحم الحجري بالمدينة في عام 1998 نتيجة لنضوبها أصبح ”العمال والناس يحاولون التنقيب عن هذا المعدن بطريقة عشوائية لكسب قوتهم وفي غياب شروط السلامة الصحية“.

فيما اكد وزير الطاقة والمناجم المغربي عزيز رباح ان وزارته لن تتردد في "سحب اي ترخيص للبحث او استغلال (الفحم) في حالة عدم احترام التراتيب او حدوث تجاوز" وذلك "في جرادة او غيرها". واكد ان وزارته "سحبت اكثر من 1400 ترخيص في 2017 في كامل انحاء المملكة". ورغم اغلاق منجم كبير في نهاية تسعينات القرن الماضي في جرادة كان يعمل فيه نحو تسعة آلاف شخص، فان مئات عمال المناجم يواصلون المخاطرة بحياتهم لاستخراج الفحم الحجري سرا. واصيب الكثير منهم بامراض ناجمة عن استنشاق غبار الفحم الحجري. وجرادة القريبة من الحدود مع الجزائر تعتبر من افقر مدن المملكة المغربية، بحسب ارقام رسمية.

اجراءات قضائية

الى جانب ذلك تم توقيف 11 قاصرا تراوح اعمارهم بين 10 و14 عاما لفترة قصيرة وستتم محاكمتهم بتهمة "المشاركة في تظاهرة غير مرخصة" في شمال المغرب، وفق ما علم ا من محاميهم. وشارك هؤلاء في تظاهرة في امزورين في ولاية الحسيمة التي شهدت حركة احتجاجية استمرت لاشهر اثر مقتل بائع سمك في تشرين الاول/اكتوبر 2016.

وقال الصحافي عمر راضي في تغريدة نقلا عن مصادر في الاسر ان بعضهم يحمل "آثار ضرب وجروح في اجسادهم". وقرر قاض في المحكمة الابتدائية في الحسيمة ملاحقتهم بتهمة "المشاركة في تظاهرة غير مرخصة" وممارسة "العنف تجاه قوات الامن"، بحسب المحامي. وحدد موعد الجلسة الاولى في 15 كانون الثاني/يناير 2018 بحسب المحامي. وحكم على قاصرين في الاشهر الاخيرة في المنطقة للاسباب ذاتها. واثار توقيفهم انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

من جانب اخر نقل قائد "الحراك" في شمال المغرب ناصر الزفزافي الى المستشفى بشكل عاجل اثناء مثوله امام محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، حسبما أكد أحد محاميه. وقال عبد الصادق البشتاوي ان الزفزافي مثل مع 53 متهما امام محكمة الاستئناف في الدار البيضاء لكنه قال "اشعر بتوعك". وتوقفت الجلسة المخصصة لمسائل إجرائية، بناء على طلب رئيس المحكمة.

وتحول الزفزافي (39 عاما)، وهو عاطل عن العمل، الى ابرز وجوه الاحتجاجات في منطقة الريف في شمال البلاد. وبدأ مع ثلاثين موقوفا اخرين اضرابا عن الطعام. وهذا الاضراب عن الطعام هو الاول للزفزافي منذ سجنه اواخر ايار/مايو الماضي. وقد اضرب نشطاء الحراك الآخرين عن الطعام لمدة شهر قبل انهاء حركتهم في تشرين الأول/اكتوبر. ويحاكم المدعى عليهم لأسباب مختلفة، وأحيانا خطيرة جدا مثل "التعرض لامن الدولة". بحسب فرانس برس.

وشمل "الحراك" الذي بدا في تشرين الاول/اكتوبر 2016 في شمال المملكة منطقة الريف للمطالبة بتنميتها وتطويرها. ومنذ أيار/مايو، اعتقلت السلطات المغربية "مئات المتظاهرين"، وضمنهم قُصَّر خلال الاحتجاجات، وهناك "ما لا يقل عن 410 قيد الاحتجاز حاليا"، وفقا لمنظمة العفو الدولية التي تدعو الى الافراج عن "سجناء الرأي".

مقتل 15 امرأة

في السياق ذاته يخيم الصمت ورائحة الموت على المكان الذي شهد مقتل 15 امرأة تدافعن مع المئات من أجل الحصول على مساعدات غذائية بقرية سيدي بولعلام قرب الصويرة التي تقع على نحو 483 كيلومترا جنوب غربي الرباط. وعمت الفوضى المكان حيث تناثرت أحجار وأكياس بلاستيكية ممزقة وخيم الوجوم على الوجوه مع انتشار عناصر من الدرك المغربي.

وقال شاهد ذكر اسمه الأول فقط وهو أحمد ”كل أربع سنوات ينظم هذا الإمام الذي يتلقى أموالا من السعودية عملية توزيع مواد غذائية ويصورها مساعدوه لا أدري ربما يبعثها إلى السعودية ليبرر الأموال التي يتلقاها“. وأضاف ”هذه السنة كان العدد كبيرا جدا ووضعت حواجز حديدية انهارت وسقطت تحتها وفوقها نساء وداست أخريات على أجساد النساء اللائي وقعن على الأرض في تدافع مما أسفر عن مقتل 15 امرأة وجرح 5 أخريات في حالة خطيرة.“

وقالت فاطمة التي فقدت أختها في هذا الحادثة بنبرات تنم عن اليأس ” في كل مرة كانت أختي تذهب لإعالة أبنائها الأربعة خصوصا أن أباهم متوفى ولم نكن نواجه أية مشكلة. لكن هذه المرة كان العدد كبيرا جدا .. وبعد أن تعبن من الانتظار أردن الخروج فوجدن أنفسهن محاصرات وحصل التدافع“. وكان أحد الأئمة المعروفين بالدار البيضاء يشرف على جمعية محلية تهتم بتوزيع المساعدات الغذائية بالسوق الأسبوعي للبلدة.

وخرج عشرات النشطاء في وسط مدينة الصويرة للاحتجاج على مقتل النساء الخمسة عشر وحملوا الدولة مسؤولية مقتلهن كما رفعوا شعارات”حرية كرامة عدالة اجتماعية“ وشعار”الموت ولا المذلة“ الذي رفع لأول مرة في احتجاجات الريف شمال المغرب اثر مقتل بائع السمك محسن فكري العام الماضي سحقا في حاوية قمامة عندما حاول استرداد أسماكه المصادرة. وقال ناشط ”هدفنا هو توصيل رسالة بأننا نعيش تحت نظام استبدادي.“ وأضاف ”الطريقة التي ماتت بها هؤلاء النسوة كارثة حقيقية وتبين حجم المصيبة التي وصل إليها البلد.. هذه نتيجة ثقافة التسول التي روج لها النظام“.

ومن جهتها دعت جماعة العدل والإحسان المغربية الإسلامية المحظورة ” كافة القوى الحية إلى الاصطفاف في أشكال احتجاجية عاجلة شجبا لهذا الواقع المزري الذي يكتوي بناره المستضعفون“. وأضاف بيان الجماعة على موقعها على الانترنت أن جماعة العدل والإحسان بالصويرة ”وقفت بكل أسى على الفاجعة وتابعت تفاصيلها المخجلة التي بيّنت بما لا يدع مجالا للشك أننا بعيدون كل البعد عمّا يُسوّق من شعارات لا يُبرمج منها على الواقع إلا ما يُفقر الفقير ويزيد من غنى الغني“.

وقال بيان لوزارة الداخلية إن الملك المغربي محمد السادس أعطى تعليماته لرئيس الحكومة ولوزير الداخلية وللقطاعات المعنية لاتخاذ الإجراءات القانونية الضرورية لتنظيم عمليات توزيع المساعدات. وأضاف البيان انه” على إثر فاجعة التدافع التي وقعت خلال عملية توزيع مساعدات غذائية على مستوى جماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة يتم حاليا إجراء تحقيق من قبل النيابة العامة المختصة“. بحسب رويترز.

وأقال الملك المغربي الشهر الماضي وزراء التعليم والتخطيط والإسكان والصحة بعد أن خلصت وكالة اقتصادية إلى وجود ”خلل“ في تنفيذ خطة تنمية لمكافحة الفقر في منطقة الريف بشمال المملكة. كما شهدت منطقة الريف احتجاجات بعد مقتل بائع السمك في أكتوبر تشرين الأول 2016 بعد مواجهة مع الشرطة وأصبح رمزا لتداعيات الفساد وإساءة استخدام السلطة.

الأقليات الدينية

من جانب اخر طالب حقوقيون ومثقفون بالمغرب السلطات باحترام حقوق الأقليات الدينية في البلاد ووصفوا أوضاعها بالمتردية وقالوا إنهم محرومون من ممارسة شعائرهم الدينية والحق في التجمع وتأسيس الجمعيات. وقال مفكرون وحقوقيون ومثقفون مغاربة في “المؤتمر الوطني حول الأقليات الدينية” وهو أول مؤتمر من نوعه يعقد بالرباط إن أبناء الأقليات في المغرب مثل “الأحمدية” والبهائية“ و”الشيعية“ بالإضافة للمسيحيين هم ”مواطنون كاملو المواطنة“.

وأضاف الحقوقيون والمثقفون في بيان ختامي وزع بعد انتهاء المؤتمر إنهم ”يستشعرون ما تعانيه الأقليات الدينية بالمغرب بسبب أوضاعها المتردية من ترويع وامتهان للكرامة يتجلى في منعهم من دخول الكنائس الرسمية ... ومنعهم من الاحتفال بأعياد ميلاد أنبيائهم في قاعات الحفلات العمومية والمنازل وتنفيذ محاكمات ضدهم وحرمانهم من ممارسة الشعائر الدينية ومن حقوقهم في تأسيس الجمعيات والتجمع بسبب رغبة السلطات في استبعادهم وتهميشهم وإقصائهم“. وحذر البيان من ”العواقب الوخيمة لمثل هذه الاختلالات والأساليب السلطوية“ كما طالبوا ”جميع القوى المجتمعية بالانخراط في مواجهتها كل من موقعه“.

وتقول إحصاءات رسمية إن أكثر من 98 في المائة من سكان المغرب مسلمون سنة. ومن جهته قال احمد الهايج رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهي جمعية مستقلة ”الدولة ملزمة بضمان حق احترام المواطن في العقائد والفكر والوجدان“. كما أشار البيان الختامي للمؤتمر إلى ”مسؤولية النخبة المغربية بشكل عام في مواجهة التطرف العنيف“. بحسب رويترز.

وقال البيان ”أي اضطهاد تمارسه السلطات المحلية بالمدن والقرى المغربية وبعض أفراد المجتمع ضد معتنقي الديانات الأقلية بالمغرب باسم المسلمين ودينهم يعد افتراء على مليار من البشر ومسا بدينهم وتشويهه باعتبار أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام مصدرا للنفور وكراهية واعتراض سبيل المختلفين“.

اضف تعليق