مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الروسية المقرر إجراؤها في آذار 2018، دخلت روسيا في دوامة الصراع الانتخابي الذي اكد بعض الخبراء انه محسوم مسبقاً لصالح الرئيس الحالي فلاديمير بوتين الذي اعلن ترشيحه بشكل رسمي كعضو مستقل في وقت سابق، وقال بوتين كما نقلت بعض المصادر، إنه سيترشح لولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار2018. وإثر الإعلان، تراوحت ردود الفعل بين التأييد والتنديد، ففي حين أعلن حزب "روسيا الموحدة" دعم ترشيح بوتين، سخر المعارض ألكسي نافالني من القرار، وكتب في تغريدة على تويتر "هذا برأيي كثير. أقترح أن نعارض الأمر".
يذكر أن نافالني، المدون المناهض للفساد الذي يتبعه الكثيرون، قد نظم تظاهرتين كبيرتين معارضتين للحكومة في آذار/مارس وحزيران/يونيو، وأحيل إلى القضاء وأمضى بضعة أيام في السجن. من جهته، أعلن الحزب الرئيسي المؤيد للكرملين "روسيا الموحدة" دعم ترشيح بوتين، في حين عبر رئيس مجلس النواب، الدوما، فياتشيسلاف فولودين عن "سروره". وتولى بوتين الحكم في سنة 2000، عندما كانت روسيا غير مستقرة واقتصادها مترنحا. ويعتبره الكثير من الروس رجل الاستقرار والازدهار بفضل الثروة النفطية، في حين يأخذ عليه مناوئوه تراجع حقوق الإنسان والحريات. وفي حال فوزه سيبقى على رأس البلاد حتى 2024 وسيصبح الرئيس الذي بقي في هذا المنصب لأطول مدة بعد جوزف ستالين.
واعتبر بوتين، أنه مرشح مستقل، وليس مرشح حزب “روسيا الموحدة” القريب من الكرملين، ويعتمد على “دعم واسع من مواطنيه”. وبحسب وسائل الإعلام الروسية رجحت لجنة الانتخابات المركزية أن يتنافس حوالي عشرين مرشحًا على المنصب، رغم أن نتيجة الانتخابات تبدو معروفة مسبقًا بعدما منحت استطلاعات حديثة الرئيس فلاديمير بوتين أكثر من 68 % من أصوات المقترعين. وكان استطلاع للرأي نشره معهد “ليفادا” المستقل أظهر أن بوتين لا يتنافس مع أي مرشح قوي فعليًا، ويلقى تأييد 75 % ممن ينوون التصويت. وقالت رئيسة اللجنة الانتخابية المركزية، إيلا بامفيلوفا، إن 23 مرشحًا عبروا حتى الآن عن رغبتهم في المشاركة في الانتخابات الرئاسية. وسمح تعديل دستوري أقر في 2008 بتمديد فترة الولاية الرئاسية من أربعة إلى ستة أعوام، اعتبارًا من العام 2012.
نصر مطلق
وفي هذا الشأن قال ديمتري ميدفيديف رئيس الوزراء الروسي وزعيم حزب روسيا المتحدة الحاكم إن الحزب يريد أن يحقق الرئيس فلاديمير بوتين ”نصرا مطلقا“ في انتخابات الرئاسة المقررة في مارس آذار 2018. وأعلن بوتين (65 عاما) هذا الشهر أنه سيترشح للمنافسة على ولاية رئاسية جديدة كمرشح مستقل في سباق يبدو أنه على ثقة من الفوز به دون عناء.
وقال ميدفيديف أمام مؤتمر سنوي لحزب روسيا المتحدة إن الحزب هو حزب بوتين وقاعدته السياسية الرئيسية. ووعد ميدفيديف بأنه سيدعم بوتين في الانتخابات المقرر إجراؤها في 18 مارس آذار. وقال ”سنمنحك.. يا فلاديمير فلاديميروفيتش كل الدعم الممكن الآن وفي المستقبل“
من جانب اخر دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى "احترام" المعارضة "المسؤولة" وذلك قبل اقل من ثلاثة اشهر من الانتخابات الرئاسية في آذار/مارس في روسيا والتي ترشح لها لولاية رابعة. وقال بوتين اثناء مؤتمر لحزب روسيا الموحدة الحاكم الذي دعم بشكل واسع ترشحه للانتخابات، "يجب ان تعامل المعارضة المسؤولة والقادرة على الفعل، باحترام".
واضاف "المعارضة (المسؤولة) لا تعني فقط الرغبة والارادة لالحاق هزيمة بالنظام او اتهامه بكافة الخطايا المميتة. نحن نعرف المشاكل التي تواجه البلاد". وتابع "ان تكون مسؤولا يعني ان تملك خطة واضحة تتضمن اعمالا ايجابية". وكان بوتين قدم نفسه خلال مؤتمره الصحافي السنوي في منتصف كانون الاول/ديسمبر، باعتباره الضامن الوحيد للاستقرار في مواجهة معارضة هامشية. بحسب فرانس برس.
وقال حينها "اتريدون ان نعيش بين ميدان وآخر؟ تريدون ان نشهد محاولات انقلاب؟" مشيرا كمثال الى اوكرانيا التي شهدت منعطفا باتجاه الغرب في 2014 اثر حركة ميدان والتي تشهد اليوم نزاعا مع انفصاليين مؤيدين لروسيا في شرق البلاد
منافسة بوتين
في السياق ذاته تخلى الحزب الشيوعي الروسي بشكل غير متوقع عن ترشيح زعيمه المخضرم جينادي زيوجانوف لمنافسة الرئيس فلاديمير بوتين على الرئاسة العام المقبل واختار بدلا منه رجل أعمال غير معروف بشكل كبير وله صلات بقطاع الزراعة. وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يرشح الحزب الشيوعي زيوجانوف (73 عاما)، وهو وجه مألوف في الساحة السياسية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، لينافس في انتخابات الرئاسة للمرة السادسة على التوالي. وتجرى الانتخابات في مارس آذار المقبل.
لكن الحزب اختار بدلا منه بافيل جرودينين (57 عاما) وهو مهندس ميكانيكا يدير مزرعة على مشارف موسكو منذ منتصف التسعينيات. ومن المتوقع أن يفوز بوتين (65 عاما) بهامش مريح بالانتخابات. وقال الحزب الشيوعي على موقعه على الإنترنت إن زيوجانوف هنأ جرودينين على ترشيحه في مؤتمر سنوي للحزب. وبالتخلي عن أحد الرموز المتقدمة في السن للحزب واختيار مرشح من جيل جديد يحاول الشيوعيون توسيع قاعدة الجذب السياسي لهم بعد أن أصبح التأييد الأساسي لهم يقع في فئة عمرية تختفي سريعا. بحسب رويترز.
وخلال المؤتمر قال زيوجانوف إن حالة اللامبالاة لدى الناخبين والتي يقول الكثير من المحللين المستقلين إنها في تزايد هي الآن ”أكبر كارثة لروسيا“. وحل الحزب الشيوعي ثانيا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 2016 بعد حزب روسيا المتحدة الحاكم لكنه لم يحصل إلا على 19.2 بالمئة من الأصوات. وتعهد الحزب الحاكم بمنح تأييده الكامل لبوتين في الانتخابات الرئاسية.
الجيش والسياسة
على صعيد متصل بدأ وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو يظهر في أماكن غير متوقعة من دمشق إلى الدوحة وذلك في مؤشر على تنامي نفوذ الجيش في عهد الرئيس فلاديمير بوتين. ففي الشهور القليلة الماضية أجرى شويجو محادثات مع الرئيس السوري في دمشق ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي في تل أبيب كما استقبله أمير قطر في الدوحة وكان في بعض المناسبات يرتدي زي العمليات العسكرية.
وبدأت الحواجب ترتفع تعبيرا عن الدهشة في روسيا لإقحام وزارة الدفاع نفسها في مجالات ظلت لفترة طويلة حكرا على وزارة الخارجية حيث تقتضي المراسم بأن يُجري الوزراء في العادة محادثات مع نظرائهم المباشرين فقط في الدول الأجنبية. هكذا بدأ الجيش يحصد المغانم السياسية لما اعتبره الكرملين نجاحا كبيرا في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا بعد أن سيطر جنود روس يرتدون زيا موحدا ليس عليه علامات مميزة على شبه الجزيرة في عام 2014، وفي سوريا حيث ساعدت القوات الروسية في تحويل مسار الحرب لصالح الرئيس بشار الأسد.
وقال مسؤول روسي قديم يتعامل مع وزارة الدفاع وطلب عدم نشر اسمه لأنه ليس مخولا سلطة التحدث لوسائل الإعلام ”تُرجم ذلك إلى نفوذ أكبر على أعلى المستويات“. ولم يرد الكرملين ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية على طلبات تفصيلية للتعليق في هذا التقرير. غير أن ثلاثة مصادر مطلعة على عمل الوزارتين أكدت هذا الاتجاه. وقد تسبب تنامي نفوذ الجيش في استياء بين بعض الدبلوماسيين الروس وتوتر بين بعض المسؤولين الغربيين لما يضفيه ذلك من سمة التشدد على السياسة الخارجية الروسية.
ويقول بعض المسؤولين الغربيين إن رسم السياسة الخارجية اكتسب طابعا حربيا وازداد غموضا وإن ذلك يرجح احتمال دخول روسيا في مغامرات عسكرية جديدة. وقال مسؤول غربي طلب عدم نشر اسمه لحساسية الموضوع ”إذا أنت سمحت لوزارة الدفاع بصلاحيات أكبر في السياسة الخارجية فستبحث عن المتاعب“. كما أحيا الدور البارز الذي يلعبه شويجو حليف بوتين المخلص ما يتردد منذ مدة طويلة عن إمكانية ترشحه للرئاسة إذا ما اضطر بوتين، الذي يسعى للفوز بفترة رئاسة رابعة في الانتخابات خلال شهر مارس آذار المقبل، للتنحي فجأة وعجز عن إتمام فترة الرئاسة التي تبلغ مدتها ست سنوات.
وليس لشويجو (62 عاما) أي نشاط في الحياة الحزبية غير أن استطلاعات الرأي كثيرا ما تجعله ضمن أكثر خمسة مرشحين شعبية لتولي الرئاسة. كما أنه يأتي من حيث ثقة الشعب فيه في المرتبة الثانية بعد بوتين الذي نشرت له صور معه وهما في رحلة لصيد الأسماك خلال الصيف. وتقلب نفوذ الجيش بين الصعود والهبوط في روسيا وفي الاتحاد السوفيتي قبل ذلك.
ففي نهاية الحرب العالمية الثانية وفي الخمسينيات كان له نفوذ هائل بعد وفاة الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين وذلك عندما كان جورجي جوكوف أحد القادة الذين نسب لهم الفضل في هزيمة ألمانيا النازية وزيرا للدفاع. غير أن هيبة الجيش انهارت بسبب الانسحاب السوفيتي المخزي من أفغانستان الذي اكتمل عام 1989 وحربين خاضتهما روسيا في الشيشان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكذلك غرق الغواصة النووية كورسك وفقدان كل من كانوا على متنها وعددهم 118 فردا عام 2000.
وعاود نجم الجيش الصعود في عهد بوتين ضابط المخابرات السوفيتية السابق الذي تولى بصفته رئيسا للبلاد منصب القائد العام للقوات المسلحة. وشهد الإنفاق الدفاعي زيادة كبيرة وانتشر الجيش في جورجيا وأوكرانيا وسوريا واستغلت السلطات تحركات الجيش في إثارة المشاعر الوطنية. وكان نفوذ الجيش على المستوى السياسي وفي السياسة الخارجية أوضح ما يكون في سوريا.
فقد سافر شويجو إلى دمشق مرتين هذا العام لإجراء محادثات مع الأسد وكان واقفا بجوار بوتين هذا الأسبوع عندما توجه إلى سوريا للقاء الزعيم السوري. ولم يقم وزير الخارجية سيرجي لافروف بزيارة سوريا خلال 2017. وعلى غير المعتاد لوزير الدفاع شارك شويجو في مساع دبلوماسية لإحلال السلام في سوريا. وفي هذا الدور شدد على أهمية صياغة دستور جديد للبلاد واجتمع مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وقال مسؤول غربي أجرى اتصالات مباشرة مع وزارتي الخارجية والدفاع إن الجيش الروسي له ثقل في دمشق ليس لوزارة الخارجية. وقال المسؤول إن ثمة ”ثقة قوية متبادلة“ بين الجيش الروسي وكبار المسؤولين في دمشق لأن ”الروس أنقذوهم والسوريون يحترمون ذلك“. ولوزارة الخارجية خبراء لهم ثقلهم في شؤون الشرق الأوسط ومازالت تلعب دورا مهما في سوريا إذ ساعدت في إجراء محادثات السلام التي تمت في قازاخستان. غير أن مساعي لافروف للتوصل إلى اتفاق أمريكي روسي من أجل التعاون في سوريا أظهرت مدى الاختلاف في التفكير أحيانا بين وزارتي الخارجية والدفاع.
ولا يزال لافروف يعتبر دبلوماسيا ذا قدرات هائلة ويثق فيه بوتين ويحترمه. غير أن المسؤولين الغربيين يقولون إنه لا يُستدعى لحضور كل الاجتماعات المهمة ولا يتم إطلاعه على العمليات العسكرية الكبرى في سوريا. وتقول وكالات مخابرات أمريكية إن من التدخلات الأخرى للجيش في السياسة الخارجية الدور الذي لعبه في ما تردد عن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية العام الماضي.
وتقول هذه الوكالات إن وكالة المخابرات العسكرية الخارجية الروسية (جي.آر.يو) اخترقت حسابات البريد الإلكتروني التي تخص مسؤولين وساسة في الحزب الديمقراطي الأمريكي ودبرت تسريبها إلى وسائل الإعلام لمحاولة التأثير على الرأي العام وإبعاده عن هيلاري كلينتون المنافسة الرئيسية لدونالد ترامب. وينفي الكرملين هذه الاتهامات.
ومن التدخلات الأخرى في السياسة ما حدث في إفادة صحفية في ديسمبر كانون الأول عام 2015 عندما قالت وزارة الدفاع إن لديها دليلا على أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وعائلته يستفيدون من تهريب النفط من الأراضي الخاضغة لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق. وقال إردوغان إن هذه الاتهامات قذف في حقه. وجاءت الاتهامات بعد أسبوع من إسقاط سلاح الجو التركي طائرة حربية روسية قرب الحدود السورية التركية.
وكان رد وزارة الدفاع الروسية على ذلك الحادث أشد حدة من رد الدبلوماسيين الروس وذلك في إطار سياسة إعلامية واسعة النطاق شملت انتقادات متكررة لوزارة الخارجية الأمريكية وسياسة واشنطن الخارجية. ومن المناطق الأخرى التي أبدت وزارة الدفاع اهتمامها بها مصر والسودان وليبيا. وقد شارك شويجو في محادثات بين بوتين والرئيس السوداني عمر حسن البشير في موسكو الشهر الماضي واستضافت الوزارة قائد القوات الليبية في شرق ليبيا خليفة حفتر على متن حاملة الطائرات الوحيدة التابعة لها في يناير كانون الثاني. وخلال تلك الزيارة تحدث حفتر إلى شويجو عبر دائرة تلفزيونية عن محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول غربي إن مثل هذه الأحداث تغذي المخاوف من أن تكون روسيا بصدد التخطيط لتوسيع دورها فيما يتجاوز سوريا حيث توجد لها قاعدة جوية وقاعدة بحرية ليشمل مناطق أخرى مثل اليمن والسودان وأفغانستان. ويقول محللون روس ومسؤولون غربيون إن نفوذ الجيش في رسم السياسات الداخلية توسع أيضا إذ يطلب بوتين معرفة رأيه في كل شيء من الاقتصاد الرقمي إلى الأمن الغذائي. بحسب رويترز.
ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن بوتين غير الطريقة التي يأخذ بها القرارات منذ ضم شبه جزيرة القرم ووسع نطاق ما يبحثه مجلس الأمن الروسي الذي يرأسه ليشمل الكثير من مسائل السياسة الداخلية. وقالت تاتيانا ستانوفايا رئيسة قسم التحليلات في مركز التكنولوجيا السياسية ”أحيانا عندما يسود شعور بأن روسيا يتزايد من حولها الأعداء يستشير بوتين أجهزة المخابرات والجيش بشكل أكبر عندما يأخذ كل القرارات. وهو يلتقي بهم طوال الوقت“. وأضافت ستانوفايا أن ذلك لا يعني أن الجيش يبادر بطرح الأفكار بل إن بوتين يأخذ آراءه في الحسبان بدرجة أكبر مما كان يحدث في الماضي وأن له الآن صوتا مهما في مجالات السياسة الداخلية.
اضف تعليق