بعد مرور سبع سنوات على ثورة الياسمين التي أسقطت نظام بن علي في تونس، والتي تفجرت بعد ان إضرام البائع المتجول محمد البوعزيزي من مدينة سيدي بوزيد النار في نفسه، بسبب مجموعة من المشكلات والازمات المتراكمة، ولعل أبرزها المشاكل الاقتصادية المتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار التي أثقلت كاهل المواطن، ما يزال هذا البلد يعيش كما نقلت بعض المصادر، في دوامة الازمات والمشكلات السياسية والاقتصادية التي تفاقمت مما أضفى حالة إستياء كبيرة جدا في صفوف الشعب التونسي، حيث ارتفعت معدلات الفقر والبطالة والتضخم إلى أرقام مخيفة ومرعبة. مع استمرار نفس المنوال التنموي السابق حيث كانت الغاية دوما دعم القوى المتنفذة وتمكينها من مراكمة الثروات. والحرص الشديد على تطبيق سياسات ونصائح المؤسسات المالية الدولية وهو ما تسبب في ارتفاع أعباء الدين العام على حساب احتياجات الأساسية للمواطن، يضاف الى ذلك تصاعد العمليات الإرهابية التي استهدفت القطاع السياحي اهم مصدر اقتصادي لتونس.
وبناء على بعض المعطيات الجديدة وحسب توقعات صندوق النقد الدولي ستصل قيمة الديون الخارجية سنة 2017 ما يقارب 30.7 مليار دولار ما يعادل 71.4 من الناتج الداخلي الخام. هذا المعدل التي وصلت له تونس يعتبر الأضخم في تاريخها ويمثل خطرا على اقتصادها. كما يعاني الدينار التونسي من تراجعات متتالية منذ سنة 2010 حيث كان سعر الدولار في ذلك الوقت يقدر ب1.42 دينار، تراجع القطاع السياحي وتراجع الصادرات وانخفاض منسوب الإحتياط من العملة الصعبة في البنك المركزي تسبب في هزات كبيرة للاقتصاد وأثر في سعر صرف الدينار ليصل إلى 2.49 دينار للدولار الواحد سنة 2017 أي بنسبة تراجع تقدر ب 60 بالمائة وهي نسبة كارثية.
الذكرى السابعة
وفي هذا الشأن شهدت الذكرى السابعة لاندلاع الثورة التونسية توترا في سيدي بوزيد المدينة الواقعة في وسط البلاد التونسية والتي كانت شهدت واقعة إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات. وقالت مصادر في أجهزة الأمن إنه تم توقيف 40 من عناصر "حزب التحرير الإسلامي" لفترة قصيرة، وذلك بعد محاولتهم التظاهر بدون ترخيص ورفع لافتات معادية للدولة.
في المقابل تظاهر ناشطون محليون وعاطلون عن العمل في المدينة منددين بالتهميش المتواصل للمنطقة التي لا تزال نسبة البطالة مرتفعة فيها كما في العديد من مناطق البلاد الداخلية. وكانت قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع على متظاهرين أغلقوا شوارع بالإطارات في بعض أحياء سيدي بوزيد، المدينة الرمز للثورة التونسية. وقامت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي بزيارة المدينة للمشاركة في حفل بالمناسبة. وكانت الأجواء كئيبة وعبر المنظمون عن الأسف لغياب رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية عن المناسبة، متهمين السلطات بتجاهل هذا اليوم المفصلي في تاريخ تونس المعاصر.
ففي17 كانون الأول/ ديسمبر 2010وهو يشكل آخر أيام نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، أقدم بائع متجول واحتجاجا على وضعه البائس ومعاملة الشرطة البلدية له، على إضرام النار في جسده بسيدي بوزيد ما شكل شرارة حركة احتجاج شعبية ضد البطالة وغلاء المعيشة. وامتدت تظاهرات الاحتجاج التي شهدت قمعا داميا، في كامل المناطق التونسية وأدت إلى طرد بن علي من الحكم في 14 كانون الثاني /يناير 2011 في ما اعتبر أول شرارة لاندلاع "الربيع العربي". بحسب فرانس برس.
ومع أن تونس تعتبر الناجية الوحيدة من ثورات وانتفاضات واضطرابات "الربيع العربي"، فإنها تشهد اضطرابات اقتصادية وسياسية متعددة ويحذر كثير من التونسيين من مخاطر عودة الاستبداد. ودعا عشرات من شخصيات المجتمع المدني والجامعيين والفنانين والناشطين في عريضة إلى الحفاظ "على فضاءات الحرية المكتسبة من 2011". وجاء في العريضة أن "أيا من المطالب الأساسية للشعب" لم تتم تلبيتها متهمين رئيسي الدولة والحكومة بشن "حملة مضادة للديمقراطية".
زيادة الأسعار
الى جانب ذلك قال رضا السعيدي المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء التونسي إن بلاده تتجه لزيادة أسعار البنزين وبعض المواد الأساسية ومن بينها الخبز والماء والشاي والقهوة تدريجيا العام المقبل ضمن حزمة إصلاحات فورية لخفض العجز في الميزانية بينما ستبدأ تنفيذ إصلاحات هيكلية لمنظومة الدعم في بداية 2019. وقال السعيدي في مقابلة أجريت بمكتبه بالعاصمة تونس ”نتجه لرفع تدريجي في أسعار بعض المواد... هناك اتفاق على زيادة في سعر الماء الصالح للشرب بنسبة حوالي خمسة بالمئة... وسيتم أيضا تعديل سعر البنزين مطلع العام المقبل في ظل ارتفاع أسعار البترول العالمية“.
وتخصص تونس حوالي 1.5 مليار دينار لدعم المحروقات لكن عودة أسعار النفط العالمية للارتفاع ستجبر الحكومة على تعديل الأسعار في مطلع العام المقبل. وقال المستشار الاقتصادي إن ”هناك أيضا نية لتعديل تدريجي في أسعار الشاي والقهوة... وأيضا سعر الخبز سيرتفع بما لا يقل عن عشرة مليمات على الأقل. وربما تكون الزيادة أكثر بقليل من ذلك“. وتتعرض تونس لضغوط قوية من المقرضين الدوليين لتدشين حزمة إصلاحات جريئة لخفض العجز في الميزانية الذي تأمل الحكومة أن يهبط إلى 4.9 بالمئة العام القادم مقارنة مع نحو ستة بالمئة في توقعات 2017.
لكن خفض الدعم ورفع أسعار المواد الغذائية، وعلى وجه الخصوص الخبز، أمر شديد الحساسية في تونس التي شهدت في بداية الثمانينات من القرن الماضي احتجاجات عنيفة قمعتها السلطات آنذاك وقُتل فيها عدة تونسيين في ما أصبح يعرف ”بثورة الخبز“. غير أنه يبدو أن زيادة سعر الخبز على وجه التحديد قد لا تلقى اليوم اعتراضا واسعا خصوصا أن أغلبية التونسيين يتنازلون بالفعل عن هذه المليمات العشرة للمخابز التي لا تتوافر لديها عادة عملة العشرة مليمات.
بالإضافة إلى ذلك تقول السلطات إن العائلات التونسية تتخلص من كميات كبيرة من الخبز لزيادته عن حاجتها. وتعود آخر زيادة في سعر الخبز إلى عام 2010 أي قبل أشهر من الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي أعلن في يناير كانون الثاني 2011 خفض سعر الخبز من جديد في مسعى لاحتواء الاحتجاجات لكن دون جدوى. وبدأت حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد هذا العام بالفعل خططا لخفض تدريجي لدعم السكر الموجه للتجار مما ساعد على توفير حوالي 70 مليون دولار للدولة.
وقال السعيدي ”هذه التعديلات التدريجية في بعض الأسعار هي إصلاحات فورية ولكن لدينا خطط لإصلاح هيكلي نتقدم فيه بخصوص منظومة الدعم وسيكون جاهزا بنهاية العام المقبل على أن يتم تنفيذه في 2019“. وأضاف ”نسعى أن نجهز بطاقة المعرف الوحيد التي ستضبط (تحدد) من يتعين أن يحصل على مساعدات من الدولة مقابل خفض الدولة لدعم بعض المواد التي يستفيد منها صناعيون دون وجه حق“. وعلى الرغم من خطط الحكومة لرفع أسعار بعض المواد الغذائية في 2018 ستظل الميزانية المرصودة لصندوق الدعم في حدود حجم هذا العام تقريبا، أي نحو 3.5 مليار دينار.
ويبرر السعيدي تعديل الأسعار بأنه ضرورة بسبب هبوط قيمة الدينار مقارنة باليورو والدولار مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الواردات إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض المواد التي تستوردها تونس من السوق العالمية مثل البترول والحبوب. وقال إن الإصلاحات هي خيار لخفض العجز وتقليص الدين الخارجي تدريجيا. ولكن مع ذلك ستحتاج تونس إلى تمويلات خارجية بقيمة 7.5 مليار دينار في 2018 من بينها إصدار سندات.
وأشار السعيدي إلى أن ”من بين التمويلات الخارجية برنامج إصدار سندات باليورو سيكون في حدود 500 مليون يورو تقريبا في الربع الأول من العام المقبل على الأرجح“. وفي فبراير شباط الماضي أصدرت تونس سندات بقيمة 850 مليون يورو. أضاف أن تونس ستحتاج للاقتراض داخليا من خلال إصدار سندات في السوق المحلية بقيمة 2.2 مليار دينار وتأمل تونس أن تساعد الإصلاحات في خفض مستوي الدين الخارجي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة حيث وصل إلى حوالي 75 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. بحسب رويترز.
وتريد تونس أن يهبط الدين الخارجي إلى 70 بالمئة في 2020. وتشمل إصلاحات حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد زيادة في ضريبة القيمة المضافة نسبتها واحد بالمئة وزيادة الضرائب على البنوك خمسة بالمئة. وسترفع الحكومة أيضا الضريبة على عدة سلع مثل المشروبات الكحولية والعطور والمكالمات الهاتفية إضافة إلى فرض ضريبة على الإقامة بالفنادق. وستشدد الحكومة المراقبة على الضرائب المفروضة على صفقات لاعبي الكرة والفنانين.
الاعانة الاجتماعية
الى جانب ذلك عم إضراب عام أرجاء مدينة سجنان شمال تونس استجابة لدعوة الاتحاد المحلي للشغل، بعد إضرام أم لخمسة أطفال النار في جسدها بسبب حرمانها من إعانة اجتماعية كانت تحصل عليها. وأغلقت المدارس والمتاجر والإدارات المحلية أبوابها طوال النهار باستثناء الصيدليات وأقسام الطوارىء في المستشفى والمخابز في مدينة سجنان شمال تونس، تلبية لدعوة، حسبما أفاد مسؤول نقابي.
وأظهرت أشرطة فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حشدا كبيرا من الأهالي في الشارع وهم يهتفون "عمل، حرية، كرامة وطنية" و"كلنا راضية المشرقي". وراضية المشرقي هي أم لخمسة أطفال من سكان سجنان، وبحكم مرض زوجها كانت تتلقى مساعدة اجتماعية شهرية بقيمة 150 دينارا (51 يورو). وإثر إلغاء منحتها تقدمت بعدد من الشكاوى دون جدوى. وأقدمت على حرق جسدها داخل مقر المعتمدية (السلطة المحلية) وهي ترقد الآن في المستشفى.
وأقر معتمد سجنان علي الحمدوني بأنه "لم يكن هناك أي سبب لوقف هذه المساعدة". وأضاف "كانت تتمتع بهذه المنحة حتى 2016 حين قررت المرشدة الاجتماعية بالجهة وقفها (..) لم يكن هناك حقيقة أي سبب لحرمان هذه السيدة ذات الظروف الاجتماعية الصعبة من المنحة". وتابع "يجب أن تتحمل المرشدة الاجتماعية عواقب ما فعلت".
من جانبه، قال عمر البرهومي الأمين العام المحلي للمركزية النقابية بسجنان "إن التحرك اليائس والغاضب لراضية المشرقي شكل الشرارة لغضب أهالي سجنان". وأضاف رياض بن شريفة السحباني الناشط الجمعياتي "أن الشارع يغلي تضامنا مع راضية ولأن الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال (1956) لم تفعل شيئا لسجنان. وبعد الثورة استبشرنا بتغير الأمور لكن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ". وأشار السحباني ضمن عدة مشاكل إلى "تزايد الفقر وتزايد عدد الأطفال الذين يغادرون المدرسة ونقص أماكن الترفيه". بحسب فرانس برس.
وكان تقرير للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) قد أشار إلى أنه بعد سبع سنوات من الثورة التي أطاحت بالدكتاتورية في تونس، لا يزال الشعب ينتظر التغيير الحقيقي لجهة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت المنظمة إلى أنه رغم التقدم الديمقراطي "فقد تفاقمت البطالة والبؤس والفوارق الاجتماعية والجهوية" محذرة من مخاطر عدم الاستقرار الذي قد ينجم عن ذلك.
اضف تعليق