توصلت بريطانيا إلى اتفاق عده الكثير تاريخيا مع الاتحاد الأوروبي بشأن شروط بريكست، وهو ما سيسمح للطرفين كما نقلت بعض المصادر، بإطلاق محادثات صعبة بشأن العلاقة المستقبلية عقب الانفصال. وأعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك موافقة دول التكتل على بدء المرحلة التالية من مفاوضات انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي (بريكست) بعد تحقيق تقدم في مفاوضات المرحلة الأولى بخصوص التزامات بريطانيا المالية وحدودها مع أيرلندا وحقوق مواطني الاتحاد الأوروبي فيها؛ فيما ستركز المرحلة الثانية على خطط الدفاع مستقبلا بعد خروج بريطانيا والهجرة والتعاملات التجارية بين الطرفين والشراكة المستقبلية بينهما ضمن مرحلة من شأنها أن تكون أصعب بكثير من المرحلة الأولى.
ومن المقرر أن تبدأ المناقشات حول الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من التكتل لتهدئة مخاوف قطاع الأعمال بداية العام المقبل، إلا أن المحادثات الخاصة بإبرام اتفاق مستقبلي للتجارة الحرة لن تبدأ قبل شهر مارس 2018 وهو الموعد الذي ورد في “إرشادات عامة” تحدد كيفية التعامل مع بريطانيا، مع سعيها للخروج بعد عضوية دامت 40 عاما. وبموجب المادة 50، يجب أن تخرج بريطانيا نهائيا ورسميا من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس 2019، ما يعني أن العام المقبل سيكون صعبا بالنسبة إلى ماي التي أضعفتها نكسة في البرلمان بعد التصويت على قرار يفرض مراجعة الاتفاق حول بريكست.
وستكون موافقة الاتحاد الأوروبي على إطلاق المفاوضات التجارية التي تطالب بها ماي منذ أشهر المرحلة الأصعب والاختبار الحقيقي لماي وبريطانيا ولأنصار البريكست ولمعارضيه وأيضا للقوى الأوروبية التي أعلنت استعدادها لأن تبدأ منذ يناير 2018 المفاوضات حول مرحلة انتقالية من عامين بناء على طلب لندن، لكن خلال هذه الفترة سيتعين على بريطانيا أن تواصل تطبيق القوانين الأوروبية دون المشاركة “في اتخاذ القرارات” داخل الاتحاد.
استطلاعات واراء
وفي هذا الشأن اظهر استطلاع جديد للرأي ان البريطانيين ينتقدون بشكل متزايد طريقة ادارة الحكومة لمفاوضات بريكست ويعبرون عن تشاؤم ازاء نتيجتها. وافاد الاستطلاع الذي اجراه المركز الوطني للابحاث الاجتماعية ان شريحة البريطانيين الذين يعتقدون ان الحكومة تدير المفاوضات بشكل سيء ارتفعت من 41% في شباط/فبراير الى 55% في تموز/يوليو وصولا الى 61% في تشرين الاول/اكتوبر.
كما ارتفع عدد البريطانيين الذين يعتقدون ان بلادهم ستحصل على صفقة سيئة في بروكسل من 37% في شباط/فبراير الى 44% في تموز/يوليو و52% في تشرين الاول/اكتوبر. وفي احدث استطلاع للرأي عبر 19% فقط عن اعتقادهم بان بريطانيا ستحصل على صفقة جيدة. وتستند النتائج الى اراء شريحة من 2200 شخص. وقال ابرز معدي الاستطلاع جون كورتيس "قد يكون التشاؤم المتزايد بشكل اساسي نتيجة عدم رضى الذين صوتوا لصالح البقاء ضمن الاتحاد، عن عملية بريكست". بحسب فرانس برس.
واضاف "لكن التشاؤم تزايد بشكل اساسي ايضا لدى شريحة الذين صوتوا لصالح الخروج" من الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء. لكن كورتيس اضاف بن الناخبين ينتقدون عملية التفاوض "ولا يستخلصون نتائج بان قرار المغادرة كان مضللا". وخلص الى القول ان "عملية بريكست صعبة قد يتبين انها مكلفة سياسيا لرئيسة الوزراء تيريزا ماي وحكومتها بدلا من تكون محركا لتغيير المواقف حول بريكست".
تحديات جديدة
على صعيد متصل واجهت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي تمردا من نواب حزبها حول ما اذا كان للبرلمان دور مهم في اقرار الاتفاق النهائي حول بريكست فيما يهدد بهزيمة قاضية في حين تحقق تقدما مع بروكسل. ومن المتوقع التصويت حول تعديل قانون تاريخي ينهي عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي ويدمج الالاف من تشريعات الاتحاد الاوروبي في القوانين البريطانية.
واقترح النائب دومينيك غريف من حزب المحافظين الذي تنتمي له ماي، التعديل الذي ينص على جعل اي اتفاق متعلق ببريكست قانونا في تصويت برلماني ملزم. ووقع عشرة نواب محافظين على التعديل الذي اقترحه غريف. وفي حال خسارة الحكومة التصويت سيكون ذلك بمثابة ضربة لماي بعد اقل من اسبوع على توصلها لاتفاق في بروكسل للانتقال الى المرحلة التالية من المفاوضات.
وقال غريف "الحكومة بحاجة لان تصغي لما يُقال لها". واضاف "لسوء الحظ، انطباعي عن الايام القليلة الماضية، عندما كنت اتحدث الى الحكومة، هو ان ذلك يشبه الى حد ما حوار الطرشان. حولوها الى معركة كسر عظم". وكتب كير ستارمر كبير المتحدثين في ملف بريكست عن حزب العمال المعارض على تويتر ان نوابه سيدعمون التعديل اذا وصل الى التصويت. واتهم النائب المحافظ إيان دنكان سميث المدافع الشرس عن بريكست، في وقت سابق غريف ب"البحث عن طرق لتعطيل القانون" قائلا ان التعديل من شأنه "تكبيل أيدي الحكومة" في المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي.
ويدور الخلاف حول البند التاسع من القانون، الذي يمنح الحكومة "سلطات هنري الثامن" لتطبيق اتفاقية بريكست دون موافقة البرلمان. ووعد الوزير المكلف ملف بريسكت ديفيد ديفيس منح النواب تصويتا نهائيا وأصدر بيانا سعى فيه لقطع الطريق على التمرد. وقال "الحكومة التزمت اجراء تصويت حول الاتفاقية النهائية في البرلمان في اقرب وقت ممكن بعد انتهاء المفاوضات". واضاف "هذا التصويت سيأخذ شكل قرار في غرفتي البرلمان، وسيشمل اتفاقية الانسحاب وأسس علاقتنا المستقبلية". ولم يحدد البيان ما اذا كان القرار سيكون ملزما قانونا.
ووعد بأن "الحكومة لن تطبق اي جزء من اتفاقية الانسحاب -- مثلا باستخدام البند التاسع من قانون الاتحاد الاوروبي (الخاص بالانسحاب) الى ما بعد اجراء هذا التصويت". ولم ينجح البيان في تهدئة المتمردين لانه لم يحدد ما سيحصل اذا ما صوت النواب ضد بنود اتفاقية الطلاق. وفقط اذا وافق النواب على القرار تطرح الحكومة قانونا لإعطاء اتفاقية الانسحاب مفعولا قانونيا في الداخل.
وكتب تشوكا اومونا النائب من حزب العمال والمؤيد الكبير للبقاء في الاتحاد الاوروبي على تويتر "في القراءة الاولى، المشكلات الرئيسية هي: لا ضمان بحصول تصويت قبل مغادرة الاتحاد الاوروبي، ولا ضمان في ان نحصل على كامل تفاصيل البنود والموافقة عليها قبل ان يضع النواب اللمسات الاخيرة على اتفاقية الانسحاب". ومنح البرلمان الأوروبي دعمه لبدء الجولة المقبلة من مباحثات بريكست، لكنه أكد في الوقت نفسه أن على بريطانيا أن تترجم "بشكل كامل وأمين" اتفاق الأسبوع الفائت باتفاقية خروج نهائية.
واعتبر رئيس البرلمان انطونيو تاجاني التصويت "خطوة مهمة للمضي قدما"، لكنه قال انه لا يزال لدى اعضاء البرلمان مخاوف بشأن حقوق المواطنين الاوروبيين في بريطانيا، ومسألة الحدود مع ايرلندا. وتضمن القرار، الذي ايده 556 نائبا وعارضه 62، في حين امتنع 58 عن التصويت، انتقادا لاذعا للوزير البريطاني المكلف ملف بريكست ديفيد ديفيس، واعتبر ان تصريحاته التي ادلى "تجازف بتقويض" المفاوضات.
واثار ديفيس القلق بقوله إن الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي بعد ستة شهور من المفاوضات الشاقة يعد "اتفاق نوايا" وليس "ملزما قانونيا". لكن بروكسل أكدت ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه الجمعة بين ماي ورئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر اصبح "اتفاقا بين سادة محترمين"، وسيكون ملزما قانونيا كجزء من اتفاق طلاق بريطانيا من التكتل. بحسب فرانس برس.
وسيكون للبرلمان الأوروبي الكلمة الأخيرة بشأن أي اتفاق نهائي بخصوص بريكست في 2019، لكن تصويت ليس ملزما. وقال ديفيس لشبكة "بي بي سي" إن بريطانيا لن تدفع تسوية مالية قدرها بين 40 و45 مليار يورو (47 إلى 52 مليار دولار) تم التوصل، إذا لم يتم التوصل الى "اتفاق تجاري" لدى انسحابها من الاتحاد الاوروبي في آذار/مارس 2019. وقواعد التفاوض المقرر أن يتبناها قادة دول الاتحاد الاوروبي في بروكسل تتضمن أن تبدأ المرحلة المقبلة من المباحثات حين يتم ترجمة التزامات اتفاق الطلاق "بشكل أمين في إطار قانوني. ويشدد الاتحاد الاوروبي على عدم بدء مباحثات التجارة حتى اذار/مارس المقبل، لاعطاء الحكومة البريطانية الوقت الكافي لتقديم "مزيد من الايضاحات" بشأن ما تريده بالتحديد من العلاقة المستقبلية مع التكتل.
في السياق ذاته قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن بريطانيا في طريقها للخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك عقب وصولها إلى بروكسل بعد يوم واحد من هزيمتها في البرلمان. وأضافت ماي أنها "شعرت بخيبة أمل "حول مشروع قانون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه -المشروع- ما زال "يحرز تقدما". وقالت المفوضية الأوروبية إن محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد حققت تقدما كافيا، مما يمهد الطريق لإجراء محادثات حول العلاقات المستقبلية بين لندن والاتحاد الأوروبي حول الأمن والتجارة. وصرحت ماي في بروكسل إنها "تريد التوصل إلى اتفاق لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل تدريجي، كما أنها "تريد البدء في المرحلة الثانية من هذه المحادثات بشكل "خلاق ومبتكر".
المرحلة الثانية
الى جانب ذلك اتفق قادة دول الاتحاد الأوروبي على الانتقال إلى المرحلة الثانية، من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست)، وذلك وفق ما أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك. ويعني ذلك أن المفاوضات ستنتقل إلى مناقشة العلاقة المستقبلية طويلة المدى بين بريطانيا والاتحاد، بما في ذلك قضايا التجارة والأمن.
وستكون القضية الأولى التي تحظى بالنقاش، خلال مفاوضات الشهر المقبل، هي شروط الفترة الانتقالية التي تمتد لعامين، بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد رسميا في مارس/ آذار من عام 2019. وحذر رئيس المفوضية الأوربية، جان كلود يونكر، من أن تلك العملية ستكون "أصعب بكثير". وأعلن توسك عن نبأ الانتقال إلى المرحلة التالية في المفاوضات مع بريطانيا في تغريدة على موقع تويتر، عقب اجتماع قمة لقادة دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 في بروكسل. ونقل ما وصفه بسعادة القادة بهذه الخطوة.
وهنأ توسك رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على تلك الخطوة، التي وصفتها محررة الشؤون السياسية في بي بي سي، لورا كوينسبرغ، بأنها لحظة مهمة في عملية خروج بريطانيا من الاتحاد. وقالت ماي إنها ترغب في أن يصل الجانبان إلى المرحلة المقبلة من المفاوضات، التي تحدد شكل العلاقات المستقبلية طويلة المدى بين بريطاينا والاتحاد، بروح من "الإبداع والطموح".
ونشر الاتحاد الأوروبي قواعده الإرشادية للمرحلة الثانية من المفاوضات. ومن غير المرجح أن تبدأ مناقشة مستقبل التعاون الاقتصادي بين الجانبين قبل ماس/ آذار.
وتوصلت بريطانيا لاتفاق مع المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي، مفاده أن "التقدم الكافي" الذي تحقق بشأن ما يسمى قضايا الانفصال مثل حقوق المواطنين والالتزامات المالية، يجب أن ينتقل إلى المرحلة الثانية من المفاوضات. وقال يونكر إن الأولوية المبدئية للاتحاد الأوروبي هي "إضفاء الطابع الرسمي على الاتفاق"، الذي تم التوصل إليه، وذلك قبل الانتقال إلى ما بعده. ومن المقرر أن تناقش ماي رؤيتها حول "الوضع النهائي" لبلادها خارج الاتحاد، خلال اجتماع لحكومتها.
اضف تعليق