تعيش ألمانيا التي تعتبر بحسب بعض المراقبين نموذجا مثاليا للاستقرار ازمة حقيقية، بسبب عجز الأحزاب السياسية المنتخبة عن تشكيل حكومة جديدة، بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل التي تطمح لولاية رابعة رافعة شعار الاستقرار. وهو ما قد يدي الى إجراء انتخابات جديدة في هذا البلد الذي قد يعيش حالة من الشلل السياسي لأشهر عديدة. حيث بدأت المانيا كما نقلت بعض المصادر، مشاورات للخروج من الازمة السياسية غير المسبوقة بعد الفشل الذريع الذي منيت به المستشارة انغيلا ميركل لتشكيل حكومة للبلاد التي تخشى خصوصا انعدام الاستقرار. واعلن رئيس الجمهورية فرانك فالتر شتاينماير الذي اصبح يشرف على هذه الازمة بموجب الدستور، انه ينوي استطلاع آراء الاحزاب التي يمكن ان تشارك في حكومة برئاسة ميركل، باستثناء اليمين المتطرف واليسار المتطرف.
وتزايدت الضغوط على زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا ليتخلى عن معارضته لتشكيل ”ائتلاف موسع“ جديد مع المحافظين بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، بينما يجادل ساسة بارزون بأنه يجب على الحزب أن يدعم الاستقرار في البلاد. وتواجه ميركل أكبر أزمة سياسية في حياتها العملية منذ انهارت مساعي تشكيل ائتلاف ثلاثي مع الديمقراطيين الأحرار والخضر. وأثار ذلك قلقا في أنحاء أوروبا من أن يطول أمد الفراغ السياسي في الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في القارة.
وشارك الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ائتلاف حاكم مع ميركل منذ عام 2013 لكن زعيمه مارتن شولتز قال إن على الحزب الامتثال لرغبة الناخبين والبقاء في المعارضة بعد أن حقق أسوأ نتيجة في حقبة ما بعد الحرب في الانتخابات التي جرت في 24 سبتمبر أيلول. وتتزايد الضغوط على الحزب لإعادة النظر في قراره، إما بالموافقة على دعم حكومة أقلية يقودها المحافظون بعدم التصويت ضدها في البرلمان أو الدخول مجددا في ائتلاف.
وفي كلا الحالتين فإن شولتز قد لا يتمكن من الاحتفاظ بموقعه كزعيم للحزب. وإذا كان تغيير القيادة أمرا مطلوبا للحزب لتغيير مساره والتعاون مع المحافظين فلن يحدث هذا قبل مؤتمر للحزب سيعقد من السابع إلى التاسع من ديسمبر كانون الأول. وعقد شولتز اجتماعا مطولا مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وهو نائب برلماني سابق عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي ووزير سابق للخارجية، قبل أن يتوجه إلى مقر الحزب لإجراء مشاورات. ويحاول شتاينماير المساعدة في تشكيل حكومة ائتلافية وتفادي انتخابات جديدة.
انتخابات جديدة
وفي هذا الشأن قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها تفضل إجراء انتخابات جديدة على قيادة حكومة أقلية وذلك بعد فشل مفاوضات لتشكيل ائتلاف ثلاثي. وقالت ميركل في مقابلة مع محطة ”إيه.إر.دي“ التلفزيونية تُبث مساء الاثنين ”أرى أن إجراء انتخابات جديدة سيكون الطريق الأفضل“ موضحة أن خططها لم تكن تشمل تولي المستشارية في حكومة أقلية.
وتواجه المستشارة الالمانية انغيلا ميركل اخطر ازمة سياسية خلال حكمها المستمر منذ 12 عاما بعد فشل المفاوضات لتشكيل حكومة في المانيا، الذي يمكن ان يؤدي الى انتهاء حياتها السياسية. وفي غياب اي بديل، تستعد اكبر قوة اقتصادية في اوروبا لاسابيع ان لم يكن لاشهر من الشلل السياسي على الصعيد الوطني كما في اوروبا. وفي نهاية المطاف، قد يضطر الالمان للعودة الى مراكز الاقتراع مطلع العام المقبل بينما انتخبوا للتو في ايلول/سبتمبر نوابهم.
وفازت المستشارة التي تحكم المانيا منذ 2005، بالتأكيد في الانتخابات التشريعية لكن باسوأ نتيجة يسجلها حزبها المحافظ منذ 1949، وسط تقدم اليمين المتطرف الذي سجل اختراقا واستياء من وصول اكثر من مليون مهاجر. وهذا الوضع يضاف اليه رفض الاشتراكيين الديموقراطيين مواصلة الحكم معها، يحرمها من اغلبية واضحة في مجلس النواب. وتجري ميركل منذ اكثر من شهر مشاورات لتشكيل ائتلاف -- لم يختبر من قبل ومخالف للطبيعة -- بين حزبها المحافظ (الاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) والليبراليين والمدافعين عن البيئة.
وبعد اكثر من شهر من المفاوضات الشاقة التي كانت آخر جولاتها اجتماع ماراتوني في نهاية الاسبوع، انسحب الليبراليون معتبرين ان مواقف الاطراف متباينة جدا. وقال رئيس "الحزب الديموقراطي الحر" الليبرالي كريستيان ليندنر للصحافيين في برلين ان من "الافضل الا نحكم بدلا من ان نحكم بطريقة سيئة"، معتبرا انه لم يكن بالامكان ايجاد "قاعدة مشتركة" مع المستشارة. وقال ليندنر انه "ليست هناك مواقف مشتركة وثقة متبادلة" كافية للتفكير بحكومة من هذا النوع تحكم لاربع سنوات.
وعبرت المستشارة الالمانية عن "اسفها" لهذا القرار، معتبرة انه كان يمكن التوصل الى اتفاق بقليل من الارادة في التسوية. وستواصل ميركل الحكم في الوقت الراهن كما تفعل منذ شهر مع حكومة تكتفي بتصريف الاعمال لكن لا يمكنها اتخاذ قرارات كبرى. وهذا النبأ سيء خصوصا للشركاء الاوروبيين لالمانيا، ولا سيما فرنسا التي قدم رئيسها ايمانويل ماكرون في ايلول/سبتمبر مقترحات لانعاش الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو.
وفي الوقت نفسه، وعدت ميركل بان "تفعل كل ما بوسعها من اجل قيادة البلاد بشكل جيد خلال الاسابيع الصعبة المقبلة". وفي واقع الامر، كانت قضية الهجرة وتبعات السياسة السخية لميركل لاستقبال طالبي اللجوء سبب تعثر المفاوضات. ولم تتمكن الاحزاب من الاتفاق على سقف لعدد طالبي اللجوء ولا ما اذا كان كل اللاجئين او جزء منهم يستطيعون الحصول على حق لم شمل عائلاتهم في المانيا. وشكلت قضايا البيئة نقطة الخلاف الثانية في المشاورات بين دعاة حماية البيئة (الخضر) والاحزاب الاخرى.
وقالت ميركل انها ستجري مباحثات مع الرئيس الالماني فرانك فالتر شتاينماير الذي يتوجب عليه بموجب الدستور ان يؤدي دورا رئيسيا في المرحلة المقبلة. ولا يحدد الدستور مهلة لتشكيل الحكومة، ويمكن لميركل نظريا بعد توقف قصير، ان تقوم بمحاولة جديدة لتشكيل تحالف مع الاحزاب الاربعة. لكن نظرا للانقسامات الحادة تبدو المهمة صعبة. ويمكنها ايضا محاولة اقناع الاشتراكيين الديموقراطيين بالتراجع عن رفضهم الحكم معها. لكن الحزب الاشتراكي الديموقراطي يكرر باستمرار رغبته في ان يمضي فترة في المعارضة.
وميركل نفسها رفضت فكرة ان تكون مستشارة لولاية رابعة على رأس حكومة اقلية. يبقى الاحتمال الارجح وهو اجراء انتخابات جديدة. وفي هذه الحالة ستواجه ميركل صعوبة كبيرة في اقناع حزبها بخوض المعركة. والفشل الحكومي يشكل فشلا شخصيا لها ايضا. فهو يأتي بينما خرجت للتو من انتخابات تشريعية سجل فيها حزبها نتيجة مخيبة للآمال بينما يشهد في داخله معارضة حادة لقيادته الوسطية من قبل الجناح اليميني. بحسب فرانس برس.
وقال فرانك ديكير الخبير السياسي في جامعة بون لقناة البرلمان الالماني التلفزيونية "فينيكس" انه "من مصلحة ميركل ولادة حكومة، لان اي فشل سيعني ايضا انتهاءها" سياسيا. وكشف استطلاع للرأي نشرت صحيفة "دي فيلت" نتائجه الاحد ان 61,4 بالمئة من الالمان يعتقدون انها لا تستطيع ان تبقى في منصبها في حال اخفقت في مفاوضاتها لتشكيل ائتلاف حكومي.
عودة اليمين المتطرف
من جانب اخر يشارك نحو مئة نائب من اليمين المتطرف للمرة الاولى في مجلس النواب الالماني المنتخب حديثا في استعراض غير مسبوق للقوة من قبل القوميين منذ الحرب العالمية الثانية. وفاز الحزب المحافظ الذين تقوده المستشارة انغيلا ميركل في الاقتراع، لكنه سجل اسوأ نتيجة منذ العام 1949 ما يضع المستشارة في موقع ضعيف في مستهل ولايتها الرابعة.
وتواجه ميركل دخول حزب "البديل من اجل المانيا" المعادي للهجرة الى البرلمان بعد حصوله على 12,6% من الاصوات في اواخر ايلول/سبتمبر، في ما شكل سابقة لحزب من هذا النوع في تاريخ البلاد لما بعد الحرب العالمية الثانية، مستغلا استياء الناخبين من وصول اكثر من مليون طالبي لجوء الى البلاد. وبات نواب اليمين المتطرف (92 نائبا) القوة السياسية الثالثة في مجلس النواب الجديد وستكون اصواتهم محط انظار الرأي العام. و
وكانت ميركل اقنعت شويبله بالتخلي عن منصبه على رأس وزارة المالية مبررة ذلك بحاجتها الى رجل بمكانته لادارة النقاشات في المجلس والتي من المتوقع ان تكون عاصفة مع قدوم اليمين المتطرف. كما تم بذل كل الجهود لتفادي ان يلقي نائب من اليمين المتطرف كلمة الافتتاح. فهذه المهمة منوطة بالعضو الاكبر سنا وكان من المفترض ان تعود هذه المرة الى النائب من حزب "البديل من أجل المانيا" فولفغانغ فون غوتفريد (77 عاما).
الا ان النائب من المشككين في محرقة اليهود. ولقطع الطريق عليه غير البرلمان الالماني قواعده. وبالتالي لم يعد اكبر النواب سنا بل النائب الذي يغشل المقعد لاطول فترة هو الذي يلقي الكلمة. لذلك سيلقي نائب ليبرالي في ال76 الكلمة الافتتاحية. ويحق لحزب "البديل من اجل المانيا" شغل مثل هذا المنصب بما انه كتلة نيابية. لكن الاحزاب الاخرى تعارض مرشحه البريشت غلاسر بسبب مواقفه ازاء الاسلام الذي يشير اليه بانه "عقيدة" لا تشملها حرية الديانة التي يضمنها الدستور.
ويشكل وصول اليمين المتطرف الى البرلمان صدمة لقسم كبير من الرأي العام الالماني مازال يعيش تحت وطأة هواجس النازية. كما لا يريد اي حزب الجلوس بشكل دائم الى جانب نواب اليمين المتطرف في يمين القاعة وخلال الجلسة الافتتاحية سيخصص هذا المكان للحزب الليبرالي. وسبق لليمين المتطرف ان خرق العديد من المحرمات الوطنية خلال حملته خصوصا تنديده بالتعويضات عن جرائم النازية. بحسب فرانس برس.
كما تعهد احد ابرز مسؤوليه في البرلمان الكسندر غولاند "شن الحرب على ميركل". اما زميلته اليس فيدل فتريد تشكيل لجنة تحقيق نيابية في استقبال اللاجئين. الا ان هذا الحزب يشهد انقسامات حتى في صفوفه. فاحدى المسؤولات فيه فراوكه بيتري استقالت مؤخرا منددة بالتطرف "القومي" للحزب. وعبر يوزف شوستر رئيس الجالية اليهودية عن قلقه. وقال "لا استبشر خيرا، أقولها بصراحة". واضاف في مقال في صحيفة "يوديشه الغيماينه" انه "من المقلق معرفة ان البرلمان بات فيه اشخاص يريدون اخفاء الماضي النازي ويؤلبون الرأي العام ضد المسلمين وطالبي اللجوء".
تطورات جديدة
في السياق ذاته أعلن رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولز غداة لقاء مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، تخلي الحزب عن معارضته المبدئية للدخول في ائتلاف حكومي مع المستشارة أنغيلا ميركل. وبذلك تتقدم ألمانيا خطوة باتجاه الخروج من الأزمة السياسية بعد انتخابات إقليمية مني فيها المعسكر المحافظ بقيادة ميركل بهزيمة في أيلول/سبتمبر.
و في تصريح صحافي مقتضب قال شولز"هناك أمر يجب أن يكون واضحا: إذا كانت هذه المحادثات ستؤدي بشكل أو بآخر إلى المشاركة في تشكيل حكومة، سيكون على أعضاء حزبنا التصويت" على ذلك. ولا تزال نوايا الاشتراكي الديمقراطي غير واضحة. فقد يناقش الحزب "تحالفا كبيرا" جديدا مع المحافظين من حزب ميركل، أو تقديم الدعم لاحتمال تشكيل حكومة أقليات تترأسها ميركل. إلا أن المستشارة لا تفضل الطرح الثاني. وشدد شولز، الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي، على أنه "لن يكون هناك شيء بشكل تلقائي" مشيرا إلى "أسابيع" قادمة من المحادثات.
وأراد شولز أيضا التهوين من خطورة الوضع السياسي في البلاد المحرومة حاليا من أكثرية حاكمة فقال "ألمانيا لا تعاني من أزمة حكم، لكننا في وضع معقد". ويُعتبر هذا التغيير في الخط السياسي تراجعا بالنسبة لشولز الذي ومنذ النتائج المحرجة التي حصدها في الانتخابات التشريعية في 24 أيلول/سبتمبر، يتخذ موقفا معارضا في المبدأ لتجديد الائتلاف السابق تحت رعاية المستشارة.
وأجبر هذا الرفض ميركل على محاولة التفاوض من أجل إجراء تحالف صعب في الأصل، مع الخضر والليبراليين، في مساع باءت بالفشل في 19 تشرين الثاني/نوفمبر. وواجه شولز دعوات لتجنب انتخابات مبكرة، حتى من ضمن حزبه. وقال وزير العدل السابق هايكو ماس "الحزب الاشتراكي الديمقراطي لا يمكن أن يتصرف مثل طفل مستاء". وبرّر شولز أخيرا تحوله بأنه إنما يتجاوب مع "نداء" رسمي تلقاه من الرئيس شتاينماير، وهو وجه اشتراكي ديمقراطي مُحترم يحاول أن يلعب دور الوسيط لتجنب إجراء انتخابات مبكرة. لكن شولز غيّر موقفه أيضا عندما كثرت الانتقادات قبيل مؤتمر حزبه الذي يُعقد من 7 إلى 9 كانون الأول/ديسمبر ويترشح خلاله شولز إلى منصب رئاسة الحزب.
ومن المتوقع أن يُعقد لقاء أول يجمع المستشارة وحليفها البافاري رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي هورست سيهوفر وشولز، تحت رعاية الرئيس الألماني. وقد يتم تمديد المفاوضات إذ أن الدستور الألماني لا يحدد مهلة لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية. وفي هذا الوقت، لا تزال ميركل مكلفة إدارة الشؤون الجارية. وفي حال فشل المحادثات بين المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين، سيكون من الصعب على ألمانيا تجنب الانتخابات المبكرة، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ ما بعد الحرب في البلاد. بحسب فرانس برس.
لكن إجراء مثل هذه الانتخابات محفوف بالمخاطر لأن المشهد السياسي في ألمانيا شهد زلزالا سياسيا بعد الانتخابات التشريعية في 24 أيلول/سبتمبر مع دخول مرشحين من اليمين المتطرف إلى مجلس النواب، الأمر الذي حرم البلاد تشكيل أكثرية حاكمة. وقد تكون نتائج الانتخابات الجديدة أفضل بالنسبة لحزب "البديل لألمانيا" الذي تعهد بأنه لن يتوقف عن مهاجمة ميركل، بحسب استطلاعات الرأي. وتراقب أوروبا عن كثب التطورات في ألمانيا، لأنه بغياب ألمانيا فاعلة سيتعرّض إصلاح الاتحاد الأوروبي للكثير من العثرات.
اضف تعليق