تغيرت موازين القوى في شمال العرق منذ استعادة القوات العراقية السيطرة على كل الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد بعد عام 2014. يحاول القادة الكرد المماطلة لاجل الاستفادة من الوقت خصوصا وانهم قد ادركوا ان الحكومة المركزية في بغداد عازمة على تطبيق الدستور وفرض نفسها كقوة موحدة لإدارة الحكم بعد ان حصلت ايضا على تأييد طهران وأنقرة لخطواته ضد الأكراد. ولعل قضية المعابر الحدودية مع تركيا وإيران وكما يرى بعض المراقبين هي اليوم احدى اهم القضايا الخلافية، فبعد ان تم الاتفاق في وقت سابق على استلامها وادارتها من قبل الحكومة العراقية، عاد التوتر من جديد ليكون سيد الموقف بعد تأخر الكرد تسليم المعابر للقوات العراقية، التي هددت باستئناف العمليات لوضع يدها على الأراضي، وأفاد المسؤولون الأكراد بأنهم مستعدون للسماح "بإشراف" عراقي على الحدود، لكنهم قالوا إن حكومة إقليم كردستان يجب أن تسيطر على المعابر المؤدية إلى الإقليم الكردي.
واتهمت قيادة العمليات العراقية المشتركة حكومة إقليم كردستان باستغلال المحادثات "للتسويف" من أجل تعزيز الدفاعات الكردية. وجاء في البيان العراقي: "كما وأن الإقليم يقوم طول فترة التفاوض بتحريك قواته وبناء دفاعات جديدة لعرقلة انتشار القوات الاتحادية وتسبيب خسائر لها (...) لن نسمح بذلك والآن فإن القوات الاتحادية مأمورة بتأمين المناطق والحدود". واتهمت قيادة مقاتلي قوات البشمركة الكردية القوات العراقية بحشد أسلحة والتهديد بالقوة لحل الخلافات السياسية الداخلية.
وتقع الحدود البرية للعراق مع تركيا بالكامل داخل الإقليم الكردي شبه المستقل ويسيطر عليها الأكراد منذ فترة ما قبل سقوط صدام حسين في 2003. والسيطرة على المنطقة الحدودية ذات أهمية حاسمة بالنسبة للإقليم الكردي الحبيس، ويمر خط لأنابيب النفط من شمال العراق إلى تركيا ناقلا صادرات الخام، التي تعد مصدر الدخل الرئيسي للأكراد. واشترط العبادي لبدء الحوار مع إقليم كردستان، إلغاء نتائج الأستفتاء وليس التجميد، وان لا تفاوض إلا في ظل دستور العراق الموحد، اضافة إلى نشر القوات الاتحادية في كل المناطق خارج إقليم كردستان بعد 2003 والسيطرة على المنافذ الحدودية والمطارات.
ويبدو ان توترات أوضاع الإقليم الداخلية وكما نقلت بعض المصادر، تنال اهتماما من الحكومة الاتحادية، التي أكدت انها تتابع تطورات الأحداث في إقليم كردستان، وما حصل من اعتداءات على مقرات الأحزاب وكذلك الإعلاميين ومحاولات إحداث فوضى واضطرابات في أربيل ودهوك. وهو ما اعتبره المراقبون اشارة إلى استعداد القوات الاتحادية للدخول إلى الإقليم إذا تدهورت الأوضاع فيه. وحول أوضاع الإقليم الداخلية، ورغم تنحي مسعود بارزاني عن رئاسة الإقليم، إلا ان الواضح ان قرار ابتعاده عن المشهد الكردي ما زال بعيدا، حيث يواصل تصريحاته وانتقاداته الحادة لحكومة بغداد والقوات الاتحادية، وإعلانه عن بقائه ضمن البيشمركه، ومواصلة نشاطاته السياسية عبر لقاءاته بالسفراء الأجانب، إضافة إلى استمراره في قيادة حزبه الديمقراطي.
وفي خطاب التنحي، كرر بارزاني، الحديث عن تعرض الإقليم إلى «خيانة عظمى» بالانسحاب من كركوك، مشيرا إلى ان بغداد، التي قال انها تتعامل مع الكرد بغرور، اتخذت من الاستفتاء حجة لمهاجمة إقليم كردستان وتنفيذ عقاب جماعي ضد الكرد، متهما العراق بالتراجع عن تطبيق الدستور وانه عاد لتطبيق سلطة الطرف الواحد ومنتقدا الدور الأمريكي. وكشفت جلسة برلمان الإقليم التي أقرت تنحي بارزاني ووزعت صلاحياته على برلمان وحكومة الإقليم، اضافة إلى تأجيل الانتخابات ثمانية أشهر، عمق الخلافات بين الأحزاب الكردية، وسط تحذيرات كردية من مغبة تدهور الأوضاع بين تلك الأحزاب في الإقليم وتكرار سيناريو الحرب الأهلية عام 1996.
فعقب خطاب بارزاني، أقدم مؤيدوه على اقتحام مبنى البرلمان والاعتداء على نواب وصحافيين، كما هاجموا مقرات الاتحاد الوطني وحركة التغيير في دهوك، اضافة إلى حرق قنوات إعلامية كردية معارضة لبارزاني. ووصل الأمر إلى قيام جماعات مسلحة بتطويق منزل علي باباني زعيم الجماعة الإسلامية الذي وجه انتقادات لبارزاني وطالب بتشكيل حكومة طوارئ في الإقليم. وفي المقابل تعرض مقر حزب بارزاني في السليمانية إلى اطلاق نار من مجهولين.
ورافق هذه الأجواء المشحونة، انتقادات علنية من مسؤولين وسياسيين أكراد لبارزاني، ومنها مهاجمة مسؤول جهاز الأمن والمعلومات في إقليم كردستان لاهور الشيخ جنكي بشدة مسعود بارزاني قائلا «أتمنى أن لا يفكر بارزاني في دفع الأوضاع الداخلية إلى مستنقع حروب داخلية في الظرف الدقيق من خلال توجيهه إتهامات بالخيانة إلى جهات سياسية» محملا بارزاني مسؤولية تدهور الأوضاع في الإقليم وانهيار البيت الكردي.
قوات مشتركة
وفي هذا الشأن عرض إقليم كردستان العراق نشر قوات عراقية كردية مشتركة عند معبر حدودي استراتيجي مع تركيا بمشاركة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في إطار تسوية تهدف إلى إنهاء المواجهة مع بغداد. جاء العرض بعد ساعات من اتهام القوات المسلحة العراقية لحكومة كردستان بتأخير تسليم السيطرة على الحدود وباستغلال المحادثات ”للتسويف“ من أجل تعزيز الدفاعات الكردية وتهديدها باستئناف العمليات للسيطرة على الأراضي الخاضعة للأكراد.
وشنت الحكومة المركزية في بغداد حملة على الأكراد منذ أن أجرت حكومة إقليم كردستان العراق استفتاء على الاستقلال يوم 25 سبتمبر أيلول اعتبرته بغداد غير قانوني. واجتاحت قوات الحكومة المركزية مناطق يسيطر عليها الأكراد الشهر الماضي وطالبت بالسيطرة على كل نقاط التفتيش الحدودية بما فيها الحدود التركية التي كان الأكراد يسيطرون عليها منذ عهد صدام حسين.
وسعى الأكراد، لنزع فتيل الأزمة عن طريق المفاوضات. وقالت وزارة شؤون البشمركة المعنية بالدفاع في حكومة إقليم كردستان إن العرض جزء من اقتراح من خمس نقاط ”لنزع فتيل الصراع“ قُدم للحكومة العراقية يوم 31 أكتوبر تشرين الأول. وتشمل النقاط الأخرى وقفا لإطلاق النار على جميع الجبهات واستمرار التعاون في قتال داعش وانتشارا مشتركا فيما يسمى بالمناطق المتنازع عليها وهي مناطق يطالب الجانبان بالسيادة عليها.
وقال البيان الكردي إن حكومة كردستان ”لا تزال ترحب بوقف إطلاق النار الدائم على كافة الجبهات ونزع فتيل الصراع وإطلاق حوار سياسي“. وأوقف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي العمليات العسكرية ضد الأكراد ويعقد الجانبان منذ ذلك الحين محادثات تقول بغداد إنها تشمل القضايا الفنية فقط. ويقول العبادي إن القضايا السياسية لن تطرح للنقاش ما لم يتراجع الأكراد عن الاستفتاء. وتؤيد إيران وتركيا الإجراءات التي اتخذها العبادي ضد الأكراد خشية أن تستشري نزعة الاستقلال بين السكان الأكراد في الدولتين.
وجاء في البيان الكردي أن الانتشار المشترك عند معبر فيش خابور الاستراتيجي يمثل ”بادرة حسن نية وتحركا لبناء الثقة يضمن ترتيبا محدودا ومؤقتا إلى حين الوصول لاتفاق بموجب الدستور العراقي“. ولفيش خابور أهمية استراتيجية لمنطقة كردستان إذ أنها نقطة يمر منها خط أنابيب النفط التابع لها إلى تركيا.
وقال مدير عام شركة تسويق النفط العراقية (سومو) إن بلاده تريد من إقليم كردستان أن يوقف صادرات النفط المستقلة وأن يسلم عمليات المبيعات إلى الشركة الحكومية العراقية التي تتولى تسويق النفط. وقال علاء الياسري المدير العام بالوكالة لسومو للصحفيين في بغداد إن العراق يجرى محادثات مع تركيا للسماح لسومو ببيع النفط الكردي الذي يصل عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. بحسب رويترز.
وأقامت القوات العراقية مواقع لها على الحدود التركية لأول مرة بين نقاط تفتيش تركية وكردية عند معبر الخابور وهو الاسم التركي للمعبر البري الواقع على مسافة عشرة كيلومترات من فيش خابور في العراق. والحدود التركية مع الإقليم الكردي مسألة أمنية حيوية لتركيا التي تقول إن متمردين أكرادا يقاتلون الدولة التركية يختبئون عبر الحدود. وقال الجيش التركي إن قوات الأمن التركية قتلت 17 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني قرب الحدود بعد مقتل ثمانية من أفراد قوات الأمن التركية في اشتباكات. وقال الجيش التركي إن القوات اعترضت طريق المقاتلين الأكراد لدى عبورهم الحدود إلى تركيا. وبدأ حزب العمال الكردستاني تمردا عام 1984 وقتل أكثر من 40 ألف شخص في الصراع.
الحدود مع ايران
من جانب اخر قال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الميجر جنرال محمد باقري إن إيران ستزيل القيود الحدودية مع منطقة كردستان العراق خلال الأيام المقبلة بعد إغلاقها عقب الاستفتاء الكردي لصالح الاستقلال. وجاء ذلك بعد يوم من إعلان رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني تنحيه عن منصبه في الأول من نوفمبر تشرين الثاني بعد الاستفتاء الذي أيده ودفع بغداد لتنفيذ عمل عسكري.
وتعارض إيران التي تضم أقلية كردية كذلك استقلال أكراد العراق وبناء على طلب من بغداد أغلقت الحدود مع الإقليم الكردي في شمال العراق وأوقفت جميع رحلات الطيران منه وإليه. ونقلت وكالة الطلبة للأنباء عن باقري قوله ”القيود الحدودية بين إيران والإقليم الكردي العراقي سترفع خلال الأيام المقبلة“. وفتحت إيران بالفعل معبر باشماغ. بحسب رويترز.
وقال باقري كذلك إنه إذا نفذ إقليم كردستان خطته للانفصال ”سيشهد العراق سفك دماء وستتأثر دول الجوار“. ويريد العبادي السيطرة على المعابر الحدودية التي تربط إقليم كردستان العراق بتركيا وإيران وسوريا ومنها معبر يمر منه خط أنابيب تصدير النفط إلى تركيا.
وتؤيد إيران موقف الحكومة المركزية في بغداد المعارض لانفصال الإقليم. من جهة اخرى نقلت وكالة أنباء إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران عن جهانجير باخشي مدير جمارك المعبر الحدودي ”بعد الاستفتاء والتغييرات داخل منطقة كردستان أغلقنا الحدود مع منطقة كردستان العراق... واليوم أصبح معبر باشماغ مفتوحا“. ويقع معبر باشماغ على بعد حوالي 50 كيلومترا إلى الشرق من مدينة السليمانية في كردستان العراق. وقال باخشي إنه من غير الواضح متى سيعاد فتح بقية المنافذ بين إيران وكردستان العراق. ونقلت عنه وكالة أنباء إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران قوله إن حجم التجارة التي تمر عبر منفذ باشماغ الحدودي يبلغ حوالي 20 مليار دولار سنويا.
17% من الموازنة
على صعيد متصل أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أن بلاده لا ترغب بإلحاق الضرر بمواطني إقليم كوردستان "لذا لم نقم بإيقاف نقل النفط، وننتظر أن تذهب الإيرادات لبغداد"، مضيفاً: "على إدارة بغداد إرسال حصة 17% من الموازنة إلى أربيل". وقال كالن في لقاء أجراه مع محطة "NTV" التلفزيونية المحلية: "قلنا إن تجميد نتائج الاستفتاء ليس حلاً كافياً، تقول إدارة أربيل الآن إنه لم تحدث أي تغييرات فعلية بعد، ولم يتم الإعلان عن الدولة"، مستدركاً: "لاشك أن استخدام نتائج الاستفتاء كورقة ضغط في المستقبل سيتحول إلى مشكلة"،
وتابع: "تنتظر تركيا والمجتمع الدولي، من إدارة اقليم شمال العراق، الإعلان عن إلغاء نتائج الاستفتاء، وطريقة القيام بذلك وكيفية توضيح ذلك للشعب أمر يعود إلى أربيل". ومضى بالقول: "مع إجراء الاستفتاء اتخذنا سلسلة إجراءات قمنا بإيقاف الرحلات الجوية، وتجميد العلاقات الثنائية، وقلنا إننا نعمل استناداً إلى مبدأ عدم إلحاق الضرر بسكان الإقليم، ومعبر خابور (إبراهيم الخليل) ما زال مفتوحاً إلى اليوم وحركة التجارة مستمرة عبره لسد احتياجات المواطنين هناك".
وأشار المتحدث باسم الرئاسة التركية: "طالبنا بتسلم المعبر الحدودي لبغداد أو إدارة بشكل مشترك.. ورغم تعدد الروايات بهذا الشأن، لكن بالتأكيد إذا ما توصل الطرفان لاتفاق فيما بينهما فإن هذا المعبر سيبقى مفتوحاً". وأوضح كالن: "حتى الآن لم نوقف تصدير النفط عبر الأنابيب النفطية، وبحسب آخر المعلومات فإن الإيرادات تذهب إلى بغداد أيضاً، وعلى إدارة بغداد إرسال حصة 17% من الموازنة إلى أربيل، وقلنا لهم (في بغداد): طبقوا هذه الآلية، وهناك حالة من المد والجزر فيما يخص هذه النقطة، فهم يعقدون اللقاءات تارة ويقطعون العلاقات بينهم تارة أخرى، كما أن هناك مجموعة من المشاكل داخل أربيل، ولم يتم تمديد سلطة مسعود البارزاني، ووزعت صلاحياته بين رئيس الوزراء نيجيرفان البارزاني والبرلمان، وكيف سيطبق هذا في هذه المرحلة علينا أن ننتظر ونرى". وتابع: "أريد أن أقول إننا دائماً كانت لدينا علاقات جيدة مع كورد العراق، حتى في الأوقات الصعبة، ونحن لم نغير موقفنا، لكن كان ينبغي عدم توقع أن نلتزم الصمت أمام خطأ بهذا الحجم".
اضف تعليق