طوى إقليم كردستان في شمال العراق المتمتع بالحكم الذاتي صفحة من تاريخه، مع إعلان رئيسه مسعود بارزاني التخلي عن السلطة. حيث وجد بارزاني نفسه مجبرا على الرحيل بعد رهانه الفاشل، حتى الآن على الأقل، على فرض استقلال الإقليم، متحديا كل القوى الإقليمية والدولية. لتشكل استقالته سقوطا مدويا لأمير حرب حلم طويلا بأن يكون أبا لاستقلال أكراد العراق، الشعب الذي يصعب فصل مصيره عن تاريخ عائلة بارزاني.
هذه التطورات المهمة والمتسارعة كما يرى بعض المراقبين، ستسهم وبشكل واضح في فرض هيبته الدولة العراقية، التي استطاعت وخلال فترة قياسية من استعادة السيطرة على العديد من المناطق المهمة في شمال العراق، والتي اضيفت الى خارطة الاقليم بعد عام 2014، ومنها مدينة كركوك وبعض المناطق الاخرى المتنازع عليها يضاف الى ذلك المعابر الحدودية مع تركيا وسوريا، والتي تعد رافد مهم من روافد الاقتصاد العراقي وكانت تحت هيمنه حكومة وحزب مسعود البرزاني.
حيث اجتمع وفد الحكومة العراقية مع وفد من اكراد شمال العراق في محافظة نينوى للتباحث حول المنافذ الحدودية ومناطق متنازع عليها. وتمحور الاجتماع حول نقطتين: الأولى، انسحاب قوات البيشمركة إلى حدود الإقليم لعام 2003 والثانية، تسليم إدارة منفذي فيشخابور وإبراهيم الخليل على الحدود مع تركيا، إلى الحكومة الاتحادية. وشدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على ضرورة بسط الحكومة الإتحادية السيطرة على المنافذ، وحذر العبادي من أن التباطؤ في الاستجابة للمطالب سيفاقم الأزمة.
وكانت بغداد طلبت من إيران وتركيا اغلاق المنافذ الحدودية بينها وبين إقليم كردستان بعد إستفتاء الإقليم على الانفصال، حتى تبسط الحكومة الإتحادية في بغداد سيطرتها على تلك المنافذ. وفي شمال العراق عدة منافذ حدودية مع إيران وتركيا وتعد تلك المنافذ الشرايين حيوية للتجارة بين الإقليم ودول الجوار وعبرها يمر تبادل تجاري بمليارات الدولارات بالإضافة إلى كونها ممرا لتصدير النفط.
ويصف منتقدو مسعود بارزاني الرجل بأنه عنيد وانتهازي، ويتهمه خصومه بأنه فرض أبناء عائلته ومقربيه على الإقليم من خلال نظام قائم على الفساد والمحسوبية ينتشر في جميع قطاعات المجتمع. البعض يعتبر أن الزعيم ذا الشارب الرمادي كان قليل الصبر والحذر (متسرعا ومتهورا) عندما نظم استفتاء على استقلال الإقليم فرضه على العالم أجمع دون طرف دولي واحد داعم له، ولا حتى أصدقاؤه الأمريكيون المتحالفون معه في قتال جهاديي تنظيم داعش الارهابي. منتقدوه الأكثر قسوة يعتبرون أن وعده لمواطنيه بالاستقلال في وجه الرياح المعاكسة، هو خطوة محسوبة على أمل البقاء في الحكم بعد أن انتهت ولايته منذ عام 2013 وتم تمديدها مرتين. في معسكره يتم التأكيد بأن هذه الخطوة لم تكن مدفوعة بطموحات شخصية، ولا حسابات سياسية، إنما جاءت لاقتناص فرصة غير متوقعة لإعلان الاستقلال.
الحدود مع تركيا
وفي هذا الشأن سيطرت قوات الحكومة العراقية على معبر إبراهيم الخليل الرئيسي على الحدود مع تركيا في إقليم كردستان العراق بعد أسابيع من التوتر بين بغداد وأربيل، بحسب ماقاله رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم. وقال يلدريم لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان إن إدارة المعابر على الحدود سوف يقوم بها مسؤولون عراقيون وأتراك كل من جانبه. وقد أغلق المعبر بينما كانت تجري مراسم تسليمه، مما أدى إلى وجود طابور طويل. ولم تشر وسائل الإعلام إلى حدوث أي اشتباكات.
وانتشرت القوات العراقية بحسب ما قالته وكالة الأناضول للأنباء في معبر إبراهيم الخليل، مضيفة أنها كانت تتأهب لرفع العلم العراقي على المعبر. وكانت وسائل إعلام قد أفادت بـ"تسلم القوات العراقية، معبر إبراهيم الخليل الحدودي مع تركيا، وأن رئيس أركان الجيش العراقي عثمان الغانمي وصل إلى المعبر لتسلمه من البيشمركة". وأفادت خلية الإعلام الحربي التابعة لقيادة العمليات المشتركة العراقية في بيان بأن الفريق الفني العسكري برئاسة رئيس أركان الجيش العراقي زار معبر فيشخابور ومعبر إبراهيم الخليل زيارة ميدانية للاطلاع ميدانيا على الموقف، وتحديد المتطلبات العسكرية والأمنية لإكمال تنفيد قرارات الحكومة الاتحادية في إدارة الحدود الدولية والمنافذ اتحاديا، والانتشار الكامل للقوات الاتحادية في جميع المناطق التي امتد إليها الإقليم بعد عام 2003.
واجتازت قوات تركية وعراقية معبر "خابور" التركي الحدودي لتصل إلى معبر "إبراهيم الخليل"، الذي كان خاضعا لحكومة إقليم كردستان في شمال العراق. وأفاد مراسل الأناضول أن مدرعات تقل جنودا أتراكا وعراقيين توجهت إلى المعبر المذكور وسط صافرات الإنذار. وأشار إلى أن القوات التركية والعراقية المذكورة كانت تشارك في المناورات العسكرية المشتركة المستمرة في ولاية شرناق.
ومازال إقليم كردستان يتعرض يوما بعد يوم للعزلة في أعقاب إجراء الاستفتاء على الانفصال في 25 سبتمبر/أيلول، الذي عارضته بغداد وإيران، وتركيا، وحلفاء الأكراد الغربيون أيضا. ويعد معبر إبراهيم الخليل الحدودي مع تركيا، الذي يقع في مدينة زاخو في محافظة دهوك ضمن حدود إقليم كردستان العراق، وهو من أكبر المنافذ الحدودية العراقية. ويدر عوائد بمليارات الدولارات سنويا تتسلمها حكومة الإقليم، ولم يكن للحكومة المركزية في بغداد أي سلطة عليه. أما معبر فيشخابور، فيستخدمه الإقليم للتواصل مع مناطق سورية يشكل الأكراد أغلبية سكانها، وتقع بمحاذاة الشريط الحدودي مع العراق
ومعبر فيشخابور بحسب بعض المصادر كان يستعمل بصورة غير شرعية من قبل أشخاص متنفذين في الحزب الديمقراطي وقوات البيشمركه التابعة للحزب، في تهريب النفط والبضائع بين الإقليم وسوريا وتركيا. لكن وسائل، إعلام كردية مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، نفت تسلم بغداد المنافذ الحدودية في الإقليم. ونقلت تصريحات عن مصادر قالت إنها أمنية، بأنه لا صحة لتسلم بغداد لأي منفذ حدودي سواء في فيشخابور أو إبراهيم الخليل.
بنود الاتفاق
الى جانب ذلك عقد وفدان يمثلان الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، سلسلة اجتماعات بغية التوصل إلى اتفاق يقضي بتنفيذ خطة إعادة انتشار القوات الاتحادية في مناطق سهل نينوى والمنافذ الحدودية، إضافة إلى عودة قوات البيشمركه الكردية إلى حدود عام 2003، من دون التوصل إلى أي اتفاق معلن رسمياً. لكن عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، ماجد الغراوي وكما نقلت بعض المصادر قال أن الاجتماعات المشتركة بين القوات الاتحادية والبيشمركه، توصلت إلى نتيجة تضمن فرض سلطة الدولة والقانون، وأن تكون القوات الاتحادية هي المسؤولة عن الوضع الأمني في المناطق المتنازع عليها. وأضاف: الأكراد طالبوا بأن تكون هناك مشاركة لقوات البيشمركه مع القوات الاتحادية في هذه المناطق، وهذا الأمر تم تحويله إلى العمليات المشتركة لإبداء الرأي وإعلام اللجنة التنسيقية.
وأشار إلى أن الهدف الأساسي من الاجتماعات يأتي لـ«تجنب حصول مصادمات بين القوات الأمنية الاتحادية وبعض قوات البيشمركه، التي تحاول التأثير سلبا على هذه الاتفاقية وبسط الأمن لدوافع سياسية وحزبية». وحمّل، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني مسؤولية الوقوف خلف ذلك التوجه. وطبقاً لبعض المصادر فإن «المواقف الايجابية لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والجماعة الإسلامية، عززت دور الحكومة في تنفيذ واجبها في تلك المناطق، كشفت في الوقت ذاته عن مشاركة نسبية في بعض المناطق من قبل قوات البيشمركه الموالية للعراق وليس لحزب معين.
من جهة اخرى قال المصدر المطلع عن كثب على المفاوضات، إن الوفد الكردي الذي كان يقوده وزير الداخلية والبيشمركه وكالة كريم سنجاري، كان قلقا جدا من فشل المفاوضات لكي لا يكون ذلك ذريعة للقوات العراقية للدخول إلى أربيل لتطبيق القانون. وأضافت ان الوفد الذي ترأسه من الجانب العراقي الفريق أول، الركن عثمان الغانمي رئيس أركان الجيش حقق في 48 ساعة ما كان يجب أن يتحقق منذ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003، أو حتى قبل ذلك، باعتبار ذلك حقا غير قابل للتنازع من حقوق السلطة الاتحادية لتأمين حقوق المواطنين العراقيين عربا وأكرادا وضبط أمن الحدود من أي نشاطات غير مشروعة وفق توجيهات صارمة من رئيس الوزراء حيدر العبادي بدل اللعب بمقدرات الشعب وتهريب والمتاجرة بثرواته لحساب العائلات والأفراد والأحزاب.
التحالف الدولي
وعن دور التحالف الدولي في المفاوضات، قالت بعض المصادر، إن التحالف الدولي كان قلقا من وجود نشاطات تهريب كبيرة في المثلث الحدودي العراقي التركي السوري، وإن الجزء الأكبر من هذا التهريب كان لبيع النفط السوري لمصلحة تنظيم داعش لسنوات عديدة. كما تحدثت مصادر صحافية عن إشراف منصور بارزاني، (نجل رئيس الإقليم) عن هذه التجارة مع قوات كردية سورية موالية من الجانب السوري بعد هزيمة تنظيم داعش، لذلك فإن التحالف كان مهتما جدا بإعادة ملف المنافذ والمعابر والحدود إلى السلطات الاتحادية لإنهاء تمويل الإرهاب والنشاطات غير المشروعة عبر الحدود.
والحدود التي تم الاتفاق على إعادة الانتشار فيها هي الحدود الإدارية الرسمية لمحافظة نينوى، وليس ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها (وفق هذا التفسير تعود عقرة وفايدة والقوش مثلا إلى نينوى)، على أن تدار الوحدات الإدارية من السلطات المحلية المخولة قانونا (مجالس محلية وأقضية ونواحي). ونصّ الاتفاق أيضاً على أن تكون القيادة والسيطرة للجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب حصرا، وتستلم ملف إدارة أمن المناطق المستعادة إلى نينوى، الشرطة المحلية بإشراف الجيش العراقي مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم عسكرة المدن، فضلاً عن تبديل ألوية الحدود الماسكة للحدود العراقية مع الجانب التركي خلال شهر، بقوات من حرس الحدود وقوات أخرى.
وكذلك التأكيد على عودة المعابر والمنافذ الحدودية إلى الجهات المختصة (هيئة المنافذ الحدودية والجمارك لاتحادية) لإدارتها بإشراف من قبل السلطة الاتحادية، مع إشراك موظفين من سكنة وسلطة الإقليم بإمرة السلطات الاتحادية، وليس بمفهوم إدارة مشتركة بين السلطتين الاتحادية والإقليم. وتضمنت الخطة الحكومية انتشار قوات اتحادية نظامية على الحدود الدولية حصرا، مع السماح بانتشار عدد محدود من قوات البيشمركة مع القوات الاتحادية في إعادة الانتشار. وتحدثت مصادر صحافية إن الاتفاق بين الحكومة الاتحادية والبيشمركة جاء برعاية التحالف الدولي، مبينةً أن قوات البيشمركه ستنسحب من مناطق القوش وتلسقف (ذات الغالبية المسيحية) في نينوى. وأكدت المصادر إن المناطق الواقعة بين محافظتي دهوك ونينوى وهي (الشيخان، والمحمودية، وسحيله، وفايده، ومقلوبه) ستكون إدارتها مشتركة، إضافة إلى مناطق (الخازر، والكوير) بين نينوى وأربيل. أما بقية مناطق سهل نينوى وقضاء مخمور، وسنجار وزمار وربيعه حتى معبر فيشخابور، فإن الاتفاق يقضي بأن تكون تحت القيادة العراقية وبإدارة اتحادية.
اضف تعليق