إدلب صفحة جديدة من صفحات الصراع المسلح في سوريا، حيث تسعى تركيا التي أعلنت بدء عملية عسكرية في هذه المنطقة، الى تأسيس نقاط مراقبة في الشمال السوري من خلال دعم قوات الجيش السوري الحر المعارضة الحدود. وكانت قوات تركية قد دخلت سوريا كجزء من عملية عسكرية أعلن عنها الرئيس رجب طيب اردوغان في وقت سابق، هذه العملية تهدف ايضا الى منع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من امريكا والتي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابيا من التقدم خصوصا وانها قد حققت مكاسب عسكرية مهمة في الفترة الاخيرة، يضاف الى ذلك الحد من تحركات المجاميع الارهابية المتشدة ومنها هيئة تحرير الشام، هذه التطورات ربما ستسهم وبحسب بعض المراقبين في خلق صراع جديد، خصوصا وان دمشق قد طالبت تركيا بسحب قواتها من محافظة إدلب في شمال غرب سورية "فورا ومن دون أي شروط"، مؤكدة أن انتشارها هناك يتعارض مع اتفاق خفض التوتر الذي تم التوصل إليه في مباحثات أستانا.
وتشكل محافظة إدلب واحدة من أربع مناطق في سورية تم التوصل فيها إلى اتفاق خفض توتر في أيار/مايو في إطار محادثات أستانا، برعاية كل من روسيا وإيران حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. ويستثني الاتفاق بشكل رئيسي داعش وهيئة تحرير الشام، والتي تسيطر على الجزء الأكبر من إدلب. وأعلنت أنقرة أن قواتها بدأت تنتشر في محافظة إدلب الخميس وباشرت أعمال إقامة مراكز مراقبة في إطار بدء إقامة منطقة خفض توتر. وأوردت وسائل الإعلام التركية أن الاتفاق ينص على أن تقيم تركيا 14 مركز مراقبة في إدلب سينشر فيها ما مجمله 500 جندي. وتشهد سوريا منذ آذار/مارس 2011 نزاعا داميا تسبب بمقتل أكثر من 330 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية وبنزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها. وتسيطر تركيا بالفعل على مساحات كبيرة من شمال سوريا إلى الشرق من إدلب منذ توغلها العسكري في البلاد في عام 2016.
نقاط مراقبة
وفي هذا الشأن قال الجيش التركي إنه بدأ إقامة نقاط مراقبة في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا في إطار نشر للقوات يهدف في جانب منه على ما يبدو لاحتواء فصيل كردي. وذكر مقاتلو معارضة وشاهد عيان أن تركيا أرسلت قافلة تضم نحو 30 مركبة عسكرية إلى شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة عبر معبر باب الهوى في إدلب.
وأظهر تسجيل فيديو وزعه الجيش التركي رتلا قال إنه القافلة المعنية وإنها بدأت تتحرك. وتقول تركيا إن العملية العسكرية التي تنفذها إلى جانب جماعات تدعمها من المعارضة السورية هي جزء من اتفاق أبرم مع روسيا وإيران في آستانة عاصمة قازاخستان لتهدئة القتال بين المعارضة والحكومة السورية. وأضاف الجيش أن قواته في سوريا تنفذ عمليات وفقا لقواعد الاشتباك المتفق عليها مع روسيا وإيران.
لكن مسؤولا كبيرا بالمعارضة يشارك في العملية قال إن نشر القوات التركية يهدف أيضا لكبح وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على منطقة عفرين المجاورة. وقال مصطفى سيجري المسؤول في الجيش السوري الحر إن انتشار القوات التركية يجري ”حسب مخرجات آستانة لحماية المنطقة من قصف النظام والروس ولقطع الطريق أمام الانفصاليين لاحتلال أي أرض“. وذكر تلفزيون (سي.إن.إن ترك) على موقعه أن اشتباكا دار في ريف إدلب قرب مركز أوجولبينار الحدودي في منطقة ريحانلي التركية.
وأضاف أنه أمكن سماع أصوات نيران رشاشات الدوشكا عبر الحدود في ريحانلي. ولم يتضح من هي أطراف الاشتباك. وذكر شهود أن القافلة كانت في طريقها نحو الشيخ بركات، وهي منطقة مرتفعة تطل على أراض تسيطر عليها المعارضة، وعلى منطقة عفرين التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نشر القوات قائلا إن تركيا تشن ”عملية مهمة“ مع جماعات معارضة تدعمها في إطار اتفاق ”عدم التصعيد“ الذي أبرم في آستانة.
وتركيا داعم كبير لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس السوري بشار الأسد. لكنها ركزت جهودها منذ العام الماضي على تأمين حدودها من المتشددين ومن القوات الكردية التي تسيطر على معظم أنحاء المنطقة الحدودية داخل سوريا. وأكد سيجري المسؤول بالجيش السوري الحر على أهمية احتواء خطر وحدات حماية الشعب الكردية لمنعها من محاولة شن أي هجوم جديد يوسع نطاق سيطرتها إلى البحر المتوسط، وهو ما يستلزم أن تسيطر على مناطق جبلية تخضع لسيطرة المعارضة والجيش السوري. وقال سيجري ”اليوم أصبح يمكن القول إن حلم الانفصاليين بالوصول إلى المنفذ البحري ودخول إدلب ومن ثم جسر الشغور وجبال الساحل أصبح حلم إبليس بالجنة“.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة تمرد مسلح ضد أنقرة منذ ثلاثة عقود. وقال إردوغان في خطاب لحزبه العدالة والتنمية”قلنا إننا قد ندخل على حين غفلة ذات ليلة. والليلة بدأت قواتنا المسلحة العملية في إدلب مع الجيش السوري الحر“. وأضاف ”نحن الذين نشترك في حدود طولها 911 كيلومترا مع سوريا.. نحن المعرضون لتهديد دائم“.
ونظرا لأن وحدات حماية الشعب هي الطرف الأقوى في قوات سوريا الديمقراطية فقد تلقت مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، شريكة تركيا في حلف شمال الأطلسي، في إطار حملة واشنطن ضد تنظيم داعش. وشنت تركيا العام الماضي عملية (درع الفرات) في شمال سوريا إلى جانب جماعات من المعارضة السورية وذلك لانتزاع أراض حدودية من داعش. وكان الغرض من العملية أيضا منع وحدات حماية الشعب الكردية من استغلال مكاسبها أمام داعش في ربط عفرين بمنطقة أكبر بكثير تسيطر عليها في شمال شرق سوريا. بحسب رويترز.
وأجرت تركيا تغييرات في الحكم المحلي بالمنطقة التي سيطرت عليها في عملية درع الفرات في مؤشر على أنها ربما تضع الأساس لعلاقات طويلة الأمد مع هذا الجزء من سوريا. ويتضمن اتفاق آستانة مع روسيا وإيران حليفتي الأسد الحد من العمليات القتالية في عدة مناطق بسوريا بينها إدلب والأراضي المجاورة في شمال غرب البلاد وهي أكثر منطقة مأهولة بالسكان تحت سيطرة المعارضة.
المعابر الحدودية
الى جانب ذلك قال مسؤول كبير في المعارضة السورية إن جماعة مسلحة في شمال سوريا سلمت السيطرة على معبر حدودي كبير لحكومة سورية معارضة تدعمها تركيا. وقال خالد أبا مدير المكتب السياسي لجماعة الجبهة الشامية إنه بتسليم معبر باب السلامة على الحدود التركية تهدف الجبهة إلى تعزيز حكومة المعارضة والمساعدة في وضع حد للخلافات بين الفصائل. وحث أبا مقاتلي معارضة آخرين على الاقتداء بالجبهة الشامية بتسليم معابر أخرى على الحدود التركية.
وقال أبا وهو عضو في وفد المعارضة لمحادثات السلام في جنيف ”الحكومة المؤقتة هي الحل للمناطق المحررة لوضع حد للإرهاب وحالة الفصائلية وحالة الشرذمية في المناطق المحررة“. وباب السلامة هو البوابة الرئيسية إلى منطقة تسيطر عليها المعارضة في الشمال حيث شكلت تركيا منطقة عازلة على الأرض خلال توغل عسكري استهدف تنظيم داعش والجماعات الكردية العام الماضي. وبدأت جهود في تلك المنطقة لدمج وتنظيم عدد من الجماعات المسلحة التي أدى التنافس بينها إلى اقتتال داخلي أضعف المعارضة السورية على مدى الصراع. بحسب رويترز.
وكانت الجبهة الشامية قوة أساسية في حلب حتى هزمت الحكومة السورية وحلفاؤها المعارضة هناك العام الماضي. وقال أبا إن الجبهة انضمت إلى جيش وطني يعمل تحت سلطة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة. وأضاف أن الجبهة سلمت أيضا معسكراتها للتدريب إلى وزارة الدفاع. ويوجد مقر الحكومة المؤقتة خارج مدينة أعزاز على مقربة من الحدود التركية.
التصدي لموجة هجرة
في السياق ذاته قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن العمليات العسكرية التركية في محافظة إدلب السورية الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة السورية تهدف إلى الحيلولة دون تدفق موجة هجرة إلى تركيا. وقالت تركيا إنها ستساعد مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم منذ فترة طويلة مع تنفيذها اتفاق عدم التصعيد الذي يهدف إلى تقليص القتال مع القوات الموالية للحكومة في المنطقة وهي أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان من بين المناطق التي ما زالت تخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة في سوريا.
وتفقد فريق استطلاع تابع للجيش التركي محافظة إدلب قبل عملية عسكرية متوقعة لفرض السلام في شمال غرب سوريا الذي يشهد صراعا عنيفا. وقال يلدريم في اجتماع برلماني لحزب العدالة والتنمية الحاكم إن ”السبب وراء أنشطتنا هو تمهيد الطريق ومنع تدفق موجة محتملة من المهاجرين إلى بلدنا والحد من التوترات“. بحسب رويترز.
وتستضيف تركيا بالفعل نحو ثلاثة ملايين سوري وهي أحد أكبر أنصار مقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس بشار الأسد خلال الحرب الدائرة منذ ستة أعوام ونصف العام ولكن تركيزها تحول من إسقاط الأسد إلى تأمين حدودها في مواجهة المتشددين والجماعات الكردية. وقال يلدريم أيضا إن تركيا تهدف أيضا إلى تأسيس نقاط سيطرة في إدلب لنشر المزيد من القوات في المستقبل وإن أنشطة القوات المسلحة في إدلب ستساعد في منع نشوب صراعات داخلية بين المدنيين والجماعات المتشددة في المنطقة. وتمثل إدلب ومناطق مجاورة في شمال غرب سوريا أكبر معاقل المعارضة وأكثرها سكانا إذ تضم أكثر من مليوني نسمة معظمهم نزحوا من أنحاء أخرى من البلاد.
تحرير الشام تندد
على صعيد متصل نددت هيئة تحرير الشام بجماعات في المعارضة السورية المسلحة تدعمها تركيا تخطط لتنفيذ عملية في محافظة إدلب في شمال غرب البلاد التي تسيطر على أغلبها وقالت إن إدلب ليست ”نزهة“ لهم. وأضافت في بيان نشر على موقع للتواصل الاجتماعي ”آساد الجهاد والاستشهاد لهم بالمرصاد“. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد قال في وقت سابق إن مقاتلي المعارضة يتأهبون لشن ”عملية خطيرة“ في إدلب بدعم من القوات التركية من داخل حدود تركيا. ووصف بيان هيئة تحرير الشام جماعات المعارضة المسلحة المشاركة في هذه العملية بفصائل الخيانة واتهمها بالتعاون مع روسيا والحكومة السورية ولكن دون الإشارة إلى تركيا.
وتقود جبهة النصرة هيئة تحرير الشام. وكانت جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا حتى العام الماضي عندما غيرت اسمها وأعلنت انفصالها عن التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن. ومثلت الهيئة قوة عسكرية هائلة منذ بدايات الحرب السورية وكانت تقاتل غالبا إلى جانب جماعات مسلحة أخرى لكنها انقلبت عليها منذ مطلع العام فيما تحاول السيطرة على مناطق من بينها إدلب.
من جانب اخر تبادلت القوات التركية إطلاق النار مع جهاديين ينتمون إلى "هيئة تحرير الشام" على حدود إدلب. ويأتي ذلك غداة إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن فصائل من الجيش السوري الحر ستنفذ عملية عسكرية ضد "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وأن بلاده ستدعم هذه العملية، بالإضافة إلى الدعم الجوي الروسي. وقام جهاديو "هيئة تحرير الشام" بإطلاق النار على القوات التركية التي كانت تقوم بإزالة جزء من الجدار الممتد على طول الحدود بين تركيا وومحافظة إدلب. وقال شاهد عيان إن "مجموعة تابعة لهيئة تحرير الشام أطلقت النار على مركبة كانت تقوم بإزالة جزء من الجدار وردت القوات التركية بالمثل وقامت بقصف المنطقة أيضا".
ونقلت محطة "أن تي في" التلفزيونية التركية الخاصة عن "مصادر عسكرية" حدوث تبادل لإطلاق النار في المنطقة الحدودية. وذكرت على موقعها الإلكتروني أن الجيش التركي قصف بالمدفعية دعما لحلفائه من الفصائل المقاتلة السورية. وكانت الحملة ضد الهيئة موضوع بحث لعدة أسابيع ومرتبطة بخطط لتنفيذ ما يسمى "مناطق خفض التوتر" في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها.
الى جانب ذلك نقلت قناة روسيا 24 التلفزيونية عن وزارة الدفاع الروسية قولها إن ضربة جوية روسية قتلت 49 متشددا من جبهة النصرة بينهم سبعة من القادة الميدانيين في محافظة إدلب السورية. وقالت روسيا إنها أصابت أبو محمد الجولاني قائد فتح الشام وأحد قادة تحرير الشام إصابة بالغة في ضربة جوية في سوريا أسفرت أيضا عن مقتل 12 من قادته الميدانيين. ونفت الجماعة في بيان على قناتها على تطبيق تليجرام إصابة الجولاني وقالت ”الشيخ بصحة جيدة ويمارس مهامه الموكلة إليه بشكل كامل“.
اضف تعليق