q

الازمة المستمرة التي تعيشها إسبانيا بسبب الاستفتاء الاخير الخاص بانفصال كتالونيا، ماتزال محط اهتمام واسع، حيث اكد بعض الخبراء ان هذه الازمة التي اثارت مخاوف بعض الدول الاوروبية ربما ستتفاقم في الفترة المقبلة، بسبب إعلان رئيس الحكومة الكتالوني كارليس بوديجيمونت الاستقلال من جانب واحد وما اعقبها من تطورات، وأدت هذه الأزمة السياسية إلى انقسام في البلاد، ودفعت المصارف والشركات إلى نقل مقارها خارج كتالونيا، فضلاً عن أنها هزت ثقة الأسواق في الاقتصاد الإسباني، ودفعت المفوضية الأوروبية إلى الدعوة لأن يجد زعماء كتالونيا وإسبانيا حلاً سياسياً.

وقال رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي في مقابلة مع صحيفة الباييس إن الحكومة الإسبانية قد تستخدم الصلاحيات الدستورية لتعليق الحكم الذاتي في كاتالونيا ومنع استقلال الإقليم عن إسبانيا. وبسؤاله عما إذا كان مستعدا لاستخدام المادة 155 في الدستور والتي تمكنه من إقالة حكومة الإقليم والدعوة لانتخابات محلية جديدة قال راخوي ”لا استبعد أي شيء في إطار القانون... بطريقة مثالية ليس من الضروري تنفيذ حلول مبالغ فيها لكن كي لا يحدث ذلك يجب أن تتغير الأمور“. وقال راخوي إنه يخطط لترك أربعة آلاف شرطي إضافي أرسلتهم الحكومة إلى قطالونيا في أول أكتوبر لحين انتهاء الأزمة.

وبالنسبة للحكومة الإسبانية لا مجال للتفكير في خسارة كاتالونيا. فاستقلال كاتالونيا سيحرم إسبانيا من نحو 16 في المئة من سكانها وخمس الناتج الاقتصادي وأكثر من ربع صادراتها. و كاتالونيا أيضا أهم وجهة يقصدها السائحون الأجانب وتجذب أكثر من ربع إجمالي الزائرين لإسبانيا. ودفعت الأزمة السياسية بنوكا وشركات لنقل مقارها. ويزداد القلق داخل عواصم أوروبية بشأن تأثير الأزمة على اقتصاد إسبانيا، رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. ويشعر مسؤولون أوروبيون بقلق أيضا من أن أي تخفيف في موقف إسبانيا تجاه استقلال كاتالونيا قد يحفز مشاعر انفصالية بين جماعات أخرى في أوروبا ومنها الفلمنك في بلجيكا واللومبارديون في إيطاليا.

التخلي عن الاستقلال

وفي هذا الشأن أمهل رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي حكومة كاتالونيا ثمانية أيام للتخلي عن محاولة الاستقلال موضحا أنه إذا تقاعست عن فعل ذلك فسيعلق الحكم الذاتي الذي يحظى به الإقليم وسيحكمه حكما مباشرا. وقد تزيد هذه الخطوة من حدة المواجهة بين مدريد والإقليم الواقع في شمال شرق البلاد لكنها تشير كذلك إلى مخرج من أكبر أزمة سياسية تشهدها إسبانيا منذ انقلاب عسكري فاشل في 1981.

وسيدعو راخوي على الأرجح إلى انتخابات إقليمية مبكرة بعد تفعيل المادة 155 من الدستور التي ستمكنه من عزل حكومة كاتالونيا. وكان زعيم إقليم كاتالونيا كارلس بودجمون أصدر إعلانا رمزيا للاستقلال عن إسبانيا لكنه علقه على الفور داعيا إلى مفاوضات مع حكومة مدريد. وقال راخوي في خطاب تلفزيوني بعد اجتماع للحكومة لدراسة ردها على الخطوة التي أقدم عليها الإقليم ”الحكومة وافقت هذا الصباح على أن تطلب رسميا من الحكومة الكتالونية تأكيد ما إذا كانت أعلنت استقلال كاتالونيا بغض النظر عن الارتباك الذي نشأ بشأن تنفيذه“.

وأبلغ لاحقا البرلمان الإسباني أن الحكومة الكتالونية أمامها حتى الاثنين 16 أكتوبر تشرين الأول للرد. وإذا أكد بودجمون أنه أعلن الاستقلال فسيتم إمهاله ثلاثة أيام إضافية تنتهي في الثامنة مساء 19 أكتوبر تشرين الأول بتوقيت جرينتش للعدول عن ذلك. وإذا لم يفعل فستفعل المادة 155. ويقول محللون إنه لم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة الكتالونية ستلبي ذلك الطلب لكنها تواجه الآن مأزقا. فإذا قال بودجمون إنه أعلن الاستقلال بالفعل فستتدخل الحكومة المركزية. وإذا قال إنه لم يعلن فربما يسحب حزب ترشيح الوحدة الشعبية اليساري المتطرف دعمه لحكومة الأقلية التي يرأسها بودجمون.

والمخاطر عالية. ففقد كاتالونيا، التي لها لغتها وثقافتها، سيحرم إسبانيا من خمس ناتجها الاقتصادي وأكثر من ربع صادراتها. وفي خطابه المنتظر أمام برلمان كاتالونيا الذي أحاط به آلاف المحتجين ومئات من رجال الشرطة المسلحين أصدر بودجمون إعلانا رمزيا يؤكد تفويضا ببدء عملية الانفصال لكنه يعلق أي إجراءات رسمية لتحقيقه. وأحبطت تصريحات بودجمون العديد من أنصاره المحتشدين خارج البرلمان ملوحين بعلم كاتالونيا ومتوقعين أن يحيل مذكرة بالاستقلال الرسمي للبرلمان.

لكن الخطاب أثار ابتهاج أسواق المال، وارتفع اليورو وسط آمال بأن تحول بادرة بودجمون دون تصعيد الأزمة. ويتزايد التوتر في كاتالونيا منذ الاستفتاء على الاستقلال الذي أجراه الإقليم في الأول من أكتوبر تشرين الأول الذي اعتبرته إسبانيا غير دستوري. ورغم حملة أمنية عنيفة للشرطة أعلن المسؤولون في كاتالونيا أن نتيجة الاستفتاء كانت لصالح الاستقلال بأغلبية ساحقة. لكن بدلا من إحالة الأمر إلى البرلمان وقّع بودجمون وساسة آخرون بالإقليم إعلان ”السيادة الكاملة“ولم تتضح القيمة القانونية لهذا الإعلان.

وفي بروكسل ساد شعور بالارتياح أن أصبح لدى رابع أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو بعض الوقت على الأقل للتعامل مع أزمة لا تزال بعيدة عن الانفراج. وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي إن بودجمون ”يبدو وكأنه استمع لنصيحة بألا يفعل شيئا لا يمكن التراجع عنه“. وتظل احتمالات إجراء حوار سياسي بعيدة حيث تصر إسبانيا على أن يتم الحوار ”في إطار القانون“ وهو ما يفهم منه على نطاق واسع أن خيار الاستقلال مستبعد.

ورفضت سورايا ساينث دي سانتاماريا نائبة رئيس وزراء إسبانيا اقتراح بودجمون إجراء حوار من خلال وسيط دولي. وقال بودجمون مخاطبا البرلمان الإقليمي لبرشلونة إن نتيجة الاستفتاء قدمت تفويضا شعبيا للاستقلال ودعا للحوار والحد من التوترات. وأضاف “لسنا مجرمين ولا مجانين ولا مدبري انقلاب ولا مجبرين... نحن أناس عاديون يطلبون أن يُسمح لهم بالتصويت ومستعدون لكل تفاوض ضروري للوصول لمسار مقبول. “...إنه تفويض لأن تصبح كاتالونيا دولة مستقلة في شكل جمهورية. ”اقترح تعليق آثار إعلان الاستقلال لإجراء محادثات في الأسابيع المقبلة لا يمكن بدونها التوصل لحل مقبول“.

وشاهد أنصار الاستقلال خطاب بودجمون على شاشات كبيرة خارج البرلمان. وصاح الناس مبتهجين في البداية ”استقلال“ وأطلقوا الهتافات الفرحة وتبادلوا القبلات حتى تبين انه ليس إعلانا لاستقلال رسمي فأطلق بعضهم أصوات صفير وهزوا رؤوسهم. وقال وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس إن خطاب الاستقلال الذي أدلى به زعيم كاتالونيا كان ”خدعة“ مشيرا في نفس الوقت إلى وجود فرصة للتفاوض داخل إطار الدستور الإسباني. بحسب رويترز.

وقال داستيس لمحطة أوروبا 1 الإذاعية الفرنسية إن خطاب بودجمون للبرلمان الكتالوني كان ”خدعة ليقول شيئا ويفعل نقيضه“. وعند سؤاله عن إمكانية إجراء استفتاء آخر قال داستيس إن الدستور الإسباني لا يسمح بذلك. وأضاف ”لا يمكن أن نقبل أن يتخذ جزء من الشعب الكتالوني قرارا بالنيابة عن إسبانيا ككل“. وفي برلين قال وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل إن حل النزاع بين الحكومة الإسبانية والقادة في كاتالونيا بشأن مساعي الإقليم للانفصال يمكن أن يتحقق فقط بالحوار بناء على دستور إسبانيا. وأضاف جابرييل في بيان “إعلان استقلال كاتالونيا من جانب واحد سيكون تحركا غير مسؤول. ”لا يمكن التوصل إلى حل سوى من خلال الحوار على أساس حكم القانون وداخل إطار الدستور الإسباني“.

احتجاجات ومطالب

الى جانب ذلك خرج مئات الالاف إلى شوارع برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا للتعبير عن معارضتهم لإعلان استقلال الإقليم عن إسبانيا مما يظهر انقساما كبيرا بشأن القضية. ولوح حشد قالت الشرطة المحلية إنه ضم نحو 350 ألف شخص بأعلام إسبانيا و كاتالونيا. ورفع المحتجون لافتات تقول ”قطالونيا هي إسبانيا“ و ”نحن أقوى معا“ بينما شدد سياسيون من كلا الطرفين مواقفهم في أسوأ أزمة تشهدها البلاد منذ عقود. وقالت أراثيلي بونثه (72 عاما) خلال مشاركتها في الاحتجاج ”نشعر بأننا كتالونيون وإسبان. نحن نواجه مجهولا خطيرا، سنرى ما سيحدث لكن ينبغي علينا أن نتحدث بصوت عال جدا حتى يعرفوا ما نريد“.

ونظم الإقليم الثري الذي يسكنه 7.5 مليون نسمة وله لغته وثقافته الخاصة استفتاء على الاستقلال في الأول من أكتوبر تشرين الأول رغم قرار محكمة إسبانية بحظره. وقال مسؤولون كتالونيون إن أكثر من 90 في المئة ممن أدلوا بأصواتهم وعددهم 2.3 مليون أيدوا الانفصال، لكن الإقبال يمثل 43 في المئة فقط من المؤهلين للتصويت وعددهم 5.3 مليون ناخب وذلك في ظل امتناع الكثير من المعارضين للاستقلال عن الإدلاء بأصواتهم.

وهتف المتظاهرون ”فلنتحاور“ في كاتالونيا في حين حمل كثيرون لافتات تنتقد الزعماء السياسيين لعدم توصلهم لحل دبلوماسي لهذا المأزق. وقال خوسيه مانويل جارسيا(61 عاما) وهو اقتصادي حضر الاحتجاج إن “هذا يؤدي إلى تمزق في النسيج الاجتماعي في كاتالونيا ولابد من حل هذا من خلال الحوار وليس عن طريق الأفعال الانفرادية مطلقا. ”أشعر بقلق جدا. سينتهي هذا بشكل سيء وسيخسر الجميع (إذا لم يُجر حوار)“. بحسب رويترز.

كما تجمع آلاف في مدريد بالتوازي تحت العلم الإسباني الضخم في كولون بلازا ملوحين بأعلام وهم يغنون ويهتفون ”تعيش إسبانيا وتعيش كاتالونيا “. ومن بين المحتشدين في وسط مدريد وقفت روزا بوراس وهي سكرتيرة عمرها 47 عاما لا تعمل حاليا، وقالت ”جئت لأنني أشعر بانتماء جارف لإسبانيا ويحزنني جدا ما يحدث“. وكانت بوراس ترتدي قميصا كتب عليه ” كاتالونيا.. نحن نحبك“ وكانت تقف وسط آلاف يلوحون بالعلم الإسباني. وقالت ”أردت أن أكون هنا من أجل الوحدة.. لأنني أشعر أيضا بانتماء جارف لكاتالونيا. عائلتي تعيش في كاتالونيا “.

اضف تعليق