q

تتواصل موجة الغضب التي اندلعت عقب الاستفتاء الاخير الخاص بانفصال شمال العراق، الذي اتخذته الحكومة الكردية التي تواجه اليوم ضغوط وتحديات كبيرة بسبب التحركات والاجراءات الاخيرة للحكومة المركزية وبعض دول المنطقة، التي ترفض وبشكل قاطع قيام دولة كردية، حيث اتفق كل من العراق وإيران وتركيا على اتخاذ سلسلة من العقوبات والتهديدات، لوضع حكومة كردستان تحت ضغوط واجبارها على تغير موقفها الحالي، الذي تعارضه ايضاً دول عالمية اخرى. وتبدو الإجراءات العقابية التصعيدية التي تبنتها الحكومة العراقية ودول الجوار على الصعيدين الاقتصادي والديبلوماسي بحسب بعض المصادر، والتي وضعت إقليم كردستان في براثن الحصار والعزلة، كفيلة بإجبار سلطة الإقليم على مراجعة حساباتها وايجاد طرق اخرى لحل الازمة دون الحاجة إلى تصعيد عسكري، فبالتوازي مع إغلاق تركيا وإيران حدودهما مع الإقليم وتجميد كل صور الاتصال والتعاون.

وطلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من مجلس النواب إلغاء نتائج الاستفتاء وفرض تطبيق القانون العراقي على أراضي كردستان، وبدوره طالب البرلمان بإلزام القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية كافة للحفاظ على وحدة العراق وحماية مواطنيه، ومنها إصدار أوامره للقوات الأمنية بالعودة والانتشار في المناطق المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك، فيما صوت المجلس عقب الاستفتاء على إغلاق المنافذ الحدودية التي تقع خارج سيطرة السلطات الاتحادية واعتبار البضائع التي تدخل منها مهربة.

الموقف الأميركي ذهب إلى رفض الاستفتاء، لكنه تصاعد في حدَّته من التعبير عن القلق إلى الاعتراض على التوقيت إلى إصدار بيان واضح من البيت الأبيض يعتبر الاستفتاء تهديدًا غير ضروري للاستقرار وللإنجازات التي تم تحقيقها في الحرب ضد تنظيم داعش، خصوصًا إن تم إجراؤه في المناطق المتنازع عليها. وهدَّد الجانب الأميركي بقطع المساعدات العسكرية للإقليم في حالة الاصرار على المضي بفكرة الانفصال. وقد عبَّرت دول غربية أخرى كبريطانيا وفرنسا عن مواقف مشابهة. وفي 14 سبتمبر/أيلول 2017، طرح وفد يضم ممثلين عن الولايات المتحدة وبريطانيا وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، على بارزاني، تأجيل الاستفتاء والشروع بمفاوضات مع الحكومة العراقية تحت إشراف المنظمة الدولية، إلا أن بارزاني رفض المبادرة باعتبار أنها لا تحتوي على ضمانات دولية كافية لإلزام الجانب العراقي بالوصول إلى اتفاق واضح.

إيران وتركيا

وفي هذا الشأن تعهد الرئيسان الإيراني والتركي خلال محادثات في طهران بالعمل عن كثب لمنع تقسيم العراق وسوريا ومعارضة مساعي أكراد العراق للاستقلال. وعادة ما كانت العلاقات بين إيران الشيعية وتركيا التي تسكنها أغلبية سنية تتسم بالفتور لكن البلدين شعرا بالقلق بسبب تصويت أكراد العراق على الاستقلال في استفتاء أجري يوم 25 سبتمبر أيلول خشية أن يؤجج النزعة الانفصالية لدى الأقليات الكردية التي تعيش على أراضيهما.

ونسب التلفزيون الرسمي إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني قوله ”نريد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط... استفتاء استقلال كردستان العراق مؤامرة انفصالية تقف وراءها دول أجنبية وتعارضها أنقرة وطهران“. وأضاف قائلا ”لن نقبل تغيير الحدود تحت أي ظرف“. وهددت إيران وتركيا بالفعل بالانضمام لبغداد في فرض عقوبات اقتصادية على إقليم كردستان العراق ونفذتا تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات عراقية على حدودهما مع الإقليم.

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا ستتخذ خطوات أقوى ردا على استفتاء أكراد العراق وذلك بعد أن اتخذت بالفعل بعض الإجراءات بالتنسيق مع الحكومة العراقية المركزية وإيران. ويزور إردوغان ليجري محادثات مع الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي. وقال إردوغان ”قلنا بالفعل إننا لا نعترف بالاستفتاء في شمال العراق... اتخذنا بالفعل إجراءات مع إيران والحكومة المركزية العراقية لكن سيجري اتخاذ خطوات أقوى“.

وأعلن إقليم كردستان أنه سيدعو لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الأول من نوفمبر تشرين الثاني مما دفع بغداد للرد بمزيد من الإجراءات العقابية. وتخشى بغداد وجيرانها ودول غربية أن يؤجج التصويت لصالح الانفصال صراعا آخر أشمل في الشرق الأوسط بالإضافة إلى حرب سوريا. ويخشون من أنه قد يصرف الانتباه عن المعركة ضد تنظيم داعش. والأكراد هم رابع أكبر مجموعة عرقية في المنطقة ويمتد وجودهم عبر إيران وتركيا وسوريا والعراق. وتعارض كل هذه الدول أي تحرك نحو إقامة دولة كردية. بحسب رويترز.

وكرر إردوغان، الذي تخوض قواته الأمنية معركة منذ عقود مع الانفصاليين الأكراد في جنوب شرق تركيا، اتهاماته بأن إسرائيل تقف وراء استفتاء أكراد العراق. وقال ”لا توجد دولة أخرى تعترف به سوى إسرائيل. الاستفتاء الذي أجري بالتنسيق مع الموساد ليس له شرعية“. ونفت إسرائيل مزاعم سابقة لتركيا بضلوعها في الاستفتاء لكنها رحبت بتصويت الأكراد لصالح الاستقلال.

أمريكا

في السياق ذاته قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن الولايات المتحدة لا تعترف بالاستفتاء على الاستقلال الذي أجرته حكومة إقليم كردستان وتدعو لوقف تبادل الاتهامات و”التهديدات بإجراءات متبادلة“. وأضاف ”الولايات المتحدة لا تعترف بالاستفتاء الذي أجرته حكومة إقليم كردستان من جانب واحد. التصويت والنتائج يفتقدان إلى الشرعية وسنواصل دعم عراق موحد واتحادي وديمقراطي ومزدهر“. وقال ”ندعو للهدوء ووقف تبادل الاتهامات والتهديدات بإجراءات متبادلة“.

وقال مسؤولون أمريكيون سابقون وخبراء في مجال السياسة إن الاستفتاء وجه ضربة للولايات المتحدة التي حاولت على مدار سنوات منع تفكك العراق وضحت في سبيل ذلك بمليارات الدولارات وبأرواح آلاف من قواتها. وأضافوا أن مسعى دبلوماسيا فشل في إقناع الزعماء الأكراد، وهم من أوثق حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بإلغاء الاستفتاء فيما يعتبر دليلا جديدا على ما يبدو على تراجع القوة الأمريكية.

وقال جيمس جيفري، وهو سفير أمريكي سابق لدى العراق ويعمل حاليا باحثا في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ”هذه انتكاسة كبرى...إنها تحرمنا من القول بأن الولايات المتحدة وحدها هي من تستطيع إبقاء العراق موحدا“. وقال المسؤولون السابقون وخبراء السياسة إن ذلك قد يجعل مع الصعب على الولايات المتحدة منع إيران ذات الأغلبية الشيعية من ملأ الفراغ الذي خلفته هزيمة تنظيم داعش بالفصائل الشيعية المسلحة وحلفاء آخرين لها في العراق وسوريا وأماكن أخرى.

وعلاوة على ذلك يهدد الاستفتاء، الذي يمنح الزعماء الأكراد تفويضا للتفاوض على استقلال إقليمهم البالغ عدد سكانه 8.3 مليون نسمة، بإشعال فتيل مزيد من الصراعات. وقد يعرقل ذلك الجهود التي تبذلها واشنطن لجلب الاستقرار إلى العراق والقضاء على فلول داعش والجماعات المماثلة.

وقال مسؤول أمريكي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ”نرى خطرا كبيرا“. والخطر الأكبر هو صراع على مدينة كركوك الغنية بالنفط وغيرها من المناطق المتعددة الأعراق التي يسيطر عليها الأكراد يضع القوات العراقية في مواجهة قوات البشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان والتي دربتها الولايات المتحدة. وقد يبدد صراع دام من هذا القبيل آمال إدارة ترامب في دعم المفاوضات بين بغداد وحكومة كردستان وتفادي إعلان الإقليم الاستقلال.

وكانت هناك توقعات بأن الولايات المتحدة، التي قالت إنها لن تعترف بالاستفتاء، قد تستخدم علاقاتها بأكراد العراق لإقناع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني بإلغاء الاستفتاء مقابل قيامها بدور الضامن في المحادثات مع بغداد. وحمت الولايات المتحدة أكراد العراق عندما تمردوا ضد صدام حسين بعد حرب الخليج عام 1991. وقال روبرت فورد، وهو دبلوماسي أمريكي متقاعد سبق له العمل نائبا للسفير الأمريكي في العراق ويعمل حاليا في معهد الشرق الأوسط، ”الأمريكان هم معينو كردستان العراق... مضي الأكراد قدما (في الاستفتاء) علامة على أن المصداقية الأمريكية باتت أقل كثيرا مما كانت عليه“. بحسب رويترز.

وقال خبراء إن محاولة الولايات المتحدة منع الاستفتاء باءت بالفشل لأسباب منها اعتبار برزاني المتقدم في العمر أن تحقيق طموحات إقامة دولة كردية مستقلة سيكون إرثا له. وبالإضافة إلى ذلك قال بيتر جالبريث، وهو دبلوماسي أمريكي سابق له علاقات مع الزعماء الأكراد، إن إدارة ترامب ظنت خطأ أن برزاني يمكنه تحمل رد الفعل العنيف على إلغاء الاستفتاء وهو ما طالب به البيت الأبيض قبل إجرائه بعشرة أيام فقط. وأضاف جالبيرث ”كانت هذه أحمق مبادرة دبلوماسية رأيتها على الإطلاق“. أما السفير السابق جيفري فقال إن الإدارة فشلت أيضا في تقدير نفوذ إيران المتنامي. وأضاف ”من الأمور التي دفعت الأكراد في هذا الاتجاه هو الخوف من أن يخضع العراق لهيمنة إيران والفصائل الشيعية المسلحة... المشكلة الأساسية في العراق هي أن الأحزاب الشيعية في بغداد لا تريد اقتسام السلطة مع العرب السنة والأكراد“.

اسرائيل وفرنسا

من جانب اخر نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وجود أي دور لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" في الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق، عقب اتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجهاز بأداء دور في تنظيم الاستفتاء المثير للجدل، وأكد نتانياهو "تعاطفه" مع الشعب الكردي. وكان أردوغان قال بعدما انتقد رفع الأكراد العراقيين أعلام إسرائيل خلال احتفالهم بنتيجة الاستفتاء، "هذا يثبت أمرا: أن لهذه الإدارة تاريخا مشتركا مع الموساد. إنهما يسيران يدا بيد".

ونددت المجموعة الدولية بشدة بالاستفتاء، في حين كانت إسرائيل الدولة الوحيدة التي أبدت تأييدها علنا لاستقلال إقليم كردستان. وتطرق نتانياهو في بدء الاجتماع الأسبوعي لحكومته إلى دعم تركيا لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، قبل أن ينفي اتهامات أردوغان. وقال نتانياهو "أستطيع أن أفهم لماذا يرغب أولئك الذين يدعمون حماس برؤية الموساد في كل مرة يواجهون فيها مشكلة". وتدارك "لكن إسرائيل لم تشارك في الاستفتاء الكردي سوى بالتعاطف العميق والطبيعي والمستمر منذ سنوات مع الشعب الكردي وتطلعاته". وكان نتانياهو قد ساند "الجهود الكردية لإقامة دولة خاصة ".

على صعيد متصل تراجعت فرنسا فيما يبدو عن مساعي الوساطة بين حكومة العراق وسلطات إقليم كردستان قائلة إن زيارة رئيس وزراء العراق حيدر العبادي للبلاد ستركز على العلاقات الثنائية ومحاربة المتشددين الإسلاميين. ورغم أن الدعوة وجهت للعبادي قبل الاستفتاء الذي أجراه الأكراد في إقليم كردستان الشهر الماضي فقد أصدر مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيانا عرض فيه المساعدة في تخفيف التوتر بين بغداد والأكراد.

وأصدر مكتب العبادي ردا أوضح فيه مسؤولون عراقيون أن الدعوة ليست مرتبطة بالاستفتاء الكردي على الاستقلال. وجاء في بيان قصر الإليزيه “”ذكر ... الرئيس بأهمية الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي العراق مع الاعتراف بحقوق الشعب الكردي... يجب أن يبقى العراقيون متحدون في ظل كون الأولوية لقتال تنظيم داعش واستقرار العراق“. لكن بيانا نشرته وزارة الخارجية الفرنسية لم يتطرق إلى الاستفتاء الكردي.

وخلال إفادة صحفية من مكتب ماكرون قبل الزيارة تفادى مسؤولون كبار مرارا الإجابة على أسئلة تتعلق بالأزمة الكردية قائلين إن الزيارة مهمة لتعزيز العلاقات الثنائية وتقييم المعركة ضد تنظيم داعش ومناقشة المصالحة بشكل عام في العراق. وجاء في بيان وزارة الخارجية ”في وقت حققت فيه عملية استعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم تقدما كبيرا في الشهور القليلة الماضية، تريد فرنسا أن تعطي للعلاقة مع العراق زخما جديدا في كل القطاعات وأن تطور التعاون والعلاقات الاقتصادية والحوار السياسي“.

وذكر مصدر دبلوماسي فرنسي أن هدف باريس كان محاولة فتح شكل من أشكال الحوار بين الزعيمين. وفي ظل العزلة التي فرضتها القوتان الإقليميتان تركيا وإيران على الأكراد والموقف المشدد الذي اتخذته الولايات المتحدة من التصويت كانت هناك فرصة أمام باريس، التي تتمتع بعلاقات طيبة مع بغداد وأربيل، لمحاولة لعب دور الوسيط. وقال دبلوماسي ”الأولوية هي لفتح حوار في إطار الدستور“. بحسب رويترز.

وسئل مصدر رئاسي فرنسي إن كانت فرنسا تريد أن تلعب دور الوساطة وما إذا كانت قد وجهت الدعوة أيضا لرئيس حكومة كردستان مسعود برزاني لزيارة باريس فأجاب قائلا إن فرنسا تدعم كل المساعي لبدء حوار وإنه لم يسمع عن توجيه دعوة لبرزاني. وقال دبلوماسي فرنسي ثان ”تستطيع أن تشعر بأن هناك قدرا ما من الحرج بشأن هذا“.

اضف تعليق