تتواصل حرب الاتهامات والتصريحات الإعلامية بين الولايات المتحدة وإيران، والتي تصاعدت حدتها في الفترة الأخيرة بسبب تهديدات وإجراءات إدارة الرئيس لأمريكي ترامب، ضد ايران فيما يخص التزامها ببنود وقرارات الاتفاق النووي، الذي أبرمته الدول الكبرى مع طهران في 14 تموز/يوليو 2015 في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والذي اعلن ترامب اثناء حملته الانتخابية عزمه تمزيق والغاء هذا الاتفاق، باعتباره "أسوأ" اتفاق تبرمه الولايات المتحدة في تاريخها، ودفعه الى عقوبات جديدة. اثارت غضب طهران التي هددت هي الأخرى بالانسحاب من هذا الاتفاق، حيث قال الرئيس الإيراني حسن روحاني ان بلاده قد تنسحب من الاتفاقية بشأن برنامجها النووي في غضون ساعات، في حال استمرت أمريكا بتوسيع العقوبات، وأكّد أنّ "ترامب أثبت للعالم أنّه ليس شريكاً جيداً بتهديده بإلغاء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والدول الست الكبرى".
وردّت نيكي هايلي مندوبة أمريكا لدى الأمم المتحدة أنه يجب على إيران أن تتحمل المسؤولية عن "تجاربها الصاروخية ودعمها للإرهاب وتجاهلها لحقوق الإنسان وانتهاكاتها لقرارات مجلس الأمن الدولي"، وذكّرتها يلي بأنّ العقوبات الأمريكية الجديدة ليس لها صلة بالاتفاق النووي مع إيران. والعقوبات الأمريكية الأخيرة التي فرضت ا على إيران شملت ستة من فروع شركة مجموعة شاهد حامد الصناعية التي تُطور وتنتج الصواريخ الإيرانية التي تعمل بالوقود السائل، وتقول إيران إنّ هذه العقوبات تُخالف الاتفاق.
من جانبها أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في وقت سابق، ان ايران تحترم التزاماتها الواردة في اطار الاتفاق المبرم مع القوى الكبرى في 2015، وأكدت الوكالة بشكل خاص ان طهران امتنعت عن تخصيب اليورانيوم إلى نسب محظورة ولم يتجاوز مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب او من الماء الثقيل المستويات المتفق عليها. ويهدف الاتفاق الذي ابرم في فيينا بين ايران والولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا بالاضافة الى ألمانيا، الى ضمان الطابع المدني حصرا للبرنامج النووي الايراني. وتنفي ايران على الدوام السعي إلى تطوير سلاح نووي مع التمسك بحقها في تطوير التكنولوجيا المدنية بالكامل، مؤكدة التزامها التام باتفاق فيينا. هذه التطورات اثارت ايضا قلق العديد من الدول والحكومات، التي تخشى من تفاقم الازمة الحالية، والعودة الى المربع الاول وهو ما سيسهم بتعقيد الامور او قد يكون سببا في حدوث صراع مسلح جديد يهدد امن واستقرار المنطقة والعالم.
ترامب والاتفاق النووي
وفي هذا الشأن قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إنه إذا أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الكونجرس في أكتوبر تشرين الأول بأن إيران غير ملتزمة بالاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية فإن هذا لا يعني أن واشنطن ستنسحب منه. وينص القانون الأمريكي على ضرورة أن تبلغ وزارة الخارجية الكونجرس كل 90 يوما بمدى التزام إيران بالاتفاق النووي. ويحل الموعد النهائي التالي في أكتوبر تشرين الأول وقال ترامب إنه يعتقد أن الولايات المتحدة ستعلن بحلول ذلك الموعد أن إيران غير ملتزمة بالاتفاق.
وقالت هيلي لمعهد أمريكان إنتربرايز البحثي في واشنطن إن زعماء إيران يستخدمون الاتفاق ”ليحتجزوا العالم رهينة لسلوكها السيء“. وأضافت هيلي ”إذا قرر أن يسحب الثقة فإن لديه أسبابا يستند إليها“ مشيرة إلى أنها لا تعرف ما القرار الذي سيتخذه ترامب. وتابعت ”سنظل في الاتفاق ما دام يحمي أمن الولايات المتحدة“. وجرى رفع معظم عقوبات الأمم المتحدة والعقوبات الغربية قبل 18 شهرا بموجب الاتفاق النووي. ولا تزال إيران خاضعة لحظر سلاح تفرضه المنظمة الدولية وقيود أخرى ليست من الناحية الفنية جزءا من الاتفاق. بحسب رويترز.
وأمر ترامب في أبريل نيسان بمراجعة ما إذا كان تعليق العقوبات على إيران المتعلقة ببرنامجها النووي، الذي جرى التفاوض عليه في عهد الرئيس باراك أوباما، في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. ووصف ترامب الاتفاق بأنه ”أسوأ اتفاق جرى التفاوض بشأنه على الإطلاق“. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني حذر من أن إيران قد تتخلى عن الاتفاق النووي ”خلال ساعات“ إذا فرضت الولايات المتحدة أي عقوبات أحادية جديدة. وقالت هيلي ”(الاتفاق النووي) معيب ومحدود جدا.. إيران انتهكته عدة مرات في العام ونصف الماضيين“.
زيارة المواقع العسكرية
الى جانب ذلك رفضت إيران طلبا أمريكيا بزيارة مفتشي الأمم المتحدة لقواعدها العسكرية بوصفه ”مجرد حلم“ في الوقت الذي تراجع فيه واشنطن اتفاقا نوويا أبرم عام 2015 بين طهران وست قوى عالمية منها الولايات المتحدة. وقالت طهران إن من المرجح على أية حال ألا توافق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على طلب واشنطن. وكانت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة حثت الوكالة في وقت سابق على السعي إلى دخول القواعد العسكرية الإيرانية للتأكد من أنها لا تخفي أنشطة محظورة بموجب الاتفاق النووي. ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق النووي، الذي جرى التفاوض عليه في عهد سلفه باراك أوباما، بأنه أسوأ اتفاق على الإطلاق.
وقال محمد باقر نوباخت المتحدث باسم الحكومة الإيرانية المواقع العسكرية الإيرانية غير مسموح بدخولها... كل المعلومات المتعلقة بهذه المواقع سرية. وأضاف إيران لن تسمح قط بمثل هذه الزيارات. لا تهتموا بمثل هذه التصريحات فهي مجرد حلم. وقال روحاني في مقابلة تلفزيونية من المستبعد جدا أن تقبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية المطلب الأمريكي بتفتيش مواقعنا العسكرية. لكن الرئيس الإيراني لم يوضح سبب اعتقاده بأن الوكالة سترفض الطلب. وبموجب الاتفاق يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تطلب دخول مواقع إيرانية بما في ذلك مواقع عسكرية إذا شعرت بقلق من وجود أنشطة هناك تمثل خرقا للاتفاق ولكن عليها أن توضح لإيران أساس هذه المخاوف . بحسب رويترز.
وحتى الآن يشهد مسؤولو الوكالة الدولية بأن إيران تنفذ بشكل كامل بنود الاتفاق الذي قللت بناء عليه مخزونها من اليورانيوم المخصب واتخذت خطوات لضمان عدم استخدامه في صنع أسلحة نووية. وكانت إيران قد رفضت مرارا، على مدى عشر سنوات من المواجهة مع القوى العالمية بسبب برنامجها النووي، زيارة مفتشي الأمم المتحدة لمواقعها العسكرية قائلة إنها لا علاقة لها بالأنشطة النووية وبالتالي لا تدخل في نطاق اختصاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحظرت إيران زيارة قواعدها العسكرية كذلك بسبب ما وصفته بمخاطر وصول نتائج الزيارات إلى أجهزة مخابرات أمريكية أو إسرائيلية.
اليورانيوم المخصب
على صعيد متصل نقلت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية عن علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قوله إن إيران قادرة على استئناف إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب في غضون خمسة أيام في حال إلغاء الاتفاق النووي الذي كانت توصلت إليه مع القوى العالمية عام 2015. وأدى الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى رفع معظم العقوبات على طهران مقابل كبح برنامجها النووي.
وحذر الرئيس الإيراني حسن روحاني من احتمال تخلي إيران عن الاتفاق النووي في غضون ساعات إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة. وقال صالحي”إن تحذيرات الرئيس ليست هباء“. وأضاف ”أذا قررنا يمكننا أن نصل إلى معدل تخصيب قدره 20 في المئة في غضون خمسة أيام في فوردو (المفاعل النووي تحت الأرض)“. غير أن صالحي الذي أعيد تعيينه هذا الشهر كنائب لرئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية شدد على أن أولويته القصوى هي حماية الاتفاق. بحسب رويترز.
وفي أعقاب الاتفاق النووي خفضت إيران بشكل كبير عدد أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم الموجودة في فوردو واكتفت بحوالي ألف فقط لأغراض البحث. وينص الاتفاق النووي على عدم القيام بأي تخصيب في فوردو لمدة 15 عاما.
من جانب اخر قال وزير خارجية فرنسا إنه قلق من احتمال أن يشكك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى العالمية. وقال الوزير جان إيف لودريان”الاتفاق الذي أقر قبل نحو عامين يضمن أن تتخلى إيران عن (السعي لامتلاك) سلاح نووي ومن ثم تفادي الانتشار النووي. علينا ضمان هذا الوضع“. وأضاف ”ينتابني القلق في الوقت الحالي إزاء موقف الرئيس ترامب الذي يمكن أن يشكك في هذا الاتفاق. وإذا جرى التشكيك في الاتفاق فسوف تعلو أصوات في إيران وتقول: ‘فلنمتلك نحن أيضا سلاحا نوويا‘“.
كما اقترحت فرنسا استكمال الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في 2015 مع القوى العالمية وذلك من خلال مشاورات مستقبلية ليشمل فترة ما بعد 2025 ويتناول تطوير إيران للصواريخ الباليستية. ووافقت إيران على تعليق مدته عشر سنوات على الأقل لغالبية أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم وتقليص مخزونها لليورانيوم منخفض التخصيب. ووافقت أيضا على وضع قيود على برامجها للصواريخ الباليستية لمدة ثمانية أعوام.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية”الرئيس (إيمانويل ماكرون) أشار إلى إمكانية استكمال اتفاق فيينا من خلال العمل لفترة ما بعد 2025 ومن خلال عمل ضروري بشأن استخدام الصواريخ الباليستية“. وأضافت في إشارة إلى تعليقات ماكرون ”هذا العمل يمكن أن يكون هدف المشاورات في المستقبل مع شركائنا“. وشكت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مرارا إلى الأمم المتحدة بشأن التجارب التي تجريها إيران على الصواريخ الباليستية التي تقول إنها ”تمثل تحديا“ لقرار الأمم المتحدة الصادر عام 2015 الخاص بالاتفاق النووي.
نظام صاروخي جديد
الى جانب ذلك اجرت ايران تجربة لنظامها الجديد المضاد للصواريخ "باور 373" الشبيه بنظام اس-300 الروسي، والذي سيدخل الخدمة بحلول آذار/مارس 2018، بحسب ما نقل موقع التلفزيون الرسمي الايراني عن قائد الدفاع الجوي. وقال الجنرال فرزاد اسماعيلي إنه "تم انجاز النظام كاملا والانتهاء من الاختبارات". واضاف اسماعيلي "هذا النظام صنع بالكامل في ايران وبعض اجزائه مختلف عن اس-300"، موضحا ان الايرانيين يريدون استخدامه "بالتوازي مع (نظام) اس-300" الروسي.
وكانت ايران اطلقت مشروع بناء منظومتها الجديدة للدفاع الصاروخي "باور 373"، بعدما قررت روسيا في 2010 تعليق عقد تسليم إيران منظومة "اس-300" بسبب العقوبات. وجاء تعليق العقد إثر عقوبات فرضتها الأمم المتحدة والغرب على طهران المتهمة بالسعي الى اقتناء السلاح الذري، لدفعها الى وقف انشطتها النووية الحساسة. لكن ابرام الاتفاق النووي التاريخي بين ايران والقوى العظمى وفي طليعتها الولايات المتحدة في تموز/يوليو 2015 سمح برفع تدريجي للعقوبات بعد ان تعهدت طهران ضمان الطبيعة السلمية المحضة لبرنامجها النووي عبر خفض كبير لقدراتها في هذا المجال.
وفي هذا الاطار سمحت موسكو مجددا بنقل صواريخ اس-300 التي تسلمت ايران بعضها. ونشرت ايران النظام الصاروخي الدفاعي اس-300 على اراضيها بخاصة لحماية منشآتها النووية. وفي 21 آب/أغسطس، كشفت إيران للمرة الاولى منظومتها الدفاعية الصاروخية الجديدة "باور 373" المصنعة محليا والمماثلة لمنظومة الصواريخ الروسية "إس 300"، ما يدل على تصميم طهران على تطوير قدراتها العسكرية رغم مخاوف الغرب. بحسب فرانس برس.
وتطالب الولايات المتحدة ودول اوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) ايران بوقف تطوير برنامجها الصاروخي. وأعلن وزير الدفاع الإيراني الجديد الجنرال أمير حاتمي أن "تعزيز قدراتنا الدفاعية هو من أولويات وزارة الدفاع، ونسير على هذا المسار بكل طاقاتنا حتى لا یتجرأ أحد على الاعتداء على إيران". وقال حاتمي "ان شاء الله ستتعزز قدرات ايران في مجالي الصواريخ البالستية والصواریخ من طراز کروز" قريبا. وتأتي تصريحات حاتمي وسط توتر متصاعد بين واشنطن وطهران. واقر مجلس الشورى الايراني اواسط اب/اغسطس زيادة كبيرة في المخصصات المالية للبرنامج الصاروخي للجمهورية الإسلامية ولعمليات الحرس الثوري في الخارج.
اضف تعليق