q
{ }

شكل التمظهر السياسي العراقي بصيرورته الحالية إنعطافا أكيدا وتحولا غير إعتيادي في مسار الأولويات والنظم الأخلاقية والنفسية التي يقوم عليها العمل السياسي وحقيقة وجوده على أرض الدولة المعاصرة، ولمتابعة هذا الموضوع وفهم حيثياته عمد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية إلى تقديم ورقة في هذا الموضوع، تحت عنوان (العوامل النفسية للأحزاب السياسية وأثرها في تحديد سلوكها السياسي)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

حيث أشار الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية إلى حقيقة "إن علم النفس السياسي هو مجال أكاديمي متعدد الجوانب يقوم على فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور نفسي، وتعتبر العلاقة بين السياسة وعلم النفس ثنائية الإتجاه فيستخدم العلماء علم النفس كمرآة لفهم السياسة وكذلك السياسة كمرأة لفهم علم النفس، ويعد هذا العلم مجال متعدد الإختصاصات، لأنه يأخذ مادته من مجموعة واسعة من التخصصات الإنسانية الأخرى، بما في ذلك علم الإنسان وعلم الإجتماع والعلاقات الدولية والإقتصاد والفلسفة والإعلام بالإضافة إلى علم التأريخ، وقد استخدم الفرنسي (أدولف باستيان) المتخصص بعلم الأجناس مصطلح علم النفس السياسي لأول مرة في كتابه (رجل في التأريخ) في عام 1860م، وقد ظهر هذا التخصص الجديد لتحقيق مجموعة من الأهداف.

أولا: تفسير الأحداث السياسية عن طريق وضع فروض حول إهتمامات البشر وفق طريقة علمية وإختبارها.

ثانيا: وضع قوانين عامة لسلوك الفرد يمكن من خلالها تفسير وتنبأ سلوكه بالأحداث السياسية.

ثالثا: فهم سلوكيات المجموعات وطرق تفكيرها وكيف تتخذ القرارات.

رابعا: إستخدام علم النفس في تحسين العملية السياسية مما يفيد الإنسانية عامة.

وبالتالي يمكن تقسيم الموضوعات التي يتناولها علم النفس السياسي إلى أربعة أنواع.

النوع الأول: يهتم بدراسة الفرد وسلوكه السياسي من خلال دراسة الشخصية وكيفية إكتساب الفرد للمعلومات والهوية والإتجاهات والقيم والسمات وغيرها من الأمور الداخلية التي تؤثر على سلوك الفرد السياسي.

النوع الثاني: يهتم بدراسة المجموعات من خلال دراسة الأنماط الجماعية والعرقيات والتمييز العنصري وكيفية إتخاذ المجموع للقرار السياسي إلى غير ذلك من الأمور التي يكون لها أثر في العملية السياسية.

النوع الثالث: يهتم بدراسة الشخصيات القيادية وهو نوع أكثر تخصصا من النوع الأول ويهتم بدراسة النخب المؤثرة في صنع القرار السياسي بصورة دقيقة حتى يمكن التنبؤ بطبيعة القرارات التي يمكن أن يتخذها قائدا ما بسبب مواجهته حدثا معين.

النوع الرابع: يهتم بدراسة العنف السياسي وخاصة الإرهاب وهو فرع حديث نسبيا نشأت به العديد من الدراسات خاصة بعد أحداث 11 أيلول، ويشمل كذلك الإبادة الجماعية والتطهير العرقي إلى غير ذلك من الموضوعات التي تسلط الضوء على دوافع العنف السياسي.

ويخلص (ديفيد باترك) في كتابه (علم النفس السياسي) إلى أن ثمة نمطين أساسيين من المقاربات في فهم السلوك السياسي للفرد والجماعة.

أولهما/ مقاربة موقفية: تعد البيئة أو الموقف المحيط بالفرد أكثر أهمية في تشكيل سلوك الفرد أو دوره في المجال العام من نزعاته وخصائصه الشخصية أو إنتمائه الحزبي.

ثانيا/ المقاربة النزوعية: التي ترى أن شخصية الفرد وما لديه من إعتقادات وقيم أو حتى موروثات جينية أكثر تأثيرا في هذا المضمار، بل يمكن على العموم النظر إلى السلوك السياسي على إنه حدث مدفوع بأسباب داخلية أو مؤثرات خارجية أو بمزيج من هذين النوعين.

وهناك عدد من التحديات التي تواجه علم النفس السياسي وتطوره من أهمها..

محدودية استخدام المنهج العلمي وتداخل مفاهيم علم النفس وذلك بسبب دخول الكثير من المفاهيم في علم النفس على فترات زمنية مختلفة، إن دراسة سلوك الحزب السياسي باعتباره جماعة ضرورية لمعرفة قدرة الحزب السياسي في إتخاذ القرارات الصائبة، ومما لا شك فيه أن سلوك الفرد يذوب داخل محيط الجماعة، وهذا يفسر مدى صعوبة تحديد السلوك الجماعي بالنظر فقط إلى الأفراد الذين يشكلون تلك الجماعة، إن هيئة الجماعة وتوازنها يستندان لعدة متغيرات منها، حجم وبنية وغرض وتطور الجماعة ومدى تأثيرها على جماعة أخرى، وبالتالي فإن حجم الجماعة له عواقب مختلفة، فالمجموعة صغيرة الحجم يكون أفرادها أكثر التزاما وبالتالي تقل نسبة فشلها، أما المجموعة الكبيرة الحجم فقد أظهرت مستوى عالي من الفرقة وعدم الالتزام، ومن هنا وجد علم النفس أن الأداء الجماعي يتقلص كلما زاد عدد الأفراد في المجموعة، لذا فإن حجم الحزب السياسي تكون له عواقب يمكن أن تؤثر في القدرة على التعاون المشترك ومن ثم التقدم.

إما بخصوص بنية الجماعة فقد ثبت أن إختلاف الأفراد داخل الجماعة الواحدة أدى إلى قلة التواصل فيما بينهم وكثرة الخلافات، وذلك يؤثر في الأحزاب السياسية القائمة داخل الدول المستعمرة أو المتعددة الأعراق، كما أن إختلاف الأفراد في الجنس والعرق والشخصية له عواقبه على وضع الجماعة، من حيث توزيع السلطة وتخصيص المهام وحصرها مما يسبب النزاعات داخل هذه الجماعة، وأيضا فيما يتعلق بوظيفة الحزب السياسي فإن إدراك الغرض من إنشاءه له تأثيره على الشعبية السياسية، فالجماعة أما أن تنشئ لغرض وظيفي أو لمجرد إنجذاب أفراد الجماعة لبعضهم البعض، وفي أغلب الأحيان ينضم الناس إلى الأحزاب السياسية من أجل تحقيق متطلباتهم للبقاء وإحتياجاتهم الشخصية أو للتفاعل الإجتماعي، فالحزب السياسي الذي يوفر الاستقرار والمعلومات الدقيقة ويوزع السلطات على أفراده، هو ذلك الحزب الذي يحوز على أكبر قدر من الشعبية، وبشأن تطور الحزب السياسي فإنه يمر بعدة مراحل وهي الإنشاء والتأسيس والعصف والمعيارية والإنجاز ومن بعد ذلك التلاشي.

وبالتالي فإن إنتماء الحزب لهذه المراحل له أهميته في وعي أفراده، بأنهم ضمن عملية لها مراحل معينة حيث لا يصيبهم إحباط أو ينتابهم خوف، علما أن القيادة السياسية وبخاصة القيادة الجماهيرية الكاريزمية تعبر في نشأتها عن تفاعل عوامل شخصية وإجتماعية وتأريخية، حيث تتعلق العوامل الشخصية بالسمات النفسية والسلوكية للقائد، من قبيل السيطرة أو الخضوع، الذكاء أو عدمه، القدرة الإبتكارية أو عدمها، الثقة بالذات أو عدمها، قوة الشخصية أو ضعفها، سعة الأفق أو ضيقه، الميل للعنف أو التسامح، وبالتالي تتأثر هذه السمات بعملية التنشئة الإجتماعية خاصة على المستوى الأسري وبالخلفية التعليمية والمهنية للقائد.

وتتنوع أساليب وصول القيادة إلى السلطة من نظام سياسي إلى آخر، وتؤثر هذه الأساليب تأثيرا كبيرا في نمط القيادة السياسية وخصائصها وسياساتها وأساليبها في ممارسة السلطة والتعامل مع القضايا الداخلية والخارجية والإقليمية، ومن الضروري هنا أن نتذكر ما يلي:

أولا/ إن وصول القيادة إلى السلطة إعتمادا على دعم أجنبي يجعل هذه القيادة في علاقة تبعية إقتصاديا وسياسيا للقوة الأجنبية التي دفعت بها إلى السلطة وتضمن لها الإستمرار في الحكم طالما ظلت هذه القيادة قوية وقادرة على حماية مصالح هذه القوة الأجنبية، وإلا أطاحت بها الأخيرة وأحلت محلها قيادة أخرى أكثر ولاءا وخضوعا وقدرة على حماية مصالح تلك الدولة.

ثانيا/ إن وصول القيادة إلى السلطة إعتمادا على إنقلاب عسكري، عادة ما يجعل القيادة تتصف في ممارسة السلطة بالقمع، وقد تلجئ بعض هذه القيادات إلى عسكرة نظمها السياسية من خلال تعيين كبار الضباط الموالين في المناصب العليا السياسية والإدارية.

ثالثا/ إن وصول القيادة إلى السلطة إعتمادا على دعم قبلي أو عشائري، هذا الأسلوب عادة ما يرتبط بتوريط السلطة ويجعل ممارستها للسلطة تخضع لأساليب قبلية، سواء من حيث الإعتماد على مساندة القبلية التي تنتمي إليها القيادة والقبائل الأخرى القوية المرتبطة بها بروابط نسب ومصاهرة وحماية مصالحها المتميزة وتعيين أبنائها في المناصب الهامة والحساسة.

رابعا/ اسلوب وصول الحزب إلى السلطة في نظم الدولة النامية والجمهورية، وهو الاسلوب المتعلق بالإنتخاب والإستفتاء، ونلاحظ أن الإنتخابات في غالبيتها في تلك المجتمعات هي شكلية وغير عادلة في نتائجها، وبالتالي لا تتسم قياداتها بالديمقراطية الحقيقية في ممارسة السلطة مما يؤدي بالقيادة الرابحة بالإنتخابات إلى أساليب غير ديمقراطية في التعامل مع القوى والأحزاب المعارضة.

ولمحاولة ربط هذه القواعد والأفكار والنظريات بما يجري على واقع المشهد السياسي العراقي اليوم نطرح السؤالين التاليين.

السؤال الأول: إلى أي مدى تنطبق نظريات علم النفس السياسي وخصوصا مسألة المراحل التي يمر فيها الحزب السياسي على الأحزاب السياسية العراقية؟

عدنان الصالحي: مراهقة سياسية 

- مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية عدنان الصالحي، "يعتقد بوجود إختلاف نسبي في تأسيس الأحزاب في الدولة الغربية والمتطورة عن الأحزاب العراقية بشكل عام، خاصة وأن الأحزاب العراقية لم تأتي من جراء فكرة ما بل هي نتيجة إنعكاس طبيعي لحالة القمع الموجود، وبالتالي تشكلت مجموعات معينة خارج وداخل العراق لتنتج حالة حزبية معينة، إلا أننا بطبيعة الحال لا نستطيع قياس التجربة العراقية بالتجارب الأخرى، سيما وأن الحالة العراقية تعيش أنموذج المراهقة السياسية في قضية الأحزاب وهو يحتاج إلى فترة من الزمن، كي ينتج أحزاب أصيلة وثابتة".

- يرى طالب الدكتوراه في كلية الإعلام والكاتب الصحفي مسلم عباس، "أن الأحزاب السياسية العراق أوجدت كحالة مؤقتة وغاب عنها التخطيط وغابت عنه الأهداف المحددة والمعايير الثابتة".

- حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية "يتصور أن إنطلاق الأحزاب العراقية ما بعد (2003) أو ما قبلها جاء من منطلق نفسي، وهو يكاد أن يؤسس لفكرة المظلومية التي تعرضت لها أغلب الأحزاب السياسية أبان النظام السابق، وبالتالي هي بداية توظيف المظلومية لمصالح شخصية وذلك من خلال التمسك بالسلطة وحصد المكتسبات، إلى جانب ذلك فإن أنموذج الإزاحة أصبح واقع سياسي تميل إليه كافة الأحزاب بهدف إستبعاد الخصوم السياسيين".

الدكتور علاء الحسيني: تجارب حزبية سيئة

- الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء - كلية القانون والباحث في مركز آدم، "وصف أن الإستراتيجيات الحزبية هي في طور التغيير من حالة الوصول إلى السلطة إلى البقاء في السلطة فيها لأكبر مدة ممكنة، وذلك من خلال إستغلال العوامل النفسية للمكوث بالسلطة والتأثير على الناخب وعلى عموم الجمهور وعلى الأحزاب الأخرى، وبالتالي فإن العامل النفسي لن يغيب وأن الأحزاب السياسية العراقية هي أحزاب كوادر وليست شعبية أو جماهيرية، خاصة وأن التجربة الحزبية السيئة التي عاشها العراق أيام النظام البعثي شكلت ردة فعل غير إعتيادية"، وأضاف الحسيني "من المهم أن نغادر تلك الحقيقة فيما لو أردنا الإنتقال إلى النظام الديمقراطي، الشيء الآخر أن جماهير الأحزاب ذاتها لم تأتي لدوافع المصلحة العامة بل لأغراض شخصية وذاتية، ناهيك عن ذلك أن قيادات الأحزاب الآن هي أيضا لا تأمن ولا تعتقد بالأحزاب بالشكل المطلق وهي سرعان ما تتخلى عن الحزب السياسي لمجرد أي هزة ما ممكن أن يتعرض إليها".

- أشار حيدر الاجودي الإعلامي في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، إلى "إن الأحزاب السياسي العراقية أوجدت مفاهيم مغايرة لما موجود في الدراسات التي تتعلق بحقيقة تأسيس وتشكيل الأحزاب السياسية ومفهوم تطورها الطبيعي".

- طالب الدراسات العليا والباحث في مركز آدم علاء محمد ناجي، "يجد أن المجتمع العراقي يعاني الآن من أزمات نفسية حادة من جراء عمل الأحزاب السياسية، خاصة وأن غالبية الكوادر الحزبية المتقدمة هي نتاج ظروف غير ديمقراطية متجذرة".

- مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث حيدر الجراح، "يشكك في حقيقة وجود أحزاب سياسية بالمستوى المقبول والمرضي إلا بقدر محدود، وحتى قبل (2003) كانت هناك حركات إحتجاج دينية نشأت في الوسط الشيعي ولا يمكن تسميتها بالأحزاب، وبطبيعة الحال لا يمكن التكهن بتصرفات الأحزاب من خلال الأشخاص بل من خلال النصوص التأسيسية".

الدكتور حسين أحمد: الفلسفة والايدلوجيا 

- الدكتور حسين أحمد رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، "يؤكد على أن الحكم على المؤثرات النفسية في السلوك السياسي للأحزاب السياسية العراقية، خاصة وأن الحزب هو عبارة عن مجموعة من الأفراد تجمعهم آيديولوجية معينة ووفق تنظيم معين بهدف الوصول للسلطة، وبالتالي هذه العناصر هي العناصر الأساسية لهذا التشكيل وهي بحد ذاتها تؤثر على السلوك السياسي للأحزاب، والأمر بطبيعة الحال يختلف من منظور غربي فالأحزاب هناك منسجمة ومتفقة وهناك إيمان مطلق بالأفكار والآيديولوجيات الخاصة بالحزب على مستوى أعضاء هذا التنظيم أو التشكيل، وأيضا في كيفية نظرته للوصول إلى السلطة وفلسفته في إدارة الدولة"، وأضاف أحمد "العامل الآخر النظام السياسي إذا ما كان واضح ومستكمل لكل المقومات ولكل المؤسسات هذا يؤثر أيضا على السلوك السياسي، أيضا إلى جانب ذلك لابد أن نبحث عن النضج والوعي السياسي عند القاعدة الجماهيرية التي يتحرك من خلالها هذا الحزب، سيما وأن ذلك الوعي اليوم يعاني من التشرذم وعدم الإدراك وبالتالي من المؤكد أن السلوك السياسي عند هذه الأحزاب سيعاني من الإضطراب، فهناك عوامل مرتبطة بالحزب نفسه وعوامل أخرى مرتبطة بخارج الحزب كالنظام السياسي أو الوعي أو الجمهور".

الشيخ مرتضى معاش: العقد النفسية

- الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن "النظام السياسي ليس بظاهره الشكلي بل بعمقه المعنوي والجوهري وهو يشكل من خلال العوامل النفسية للأفراد، وأيضا لا يمكن وجود دولة ما لم يكن هناك عقد إجتماعي قائم على التوافق الإجتماعي بين الأفراد، لكن عندما نجد المجتمع يعيش حالة من الإنشطار الداخلي والتفكك النفسي ووجود العقد، هذا مما يؤدي إلى عدم الثقة بالآخر وإلى الكراهية والعنف ضد الآخر، وبالتالي هذا ينتج عدم الحوار وعدم وجود توافق وعدم وجود تداول للسلطة"، وأضاف معاش "هذه العقد النفسية سوف تؤدي إلى تشكيل ثقافات وتترسخ وتتراكم وتنتقل نحو الآخرين، فالأحزاب اليوم على سبيل المثال ليست أحزاب لخدمة الناس بل للاستئثار بالسلطة، وهذا مرض نفسي تحول إلى قيمة ثقافية في المجتمع، وأيضا الغريب في الأمر أنه داخل الحزب نفسه هناك مؤامرات، لذلك فالإستبداد والعدوانية والكراهية والعنف ضد الآخر وحتى الحروب كل هذه هي عوامل نفسية، لذا لابد أن نلتفت إلى النواة الأساسية للتأسيس وأن تكون نفسية القائد المؤسس للحزب هي المعيار الأبرز والأهم في تشكيل هذا الحزب، وكما هو الحال مع شخصية الرسول الأعظم (ص) أو بالنسبة لشخصية الزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا أو غاندي، فالمشكلة لدينا تتركز حول سوء الظن بالأخر أو الكراهية فلابد من تجاوز تلك العقد النفسية حتى يستجد عنها وجود العقد الإجتماعي المتماسك بين أفراد هذا المجتمع".

- حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، "يعتقد أن السلوك السياسي عندما يكون إيجابي ولا يؤمن بأقصاء الآخر ويقبل الحوار معه هذا مما يعكس الصفات الإيجابية النفسية عند الحزب السياسي، والعكس هو الصحيح عندما تتوفر حالة التشهير بالأخر وعدم تقبل الآخر بالسلطة أو إدارة موارد البلد".

- أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، تحدث قائلا: "إن المقدمات الصحيحة تأتي بنتائج صحيحة، خاصة وأن الشخصيات التي أسست الأحزاب في العراق سابقا والآن هي تمتلك رصيد عالي من الأمراض والعقد النفسية، سيما وأن من أهم تلك العقد هي الإنتقام وهذا الشعور ازداد مع تطور الأحزاب وهناك إقتباسات متوارثة من السلطات السابقة، كالاستعلاء والتمسك بالسلطة وعدم الإيمان بالعمل الديمقراطي والإستفادة من تجارب أحزاب أخرى خارج العراق من أجل المكوث أطول في السلطة، بالتالي هذه الأمراض النفسية أثرت على السلوك السياسي للأحزاب وهذا مما إثر على أدائها".

السؤال الثاني: كيفية الإستفادة من نظريات وقواعد علم النفس السياسي لكي نفهم سلوك الأحزاب السياسية العراقية؟

- عدنان الصالحي يعتقد أن الأحزاب العراقية تنطبق فيها حالتين، الحالة الدينية المتشددة عند بعض الأحزاب والمعتدلة عند البعض الآخر، يضاف إلى ذلك وجود بعض الشخصيات المدنية والريفية هذا مما يجعل السلوكيات غير متقاربة بين الإعتدال والتشدد وهذا مما ينعكس على أداء هذه الأحزاب، بالنتيجة هناك تقاطع بالرؤى في داخل الحزب الواحد وهي تعاش حالة مخاض، وربما يرشح عن ذلك في المستقبل رؤى وتصورات أخرى تختلف عن ما موجود الآن".

- مسلم عباس دعا إلى قراءة الحركات العراقية كحالات خاصة لا تتأثر بالمفاهيم والتصورات المعاصرة للأحزاب السياسية، وبالتالي نستطيع أن نفسر سلوكيات تلك الحركات بمعزل عن ما موجود من قراءات فكرية ونظرية عالمية.

- حمد جاسم يؤرخ إلى حقيقة أن السلوك النفسي للأحزاب يتشكل من العوامل النفسية للمجتمع.

- علاء الحسيني يعتقد أن الإجابة نسبية وليست مطلقة فبعض الأحزاب يمكن التنبؤ لسلوكها الجمعي وذلك من قراءة وأفكار وحالة الأب الروحي لهذا الحزب، خاصة وأن بعض الأحزاب لها مرجعيات دينية أو فكرية وهذا مشخص على أرض الواقع وبالتالي يمكن التنبؤ لها ولسلوكياتها، لكن بالمقابل هناك أحزاب أخرى لا يمكن رصد تصرفاتها بالمطلق لأنها أحزاب سلطة وأن الدكتاتورية تربعت فيها، وبالتالي هنا نحتاج إلى مركز دراسات متخصص لدراسة شخوص الحزب وسلوك الحزب للوصول إلى قناعات واضحة".

- حيدر الاجودي يرى أن قاعدة السلوك السياسي وجدت لتنظيم عمل الأحزاب وتنظيم هيكليتها، وبالتالي عندما لا توجد تطبيقات واقعية لقاعدة السلوك السياسي عندها سيكون عدم إنضباط في القانون وفي القرارات التي تصدر من الأحزاب وذلك إعتمادا على عدم تطبيق قاعدة السلوك السياسي.

- الدكتور حسين أحمد يعتقد أن العوامل النفسية واضحة عند زعماء الأحزاب السياسية في العراق، خصوصا ومع وجود هذا الهم والإنفعالية وإستحضار الماضي وإستحضار المظلومية والتخويف من الآخر، كل هذه مجتمعة عوامل تحتاج إلى رصد من علماء النفس لبلورة أفكار معينة حول سلوكيات هذه الشخصيات، وكيف تؤثر على الحركة السياسية للأحزاب إلى جانب ذلك لا زالت المصلحة الشخصية لرئيس الحزب تلعب دور كبير في سياسة الحزب، وأضاف حسين، في إنتخابات عام (2006) كنا نبحث عن قوائم طائفية لكننا في العام (2010) كنا نسعى لفوز قائمة معينة أما في إنتخابات (2014) نأمل في فوز أشخاص، وبالتالي هذا السلوك السياسي المضطرب لا يمكن تسميته سياسي خصوصا وأن السياسي يعد هو من أحكم الناس، لذا فنحن اليوم نفهم وجودنا على كيفية ضمان المواقع والمناصب الحكومية لأعضاء الحزب بغض النظر عن المهنية والكفاءة والنزاهة وليس على صعيد الطائفة بل على صعيد الحزب".

- الشيخ مرتضى معاش يعتقد أن مراكز الدراسات كمركز المستقبل تستطيع أن تتنبأ بالمستقبل وسلوك هذا الحزب عندما يصل إلى السلطة، وذلك من خلال قراءة تأريخه وسلوكيات قادة ونخب هذا الحزب والجماهير المنظمة إليه، فالحزب الذي لا يؤمن بالنقد هو مستقبلا حتما سيستعمل القمع، كذلك الحزب الذي لاتوجد فيه إنتخابات داخلية بالنتيجة سوف يستأثر بالسلطة ويستبد بها عند الوصول إليها، وأيضا أسلوب الكراهية والعنف والثأر والانتقام من الآخر وسعد الصدر وتحمل الآخر، وهل هذا الحزب لديه القدرة على التحالف والتوافق وتأسيس عقد إجتماعي، كل ذلك يتم قراءته من خلال السلوكيات الداخلية ومن خلال خطابات الحزب وافراده.

- حامد الجبوري ذهب إلى دعم فكرة تأسيس مركز مختص بعلم النفس السياسي لدراسة السلوكيات السياسية عن كثب، وأيضا إيجاد قنوات لترشيح الأحزاب وإجراء تقييم دوري لتلك الشخصيات وبما ينسجم مع المعايير الحقيقية للعمل الديمقراطي والسياسي.

التوصيات

- قراءة سيرة الأحزاب الرصينة التي تسعى إلى إيجاد المؤسسات وكما هو معمول به في الغرب.

- تغيير القيادات السياسية بين فترة وأخرى.

- صياغة أنظمة داخلية للأحزاب قائمة على تبني النظام الديمقراطي والتداول السلمي لقيادة الحزب وعضوية الهيئة العليا أو العامة للحزب بين فترة وأخرى.

- إخضاع جميع الزعامات السياسية للدراسة في علم النفس.

- التأكيد على الطب النفسي في مراكز الدراسات.

- التأكيد على البناء الأخلاقي والمعنوي.

- العمل على دراسة سلوك المجتمع قبل سلوك الاحزاب.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017
http://mcsr.net

اضف تعليق