تهديدات الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الاخيرة بشأن استخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية و فنزويلا، اثارت مخاوف الكثير من الدول والجهات التي تخشى من حدوث حروب جديدة تهدد الامن والاستقرار العالمي، في وقت تفاقمت فيه الحروب والمشكلات والازمات الاقتصادية والامنية، وتوعد ترامب باستخدام القوة ضد كوريا الشمالية، مؤكدا أن الخيار العسكري جاهز للتنفيذ، كما هدد بالتدخل العسكري في فنزويلا في تصعيد مفاجئ لرد واشنطن على الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد من مده، ويرى بعض الخبراء ان ادارة الرئيس الامريكي ربما تحاول ومن خلال هكذا تصريحات، العمل على اشغال الرأي العام الداخلي بأمور جديدة قد تساعد في تخفيف الضغوط المتواصلة، بسبب الاتهامات والتحقيقات الخاصة بوجود تعاون بين فريق ترامب وموسكو وغيرها من الازمات الداخلية. خصوصا وان هذا الامر قد اثار حالة من القلق داخل الولايات المتحدة.
فقد تحرك البرلماني الديمقراطي الأمريكي، ديفيد سيسيليان، برسالة عاجلة إلى رئيس مجلس النواب، بول ريان، يطالبه فيها بالدعوة الفورية لعقد جلسة طارئة للمجلس، لمناقشة مشروع قانون ضد ترامب. ويريد البرلماني الأمريكي تطبيق حظر على ترامب، بتوجيه ضربة نووية وقائية ضد كوريا الشمالية، دون موافقة الكونغرس. وقال في رسالته العاجلة: "في ظل التصريحات غير المسؤولة من جانب الرئيس ترامب، أسألكم توجيه الدعوة مباشرة إلى مجلس النواب لمناقشة مشروع قانون يحظر قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة نووية وقائية دون موافقة الكونغرس".
ووصف تصريحات ترامب بأنها "تفاقم الوضع" في شبه الجزيرة الكورية، حيث يعيش حوالي 20 ألف أمريكي، عدا عن "ملايين الأمريكيين الذين يعيشون في نطاق وصول صواريخ كوريا الشمالية العابرة للقارات". وكان ترامب كتب على "تويتر": "الحلول العسكرية وضعت بالكامل حاليا، وهي جاهزة للتنفيذ إذا تصرفت كوريا الشمالية بلا حكمة. نأمل أن يجد كيم جونغ أون مسارا آخر!".
الحل العسكري
وفي هذا الشأن قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن الجيش الأمريكي "جاهز ومتأهب" للتعامل مع كوريا الشمالية، في آخر تصريحات الحرب الكلامية المتصاعدة بين بيونغيانغ وواشنطن. وقال ترامب في تغريدة كتبها في تويتر إن "الحلول العسكرية أصبحت الآن جاهزة للتطبيق بشكل كامل، وفي وضع التأهب والجاهزية إذا تصرفت كوريا الشمالية بشكل غير حكيم. ونتمنى أن يجد كيم جونغ أون مسارا آخر".
ونشر الرئيس الأمريكي تغريدته بعدما اتهمه زعيم كوريا الشمالية بأنه "يقود شبه الجزيرة الكورية إلى حافة الحرب النووية". وأعلنت كوريا الشمالية أنها أعدت خططا لإطلاق صواريخ قرب الأراضي الأمريكية في جزيرة غوام. وأصدرت وكالة الأمن الداخلي في الجزيرة الواقعة في المحيط الهادئ، منشورا يقدم معلومات للسكان بشأن كيفية التعامل والاستعداد لأي تهديد صاروخي.
ومن ضمن ما ورد في المعلومات المنشورة "لا تنظر إلى الوميض أو كتلة اللهب لأنها يمكن أن تصيبك بالعمى". و"انبطح أرضا وغط رأسك. إذا كان القصف في مكان بعيد عنك، فيمكن أن يستغرق الأمر 30 ثانية أو أكثر حتى تضرب موجة الانفجار هدفها". وقالت موسكو إن تبادل التهديدات بين واشنطن وبيونغيانغ "يقلقنا كثيرا جدا". وصنف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خطر المواجهة العسكرية بين البلدين بأنه "عال جدا"، في وقت تقدم فيه بخطة روسية - صينية مشتركة لحل الأزمة. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ليس ثمة حل عسكري و "تصعيد الحرب الكلامية رد خاطئ". بحسب رويترز.
بيد أن ترامب وجه في وقت لاحق، في تصريح للصحفيين في ناديه الخاص للعبة الغولف في نيوجرسي، تهديدات أخرى إلى بيونغيانغ. وعندما سُئل عن تغريدته السابقة بشأن جاهزية القوات الأمريكية قال للصحفيين "آمل أن يفهموا (الكوريون الشماليون) تماما خطورة ما قلته، وأنا أعني ما قلته ... تلك الكلمات سهلة الفهم جدا جدا". وأضاف "إذا تلفظ (كيم جونغ أون) بتهديد واحد في شكل تهديد علني -وهو بالمناسبة ما اعتاد على قوله لسنوات، كما اعتادت عائلته على قوله لسنوات أيضا- أو فعل أي شيء بشأن غوام أو أي مكان آخر، سواء كانت أراض أمريكية أو تخص حليف لأمريكا، فسيندم على ذلك حقا وسيندم سريعا". وجاء تصريح ترامب الأخير في أعقاب تهديده بأنه سيمطر بيونغيانغ بوابل من "النار والغضب". وجاء تحذير ترامب بعد ساعات من محاولة وزير دفاعه، جيمس ماتيس، تهدئة التوتر بتأكيده على الحل السلمي للأزمة.
تهديد فنزويلا
الى جانب ذلك هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل العسكري في فنزويلا في تصعيد مفاجئ لرد واشنطن على الأزمة السياسية في فنزويلا الأمر الذي وصفته كراكاس بالجنون. وفي الأيام الأخيرة يبدو أن فنزويلا تنزلق إلى مرحلة أكثر اضطرابا بعد نهب قوات مناوئة للحكومة أسلحة من قاعدة عسكرية في أعقاب سيطرة هيئة تشريعية جديدة على سلطة الكونجرس الذي كانت تهيمن عليه المعارضة.
وقال ترامب للصحفيين في جلسة أسئلة وأجوبة "الناس تعاني وتموت. لدينا خيارات كثيرة بما في ذلك خيار عسكري محتمل إذا لزم الأمر". ويبدو أن التصريحات أصابت كراكاس بالصدمة ووصف وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو التهديد بأنه درب من "الجنون". وقال البيت الأبيض إن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو طلب إجراء مكالمة هاتفية مع ترامب ورفضها البيت الأبيض فيما يبدو قائلا في بيان إن ترامب سيتحدث بكل سرور مع زعيم فنزويلا عند استعادة الديمقراطية في البلاد. بحسب رويترز.
وطالما قالت السلطات في فنزويلا إن المسؤولين الأمريكيين يخططون لغزو. وقال جنرال سابق في الجيش هذا العام إن بعض الصواريخ المضادة للطائرات وضعت على طول ساحل البلاد لهذا الاحتمال على وجه التحديد. وفي واشنطن قالت وزارة الدفاع (البنتاجون) إن الجيش الأمريكي مستعد لدعم الجهود الرامية لحماية المواطنين الأمريكيين والمصالح القومية الأمريكية لكن تحذيرات كراكاس من غزو أمريكي مزمع "لا أساس لها". وجاء تهديد ترامب بعمل عسكري محتمل بعدما كرر التهديد برد عسكري إذا هددت كوريا الشمالية الولايات المتحدة وحلفاءها.
ترامب والشرق الأوسط
على صعيد متصل اهتمت الصحف والوكالات الأجنبية بالتسريبات التي خرجت من الجيش الأمريكي في الآونة الأخيرة، والتي تتحدث عن استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، فبعد غموض الإدارة الجمهورية الجديدة منذ استلامها المنصب في هذا الملف، بدأت ملامح الاستراتيجية الجديدة تتضح في ضوء تسريبات عن توجه أمريكي لإرسال المزيد من القوات الخاصة إلى المناطق الملتهبة في الشرق الأوسط. ونقلت شبكة «إي بي سي نيوز» الأمريكية عن جنود سابقين أن هذه التحركات الأخيرة تشير إلى أن الجيش الأمريكي استهلّ حملة أشد ضراوة لمكافحة الإرهاب، من خلال تكثيف الجهود وتواصل عمليات نشر جديدة لوحدات نخبة الكوماندوز الأمريكية في سوريا والعراق، وإلى القرن الإفريقي.
من جانبه يقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن استراتيجية ترامب المعلنة تجاه الشرق الأوسط تستهدف ثلاثة ملفات، أولها محاربة الإرهاب، والذي كان له تأثير سلبي للغاية على الاقتصاد الأمريكي ومستقبله في المنطقة، وتغيير السياسة الأمريكية السابقة التي كانت تعتمد على صعود الإسلاميين إلى الحكم وانتشار الإرهابيين في الجسد العربي على بعضه، مؤكدًا أن «ترامب» ارتأى أن هذه السياسة تضر كثيرًا بالاقتصاد الأمريكي وهو رجل أعمال، لاسيما أن الإرهاب بدأ يتوسع وينتشر أكثر حتى نهش جسد الحلفاء الأوروبيين واقترب من الولايات المتحدة الأمريكية.
الأمر الآخر الذي أكده السفير المصري السابق أن الرئيس الأمريكي الجديد بدأ ظاهريًّا في استراتيجية الاعتماد على التدخل العسكري المباشر في الشرق الأوسط، بإعلانه إرسال قوات خاصة إلى سوريا والعراق واليمن، لكن في الحقيقة لم يلتزم بهذا الأمر، حيث سيكون تدخله في حدود الحرب على الإرهاب ولم يتدخل عسكريًّا على غرار ما سبقه من الإدارات الجمهورية السابقة كإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، مؤكدًا أن القوات الخاصة ستكون مهامها محدودة للغاية وستقتصر على عمليات نوعية داخل الشرق الأوسط.
وبشأن مستقبل العلاقة مع روسيا بالتزامن مع هذه الاستراتيجية، أكد أنها لا تتأثر، لكنه سيحاول استخدام أوراق ضغط في ملفات المنطقة لتموضعه مرة أخرى، بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها المحور الروسي السوري الإيراني في المنطقة، ومع ذلك لا تؤدي هذه الاستراتيجية الجديدة إلى التصادم مع روسيا أكثر من التوافق. من جانب آخر أكد الدكتور هاني سليمان، المتخصص في الشؤون العربية، أن «ترامب» لم يتحدث كثيرًا عن السياسة الخارجية خلال حملته الانتخابية، ولذلك كان من الصعب التوصل إلى قراءة واضحة لخياراته فيما يتعلق بالشرق الأوسط، إلَّا أنه مؤخرًا بدأت العديد من الملامح تظهر مع عقد ترامب النية على استمرار برنامج الطائرات بدون طيار، وأيضًا التسريبات التي تحدثت عن توجه أمريكي لإرسال المزيد من القوات الخاصة إلى مناطق النزاع، مما يعني أن البيت الأبيض تراجع عن استراتيجية الحرب بالوكالة التي كان يعتمدها الرئيس السابق باراك أوباما لفائدة المشاركة المباشرة.
وأمرت وزارة الدفاع الأمريكية في الآونة الأخيرة بنشر قوات جديدة من القوات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل غير معلن، وسط سلسلة غير مسبوقة من الضربات الجوية على اليمن، كما أن وحدات جديدة من نخبة الكوماندوز الأمريكية من فرق «قوة دلتا» والمشاة البحرية، غير المعلنة، توجهت إلى سوريا والعراق لضرب داعش، وإلى القرن الإفريقي لاستهداف القاعدة. وأضاف سليمان: أعتقد أن الحرب على الإرهاب ليست سوى جزء من الخطة التي تعمل أيضًا على إعادة تثبيت الدور الأمريكي في ملفات العراق وسوريا واليمن، ومحاولة الحد من التمدد الروسي الإيراني في المنطقة، مؤكدًا أن قرار إدارة ترامب بتغيير الاستراتيجية من حرب عن طريق وكلاء محليين إلى مشاركة أكثر فاعلية هدفه استعادة المبادرة في ملفات صار الدور الأمريكي فيها محدودًا مثل الملف السوري، الذي باتت روسيا تمسك مختلف مفاتيحه، خاصة مع المرحلة الانتقالية في الإدارة الأمريكية التي استغلتها روسيا بعقد مؤتمري أستانة وجنيف4، في ظل غياب أمريكي.
واختلف سليمان في حديثه مع السفير رخا أحمد حسن، مؤكدًا أن ترامب يسعى للانقلاب على استراتيجية أوباما التي كانت تقوم على تجنب القتال في مناطق الصراع، مع العمل على استخدام وكلاء لإدارة المعارك مع تنظيم داعش، وهي الاستراتيجية التي استفادت منها روسيا، مضيفًا أنه رغم تعويل ترامب وإدارته على الحسم في المعارك القادمة، إلَّا أن ترامب قد لا يعكس وعود حسم الصراعات في العالم، بل قد يقود إلى تأزيم الصراعات وخلق صراعات وحروب جديدة من أجل إيجاد مخاوف جديدة تدفع إلى زيادة الطلب على شراء الأسلحة ونمو أرباح المجمع الصناعي العسكري، كما حدث بالنسبة لدول الشرق الأوسط.
اضف تعليق