q

يحاول الرئيس الامريكي دونالد ترمب الذي يواجه مشكلات وأزمات كبيرة بسبب مواقفه وتصرفاته وسياساته المثيرة للجدل، ايجاد خطط وبدائل اخرى من اجل استعادةَ شعبيته التي تأثرت كثيراً بعد جملة من الهزائم السياسية والاتهامات التي أثيرت حول تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا على ان الحرب الداخلية بين إدارة ترامب وباقي المؤسسات الأمريكية ستسمر وتتفاقم بسبب خطط وقرارات الرئيس، التي يقول عنها البعض أنها غير المدروسة وبعيدة عن الواقع يمكن ان تضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا الشأن فقد صوّت أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قرار يمنع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من القيام بأي تعيينات جديدة حتى أيلول /سبتمبر المقبل.

أعضاء الكونغرس الـ100 الذين صوتوا على مشروع القرار، طلبوا من الرئيس الأمريكي التحلي بضبط النفس في هذه الفترة. والطلب يتزامن مع العطلة الصيفية لأعضاء الكونغرس، الأمر الذي يمنع ترامب من القيام بإحداث أي تعديلات أحادية الجانب دون العودة لهم. ويذكر بأن القانون كان يعمل به الكثير من الرؤساء الأمريكان بغية الالتفاف على قرارات مجلس الشيوخ واستغلال فترة غيابهم.

من جانب اخر شن وزير العدل الأمريكي جيف سيشنز هجوما على تسريبات المعلومات السرية لوسائل الإعلام وهي قضية أثارت غضب الرئيس دونالد ترامب وقال الوزير إن الحكومة تراجع سياساتها بشأن إرغام الصحفيين على كشف مصادر معلوماتهم. وقال سيشنز للصحفيين "أحد الأمور التي نقوم بها هي مراجعة السياسات التي تتعلق بأوامر استدعاء الإعلاميين للشهادة" وذلك خلال إعلانه عن جهود الإدارة الأمريكية لمكافحة ما وصفه "بالعدد الهائل للتسريبات التي تقوض قدرة حكومتنا على حماية هذا البلد".

وتابع يقول "نحن نحترم الدور المهم الذي تلعبه الصحافة وسوف نحترمها لكن الأمر ليس مطلقا بلا حدود". وأوامر الاستدعاء تجبر الصحفي على الشهادة وتقديم أدلة وتوجد عقوبة إذا رفض الانصياع. ومراجعة الإدارة الأمريكية لسياساتها في هذا الشأن تفتح المجال لإمكانية إصدار أحكام على صحفيين لعدم كشفهم عن مصادرهم. وأعرب ترامب مرارا عن غضبه بشأن تسريبات متواصلة إلى وسائل الإعلام بشأنه وبشأن إدارته منذ توليه السلطة في يناير كانون الثاني. وارتبطت بعض التسريبات بالتحقيقات التي تجريها السلطات الأمريكية بشأن شبهة وجود تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وارتبط بعضها بخلافات داخلية داخل البيت الأبيض.

من جانب اخر قال جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاري البيت الأبيض في بيان للجان بالكونجرس إنه "لم يتواطأ" مع روسيا أو يسعى للتواصل مع موسكو من خلال قنوات خلفية العام الماضي. وقال كوشنر في بيان مكتوب صدر قبل مثوله أمام جلسات مغلقة مع أعضاء الكونجرس الأمريكي "لم أتواطأ ولا أعرف أي شخص آخر في الحملة تواطأ مع أي حكومة أجنبية". وأضاف "لم أقم باتصالات غير لائقة. لم أعول على أموال روسية لتمويل أنشطتي الاقتصادية في القطاع الخاص". وذكر أنه "ربما تواصل مع أربعة مندوبين روس" خلال حملة 2016 وفترة الانتقال الرئاسي بعد فوز ترامب.

حيلُ ترامب

الى جانب ذلك و مع تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها في استطلاعات الرأي، يعمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حشد أنصاره الأكثر تأييداً له سعيا لحماية رئاسته المهددة بالتحقيق المتشعب في "القضية الروسية" وبمعارضة متزايدة في صفوف حزبه الجمهوري. وأثارت تقارير إعلامية عن تشكيل المدعي الخاص روبرت مولر هيئة محلفين كبرى مخولة توجيه اتهامات في إطار تحقيقه حول احتمال وجود تواطؤ بين فريق حملة المرشح ترامب وموسكو، مخاوف في البيت الأبيض من صدور اتهامات تفضي إلى ملاحقات جنائية واستدعاء أشخاص للإدلاء بشهاداتهم، ما قد تكون له انعكاسات كارثية على إدارة ترامب.

وهذه ضربة جديدة قاسية للرئيس بعد إقالة سلسلة من المسؤولين في البيت الأبيض وانتكاسات شديدة في الكونغرس في عمليات تصويت حول مواضيع جوهرية له. وبالرغم من اقتصاد قوي، أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته جامعة كوينيبياك أن شعبية الرئيس لا تتخطى 33%، وهو مستوى مماثل لشعبية ريتشارد نيكسون في خضم فضيحة ووترغيت أو شعبية جورج بوش خلال حرب العراق.

وحيال المخاوف من أن تطارده "القضية الروسية" طوال مدة ولايته، يعول ترامب على دعم قاعدته الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض والتي اجتذبتها مواقفه اليمينية وخطابه الشديد اللهجة. وفي أقل من أسبوع، شجع الرئيس الشرطة على تعنيف المشتبه بهم عند توقيفهم وتعهد بالتصدي بلا هوادة للعصابات الإجرامية الأميركية اللاتينية، كما أعلن في تغريدة على تويتر منع المتحولين جنسياً من الخدمة في الجيش.

وبعدما حذر من بعض الأحياء التي تحولت على حد تعبيره إلى "ساحات قتل ملطخة بالدماء"، أعلن عن فرض قيود شديدة على الهجرة الشرعية إلى الولايات المتحدة. وألقى دونالد ترامب خطاباً أمام آلاف من أنصاره في فرجينيا الغربية، استعاد فيه المواضيع الأساسية في حملته الانتخابية، مجدداً كذلك هجماته على هيلاري كلينتون. وإذ شدد على سياسته في موضوع الهجرة وسعيه لإعادة فرض القانون والنظام، أكد الملياردير النيويوركي لأنصاره أن التحقيقات الجارية في "القضية الروسية" هي تهديد له ولمؤيديه. وقال "قصة روسيا هذه هي قصة مفبركة بالكامل (...) وهي إهانة لنا جميعاً ولبلادنا ودستورنا". وينفي ترامب وروسيا على السواء باستمرار أي تدخل روسي في انتخابات 2016 وأي تواطؤ بين مسؤولين روس وفريق حملة المرشح الجمهوري.

ويتساءل العديد من منتقدي ترامب كيف يعتزم الرئيس تطبيق حظر المتحولين جنسياً في الجيش، وهو أمر قد يكون من المستحيل العمل به. أما بالنسبة لخطة خفض الهجرة الشرعية إلى النصف، فيقر مسؤولون في البيت الأبيض بأن فرص إقرار هذه الخطة في الكونغرس تبقى ضئيلة، إذ يشكل المهاجرون يداً عاملة لا غنى عنها في بعض القطاعات مثل الزراعة والبناء.

ورأت مسؤولة استطلاعات الرأي في معهد "كاتو" إيميلي إيكينز أنه من السذاجة الاعتقاد أن ناخبي ترامب يشكلون مجموعة متجانسة، بل هم برأيها ائتلاف واسع من المحافظين والقوميين والحمائيين والشعبويين والخائبين من السياسة إجمالاً. والنقطة الوحيدة المشتركة بينهم بحسب ما أوضحت المحللة لوكالة فرانس برس، هي معارضتهم للهجرة. وقالت "إذا بدل ترامب موقفه بهذا الموضوع، أعتقد أن ذلك سيسقط أهليته برأي أنصاره".

وبعد خسارته عملية تصويت أساسية حول إصلاح الضمان الصحي في الكونغرس رغم سيطرة الجمهوريين عليه، واضطراره إلى التوقيع على مضض على عقوبات جديدة بحق روسيا أقرها مجلسا النواب والشيوخ بشبه إجماع، حمل الرئيس بصراحة على الكونغرس وحزبه نفسه. وما ساهم في تراجع هذه العلاقات إقالة مسؤولين جمهوريين في البيت الأبيض هما كبير موظفي البيت الأبيض راينس بريبوس والمتحدث شون سبايسر. بحسب فرانس برس.

ومع تراجع دعم الحزب الجمهوري له، يبدو أن دونالد ترامب يلجأ إلى تعبئة أشد أنصاره ليكونوا بمثابة حراس لرئاسته. ونقل الرئيس على تويتر تعليقاً لأحد معلقي شبكة فوكس نيوز يشير إلى أنه في حال استهدفت هيئة محلفين كبرى الرئيس أو عائلته، فسوف تحصل "انتفاضة في هذا البلد". ويخشى البعض أن يكون تأييد الرئيس لهذا النوع من الخطاب ينذر بأزمة دستورية خطيرة.

العلاقات مع موسكو

من جهة اخرى أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببعض المرارة أن العلاقات بين واشنطن وموسكو أسوأ من أي وقت مضى لكنه ألقى بالمسؤولية على الكونغرس الذي شدد للتو العقوبات الاقتصادية على روسيا. ورد الروس عبر الإعلان عن خفض كبير في الطاقم الدبلوماسي الأمريكي على أراضيهم، لكن رد فعلهم كان قاسيا بعد توقيع الرئيس ترامب العقوبات الجديدة التي أقرتها الأغلبية الساحقة في الكونغرس لمعاقبة روسيا على تدخلها المحتمل في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة أو دورها في أوكرانيا.

وقال رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف إن العقوبات هي بمثابة "إعلان حرب اقتصادية شاملة ضد روسيا" وتشكل "نهاية الآمال الروسية في تحسين العلاقات". وسخر مدفيديف من "ضعف" البيت الأبيض أمام الكونغرس. وأخذ البيت الأبيض علما بهذا التدهور الجديد في العلاقات المتوترة أصلا منذ وصول إدارة أمريكية اعتبرت في البداية مؤيدة للكرملين في كانون الثاني/يناير. وكتب ترامب على تويتر إن "علاقاتنا مع روسيا بلغت مستوى منخفضا خطيرا جدا لم تصله من قبل".

بدوره، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ لمحطة "سي إن إن" "أعتقد أنه صحيح القول أن علاقة الحلف مع روسيا أصعب مما كانت عليه في أي وقت منذ نهاية الحرب الباردة". وكان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قد قال إن العلاقات في "أدنى مستوى" منذ الحرب الباردة وحتى الآن، لكنه اتصل بنظيره الروسي سيرغي لافروف واتفقا على مناقشة العلاقات الثنائية بحسب الخارجية الروسية، على هامش مؤتمر دول جنوب شرق آسيا في مانيلا، من 6 إلى 8 آب/أغسطس في مانيلا.

ولم يشر ترامب إلى الملفات الخلافية العديدة مع موسكو (سوريا وأوكرانيا وضم القرم...) ولا الاتهامات بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية ولا الاشتباه بتواطؤ بين فريق حملته الانتخابية والسلطات الروسية، الأمر الذي لا زال قيد التحقيق، لكنه اتهم أعضاء الكونغرس بالتسبب في هذا الفتور الأمريكي الروسي. وقال ترامب "يمكنكم أن تشكروا على ذلك أعضاء الكونغرس، وهم الأشخاص ذاتهم الذين لا يستطيعون منحنا برنامجا للرعاية الصحية"، في إشارة إلى عدم موافقة مجلس الشيوخ على برنامجه للرعاية الصحية.

ووقع ترامب قانون العقوبات الجديدة مذعنا لضغوط الكونغرس بعد فشل البيت الأبيض في منع القانون أو تخفيفه، بعيدا عن الإعلام. وبدا تحفظه واضحا في بيان غاضب عقب التوقيع قال فيه إن النص "تشوبه عيوب". ورأى ترامب أن "الكونغرس وفي عجلته لتمرير هذا القانون، ضمنه عددا من الأحكام غير الدستورية" بما في ذلك تقييد قدرة الرئيس على "التفاوض" مع روسيا. وقال ترامب "قمت ببناء شركة عظيمة فعلا تساوي مليارات الدولارات. كان هذا سببا كبيرا لانتخابي. كرئيس يمكنني إبرام صفقات مع دول أجنبية أفضل بكثير من الكونغرس".

وعلق السناتور الجمهوري جون ماكين على تويتر بقوله إن "علاقاتنا مع روسيا في أدنى مستوى خطير. يمكنكم أن تشكروا بوتين على مهاجمة ديموقراطيتنا واجتياح جيرانها وتهديد حلفائنا". واستغلت الصحف الروسية هذه المادة لانتقاد ترامب. فكتبت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الواسعة الانتشار "الأمر لا يتعلق بالعقوبات، وإنما بمعرفة من هو السيد الحقيقي للبيت الأبيض". وأضافت "إن تحسين العلاقات مع روسيا باتت اليوم مسألة حياة أو موت للرئيس الأمريكي الخامس والأربعين. إذا لم يكن بوسعه أن يقول "لا" للمعارضة اليوم، فقد يكون مشروع القانون المقبل مذكرة بحجب الثقة عنه". بحسب فرانس برس.

ويستهدف القانون الذي يتضمن أيضا إجراءات ضد كوريا الشمالية وإيران، قطاع الطاقة الروسي ويعطي واشنطن القدرة على فرض عقوبات على شركات تنشط في تطوير الأنابيب الروسية ويفرض قيودا على بعض مصدري الأسلحة الروس. وردت إيران بغضب قائلة إن العقوبات الجديدة "تنتهك" الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع الدول الكبرى محذرة من أنها سترد "بالشكل المناسب". وفيما يتعلق بروسيا فإن القانون يقيد خصوصا صلاحية الرئيس لجهة إلغاء عقوبات سارية على موسكو، في آلية غير مسبوقة تعكس عدم ثقة الجمهوريين الذين يهيمنون على الكونغرس والقلقين من تصريحات ترامب الودية تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

اتفاق باريس للمناخ

في السياق ذاته أكدت واشنطن للأمم المتحدة خطيا نيتها الانسحاب من اتفاق باريس المناخي، لكنها قالت إنها ستواصل المشاركة في المحادثات الدولية المتعلقة بالمناخ، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان. وستشارك واشنطن خصوصا بالمؤتمر المناخي السنوي للأمم المتحدة الذي سيعقد في تشرين الثاني/نوفمبر في بون الألمانية. ووفقا للخارجية الأمريكية، فإن هذه المشاركة "تشمل المفاوضات الجارية بشأن المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاق باريس" الذي تم التوصل إليه في العام 2015. وأوضحت الخارجية أن هذه المشاركة ستتم من أجل "ضمان مصالح الولايات المتحدة".

وقالت الوزارة الولايات المتحدة بعثت رسالة إلى الأمم المتحدة (...) تتعلق بنية الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاق باريس متى أمكنها ذلك". وأضافت الخارجية: "كما قال الرئيس (ترامب) (...) إنه منفتح لإعادة الانخراط في اتفاق باريس إذا استطاعت الولايات المتحدة أن تجد فيه شروطا أكثر ملاءمة لها وأكثر ملاءمة لاقتصادها ولمواطنيها ولدافعي الضرائب". وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في الأول من حزيران/يونيو انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس الهادف إلى الحد من الاحتباس الحراري والذي وقعه 195 بلدا في كانون الأول/ديسمبر 2015 في العاصمة الفرنسية. بحسب فرانس برس.

وبرر ترامب قرار الانسحاب بقوله إن نص اتفاق باريس يعتبر مضرا بالاقتصاد الأمريكي، من دون أن يستبعد إعادة التفاوض بشأن هذا الاتفاق أو حتى توقيع "اتفاق جديد يحمي" مصالح الولايات المتحدة. وفي مواجهة خيبة الأمل التي عبر عنها حلفاء واشنطن إثر قرارها الانسحاب من اتفاق باريس المناخي، أكد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أن الولايات المتحدة ستواصل بذل الجهود من أجل خفض انبعاثات الغاز المسببة للاحتباس الحراري.

اضف تعليق