ملف الصراع في سوريا يشهد تطورات مهمة يمكن ان تسهم في ايجاد حلول جديدة، حيث يرى بعض المراقبين ان الولايات المتحدة الأمريكية وبعد ان أدركت صعوبة هذا الصراع الذي حول سوريا الى ساحة حرب كبيرة ، قد سعت وبعد التدخل العسكري الروسي، الى تغير بعض خططها ومطالبها وعقد صفقة جديدة مع الروس، لأجل الحفاظ على المكاسب المتحققة وتقاسم مصالح والعمل على حماية الحلفاء وخاصة إسرائيل، التي تخشى من استفحال خطر ايران وحزب الله على حدودها. فعندما تعلن الولايات المتحدة وقف تدريب المعارضة المعتدلة في سوريا، فإنّ ذلك وبحسب بعض المصادر، يعكس بكل وضوح وجود رغبة لواشنطن في إعادة لحساباتها تجاه ما يدور في ذلك البلد منذ ما يزيد على ست سنوات.
من الواضح، أقلّه إلى الآن، أن إدارة دونالد ترامب تفضّل التعاون مع روسيا في شأن كلّ ما له علاقة في سوريا. جاء تخلّيها عن برنامج تدريب المعارضة المعتدلة وهو برنامج لم يقدّم ولم يؤخّر منذ بدئه في العام 2013، بمثابة اعتراف بأن هناك حاجة إلى سياسة جديدة.. أو الاستمرار في اللاسياسة الأميركية التي أسّست لها إدارة أوباما. هذا معناه بكلّ بساطة ترك سوريا لروسيا التي عليها تدبّر أمورها مع إيران. والحفاظ على مكاسبها السابقة من اجل ضمان حدود إسرائيل في الجنوب السوري من جهة أخرى.
وهناك أيضا حاجة روسية إلى أميركا. هناك اتجاه إلى صفقة بين القوة العظمى الوحيدة في العالم من جهة والقوّة الطامحة إلى لعب دور في سوريا من جهة أخرى وذلك حفاظا على مصالح عدّة لموسكو. هناك مصلحة روسية في وجود على المتوسط. لم يعد من ميناء يعتبر قاعدة لروسيا في هذه المنطقة من العالم غير ميناء طرطوس. وهناك رغبة روسية في سدّ الأراضي السورية أمام أيّ خط أنابيب للغاز الآتي من الخليج. فضلا عن ذلك، تعتبر روسيا أن الورقة السورية تسمح لها بالمساومة في الموضوع الأوكراني عموما وما يخصّ شبه جزيرة القرم تحديدا. وتبدو الصفقة الأميركية-الروسية أكثر من حاجة للجانبين. موسكو في حاجة إليها وواشنطن تبدو مستعدة لها كي يتفرّغ دونالد ترامب لمشاكله الداخلية. صحيح أن إيران تظلّ لاعبا في سوريا، لكنّ الصحيح أيضا أنّ الوسائل التي تمتلكها ليست كافية لعرقلة مثل هذه الصفقة التي ستجعلها تركّز أكثر فأكثر على الإمساك بلبنان عبر “حزب الله”. وهذا ما تفعله حاليا بوسائل مختلفة، تعتبر معركة عرسال إحداها.
بين روسيا وامريكا
وفي هذا الشأن دخل وقف لإطلاق النار بالقرب من مدينة حمص السورية حيز التنفيذ بعد اتفاق بين الجيش الروسي والفصائل المقاتلة المعارضة حول إقامة منطقة ثالثة "لخفض التصعيد"، في إطار الجهود لوقف دائم لإطلاق النار في البلد الذي يشهد نزاعا منذ 2011. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن المنطقة التي سيشملها وقف النار تقع شمال حمص (وسط سوريا)، وتضم 84 بلدة يبلغ عدد سكانها أكثر من 147 ألف نسمة.
وقال المتحدث باسم الوزارة الجنرال إيفور كوناتشنكوف في بيان إن "فصائل المعارضة المعتدلة والقوات الحكومية ستلتزم وقفا تاما لإطلاق النار، وأوضح أن وقف إطلاق النار الذي أبرم بموجب اتفاق تم التفاوض حوله في القاهرة في تموز/يوليو بين العسكريين الروس وفصائل المعارضة، لا يشمل تنظيم داعش وجبهة "فتح الشام" (جبهة "النصرة" سابقا قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة).
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن بين المدن التي يشملها وقف إطلاق النار الرستن وتلبيسة والحولة التي كانت من أوائل البلدات التي شهدت الحركة الاحتجاجية على نظام الرئيس بشار الأسد في 2011. وتسيطر الفصائل المقاتلة منذ 2012 على هذه المدن. وعانت من حصار من قوات النظام واستهدفت بقصف عنيف من مدفعية الجيش السوري وطائراته. وهي ثالث منطقة "لخفض التوتر" تتم إقامتها بعد منطقتين في جنوب غرب سوريا والغوطة الشرقية بالقرب من دمشق.
ومن المقرر إعلان منطقة رابعة في إدلب (شمال غرب) بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه مطلع تموز/يوليو خلال محادثات السلام في أستانة برعاية روسيا وإيران وتركيا. وقال كوناتشنكوف إنه ستتم إقامة حاجزي تفتيش وثلاثة مراكز للمراقبة للشرطة العسكرية الروسية على حدود منطقة خفض التوتر في حمص. وأوضح أن العسكريين الروس سيكلفون خصوصا "الفصل بين الأطراف المتحاربة ومراقبة وقف إطلاق النار وتأمين وصول القوافل الإنسانية وكذلك إجلاء المرضى والجرحى".
وتابع المصدر نفسه أن المعارضة ستقوم من جهتها بفتح الطريق الذي يربط بين حمص وحماة من جهة الطريق السريع ويمر عبر منطقة خفض التوتر. وكانت وحدات من الشرطة العسكرية الروسية نشرت في أول منطقتين لخفض التوتر أنشئتا في تموز/يوليو في جنوب سوريا بالقرب من الحدود الأردنية وفي الغوطة الشرقية المتاخمة لدمشق. بحسب فرانس برس.
وأكد الجنرال كوناتشنكوف أن روسيا التي تقوم بعمليات قصف جوي منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015 دعما للسلطات السورية، "ستبذل كل الجهود الممكنة ليعود السلام في أسرع وقت ممكن إلى الأرض السورية". وأدى النزاع إلى مقتل أكثر من 320 ألف شخص في سوريا وتهجير الملايين منذ اندلاعه في آذار/مارس 2011 عقب خروج تظاهرات تطالب بإصلاحات تعرضت لقمع دام من جانب النظام. وفشلت اتفاقات عدة تم إبرامها لوقف إطلاق النار على مدى الأعوام الماضية في إنهاء النزاع الذي ازداد تعقيدا على مر السنين. لكن المعارضة منيت خلال السنة الماضية بخسائر كبيرة على الأرض، فيما حقق النظام تقدما مدعوما من الجيش الروسي، ما ساهم في إنجاز اتفاقات الهدنة.
3 شروط
من جانب اخر أبدى وزير خارجية أمريكا، ريكس تيلرسون، حرص بلاده على التعاون مع روسيا من أجل استقرار سوريا، مشترطا أن تغادرها القوات الإيرانية، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة. وخلال مؤتمر صحفي عقده، بمقرّ وزارته في العاصمة الأمريكية واشنطن، استعرض خلاله ملخصا لنشاطاته منذ تسلم مهام منصبه قبل 7 أشهر، اعتبر تيلرسون أنّ "العلاقات بين واشنطن وموسكو تضمنت، رغم اضطرابها، تعاوناً في مجال إعادة نوع من الاستقرار إلى سوريا".
وأضاف أنّ بلاده "اشترطت على روسيا انسحاب القوات الإيرانية والمتعاونين معها من سوريا، ومنح السوريين الفرصة لكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة". وشدّد الوزير الأمريكي على أنّ بلاده لم تغير موقفها من النظام السوري، بمعنى أنها ما تزال متمسّكة بعدم وجود مستقبل لبشار الأسد في الحكم بسوريا. وكشف تيلرسون للصحفيين أنه سيجتمع بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، في مانيلاوهو أول لقاء بينهما منذ قررت روسيا خفض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين لديها بواقع 755 فردا.
وأجاب تيلرسون عندما سئل عن قرار موسكو هذا القاضي بتقليص عدد الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في روسيا، بالقول: "بالطبع يُصعب ذلك الأمور علينا". ووفقا له، فإن الكفاح ضد الإرهاب هو المجال الذي يمكن للبلدين أن يتعاونا فيه، على الرغم من أن العلاقات الثنائية الشاملة، حسب قوله هي الآن "تحت الضغط" و" لقد اخترنا سوريا لأنها الإقليم الذي يمكننا أن نحاول العمل فيه معا".
وأكد تيلرسون أن "روسيا والولايات المتحدة تعتبران داعش جماعة إرهابية وتهديدا، ونحن عازمون على الحفاظ على الاستقرار في سوريا". وقال للصحفيين "نحن نتشاطر التقييم العام المتمثل في أن جماعة "داعش تشكل تهديدا لبلدينا، ونحن ملتزمون بالقضاء عليها مع غيرها من الجماعات الإرهابية، وبعد ذلك نحن ملتزمون بالاستقرار في سوريا". وأعتبر الوزير الأمريكي أن "تحرير الرقة عاصمة يجري بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، على الرغم من أنه لا مفر من مواجهة صعوبات في المستقبل". بحسب رويترز.
وبخصوص الحرب على تنظيم "داعش"، لفت تيلرسون إلى أنّ الحرب ضد هذا التنظيم الإرهابي "مستمرة بوتيرة أسرع ممّا كان متوقعًا". غير أنه اعترف في الآن نفسه، بأنّ "الأمر مازال صعباً". وفي ذات الصدد، أشار تيلرسون إلى نجاح الحرب ضد (داعش) في العديد من المناطق العراقية، معلنًا "عودة نحو مليونين من سكانها إلى ديارهم". وفي ما يتعلّق بالأزمة بين الدول الخليجية، قال تيلرسون إن هذه الأزمة "تقلق الولايات المتحدة بشكل كبير، لما تسببه من زعزعة لاستقرار المنطقة، وانقسام في مجلس التعاون الخليجي". وأكد على أن بلاده تعمل مع حلفائها في المنطقة من أجل التصدي لـ "توسّع النفوذ الإيراني"، على حدّ قوله.
طرد الأمريكان
في السياق ذاته قال رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي إن شرعية الوجود العسكري الروسي في سوريا بطلب من الرئيس الأسد، تمنح موسكو نفوذا يخولها حتى القدرة على طرد القوات الأمريكية من سوريا. ونقلت مجلة نيوزويك الأمريكية عن رئيس القوات الخاصة ريموند توماس أثناء تواجده في مؤتمر "أسبين" الأمني بولاية كولورادو الأمريكية، "روسيا حصلت على موطئ قدم لها في سوريا أكثر مصداقية من الولايات المتحدة، وقد تستخدم هذا النفوذ لطرد وإخراج القوات الأمريكية من هناك".
وأوضح توماس، أنه في الوقت الذي تشكل فيه مكافحة الإرهاب أولوية بالنسبة لبلاده، إلا أن القانون الدولي والمواثيق الدولية يمكن أن تمنع الولايات المتحدة من البقاء في سوريا، حيث كان تدخلها وتواجدها غير شرعي، ولم يجر بموافقة من الحكومة السورية التي تتمتع بالسيادة، في الوقت الذي تشارك فيه روسيا أيضا في الحرب ضد "داعش" وغيره من الجهاديين في سوريا، لكنها تدخلت بناء على طلب الرئيس السوري بشار الأسد، وهو أمر من شأنه أن يوفر لموسكو غطاء قانونيا دوليا وقدرة على تقديم قضية قوية ضد الولايات المتحدة ومطالبتها بالمغادرة، "إذا لعب الروس بهذه الورقة فلن تكون لدينا القدرة على البقاء هناك".
ولفت توماس إلى أن الولايات المتحدة وروسيا تشتركان في محاربة داعش إلا أن كلا منهما تدعمان فصائل مختلفة لديها وجهات نظر متعارضة حول مستقبل سوريا السياسي. فمن جهتها تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية، التي قال توماس إن القوات الخاصة الأمريكية ساعدت على تغيير اسم قوات تابعة للأكراد لتغدو حاليا باسم "قوات سوريا الديمقراطية" لتنأى بنفسها عن وحدات حماية الشعب القومية الكردية YPG، من جانب آخر أكد توماس في المقابلة أن وكالة المخابرات المركزية قطعت علاقاتها مع الجماعات "المتمردة" المسلحة السورية الأخرى التي تحاول إسقاط الأسد منذ عام 2011.
وتابع توماس أن الأحداث الأخيرة في سوريا، ومنها استهداف التحالف لعناصر تابعة لقوات الحكومة السورية جنوب البلاد، وإسقاط طائرة عسكرية سورية في الشمال، قد واجهت غضبا وانتقادا كبيرا من قبل روسيا التي اعتبرها توماس بمثابة "مطالب قريبة" أو إشارات قد تؤدي في نهاية الأمر إلى قيام روسيا بتوجيه استجواب حول الوجود الأمريكي والمساءلة القانونية لهذا التواجد في سوريا بمجرد هزيمة "داعش" والقضاء عليه في الأراضي السورية.
اضف تعليق