احتجاجات مدينة هامبورغ الألمانية التي حولت شوارعها، إلى أكبر مسرح للعنف والفوضى خلال عقد قمة مجوعة العشرين، أثارت الكثير من الأسئلة والآراء، حيث احتدمت وبحسب بعض المصادر خلافات السياسية حول أسباب تحوّل هذه المدينة الألمانية الى ساحة للغوغاء، ولماذا اختارت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل التي تواجة اليوم الكثير من التحديات والأزمات، هذه المدينة التي تعتبر معقلا للتشدد اليساري لعقد هذه القمة.
ودانت صحيفة بيلد الواسعة الانتشار بشدة اعمال العنف التي قام بها يساريون ومتشددون فوضويون، حيث اضرموا النار في السيارات، ونهبوا محلات تجارية، والقوا الحجارة والزجاجات على شرطة مكافحة الشغب. وقالت الصحيفة "رغم انه يجب على المرء ان يستخدم عبارة فشل الدولة بحذر، إلا ان هذا الوصف ينطبق على هامبورغ"، واصفة القمة بأنها "كارثية". وأضافت "بالطبع الشرطة بذلت كل ما في وسعها. ولكن الغوغاء سيطروا على الشارع. واختفى من شوارع هامبورغ شعور الامن الذي يجب أن تضمنه الدولة". وقالت الصحيفة "الرسالة الرهيبة التي بعثت بها هامبورغ هي: عندما تريد الغوغاء ان تحكم فإنها تحكم".
وألقت إحدى نقابات الشرطة باللوم على ميركل وكذلك على رئيس بلدية هامبورغ اولاف شولتز لسماحهما بحدوث هذه الفوضى التي أدت الى إصابة أكثر من 200 رجل شرطة وعدد غير معروف من المحتجين، وانتقدت اختيارهما لهذه المدينة لعقد القمة. وصرح جان راينيك رئيس نقابة الشرطة لمجلة "دير شبيغل" ان "السياسيين يتحملون المسؤولية الكاملة عن اصابة هذا العدد من رجال الشرطة وعن الدمار في أنحاء المدينة".
وجاءت الانتقادات كذلك من معسكر ميركل المحافظ حيث قال السياسي في حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي هانز بيتر اوهل ان "قمة مجموعة العشرين كان يجب أن لا تعقد مطلقا في مدينة يسكنها الملايين مثل هامبورغ مما يجعل من الصعب ضبط الامن". وظهرت مؤشرات على حدوث مشاكل اواخر العام الماضي، حيث علقت ملصقات على الجدران توعدت ب "تحطيم قمة العشرين" وكتب على بعضها "اهلا بكم في الجحيم" وهو نفس عنوان اول احتجاج جرى وتحول بسرعة إلى اشتباكات في الشوارع. وتدل هذه الاحداث على هوية هامبورغ المزدوجة كمدينة ثرية وفي الوقت ذاته تعتبر معقلا للنشاط اليساري منذ عقود والمدينة الاشهر للأشخاص الذين يستولون على المنازل غير المأهولة.
وجرى نحو 30 احتجاجا منفصلا معارضا لقمة مجموعة العشرين شملت مسيرات سلمية وحفلات على وقع موسيقى التكنو، وحواجز طرق غير عنيفة. وقال تحالف "امنعوا مجموعة العشرين" الذي يحمل قادة المجموعة مسؤولية مآسي العالم من حروب وفقر وتغير مناخي، ان الاحتجاجات مثلت "انتصارا" حيث أنها عطلت الوفود واحتجزت السيدة الاميركية الاولى ميلانيا ترامب في مسكن على شاطئ احدى البحيرات لمدة ساعات.
عربدة العنف
وفي هذا الشأن عبر الألمان عن غضبهم بشأن العنف الذي استهدف قمة زعماء مجموعة العشرين في هامبورج مما أثار أسئلة حرجة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل الانتخابات العامة. ووجد نحو 20 ألف شرطي صعوبة في احتواء بضع مئات من المناهضين للرأسمالية الذين أضرموا النار في سيارات ونهبوا متاجر ورشقوا الشرطة بالقنابل الحارقة والحجارة خلال القمة. وتظاهر عشرات الآلاف الآخرين سلميا.
وتعرض نحو 476 شرطيا لإصابات تتراوح من الجروح إلى الحروق الناجمة عن الألعاب النارية والاضرار بالعين من أجهزة توجيه أشعة الليزر. وقالت الشرطة إنها ألقت القبض على 186 شخصا واحتجزت 225. وأفردت الصحف الألمانية مساحات لصور الشرطة وهي تطلق مدافع المياه على الفوضويين الملثمين والمحتجين الآخرين أكبر مما أفردت للمساعي الدبلوماسية التي بذلتها ميركل مع قادة الاقتصادات العالمية الكبرى.
ووصفت صحيفة تاجيشبيجل الأحداث بأنها "إحراج لألمانيا". وكتب الصحفي جيرد ناواكوفسكي في الصحيفة "صور أفراد الشرطة العاجزين عن فرض الأمن والنظام في الدولة وحماية الممتلكات تمثل كارثة سياسية". ونشرت صحيفة بيلد ام زونتاج واسعة الانتشار صور الملثمين والساسة على صدر صفحاتها مع عنوان يقول "المجرمون والخاسرون" وفي الداخل وصف أستاذ للعلوم السياسية المشاهد بأنها "عربدة العنف".
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة إميند أن أغلبية من الألمان تبلغ 59 في المئة يعتقدون أن أعمال الشغب تضر بصورة بلادهم حتى على الرغم من أن العنف استهدف فيما مضى عددا من الاجتماعات الدولية في أنحاء العالم. واضطرت ميركل للدفاع عن اختيارها لهامبورج قائلة إن مدنا أخرى مثل لندن استضافت اجتماعات مماثلة. وهامبورج هي مدينة ساحلية وثاني أكبر مدن ألمانيا ولديها تاريخ من نشاط الجماعات اليسارية المتشددة. وكانت كذلك موطنا لخلية القاعدة التي نفذت هجمات 11 سبتمبر أيلول على أهداف أمريكية في 2001.
وكانت ميركل تريد أن تظهر لشركائها في مجموعة العشرين، بمن فيهم الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، التزامها بحرية التعبير ورفضت فكرة أن بعض المدن لا تصلح ساحة لعقد قمة. وأتت تلك الاستراتيجية بنتائج عكسية. فقد كتب معلق في بيلد ام زونتاج قائلا "أكاد أتنفس غضبا لأن المستشارة ميركل ورئيس بلدية هامبورج (أولاف) شولتز هونا من شأن أعمال الشغب الوحشية ووصفاها فقط بأنها غير مقبولة". بحسب رويترز.
وحمل الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي يلي المحافظين بزعامة ميركل بما بين 12 و15 نقطة في استطلاعات الرأي، ميركل المسؤولية عما حدث. وقال رالف شتينجر أحد نواب الحزب لمؤسسة (آر.إن.دي) الإعلامية "الدعوة لمجموعة العشرين وجهتها المستشارة. لقد كانت المضيفة...أما أن يلقي بعض المحافظين حاليا بالمسؤولية على كاهل الحزب الديمقراطي الاشتراكي وأولاف شولتز فهذا ترخص وابتذال".
ميركل تدافع
من جانب اخر دافعت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل عن صواب قرارها باختيار مدينة هامبورغ لعقد قمة مجموعة العشرين رغم الاحتجاجات التي شهدتها المدينة والتي كانت عنيفة في بعض الأحيان. وقالت ميركل لقناة "ايه آر دي" التلفزيونية "جرت أشياء غير مقبولة. لا أتهرب من مسؤوليتي". وسعت المستشارة إلى تهدئة ازمة سياسية نشبت بسبب عقد القمة في هامبورغ، والتي اشتبكت خلالها جماعات من الفوضويين مع شرطة مكافحة الشغب وأحرقوا سيارات ونهبوا محال تجارية فيما كان قادة العالم يناقشون المناخ والتجارة ويستمتعون بحفل لموسيقى بيتهوفن.
وحمل نواب من حزبها، الاتحاد المسيحي الديموقراطي، رئيس بلدية هامبورغ أولاف شولتز المسؤولية معتبرين أنه فشل في تأمين حماية كافية من الشرطة. وانتقد آخرون ميركل نفسها لاختيارها هامبورغ، ثاني أكبر المدن الالمانية، مكاناً لاستضافة القمة. وقالت ميركل "الحكومة الفدرالية هي التي كانت المضيفة. من الواضح أنه كان ينبغي أن تعقد القمة في مدينة كبيرة، وسررت لموافقة أولاف شولتس" على عقدها في هامبورغ. وأضافت "أوضحت لأعضاء حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي في هامبورغ أنني أعتقد أنهم على خطأ" في انتقادهم شولتس. وبعيدا عن صور النيران المشتعلة التي تناقلتها وسائل الإعلام، أعربت ميركل عن رضاها بنتائج المحادثات التي جرت بين قادة الدول والحكومات.
الى جانب ذلك اعتذر رئيس بلدية مدينة هامبورج الألمانية أولاف شولتس لسكان المدينة عن أعمال العنف التي شابت قمة مجموعة دول العشرين. وواجه نحو 20 ألف شرطي صعوبة بالغة في السيطرة على عنف مئات من المتشددين المناهضين للرأسمالية الذين أحرقوا العديد من السيارات ونهبوا المتاجر ورشقوا الشرطة بالقنابل الحارقة والحجارة خلال القمة. وشارك آلاف آخرون في مظاهرات سلمية.
وقال شولتس، وهو عضو كبير بالحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي كان ينظر له باعتباره زعيما محتملا للحزب قبل أعمال العنف، إنه لم يكن من الممكن ضمان الأمن في كل أرجاء المدينة طوال يومي القمة. وأضاف قائلا "أعتذر لشعب هامبورج عما حدث". وساعدت بيئة هامبورج الكثيفة والحضرية نحو ألف متشدد يساري على الانتشار والاختفاء بسهولة بعدما نشروا الفوضى. وألقى شولتس، الذي طالبه المحافظون في المدينة بالاستقالة، باللوم في العنف على "غوغائيين مجرمين" قال إنهم سعوا إلى الإضرار بالمواطنين. وقال "أنا سعيد لعدم وفاة أحد".
مثيرو الشغب مجانين
على صعيد متصل قال لاجئون عرب شاهدوا أعمال شغب مناهضة لقمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورج الألمانية من موقع آمن نسبيا عند متجر صغير لبيع الفلافل إن مثيري الشغب "مجانين" لأنهم يدمرون مدينتهم التي تتبنى التسامح وأبدوا دهشة مما وصفوه بضبط النفس من جانب الشرطة في مواجهتهم. وقال إبراهيم علي (29 عاما) وهو مصري جاء إلى المدينة في 2011 "إذا فعل الناس ذلك في مصر سيطلق عليهم الرصاص... الدولة هنا توفر كل شيء: إسكان وإعانة بطالة وتعليم. وبعد كل ذلك هؤلاء الناس ليسوا راضين. لا أفهم ذلك".
وكان علي ولاجئان آخران، سوري ومصري، يقدمون الجعة والفلافل والحمص وسلطة التبولة وأطعمة أخرى من الشرق الأوسط للمحتجين الذين بدأوا يغادرون منطقة شتيرنشانزه فيما بدأت وحدات خاصة من الشرطة تتدخل ضد مثيري الشغب. وقال محمد الحلبي (32 عاما) وهو سوري وصل إلى ألمانيا كلاجئ قبل نحو 18 شهرا "إنهم مجانين. لا أصدق عيناي... لديهم مثل هذا البلد الجميل ويدمرونه". وقال الحلبي الذي لم يمتلك زمام اللغة الألمانية بعد إنه يتابع أعمال القمة ليرى فقط إن كان القادة العالميون فيها سيخرجون بحل لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا.
وقال إن توقعاته لم تكن كبيرة وبالتالي لم يصب بالإحباط عندما قرأ على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الجمعة أن الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين اتفقا على وقف لإطلاق النار في جنوب غرب سوريا. وقال الحلبي "إنها مزحة. ليسوا جادين... إنهم مهتمون فحسب بالحفاظ على مصالحهم الخاصة في سوريا والشرق الأوسط". بحسب رويترز.
وفي الوقت الذي توقف فيه الحلبي عن تقديم الفلافل للزبائن ركض نحو الميدان حيث أضرم مثيرو الشغب النيران في حواجز للطرق والتقط صورا للشرطة وهي تطلق مدافع المياه. وقال وهو يتبادل الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع أفراد أسرته الذين يعيشون في تركيا "هذا لا شيء. لست خائفا... عندما تسقط قنابل على حيك .. هذا الذي يمكن أن تعتبره مخيفا".
اضف تعليق